- ماراثون - القطيف في معرض الكتاب في الرياض

نجيب الخنيزي
na_alkhonaizi@yahoo.com

2010 / 4 / 4

" الطامة الكبرى والتي تؤدي إلى الكارثة في مجتمع المتدينين ، تظهر عندا تضفى قداسة الدين ومطلقيته على تصورات الإنسان عن الدين ، مع أنها تصورات زمانية – مكانية محدودة ونسبية وقابلة للخطأ . ثم يعتقد الشخص أو الأشخاص المحدودون أن ما توصلوا إليه إنما هو عين الدين والديانة ، بل ويخيل أليهم آنذاك أن الشخص الذي يعتقد الاعتقاد هذا لهو مثال المتدين الحق . ومن هنا تنجم أكثر حملات التكفير والرمي بالفسق والفجور فضلا عن الصدام والعراك " (1 )
إتيح لي قبل أسبوعين حضور بعض فعاليات معرض الكتاب الذي أقيم في الرياض ، وقد استمتعت بالرفقة الحميمة والثرية ( ذهابا وإيابا و طيلة فترة إقامتي هناك ) التي جمعتني مع المفكر والشاعر الكبير محمد العلي والشاعر والأصلاحي البارز علي الدميني . في ردهة الفندق ألذي أقمنا فيه جمعتنا لقاءات وحوارات متنوعة مع العديد من المثقفين والكتاب والأكاديميين السعوديين على أختلاف انتماءاتهم ومشاربهم الفكرية والثقافية . كانت التساؤلات والاستفسارات والنقاشات من قبلهم منصبة حول فهم حقيقة ما حدث في المهرجان الثاني للبيئة في القطيف وخصوصا تداعيات الماراثون المختلط . الكثيرون منهم أعتز بصداقتهم القديمة و الحميمة ، وقد سبق أن استضافتهم ديوانية الملتقى الثقافي ألتي أتشرف بكوني أحد المشرفين عليها ، وهم متعاطفون مع قضايا ومطالب وحقوق الشيعة ، كما لهم مواقفهم وكتاباتهم الواضحة والصريحة على هذا الصعيد ضد أطروحات الفكر الديني ( السلفي ) المتشدد و ألإقصائي الذي يكفر ويلغي الأخر من منطلقات مذهبية و أيدلوجية متزمتة و منغلقة ، موجها سهامه تارة ضد الشيعة الذين يفسقهم ويخرجهم من الملة ويكفرهم من جهة ، ولا يتوانى من تفسيق وتبديع وتكفير طيف واسع يشمل شخصيات وطنية وفكرية وثقافية لها توجهاتها المختلفة والمغايرة ، ولها إسهاماتها العلمية والفكرية والإبداعية المتميزة في بلادنا من جهة أخرى . مستندين في ذلك إلى شعارات وعناوين دينية مخاتلة مثل محاربة البدع و التغريب والعلمانية والليبرالية ، والدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر و الحفاظ على " بيضة الإسلام " ومبادئ العقيدة الدينية " السلفية " الصحيحة . كانت تساؤلات ونقاشات الأصدقاء في الرياض تنصب على التالي : من خلال تتبعنا لمجريات الهجوم الشرس والحا د ضد الأخر المختلف بوجه عام وضد حقوق المرآة بوجه خاص كما تمثل في ما تعرضت له السيدات والشابات المشاركات في مارثون القطيف من هجوم و حملات تحريض وشتائم دونية من قبل ما وصفوه بالسلفية " الشيعية " المتزمتة / الإستئصالية وأنصارها ، مضيفين أنه واضح لديهم إن غالبيتهم من المجاهيل أو تحت أسماء مستعارة ، كما توقعوا وجود اختراقات من قبل جهات معينة لبعض المواقع كما هو الحال مع العديد من المواقع الإسلامية والليبرالية المعروفة لديهم وذلك بهدف التأجيج وتصفية بعض الحسابات القديمة / الجديدة .معتبرين هذا الهجوم المنفلت وغير المبرر ، في طبيعته لا يختلف على الإطلاق من حيث المحتوي والجوهر وحتى الشكل عن ما تعرضت له الشخصيات العاملة في الشأن العام و لجملة المناشط الثقافية والأدبية والاجتماعية المغايرة للذهنية المتزمتة في مناطق مختلفة في المملكة من اتهامات التفسيق والتبديع ونشر الرذيلة ، ناهيك عن إطلاق فتاوى وتصريحات وبيانات التكفير ضد الدولة و ومكونات مذهبية وتيارات ثقافية وفكرية وأدبية لها وزنها ودورها الفاعل في المجتمع ، والذي وصل ذروته في ألتخطيط لأعمال إجرامية من قبل تنظيم القاعدة وأنصارها ضد أهداف ( الحديث كان قبل اكتشاف الشبكة الإرهابية الأخيرة ) اقتصادية وأمنية وشخصيات فكرية وإعلامية وثقافية في بلادنا . الموقف ألإقصائي المتزمت في الحالتين له جذر مشترك واحد ، في تعبيراته وتجلياته الفكرية والأيدلوجية ، وفي ممارساته العملية إذ يتجه نحو إقصاء الأخر المختلف بوجه عام ، غير إن رأس حربته مصوبا على الدوام وبشراسة قل نظيرها ، إزاء حقوق المرآة ومشاركتها ومساواتها مع الرجل في شتى مناشط الحياة العامة والخاصة ، وذلك تحت مسوغات الحفاظ على العفة وحرمة كشف الوجه و الاختلاط الذي يفتح الباب أمام " غواية " الشيطان كما تمثل في فتاوى التبديع والتفسيق من قبل بعض المشايخ ورجال الدين بحق النساء اللواتي قدن السيارة في الرياض العاصمة في 6 نوفمبر عام 1990 وفي جملة الفتاوى التكفيرية ألتي تلتها وحتى وقتنا الحاضر . وضمن هذا السياق كان موقفهم العدائي من قيام جامعة الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية ومعرض الكتاب في الرياض والعديد من المناشط الاجتماعية والثقافية والأدبية في بلادنا والتي وصلت إلى حد توجيه تهديدات بالقتل ضد بعض المثقفين والمثقفات .
وجهة نظرهم وأنا أتفق معهم فيها أنه ليس هناك من فارق يذكر على هذا الصعيد بين مواقف السلفية ( السنية والشيعية ) المتشددة ، سوى في وجود مرتكزات ومكامن قوة وسلطة ( مادية ورمزية ) يمتلكها طرف أكثر من الطرف الأخر . كان السؤال الفاقع الذي سمعته هو : كيف تتسق مطالبة الشيعة بتفهم وتبني قضاياهم ( كأقلية ) وحقوقهم العادلة من قبل الدولة والمجتمع ، وخصوصا تعاطف الإسلاميين المعتدلين من السنة والليبراليين السعوديين على وجه العموم ، في الوقت الذي يوجد بين صفوفهم البعض ممن هو في منزلة المتشددين والمتزمتين والطالبانيين لدينا ، في رفضهم للتعددية والتسامح والقبول بالأخر المختلف الموجود منذ عشرات السنين بين ظهرانيهم ؟ إجابتي تمحورت حول التالي : علينا التفريق بين مكونات الحالة الشيعية العامة ، هناك الفكر الديني الحوزوي / التقليدي المنشغل بالتفسير والفتوى والمعاملات الفقهية والعبادات ، كما له تأثير واضح في الشأن المحلي و الوطني العام وحملة هذا الفكر موجودون بقوة في الحوزات الدينية الرئيسية ويمثله المراجع الكبار ووكلائهم ومقليدهيم وهم يمثلون أغلبية الشيعة ، ومن أبرز المراجع الشيعية آية الله السيد السيستاني المعروف بمواقفه المنفتحة والمعتدلة إزاء مكونات الشعب العراقي المختلفة ، و يمثل صمام أمان لجميع العراقيين . من هنا نستطيع القول بأن الغالبية الساحقة من الشيعة بما في ذلك المحافظون منهم يغلب عليهم الاعتدال والوسطية والتسامح في الشأنين الديني والاجتماعي، والابتعاد عن التطرف والتشدد المبالغ فيه إزاء الأخر المختلف. من جهة أخرى هناك الإسلام السياسي أوالحركي العريض ، ويتسم بقوة الحضور الجماهيري والقدرة على التعبئة غير أنه بات إطارا عاما متعدد الألوان والمشارب والتوجهات السياسية والفكرية وهو يتسم بوجه عام بالواقعية السياسية والاجتماعية ، والانفتاح والتفاعل مع المكونات الفكرية والأجتماعية الأخرى بما في ذلك من يوصفون بالليبراليين أو اليساريين السابقين ،حيث ضمهم نشاط ونضال وتنسيق مشترك قديم ، ويضم هذا التيار الإسلامي العريض العديد من رجال الدين المتنورين وفي مقدمتهم سماحة الشيخ حسن الصفار و بعض الكتاب والمفكرين والأكاديميين والشخصيات الاجتماعية والحقوقية البارزة المعروفة على الصعيدين المحلي والخارج . بالتأكيد هناك قوى وجماعات دينية صغيرة وهامشية تتسم بالتزمت والتشدد ، والجمود والتطرف والإقصاء للأخر ويعتقد بأنها المسؤلة عن التصعيد الأخير لعلها تفوز بمغنم رخيص قد يعزز نفوذها و مكانتها الهشة في المجتمع . التطرف والتشدد والاستئصال موجود على الدوام ، باعتباره ظاهرة تاريخية عامة وجدت على الدوام لدى أتباع الأديان والمذاهب المتفرعة عنها ، كما تتجلي في الفلسفات والأفكار الوضعية / العلمانية كافة ، وتلك الظاهرة لها أسبابها الموضوعية ( الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والأيدلوجية والثقافية والنفسية ) والذاتية المختلفة ، غير إن قوى التطرف والتشدد والتزمت والجمود والتخلف كانت في الغالب منحصرة بين فئة قليلة ، رغم إنها قد تمكنت من السيطرة ومد نفوذها مرحليا ولفترات زمنية ، و ضمن أوضاع وظروف خاصة في عدد من مجتمعات وبلدان العالم ، كما هو الحال مع الأنظمة ( الفاشية والنازية والستالينية والدينية ) الشمولية البائدة و بعض الأنظمة القليلة المشابهة التي لا تزال موجودة ، كما لا يزال لها بعض النفوذ وتمتلك حضورا وصوتا عاليا وخصوصا في بعض البيئات المتأخرة في البلدان والمجتمعات العربية والإسلامية ( ومن بينها السعودية ) في الوقت الراهن ، مستفيدة من حال الفراغ والإقصاء والقمع ألذي مورس على مدى عقود ضد جميع المكونات السياسية والفكرية الحديثة . لكن هناك الكثير من المؤشرات الدالة تفيد ، بأن قوى التطرف والتكفير و والإقصاء والتشدد ، تحت أي عنوان ديني أو رداء مذهبي هي في تراجع وانحسار مستمرين ، وأشرت هنا إلى نتائج الانتخابات الأخيرة التي حصلت في إيران والعراق والكويت ، وغيرها من البلدان العربية والإسلامية ، و ما هجومهم الغوغاوي والصاخب والعدواني إزاء المارثون المختلط إلى تعبيرا وأسلوبا بائسا ويائسا ومستميتا للدفاع عن مواقعهم ومصالحهم الاجتماعية وامتيازاتهم الفئوية المهددة ، و التي راكموها من خلال تعميم ثقافة أبوية / ذكورية ، مرتكزاتها التجهيل والحصار الاجتماعي / الثقافي . تحت حجة وذريعة الدفاع عن الدين و المقدس وصحيح المذهب والدفاع عن العفة والأخلاق والتقاليد والممارسات الأجتماعية ( البالية ) يستثيرون المشاعر ويشحنون العواطف الدينية لدى بعض البسطاء والسذج من الناس ليس ضد من يعتبرونهم من الليبراليين والعلمانيين والتغريبيين فقط بل ضد مرجعيات و شخصيات دينية ( إصلاحية ) بارزة مثل ما حدث ضد السيد محمد حسين فضل الله ، والشيخ محمد جواد مغنية ، وآية الله ( الراحل ) حسين منتظري ، وآية الله ( الراحل ) السيد محمد الشيرازي ، وآية الله يوسف صانعي والدكتور ( الراحل ) علي شريعتي الذي يعتبر أحد منظري الثورة الإسلامية في إيران والشيخ الدكتور محسن كديور وغيرهم . ونشير هنا إلى تنظيم " الفرقان " وهو تنظيم ديني شيعي متطرف في إيران ، كان مسئولا عن اغتيال الدكتور مرتضى مطهري عضو مجلس قيادة الثورة في إيران في عام 1979 و أحد القيادات الفكرية البارزة في الحركة الإسلامية ، إلى جانب العشرات من القيادات الدينية والفكرية والسياسية البارزة ، وهناك حماعة دينية متطرفة ( الحجتية ) ترفض وتكفر بشدة مفهوم قيام الدولة ( المدنية أو الدينية ) أو المشاركة فيها ، وبأن قيام الدولة هي مسؤلية ومهمة الحجة " المهدي المنتظر " . وفي العراق قضت قوات الأمن العراقية في ظل حكومة المالكي السابقة على تشكيل مسلح شيعي متطرف تحت مسمى " جند الإسلام " كان يعتزم تنفيذ عمليات قتل وتدمير واغتيال بحق شخصيات دينية وسياسية شيعية بارزة ، وهناك العديد من التنظيمات والمليشيات المماثلة في العديد من الدول . كما نتوقف إزاء القمع والإرهاب الذي طال مئات الآلاف من المتظاهرين المدنيين في إيران و أدى إلى مقتل وجرح واعتقال الآلاف منهم على يد قوات الأمن والباسيج ، إلى جانب صدور أحكام جائرة بالإعدام والسجن لمدد متفاوتة للعديد من الإصلاحيين ، ناهيك عن ترهيب ومحاصرة رموز وشخصيات الصف الأول من القيادات الدينية والسياسية ألتي أسهمت بفاعلية في الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية . بل لا يتوانى بعض المتشددين من المحافظين مثل آية الله مصباح يزدي في الدعوة إلى نسف ألنظام الجمهوري باعتباره بدعة غربية وإعدام كل المعارضين للنظام الحاكم في إيران . وصف العديد من رجال الدين وزعماء الإصلاح في إيران تلك الانتهاكات بأنها ممارسات تذكرهم بحكم طالبان في أفغانستان. أتكلم هنا عن الفترة الراهنة المعاصرة ، حيث لا يتسع المجال هنا لاستعراض التاريخ القديم والوسيط ، لكن أشير إلى ماحدث في مطلع القرن المنصرم في إيران من مواقف متقابلة ومتعارضة بعنف في الوسط الحوزوي ( الشيعي ) وفي داخل المجتمع الإيراني بين أنصار الحركة الدستورية ( المشروطة ) و منظري ( المستبدة ) السلطة الاستبدادية . غير إن تلك الحركات والمواقف السلفية ( الشيعية ) المتشددة كانت بوجه عام تعد هامشية أو تراجعت مواقعها مقارنة بالمنحى العام للحراك الشيعي ، حيث أتسم الفكر الشيعي تاريخيا بالحيوية والتجديد والاجتهاد الفقهي والتجاوز لكثير من المسلمات القديمة / البالية ، القارة في العقل الديني المتزمت والذهنية والممارسة الدينية الشعبية . وفي الواقع لا يمكن فصل النزعة العقلانية / الفلسفية / الصوفية في الحضارة العربية / الإسلامية عن دور الفرق والتكوينات والشخصيات الشيعية .
هناك بدايات ومؤشرات واعدة لبروز وظهور إسلام ( شيعي ) مدني يرفض الإقصاء والتهميش للأخر ، و يحترم ويتقبل الاختلاف والتعددية والخيارات المتنوعة في المجتمع ، ويسعى بالمشاركة مع الآخرين إلى بناء الدولة المدنية الحديثة المستندة إلى المبادئ الدستورية وقيم المواطنة و الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان والتي تشمل بالضرورة تحرر المرأة من قيود الأسر والذل والتبعية والوصاية ( تحت أي شعار أو مسمى ) ومساواتها مع الرجل في جميع المجالات المتاحة . وللحديث صلة

( 1) من كتاب "مطالعات في الدين والإسلام والعصر" للرئيس الإيراني ( الإصلاحي ) السابق د. محمد خاتمي .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة