الصغيرة بين البراءة وتسلط الأولياء

غاده جمشير
ghadajamsheer@hotmail.com

2010 / 6 / 26

لا يزال الألم يعصرني ، والحيرة تطاردني ، وقلبي يذوب ألما على تلك الصغيرة التي يزوجونها وهي في سن صغيرة ، في زهرة عمرها الجميل ، وحياتها البريئة ، وطفولتها التي ترسم المستقبل الجميل ، في ما يسمونه بالقفص الذهبي وهي في عمر الزهور، وليس لذلك مستند علمي أو شرعي أو حتى اجتماعي، كل ما في الأمر أن الأب ، الذي يفترض أن يكون أرأف الناس وأرحمهم بابنته ، تراه أول من يبادر بتزويجها، بل بيعها، بحجة الستر، وهو يبتغي وراء ذلك المال الوفير، وملء بطنه بالسحت ، أو لكي يتحرر من مسؤولياته ومصروفات البنات، وكأنهن لسن من صلبه ، بحجة ان الإنفاق على البنات قد غدا أمرًا عسيرًا ، وأن حسن التربية وتعليمها من الصعوبة بمكان .


والأدهى والأمر أن من يقف من وراء اولئك الآباء ليساعدهم على التخلص من بناته وهن في عمر الزهور ، أصحاب الفتاوى الذين ينقبون في بطون التراث عن فتاوى تضع قيودًا من حديد على حرية المرأة ، فتاوى لا تصلح لحفظ كرامة وانسانية الانسان ، ومحاولة تضييق الخناق عليها بحيث تعد سلعة تباع وتشترى ، وكأننا في عهود غابرة ، وكل ذلك باسم الاسلام .
إنها جريمة ضد الإنسانية ، وانتهاك لحقوق الإنسان أن يدفع بالبنت في هذه السن لتكون زوجة لرجل همه أن يفرغ شهوته ، ويرضي رغبته الجامحة ليبرر رجولته ، ويكون حديث المجالس.


لقد وصلت الدرجة لدى البعض من الرجال – أصحاب هذه الرغبات الجامحة - وهواة اللعب بالأطفال أن يعقدوا على طفلات لم يبلغوا الحلم، وذلك بحجج لا تبررها الشريعة ولا الإنسانية ولا المنطق السليم ، أيعقل أن تصل بنا الأمور إلى هذا الانحطاط في التفكير والمسلك؟ فنبيع بناتنا من أجل حفنة من المال ..؟ وأن نصغي إلى أصحاب الفتاوى الباطلة التي ليس لها سند معتبر ، أين عقولنا ؟ لم لا نعملها ونعصرها كي تفكر بمنطق سليم ، وتوجيه سديد ، لماذا نسلم عقولنا إلى تلك الفئة المتحدثة باسم ا لدين ، ونعتبر أن آراءهم وحيًا ولها قدسية . لا ينبغي أن تكون إرادتنا وتصرفاتنا رهن هؤلاء ، يتحكمون في مصائرنا ، ويوجهون تفكيرنا ، ويرسموا لنا خريطة طريقنا، باسم الاسلام والدين منهم براء وانما هو التفكير الذكوري المصلحي البعيد عن سماحة الدين ومقاصده .


إن زواج الصغيرة أمر خطير يهدد المجتمع ، ويوحي بالخراب ، وتدمير أسس المجتمع ، وجريمة بحق الإنسانية ، لأن هذه الطفلة لا تزال صغيرة ولم تأخذ حقها في الاستمتاع بطفولتها، وبراءة الأطفال ولعبهم الجميل، لماذا نقحم هذه الفتاة التي في عمر الزهور ودون ادراك منها ونعجل بتحميلها اثقال الحياة الزوجية ومسؤولياتها قبل موعدها؟


إن قانون أحوال الأسرة الشق السني الصادر العام المنصرم في البحرين قد تغافل عن تحديد سن الزواج للجنسين ،واكتفى بالإشارة في المادة (18) من قانون الأسرة إلى ( أن تزوج الصغيرة التي يقل سنها عن ست عشرة سنة بموافقة المحكمة الشرعية بعد التحقق من ملاءمة الزواج) . وأغفل القانون تحديد سن الزواج بالنسبة للولد، بينما نجد أن المادة (10) من لائحة المأذونين الشرعيين وأحكام توثيق المحررات المتعلقة بالأحوال الشخصية الصادرة بقرار رقم 45لسنة 2007م نصت على أنه : ( لا يجوز إجراء عقد الزواج ولا المصادقة عليه ما لم يكن سن الزوجة خمس عشرة سنة ، وسن الزوج ثماني عشرة سنة وقت العقد ، ما لم يكن ثمة ضرورة ملحة تبرر الزواج لمن هم أقل من هذه السن ، وبشرط الحصول في هذه الحالة على إذن من المحكمة المختصة) وهذا تمييز واضح لا نقبل به ، بل لا بد من المساواة في ذلك وأن يكون سن الزواج بالنسبة للفتاة والفتى ثمانية عشرة سنة، اذ ليس هناك من مبرر من هذه التفرقة بين الجنسين ، اذ انهما يمران بنفس المراحل الاجتماعية والتعليمية ويتحمل كلاهما ثقل مسؤولية الزواج، لذا لا بد من الإنصاف. إن تقليل سن الزواج بالنسبة للفتاة له من المخاطر الكثير فهو يحرمها حق التعليم ، وعدم قدرتها على النهوض بالحياة الصعبة ،ناهيكم عن الأضرار الجسمانية التي قد يسببها زواج الفتاة في سن مبكرة ،منها الضغط على العمود الفقري، وسرطان الثدي ، والحالة النفسية ،والإجهاد العقلي ، ودخول البنت في دوامة من التفكير والمشاكل الذي تؤدي إلى إجهاد الفكر والعقل ، وعدم أخذ كفايتها من الطفولة البريئة التي لا بد أن تستمتع بها ، فلماذا نزج بهذه البنت الصغيرة إلى مثل ذلك ، إذن لابد للمشرع أن يلتفت إلى هذه النقطة وأن يتم تعديل القانون على أساس من المساواة والعدالة .


كما أن غياب قانون أحوال الأسرة بشقه الثاني ( الشق الجعفري) قد يؤدي إلى عدم إنصاف المرأة البحرينية وضياع حقوق الاطفال في حين أن الاسرة هي الاسرة لا فرق بينها بين مذهب وآخر ، حيث أن السلطة حولت مشروع قانون أحوال الأسرة إلى ورقة سياسية تساوم بها المعارضة الاسلامية الشيعية للنزول عن الملفات العالقة مثل المعتقلين السياسيين والعدالة الانتقالية وتعويض المتضررين من حقبة أمن الدولة والأسكان والتجنيس السياسي ، أن تمرير القانون بشقه السني يؤكد عزم السلطة على أذكاء الطائفية بين أبناء الوطن الواحد دون اعتبار للاضرار الناشئة عن ذلك. لا شك أن صدور قانون للاحوال الشخصية سيساعد حتمًا على النهوض بالأسرة واستقرارها، وانتشالها من غياب الضوابط وتفشي الاجتهادات وعدم كفاءة قضاة الشرع التي تودي بحقوق كل فرد في الاسرة الى الضياع .


إن اتفاقية سيداو قد حرمت كافة أنواع التمييز ضد المرأة وأعطتها الحق والمساواة مع الرجل في كافة الحقوق والواجبات ، وعليه لا بد أن نحترم تلك الاتفاقية لأن فيها احتراماً لكيان المرأة وعدم تمييزها عن الرجل، فهل نعي تلك الحقوق؟ ونرسم ابتسامة مشرقة على محيا الأسرة ، ونعيد للأسرة رونقها وجمالها ، وأن نحميها من المخاطر التي تحدق بها ، ونضرب حولها سياج من المحبة والتقدير.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة