الحجاب فرض طقسي بيئي سابق للأديان ..؟

مصطفى حقي

2010 / 2 / 14

السؤال الذي يطرح نفسه ، هل من إنسان يملك إرادة نفسه ويتمتع بحريته يرضى
ويقبل العيش والحياة في أرض قاحلة رملية شديدة الحرارة نهاراً وباردة
ليلاً وتخلو من أي نهر سوى من بعض الآبار تقطن حولها جماعة ( قبيلة)
يستقون من مائها ويتخذون المكان موطناً حتى تهاجمهم جماعة أقوى( قبيلة)
وتذبح رجالهم وتسبي نساءهم وأبناءهم وأموالهم ( مواشي وخيول وحمير وجمال
) شريعة الغاب والحق للقوي ... وأما قوة الطقس الرهيبة في مثل هذه
الأمكنة فإنها تفرض سطوتها وجبروتها على نوعية اللباس الذي يرتديه ساكن
الصحراء من لباس خشن وتغطية للرأس وحتى العينين من لسع حرارة الشمس
العالية ولسعات الرمال الحارقة التي تذروها الرياح وتتسلل إلى شعر الرأس
في حال عدم تغطيته فجبروت البيئة وسطوته مفروض على الجميع ذكوراً وإناثاً
صغاراً وكباراً وعلى مر الزمن تحوّل الجبروت الطقسي إلى عادة ملزمة وزياً
شعبياً ، وفي سيبيريا حيث ينعكس الطقس سلباً وتهبط الحرارة إلى 40 تحت
الصفر وندف الثلج والهواء القارس تلسع الأجزاء المكشوفة من جسم الإنسان
ويضطر وبالرغم عنه وتنفيذاً لجبروت الطقس إلى ستر جسده بالكامل تحت ستار
من فروً حيواني دافيء يقيه زمهرير الهواء المهدد بالموت تجمداً فالخالق
وبطريقة غير مباشرة أوعز للطقس والبيئة الحارة والباردة إلى التزام
إ لحجب جسده ورأسه ووجهه اتقاءً من حرارة حارقة أو من برد يجمد .. وعليه
فإن ساكني هذه المناطق الحارة والباردة قد التزموا باللباس الواقي بالرغم
عنهم تنفيذاً للجبروت الطقسي مع رد فعل عكسي في مناطق الغابات الحارة
والتي تولد رطوبة شديدة بحيث لا يطيق الإنسان أي لباس مما أرغم الطقس
الاستوائي الإفريقي فرضية العري من اللباس ذكوراً وأناثاً وصغاراً
وكباراً وأما في المناطق المعتدلة طقسياً فلم يكن هناك من حاجة إلى تغطية
الرأس وسماكة القماش الساتر للجسد ونسبة المستور من الجسد ، وبذلك تنوعت
العادات والتقاليد في الملبس وفقاً للمناخ والطقس السائد فيه ... ولما
كان الرسل جميعاً قد أرسلوا والآديان قد جاءت في هذه البلاد الصحراوية
وبخاصة الإسلام فمسألة الحجاب كان مفروغاً منه لأنه كان عرفاً وتقليداً
راسخاً وزياً شعبياً ملزماً بيئياً وطقسياً ولا حاجة لآيات ملزمة لأمر
مفروغ منه إرادياً ، ونستنتج من آيات الحجاب الثلاث خصوصيتها لأحداث
ووقائع حياتية احتماعية ، منها ما تتعرض لها نساء النبي من الزائرين
والمراجعين والبصاصين لبيت الرسول حيث زوجاته سافرات لوجودهن في منزل
حصين وبناء على مشورة الأصحاب نزلت الآية التي تعني التستر خلف حجاب (
ساتر) لنساء النبي من الغرباء :... وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ
وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا
أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا .....) ثم حاءت مشكلة
تعرض نساء الرسول وغيرهن إلى التحرش عند خروجهن لقضاء الحاجة حيث كانت
البيوت تفتقر إلى ( المراحيض) فكان الشباب يترصد تلك الحالات ليشبع نهمه
بالتفرج وأحيانا بالتحرش فطلب من نساء الرسول والمؤمنين أن يعلّموا
أنفسهم بحجاب أو علامة ليفرق الشباب بين نساء النبي ونساء المسلمين
الحرائر ليفرقوهن عن الإماه ويتحاشوهن ويكتفون بالتخرش بالإماه وكان عمر
إذا صادف أمة محجبة نزع عنها الحجاب وضربها والأية : قوله تعالى:
"يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ
ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ، ذٰلِكَ
أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً
رَّحِيما" (الأحزاب 59).ومنها يتضح خصوصية هذه الأية أيضاً وعدم شموليتها
وكذلك ماجاء في الأية الثالثة : ، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ
جُيُوبِهِنَّ.. أترك شرح هذه الأية لمحمد عابد الجابري عبر مقاله الحجاب
.... قول فيه مختلف : أما عن قوله تعالى" وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ
عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ"، فيقول المفسرون: إن الخمار ثوب تضعه المرأة على
رأسها كله أو بعضه وتتركه يتدلى على ظهرها، وأما "الجيوب" فهي جمع "جيب"
وهو فتحة العنق في القميص قد تطول إلى الصدر وقد تقصر، وقد اختلفوا هل
المطلوب من المرأة أن ترخي الخمار على وجهها وصدرها أم تلفه من وراء
ظهرها وتحت إبطها ليتغطي به الجيب على الصدر. واختلف المفسرون أيضا في
تحديد الفرق بين "الزينة الظاهرة" و"الزينة الباطنة". فمنهم من حصر
الزينة الظاهرة في الثياب فقط تلقيه المرأة على جسمها كله، ومنهم من جعل
الزينة الظاهرة تشمل الوجه والكفين، ومنهم من أضاف الذراع أو نصفه وذكروا
في هذا حديثا نبويا. كان منهم من اعتبر الضرورة فأباح للمرأة أن تبدي من
أعضائها حسب الحاجة، كما هو الحل في الفحص الطبي والتوليد وعندما تعجن
الخبز أو تغسل الثياب أو تتحدث مع الرجال. وقد صاغ ابن عطية ذلك بعبارة
عامة فقال: "ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تُبدي، وأن
تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة
حركة فيما لا بدّ منه، أو إصلاح شأن ونحو ذلك. فـ«ما ظهر» على هذا الوجه
مما تؤدّي إليه الضرورة في النساء فهو المعفوّ عنه".( انتهى) في كل
الأحوال المتشددون يصرون على عمومية الحجاب متناسين عن الفرضية الطقسية
والعرفية للحجاب والتحجب بفعل عوامل البيئة .. لتغطية الرأس رجالاً
ونساءً وأطفالاً ولكن دون حجب العقل وان الخالق الذي أنعم على الإنسان
ميزة الفكر والتفكير دون المخلوقات الأخرى لن يسلبه هذه الميزة بخرق
قماشية لاتقدم ولا تؤخر في زمن تجاوز فيه الخرق القماشية إلى العلوم
الخارقة وفق العقول المفكرة وليست تلك المجمدة في دهاليز التخلف ..



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة