أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة في الخطابات الدّينيّة المعاصرة

رجاء بن سلامة
raja@alawan.org

2004 / 8 / 31

إنّ معركة المشاركة السّياسيّة للمرأة العربيّة قديمة قدم مطالبة النّساء المصريّات بتخصيص مكان لهنّ في البرلمان المصريّ، وحصولهنّ كمستمعات على "مقصورة" في هذا البرلمان سنة 1925، ثمّ على مقصورتين. وهي معركة محتدمة متكرّرة، تكرّر محاولات النّساء الكويتيّات الحصول على موافقة مجلس الأمّة على حقّهنّ في التّصويت والتّرشّح، وقد وصلت هذه المحاولات فيما بين سنتي 1972و 1999 إلى عدد سبعة الخرافيّ، رغم أنّ الدّستور الكويتيّ ينصّ على المساواة بين النّساء والرّجال. وتدلّ نسب المشاركة في البلدان التي تتيح للمرأة بعض حقوقها السّياسيّة، على أنّ هذه المعركة متواصلة. فرغم ازدياد نسبة النّساء العاملات في البلدان العربيّة، وتضاعف نسب المتعلّمات، فإنّ مقياس تمكين المرأة المعتمد من قبل "برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ"، وهو حصيلة مؤشّرات متوسّط الدّخل للفرد، ونسبة النّساء في الوظائف المهنيّة، وحصّة النّساء في مقاعد البرلمان على التّوالي، "يكشف بوضوح أنّ البلدان العربيّة تعاني من نقص لافت للنّظر"، بحيث تأتي المنطقة العربيّة، رغم ثراء الكثير من بلدانها في المرتبة قبل الأخيرة بين مناطق العالم، ولم تقلّ عنها إلاّ إفريقيا جنوب الصّحراء.[1] وإذا قصرنا نظرنا على واحد من المؤشّرات التي تعكس بوضوح مشاركة المرأة في الحياة السّياسيّة هو نسبة تمثيل النّساء في البرلمنات العربيّة، وجدنا أنّ هذه النّسبة لا تتجاوز 5,7/ 100وهي أضعف نسبة تمثيل برلمانيّ للنّساء في العالم على الإطلاق[2]. وقد ذكّرتني هذه النّسبة الضّئيلة بهذه المقصورة في البرلمان : بالرّكن الصّغير المخبوء المحتشم داخل الفضاء الواسع.

وغايتنا من هذا البحث هي النّظر في مكوّن من مكوّنات هذه الوضعيّة السّياسيّة للمرأة العربيّة، هو الخطاب الدّينيّ الذي تمّ إنتاجه عن أهليّة المرأة لهذه المشاركة. والخطاب ليس مجرّد قول يكشف أو يعبّر عن ممارسة، بل هو نفسه ممارسة وفعل في الواقع يسير وفق قواعد أو آليّات تخلق الموضوع وتضع الحدود والموانع والمعايير. فالسّلطة معطى أساسيّ في مفهوم الخطاب كما عمّقه ميشال فوكو : إنّ الخطاب "ليس فقط ما يترجم الصّراعات أو بنى الهيمنة، بل هو ما يُتصارع من أجله وما يتصارع به، وهو السّلطة التي يراد افتكاكها.[3] ولذلك فمن المهمّ اعتبار الخطاب الدّينيّ عن أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة ممارسة خطابيّة سياسيّة تدخل في علاقات تفاعل مع الممارسات الأخرى وكثيرا ما تمثّل عائقا رمزيّا أو واقعيّا يحول دون هذه المشاركة، ومن هنا تتأتّى أهمّيّة دراستها وبيان آليّاتها، وبيان مناطق الصّمت والكبت ورفض التّفكير فيها.
ولكنّ أهميّة دراسة هذه الخطابات تتأتّى أيضا من الامتياز الخاصّ الذي تتمتّع به، خلافا للخطابات السّياسيّة الأخرى. إنّ الخطاب فعل وممارسة للسّلطة، إلاّ أنّ للخطاب الدّينيّ وضعيّة تلفّظ خاصّة تجعله أكثر قوّة وتسلّطا من الخطابات الأخرى : إنّه لا يستمدّ قوّته من قدرته الدّاخليّة على الإقناع فحسب بل من امتيازين :
-امتياز المتلفّظ بالخطاب عندما يكون من العلماء بالدّين الممثّلين لهيئة دينيّة، أو من شيوخ الإفتاء، أو من صنف الدّعاة الجدد الذين يلقون دروسا في الدّين من منابر الفضائيّات العربيّة، دون أن تكون لهم أحيانا صفات "الشّيوخ"، ودون أن يحدّ ذلك من قدرتهم على التّأثير في المتقبّلين من المؤمنين.
فهؤلاء المتلفّظون وإن كانوا بشرا يصيبون ويخطئون ويأوّلون، وتتنزّل دعواتهم في سياقات سياسيّة وتجاريّة لا علاقة لها بالدّين باعتباره تجربة روحيّة، فإنّ لهم سلطة رمزيّة يستمدّونها من وظيفتهم الخاصّة ومن إدارتهم على نحو من الأنحاء لشؤون المقدّس، ومن إنتاجهم لخطاب دينيّ ومن مراقبتهم للخطابات الأخرى التي تأتي لتنافس خطاباتهم. لا شكّ أن الفتاوى التي ينتجها هؤلاء المديرون للمقدّس اجتهادات شخصيّة غير ملزمة، بل هي متعارضة أحيانا مع القوانين المعمول بها في بلدانهم، إلاّ أنّ لهذه الاجتهادات والآراء قّوّة تأثير في مجتمعات تتّسم فيها الحياة السّياسيّة بالفقر وترتفع فيها نسبة الأمّيّة والأمّيّة السّياسيّة بحيث يعوّل النّاس على اجتهادات المفتين أكثر من تعويلهم على مداركهم العقليّة فيما يخصّ أبسط تفاصيل حياتهم اليوميّة بل وفيما يخصّ قضايا الشّأن العامّ.
-امتياز المرجعيّة التي يحيل إليها الخطاب، فالخطاب يكون أكثر تأثيرا في هذه المجتمعات إذا كانت حججه دينيّة أو تحيل إلى الدّين، أي إذا كانت تستند إلى القرآن والسّنّة وما أثر عن الصّحابة والتّابعين من "السّلف الصّالح".
فالحجّة الدّينيّة هي نوع من أنواع "حجج السّلطة" argument d autoritéأي أنّها لا تستمدّ قوّة إقناعها من منطقها الخاصّ أو من تطابقها أو عدم تطابقها مع واقع ما، بل من موقع قائلها أو من المرجع المقدّس الذي أخذت منه وإليه تمّت إحالتها.

ونقصد بأهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة اعتبارها مساوية للرّجل مساواة تامّة في هذا المجال ومنحها الحقوق المترتّبة عن هذه المساواة التّامّة. ونقصد بالمشاركة السّياسيّة كلّ مظاهر الاهتمام بالشّأن العامّ كالانتخاب والتّرشّح وممارسة العمل الجمعيّاتيّ والنّقابيّ والتّعبير السّياسيّ بالتّظاهر في الأماكن العامّة والتّوقيع على العرائض والاعتراض على السّياسة المحلّيّة أو الإقليميّة أو الدّوليّة، ولكنّنا سنركّز بالخصوص على النّقطة الحسّاسة التي يحتد فيها التّوتّر بين مقرّرات الخطاب الدّينيّ والمطالب السّياسيّة النّسائيّة وهي تقلّد الوظائف التّسييريّة على مستوى السّلطتين التشّريعيّة والتّنفيذيّة. فالمشاركة السّياسيّة للمرأة تصبح إشكاليّة عندما تتعلٌّق بالزّعامة والرّئاسة.
فهناك منطقتان تحتدّ فيهما مقاومة مسار المساواة بين المرأة والرّجل، ومقاومة تيّار التّاريخ، هما الأحوال الشّخصيّة من ناحية وتقلّد المناصب التّسييريّة. يعود ذلك إلى أنّ في هذين المجالين بالذّات، لا في مجرّد الخروج للعمل أو للتّعلّم، يبرز بوضوح تقسيم الأدوار الجندريّة المكرّس باسم الشّريعة أو باسم "الخصوصيّات الثّقافيّة" أحيانا، أي تبرز بوضوح رئاسة الرّجل الذّكر، كما تبرز علاقة الانعكاس المرآتيّ بين الفضاءين الخاصّ والعامّ. رئاسة الرّجل في المجال البيتيّ مازالت مستمرّة تدعمها مجلاّت الأحوال الشّخصيّة وتذكر في أكثرها تطوّرا، أي في المجلّة التّونسيّة التي ما زالت تنصّ، رغم تطوّرها النّسبيّ، على أنّ "الأب هو رئيس العائلة". أّما رئاسة الرّجل في المجال العامّ فما زال لها أساس قانونيّ في بعض البلدان العربيّة. ولئن اضمحلّ هذا الأساس القانونيّ في أغلب البلدان الأخرى التي مكّنت النّساء من حقوقهنّ السّياسيّة، فإنّ ضعف النّسب المشار إليها يدلّ على أنّ القوانين والعقليّات لا تسير على نسق واحد، فكوكبة القيم والصّور المناهضة للمرأة ولمشاركتها في الحياة العامّة ما زالت فاعلة في سلوكنا المدنيّ وفي الخطابات التي ننتجها، وما زالت مؤثّرة عن وعي أو عن غير وعي في الممارسات الانتخابيّة والتّرشّحيّة للرّجال والنّساء على حدّ السّواء.
وسنقسّم دراستنا للخطاب الدّينيّ عن أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة إلى ثلاثة أقسام : قسم ندرس فيه الحجج التي يقوم عليها هذا الخطاب، وقسم نخصّصه للقاع الأسطوريّ ولما نعتبره مكبوتا داخل هذا الخطاب، وقسم أخير نستشرف فيه ممكنات الانتقال من "ثقافة الفحولة" التي تكرّس دونيّة المرأة إلى ثقافة المواطنة.

1-الاستدلال الدّينيّ على أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة
لا ندّعي في هذا البحث استقصاء ولا استيعابا لكلّ ما أنتج من خطابات دينيّة عن أهليّة المرأة، ولكنّ ما نلاحظه انطلاقا من العيّنات المتوفّرة لدينا هو غلبة الخطابات الدّينيّة التي تعترض على أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة على الخطابات التي تحاول التّوفيق بين الاعتراض وعدم الاعتراض، أو تقف موقفا وسطا بين مرجعيّتين مختلفتين : مرجعيّة الفقه الإسلاميّ القديمة ومرجعيّة حقوق الإنسان الحديثة والمعاصرة.

أ-الخطاب الدّينيّ المعترض على أهليّة المرأة
قبل أن نعرض الحجج والآليّات الدّينيّة المقدّمة للاستدلال على عدم أهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة لا بدّ من النّظر في حجّة "عقليّة" تتردّد في هذا الخطاب وتتعلّق باعتبارات عن "طبيعة" المرأة واختلافها عن الرّجل.

أ1-الاعتبارات "الطّبيعيّة" أو عنف بناء الموضوع
إنّ المعطيات المتعلّقة بمفهوم غائم هو "طبيعة المرأة" تمثّل عنصرا قارّا في الفتاوى والآراء المنطلقة من مرجعيّة دينيّة، وهي تقوم بوظيفة دعم الحجج الدّينيّة ودعم أزليّتها، لأنّ عالم الطّبيعة يبدو عالما سرمديّا بمنأى عن التّحوّلات التّاريخيّة. يظهر الاستدلال على الحجج الدّينيّة بالحجّة الطّبيعيّة مثلا في إحدى فتاوى عبد العزيز بن باز رئيس هيئة البحوث والإفتاء بالمملكة العربية السعودية سابقا. هذه الفتوى يبطل بها عمل المرأة عامّة وتولّيها المناصب العامّة خاصّة : "وقد حرص الإسلام أن يبعد المرأة عن جميع ما يخالف طبيعتها فمنعها من تولي الولاية العامة كرئاسة الدولة والقضاء وجميع ما فيه مسئوليات عامة لقوله صلى الله عليه وسلم : لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ..." [4]
وهذا الاتّكاء على حجّة "الطّبيعة" لم يكن يخلو منه الخطاب الدّينيّ القديم عن المرأة، فالقرطبيّ (ت1273م) صاحب كتاب "البيان في أحكام القرآن" مثلا يستدلّ على قوامة الرّجل على المرأة بمعطيات طبّيّة قديمة تقدّمها الثّقافة الفلسفيّة والطبّيّة السّائدة في ذلك العصر، وتتمثّل في نسبة الحرارة واليبوسة إلى الرّجل ونسبة الرّطوبة والبرودة إلى المرأة : يقول في شرح الآية 34 من سورة النّساء[5] : "وقيل للرّجال زيادة قوّة في النّفس والطّبع ما ليس للنّساء، لأنّ طبع الرّجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوّة وشدّة، وطبع النّساء غلب عليه الرّطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللّين والضّعف، فجعل لهم حقّ القيام عليهنّ بذلك، وبقوله تعالى : "وبما أنفقوا من أموالهم".[6]
فالنّساء حسب هذا التّصوّر القديم رجال ينقصهنّ العقل كما تنقصهنّ الحرارة الحيويّة التي تؤدّي إلى الاكتمال، وتدفع بالأعضاء التّناسليّة إلى الخارج.
إلاّ أنّ حجّة الطّبيعة لم تكن في رأينا مركزيّة لدى القدامى، لأنّ الأدوار الاجتماعيّة كانت واضحة لديهم ومبدأ قوامة الرّجل كان بديهيّا ومحلّ إجماع الفقهاء والمفسّرين. إنّما أصبحت هذه الحجّة هامّة ومركزيّة منذ أن تزعزع التّقسيم الاجتماعيّ التّقليديّ للأدوار وخرجت النّساء من خدورهنّ في مطلع القرن العشرين، وتأكّد فعل الخروج هذا في وعي الكثير من الرّجال والنّساء. وقد ظهرت كتابات السّلفيّين عن المرأة باعتبارها ردّة فعل على المخاطر التي يتعرّض إليها إليها الصّيغ العلائقيّة القديمة بسبب هذا الاختلال في تقسيم الأدوار[7]. ونحن نرى أنّ ردّة الفعل هذه تستند إلى إيديولوجية جنسيّة اختلافيّة différentialiste تلحّ على الفوارق "الطّبيعيّة" بين النّساء والرّجال وتجتهد في إيجاد المعطيات الطّبيعيّة الجديدة والنّعوت الجديدة التي تميّز النّساء عن الرّجال، حتّى تبرّر تبعا لذلك بقاء الأدوار التّقليديّة والبنى العلائقيّة على حالها. ولعلّ ظهور تسمية "الجنس اللّطيف" مؤشّر على هذه الرّغبة الملحّة في إبراز الفوارق بين النّوعين الاجتماعيّين، وليس من الغريب أن تظهر هذه التّسمية في عنوان كتاب لأحد روّاد الفكر السّلفيّ، أقصد كتاب رشيد رضا الحامل عنوان "نداء إلى الجنس اللّطيف"، والمنشور سنة 1923.
وتؤدّي حجّة الطّبيعة في رأينا وظيفة أخرى خفيّة هي بناء موضوع الخطاب قبل الحديث عنه، وهي عمليّة تبقى غير مصرّح بها ويقدّمها صاحب الخطاب على أنّها من المسلّمات، أمّا مفكّك الخطاب فبإمكانه استخراجها على أنّها من "المفترضات" لا من المسلّمات. فاستخدام معطيات "بيولوجيّة" للاستدلال على وجود اختلاف جوهريّ بين المرأة والرّجل يفترض بناء لموضوع الخطاب على النّحو التّالي : النّساء والرّجال ليسوا كائنات اجتماعيّة تجمع بينها صيغ علائقيّة تاريخيّة ثقافيّة متحوّلة بالضّرورة، بل هي كائنات محدّدة سلفا وغير خاضعة للتّاريخ، والنّساء بالذّات لسن كائنات بشريّة متعدّدة الأبعاد بحيث تكون المرأة أمّا وزوجة وتكون كذلك امرأة عاملة أو غير ذلك، بل هي كائن محكوم بالبيولوجيا ومشدود إلى وظيفة الإنجاب وإدامة النّسل. وفي هذا الإقصاء للتّاريخ وللمصير ولتعدّد الأبعاد نجد آليّة أساسيّة من آليّات التّفكير الميتافيزيقيّ والمثاليّ ينقضها الفكر الحديث، وتنقضها خاصّة نظريّة "الجندر". فالجندر مقولة ثقافيّة وسياسيّة تختلف عن الجنس sex باعتباره معطى بيولوجيّا، وتعني الأدوار والاختلافات التي تقرّرها وتبنيها المجتمعات لكلّ من الرّجل والمرأة. فالبحث في الجندر يعوّض الماهويّة البيولوجيّة بالبنائيّة الثّقافيّة، بحيث يتبيّن لنا أنّ الاختلاف بين الرّجل والمرأة مبنيّ ثقافيا وإيديولوجيّا وليس نتيجة حتميّة بيولوجيّة.
والاتّكاء على مفهوم "الطّبيعة" يمكّن أيضا من بناء الثّنائيّات التّقابليّة التي ترسّخ هذا التّصوّر الماهويّ وتعطيه صورا أخرى جديدة غير صور الحرارة واليبوسة والبرودة والرّطوبة. ترك السّلفيّون والسّلفيّون الجدد هذه الثّنائيّة العتيقة إلى ثنائيّات أخرى أكثر إقناعا لمتقبّليهم المعاصرين : فالمرأة "عاطفيّة" والرّجل عقلانيّ، والرّجل قويّ والمرأة ضعيفة، أو "لطيفة" أو "رقيقة".
إلاّ أنّ هذا التّجديد للثّنائيّات يبقي على ثنائيّة قديمة قدم الفلسفة اليونانيّة وتتمثّل في اعتبار المرأة سلبيّة والرّجل إيجابيّا، وهو تصوّر ينطلق من تمثّلات القدامى عن العمليّة الجنسيّة ومن ثنائيّة تفاضليّة هامّة في الفكر الفلسفيّ القديم هي ثنائيّة الصّورة والمادّة. فقد اعتبر أرسطو الذّكر مانحا للصّورة، أي صورة النّسل من خلال منيّه، واعتبر المرأة موفّرة للمادّة من خلال دم حيضها، بحيث أنّ الذّكر يقوم بالدّور الإيجابيّ النّشيط وتقوم المرأة بدور الوعاء السّلبيّ. وانتهى من هذا الاستدلال إلى أنّ "الذّكر ذكر بفضل قدرته الخاصّة، والأنثى بفصل عجزها الخاصّ".[8]
هذه الثّنائيّة التي لم يعد لها من مبرّر في البيولوجيا الحديثة، يحتفظ بها السّلفيّون ولكنّهم يبعثونها في صورة جديدة توهم بالتّطابق بين رؤيتهم للمرأة ومقرّرات العلم الحديث : يقول الشّعراوي مستفيدا من معطيات البيولوجية الحديثة، وفي الوقت نفسه مؤوّلا إيّاها حسب ما تقتضيه الإيديولوجية الجنسيّة الاختلافيّة المشار إليها : "إنّ المواقعة بين الرّجل والمرأة يقوم الرّجل فيها بدور إيجابيّ لأنّه يقذف الحيوان المنويّ مؤهّلا للإخصاب، وهو في هذه الحال يبذل جهدا كبيرا ويسفح طاقة هائلة لقاء قذف هذه المحتويات الحيويّة، ولكنّ دور المرأة سلبيّ لأنّ إفرازاتها أثناء الممارسة الجنسيّة لا تحمل عنصر الحياة في توّها إنّما المقصود من هذه الإفرازات تشحيم الذّكر (القضيب) حتّى يسهل الإيلاج وحتّى لا تصادفه أيّة صعوبة أثناء الإتيان. ولا يحدث الحمل إلاّ عندما يلتحم الحيوان المنويّ مع البويضة وليس كلّ اتّصال جنسيّ تنزل فيه بويضة أنثى، إنّما تنزل هذه البويضة كلّ شهر بصفة دوريّة منتظمة. لذلك فالرّجل دوره إيجابيّ والمرأة دورها سلبيّ أو أقلّ إيجابيّة."[9]
ومن البديهيّ أنّ سلبيّة المرأة هذه من الماقبليّات المتنافرة مع مقتضيات المشاركة السّياسيّة باعتبارها فعلا إيجابيّا في الواقع، ولذلك فهي ترد على نحو غير صريح في في الحجج الطّاعنة في أهليّة المرأة لهذا الفعل الإيجابيّ : فليست عاطفيّة المرأة وطبيعتها وضعفها إلاّ صورا من صور هذه السّلبيّة.
ففي هذه المعطيات "البيولوجيّة" أو شبه البيولوجيّة نجد آليّة تبرير إيديولوجيّ هي من أقدم الآليّات وأبسطها، وتتمثّل في تحويل نظام الهيمنة البشريّة الثّقافيّة إلى نظام طبيعيّ سرمديّ.

أ2-الانتقال من الطّبيعيّ إلى الإلهيّ :
يتمّ إنتاج الموضوع، موضوع المرأة إذن عبر الماقبليّات "الطّبيعيّة" بحيث تكون المرأة كائنا بشريّا من نوع خاصّ، ذي بيولوجيا خاصّة تحدّ من "استعداداته الفطريّة" وتبعا لذلك تحدّ من مجالات تصرّفه. ثمّ تأتي أثناء ذلك الحجج الدّينيّة "النّّقليّة" باعتبارها حجج سلطة. وهنا نجد آليّة تبرير أخرى مكمّلة للآليّة الأولى : يتمّ تحويل نظام الهيمنة البشريّة الثّقافيّة إلى نظام طبيعيّ سرمديّ، ولمزيد الإقناع، يتمّ تحويل النّظام الطّبيعيّ السّرمديّ إلى نظام إلهيّ سرمديّ هو الآخر ولا يجوز تغييره أو الطّعن في أسسه. فمن السّهل أن نغيّر النّعوت، وأن نسمّي هذا النّظام الطّبيعيّ "إلهيّا" لإضفاء طابع القداسة اللاّتاريخيّة على ما هو تاريخيّ، وتسمية خروج النّساء إلى الحقل العامّ خروجا على إرادة اللّه : فممّا صرّح به علي بالحاج زعيم جبهة الإنقاذ بالجزائر (الفيس) أنّ "وظيفة المرأة هي إنجاب المسلمين. إذا تخلّت عن هذا الدّور، فإنّها تخلّ بنظام الله، وتتسبّب في نضوب معين الإسلام."[10]
والحجّتان النّقليّتان المعتمدتان عادة في الطّعن على أهليّة المرأة هما الحديثان المواليان :
-"النّساء ناقصات عقل ودين"، وفي هذا الحديث تذكير بالماقبليّات الطّبيعيّة القديمة (نقص العقل) وقد كانت سائدة في التّصوّرات القديمة عن المرأة. ومن المهمّ التّذكير بأنّ إحدى روايات هذا الحديث ترد في كتاب الحيض من صحيح البخاريّ، أي في كتاب يبحث في تبعات هذه الخاصّيةّ البيولوجيّة للمرأة التي انطلق منها أرسطو لبناء تصوّراته عن الإنجاب وعن المنزلة الدّونيّة للمرأة : "... ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للبّ الرّجل الحازم من إحداكنّ. قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اللّه؟ قال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرّجل؟ قلن : بلى. قال : فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟ قلن : بلى. قال : فذلك من نقصان دينها." [11]
يتمّ الرّبط بين الحيض ونقصان قيام المرأة بالتّكاليف الدّينيّة كما يتمّ الرّبط بين "طبيعة المرأة" وعدم أهليّتها للمشاركة السّياسيّة في الفتاوى المعاصرة. حجّة الطّبيعة (الحيض، نقصان العقل، طبيعة المرأة) تأتي لتبرّر وضعا اجتماعيّا ثقافيّا (شهادة المرأة التي تعدّ نصف شهادة الرّجل، عدم أهليّتها لتقلّد الأدوار التّسييريّة) يتحوّل إلى وضع مجسّد للإرادة الإلهيّة والنّظام الإلهيّ.
وقد كان هذا الحديث من أهمّ الحجج التي أوردها السّلفيّون الأوائل في خطابهم عن أهليّة المرأة للمشاركة في الحياة العامّة. فبمجرّد أن أسّس حسن البنّا جـماعة "الإخوان المسلمين" سنة 1928 شنّ هجـوما على حركة تحرير المرأة، ودعا المرأة إلى القيام بأدوارها التّقلـيديّة : " فمهمّة المرأة زوجها وأولادها.. أمّا ما يريد دعاة التّفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة، فنردّ عليهم بأنّ الرّجال وهم أكمل عقلا من النّساء لم يحسنوا أداء هذا الحقّ، فكيف بالنّساء، وهنّ ناقصات عقل ودين."[12]
-الحديث السّياسيّ الذي يتنبّأ بخيبة المجموعات السّياسيّة التي تنصّب امرأة لقيادتها : "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ..." وهو حديث قامت عالمة الاجتماع المغربيّة فاطمة مرنسيّ بتحقيق تاريخيّ متأنّ وشاقّ لتبيّن ظروف وضعه وعلاقته بالفتنة الكبرى وبمعارضي عائشة في خروجها من حجابها إبّان وقعة الجمل.[13] ونحن نرى أنّ العوامل التّاريخيّة البنيويّة أهمّ من العوامل الظّرفيّة الأحداثيّة في ظهور مثل هذا الحديث، فمنع المرأة من تولّي مهامّ الإمامة والسّلطنة والخلافة من النّتائج الطّبيعيّة المنجرّة عن الصّيغ العلائقيّة الأبويّة التي يكرّسها مبدأ قوامة الرّجال على النّساء ومبدأ حجاب المرأة، بالمعنى المؤسّسيّ للحجاب : أي الفصل بين عالم خاصّ تلزمه المرأة ومجال عامّ يتحرّك فيه الرّجل.

أ3-آليّات الفقه :
نظرا إلى عدم ورود آية تمنع المرأة صراحة من المشاركة السّياسيّة ومن تولّي المناصب السّياسيّة، ونظرا إلى ظهور مهامّ ووظائف سياسيّة جديدة مختلفة عن الوظائف التّقليديّة التي نظر فيها الفقه القديم، أنتج المعترضون على أهليّة المرأة فتاوى جديدة تستند إلى آليّات فقهيّة تقليديّة وتفضي إلى التّحريم، تحريم الانتخاب والتّرشّح على المرأة. وتتمثّل هذه الآليّات في ما يلي :

- القياس المتمثّل في قياس المشاركة السّياسيّة على "الإمامة والولاية والتّزكية"، وهي مهامّ قديمة لم تعد موجودة في أغلبيّة البلدان العربيّة لأنّها مرتبطة بتركيبات اجتماعيّة سياسيّة قديمة. وهذه المهامّ يشترط فيها الفقهاء القدامى الذّكورة، بل الذّكورة المتحقّقة، لأنّ "الخنثى المشكل" (الخنثى الذي لا يتبيّن جنسه بعد بلوغه) ليس له الأهليّة للقيام بهذه المهامّ. فقد قاس بعض المنتمين إلى تيّار النّهضة بتونس التّرشّح إلى عضويّة مجلس الأمّة على الولاية العامّة، وقاس الانتخاب على التّزكية : "عضويّة مجلس الأمّة ولاية عامّة لما فيها من سنّ القوانين، ومحاسبة السّلطة التّنفيذيّة، وما إلى ذلك من المهامّ المعروفة للسّلطة التّشريعيّة." والانتخاب "مشورة تتعلّق بذات الشّخص من حيث عدالته. وهذا النّوع من المشورة يسمّيه الفقهاء التّزكية، وهي من مستلزمات أهليّة الشّهادة ونحوها من الولايات العامّة..." و"ليس كلّ من تجوز شهادته تجوز تزكيته كما يقول العتيبيّ وابن رشد من كبار المالكيّة، ولا ينبغي لأحد أن يزكّي رجلا إلاّ رجل، قد رافقه في الأخذ والعطاء وسافر معه ورافقه. يقول مالك في المدوّنة عن صدور التّزكية من النّساء : لا تجوز تزكية النّساء في وجه من الوجوه، لا فيما تجوز فيه شهادتان ولا في غير ذلك، ولا يجوز للنّساء أن يزكّين النّساء ولا الرّجال، وليس للنّساء من التّزكية قليل ولا كثير." ويقول إمام الحرمين : "إنّ ما نعلمه قطعا أنّ النّساء لا مدخل لهنّ في تخيّر الإمام وعقد الإمامة، والنّساء لازمات خدورهنّ، مفوّضات أمورهنّ إلى الرّجال القوّامين عليهنّ."[14]
وهؤلاء الفقهاء الجدد يجتهدون بطريقة أخرى ليسحبوا مبدإ القوامة، وهو يهمّ المجال البيتيّ أساسا ويرتبط بالإنفاق، على المجال العامّ : فالقوامة "... لاتكون إلاّ على العاجز أو القاصر أو الضّعيف. والمرأة ضعيفة عاجزة، لذلك كان للرّجل القوامة التّامّة في جميع الشّؤون العامّة. وخصّه المولى عزّ وجلّ بالنّبوّة والرّسالة والخلافة والجهاد والآذان والخطبة وما إلى ذلك، وفرض طاعته على المرأة، ولم يفرض طاعتها عليه. وقال صلعم : لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة."[15]
-سدّ الذّرائع، أي أنّ الأمر الذي يفضي إلى أمر محرّم يكون محرّما. وهذه هي الآليّة المعتمدة في الفتوى التي تحمل عنوان" عمل المرأة من أعظم وسائل الزنا"[16] للشيخ عبد العزيز بن باز وهي تشمل عمل المرأة عموما لا مشاركتها السّياسيّة. فعمل المرأة ذريعة تفضي إلى مقصد ممنوع هو الزّنا، فحكمه حكم الزّنا.
- الإجماع مع سدّ الذّرائع، مع الملاحظ أنّ الإجماع مفهوم غامض اختلف القدامى حوله القدامى : أبطله المعتزلة والخوارج، وذهب الحنفيّون إلى أنّه إجماع الأمّة الذي يشمل كلّ المؤمنين وذهب ابن حزم إلى أنّه إجماع صحابة الرّسول فحسب...[17] ويمكن اعتبار الإجماع على أيّة حال آليّة من آليّات تأبيد حكم وارد في القرآن أو السّنّة، فحجّيّة الإجماع تتأسّس على نصّ من القرآن أو السّنّة. نجد إشارة إلى هذا المصدر في التّشريع في فتوى محمّد علي قطب الموالية : "أجمع الفقهاء الأقدمون على أنّ المرأة لا تتولّى الإمامة الكبرى (الخلافة) لقول الرّسول : لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، ولأنّ هذه الوظيفة تتطلّب الاختلاط بالرّجال والخلوة معهم، ومفاوضتهم، وهذا محرّم شرعا، ولأسباب تتعلّق بتكوين المرأة نفسيّا وجسديّا. وأمّا ما عدا ذلك من الوظائف، فالشّأن فيها مختلف بين الفقهاء، فمنهم من يرى أنّ المرأة محظور عليها شرعا أن تكون قاضية لأنّ ذلك يتطلّب كمال الرّأي وهي ناقصة العقل."[18]
إنّ قياس المشاركة السّياسيّة على أشكال تولّي السّلطة القديمة ينبني على رفض للتّاريخ وللواقع، وعلى مغالطات تاريخيّة سنبيّنها، فمفهوم المشاركة السّياسيّة ذو مرجعيّة ديمقراطيّة مناقضة تماما للمرجعيّة الفقهيّة. واعتماد إجماع القدامى المفترض على حلول طرحت على مجتمعات تفصلنا عنها مئات السّنين هو كذلك رفض للواقع وللتّاريخ. أمّا سدّ الذّرائع فله في رأينا بنية رُهابيّة هوسيّة : كلّ ما تقوم به المرأة يمكن أن يؤوّل على أنّه مؤدّ إلى الزّنا، بما في ذلك النّظر، بما ذلك كلّ كلمة وكلّ حركة. وهنا تكمن منطقة كارثيّة تؤدّي بالإنسان إلى التّأثّم من كلّ شيء وتحريم كلّ شيء، هي التي نجدها مثلا في ممارسة الطّالبان إزاء المرأة والثٌّقافة والفنّ.

ب-الخطاب الدّينيّ التّوفيقيّ
هناك موقف توفيقيّ أوّل يمثّله يوسف القرضاويّ الذي يحظى بشعبيّة كبيرة وبحصص كثيرة في إحدى أهمّ الفضائيّات العربيّة، فقد أفتى بجواز دخول النّساء للمجلس النيابي معلّلا ذلك بأنّ عدد النّساء في المجلس النّيابيّ لا بدّ أن يظلّ محدودا، وأفتى بمنع وصولهنّ إلى الولاية العامّة على الرّجال، أي رئاسة الدّولة.[19] وهذا يعني أنّ هذا المجتهد يصرّ على اعتبار رئاسة الجمهوريّة خلافة أو إمامة ينسحب عليها مبدأ اشتراط الذّكورة، الذي عمل به الفقهاء والأصوليّون في كلّ ما يتعلّق بالولايات الخاصّة والعامّة. الوقوف في الوسط بين الرّفض والإباحة يدلّ على تردّد بين المرجعيّة الحديثة والمرجعيّة القديمة، ونتيجته هي الإبقاء على التّمييز بين المرأة والرّجل رغم الحدّ الكمّيّ من مجالات التّمييز. إنّه موقف يبقى معارضا لنظريّة حقوق الإنسان إلاّ أنّه يشعر بالحرج إزاءها، وإن كان ينكرها. فالذي يقفز على حبلين متباعدين يكون في الغالب عرضة إلى السّقوط القيميّ المتمثّل في إنكار مبدإ المساواة التّامّة بين الرّجال والنّساء، وفي المراوغات التي تهدف إلى البحث عن الحظوة لدى الجميع : لدى النّساء المطالبات بالكرامة والمساواة، ولدى المتحفّظين على اكتساح المرأة المجالات التي ظلّت طويلا حكرا على الرّجال.

وهناك موقف تجديديّ لا يكتفي بإباحة العمل السّياسيّ للمرأة، بل يعتبره "واجبا". فقد دعت هبة رؤوف عزت إلى اعتبار العمل السياسى للمرأة "واجباً شرعياً يدخل إما في فروض العين أو فروض الكفاية. فلا تنفك عنه المرأة بحال، فشأنها في ذلك شأن الرجل لاشتراكهما في التوحيد والعبودية والاستخلاف وخضوعهما للسنن"[20]. وربّما تنزّل هذا الرّأي في ما أصبح يسمّى بـ"النّسويّة الإسلاميّة"، وهو اتّجاه في التّفكير ينتصر إلى المرأة انطلاقا من مرجعيّة دينيّة، وينبني على محاولة توفيق صامت وغير منظّر له بين هذه المرجعيّة ومرجعيّة حقوق الإنسان الحديثة. وهذا الموقف الذي يعتبر العمل السّياسيّ واجبا دينيّا وإن كان يخدم قضيّة المرأة فهو يبقى غير مقنع لأنّه يعتمد على الإنكار : إنكار الاختلاف بين الماضي والحاضر، ويستعمل مفاهيم الفقه دون أن يعتمد آليّات الفقه بصفة واضحة. إنّه يعتمد على آليّة إيجاد شرعيّة قديمة لوضعيّة جديدة، ويريد أن يطوّر أحكام الفقه، فيقع في شراك الفقه. فالمنظومة الفقهيّة، رغم كلّ الاختلافات بين المذاهب والآراء، منظومة منسجمة وكلّ متكامل، وهي قائمة على مراتبيّة اجتماعيّة واضحة، أي على "هرم اجتماعيّ أعلاه الرّجل وتليه المرأة، ثمّ العبد ثمّ الأمة ثمّ الطّفل والمجنون.[21] ولذلك تقع هذه المجتهدة تحت طائلة الفقه : إنّها تجتهد وتفتي، ومن شروط الاجتهاد والإفتاء "البلوغ والذّكورة والإيمان والعدالة وطهارة المولد إجماعا، والكتابة والحرّيّة والبصر على الأشهر، والنّطق وغلبة الذّكر والاجتهاد في الأحكام الشّرعيّة وفروعها".[22]
فهل يمكن أن يكون الفقه، وهو منظومة قائمة على التّمييز، منطلقا للمطالبة السّياسيّة بالمساواة؟ هل يمكن أن نقف على عتبة الفقه دون أن ننزلق في هوّته الجاذبة؟ قد تُطمئن هذه الحلول النّفوس الحائرة المتأثّمة، فتساعدها على عيش تديّنها والتّأقلم مع الواقع الجديد في الوقت نفسه، ولكنّنا لا نظنّ أنّ بإمكانها تحقيق نقلة نوعيّة داخل الإسلام، ولا نظنّ أنّها قادرة على إنتاج مشروع مجتمعيّ يطلق المجال أمام الأفراد ليستنبطوا أشكال عيش جديدة، وأشكال حرّيّات أخرى وإمكانيّات أخرى في تجسيد المنزلة البشريّة. ما يتّسع في جميع هذه المواقف والآراء هو الماضي الذي يلاذ به من الحاضر، أو يتّخذ ملهما، أو يتعلّل به لإيجاد شرعيّة للحاضر.

2-القاع الخياليّ والمكبوتات
ليس الخطاب مبنيّا على الإرادة الواعية والحجاج العقليّ أو الدّينيّ فحسب، بل إنّه متجذّر في اللاّوعي، حامل معه لقسط من رفض التّفكير. وقد رأينا أن ننظر في مظهرين من رفض التّفكير في الخطاب الدّينيّ عن أهليّة المرأة السّياسيّة، أحدهما يحكم الفكر الطّاعن في هذه الأهليّة، والثّاني يحكم الموقف التّوفيقيّ الذي يودّ مناصرة المرأة انطلاقا من مرجعيّة دينيّة إسلاميّة.

أ- أسطورة الفحل الحيوانيّ-الزّعيم-الأوحد
إلى جانب المعطيات التي تصنع الموضوع عبر حجّة البيولوجيا، والتي ترد واضحة في الحجاج الدّينيّ المناهض للمرأة، يمكن أن نتحدّث عن أسطورة سياسيّة فحوليّة، نعتقد أنّها تمثّل قاعا حاضرا غائبا لمناهضة دخول المرأة الفضاء العامّ ولتقلّدها المناصب. ونستعمل مفهوم الأسطورة بمعنى البنية السّرديّة القابعة على نحو غير مفكّر فيه في المخيّلة والمهيكلة إلى حدّ بعيد للذّوات في سلوكها وتصوّراتها. فنحن نرى أنّ صورة الفحل، أي الذّكر القويّ الشّديد المتغلّب على غيره من الذّكور والإناث[23] ما زالت تحكم تفكيرنا الاجتماعيّ والسّياسيّ من الجاحظ (ت869) إلى عبّاس محمود العقّاد (ت 1964) إلى يومنا هذا. إنّها تندرج في إطار تركيبة فحوليّة-سياسيّة تقتضي بأن يكون الرّئيس ذكرا واحدا متغلّبا، محوّلا بني جنسه إلى مرؤوسين متبوعين. نجد هذه الصّورة في قلب التّصوّر العربيّ القديم للإمامة والسّياسة : يقول الجاحظ في رسالته عن "النّساء" : "وقضيّة واجبة : أنّ النّاس لا يصلحهم إلاّ رئيس واحد، يجمع شملهم، ويكفيهم ويحميهم من عدوّهم، ويمنع قويّهم من ضعيفهم وقليل له نظام أقوى من كثير نشَز لا نظام لهم، ولا رئيس عليهم. إذ قد علم اللّه أنّ صلاح عامّة البهائم في أن يجعل لكلّ جنس منها فحلا يوردها الماء ويُصدرها، وتتبعه إلى الكلإ، كالعَير في العانة (القطيع من حمر الوحش)، والفحل من الإبل في الهجمة، وكذلك النّحل العسّالة، والكراكيّ، وما يحمي الفرس الحصان الحجور (ج حجر بالكسر : الفرس الأنثى) في المروج، فجعل منها رؤوسا متبوعة، وأذنابا تابعة.[24] فالسّلطة الفرديّة المطلقة ترتبط بصورة الذّكر الفحل الأوحد في هذا التّفكير السّياسيّ الذي يؤول إلى إلغاء السّياسيّ، عن طريق المماهاة بين عالم البشر وعالم الحيوان، والإعلاء من شأن البيولوجيّ والطّبيعيّ، أو ما يقدّم على أنّه كذلك، على حساب التّعاقد والاصطلاح والاشتراك.
أسطورة الفحل المتغلّب تظهر في نصوص العقّاد، وهو من أشهر الكتّاب العرب في منتصف القرن العشرين : يقول متحدّثا عن العلاقة بين الرّجال والنّساء : "المرأة تستعصم بالاحتجاز الجنسيّ، لأنّ الطّبيعة قد جعلتها جائزة للسّابق المفضّل من الذّكور، فهي تنتظر حتّى يسبقهم إليها من يستحقّها فتلبّيه تلبية يتساوى فيها الإكراه والاختيار، كذلك تصنع إناث الدّجاج، وهي تنتظر ختام المعركة بين الدّيكة أو تنتظر مشيئتها بغير صراع".[25] فالأنثى في هذا التّصوّر الطّبيعويّ الماهويّ ليست ذاتا عاقلة مريدة، بل هي كائن غرائزيّ يلبّي نداء الطّبيعة خارج منطق الإكراه والاختيار. وبالإضافة إلى أنّها لا تريد ولا تختار، فهي تقف خارج لعبة الصّراع على السّلطة، بما أنّها ليست طرفا فاعلا في هذا الصّراع بل موضوع له. إنّها لا تتنافس مع الرّجل، وليست تبعا لذلك "إيجابيّة"، بل يتنافس عليها الرّجال، وينالها صاحب الغلبة.
إنّ في صورة الزّعيم الأوحد المخلّص المستبدّ، شيئا من صورة الفحل الأوحد المتغلّب. فللسّلطة الاستبداديّة وجه فحوليّ، أو لنقل إنّ الفحوليّة ليست مجرّد قوانين ومقرّرات تفوّق الرّجال على النّساء، بل هي بنية نفسيّة وفكريّة للدّولة التّسلّطيّة. وهذا ما فهمه قاسم أمين حين تحدّث عن حلقتي الاستبداد : السّاسة مستبدّون بالرّجال، والرّجال مستبدّون بالنّساء. فوضعيّة المرأة ليست بالضّرورة وضعيّة الإناث البشريّة، بل هي عنوان ورمز للمصير الدّونيّ الذي يؤول إليه كلّ مقصيّي النّظام الفحوليّ : النّساء والأطفال والمثليّون والمجانين واللّقطاء والأقلّيات الدّينيّة والعرقيّة وكلّ المجسّدين لـ"المصير النّسائيّ" (le devenir-femme).
وليست هذه المعطيات الأسطوريّة بمعزل عن المعطى الدّينيّ، فالمثال الذي قدّمه الجاحظ ورد في سياق حديثه عن الإمامة باعتبارها رئاسة دينيّة، وما ذكره العقّاد عن صراع الفحول على الإناث مستقى من كتابه عن "المرأة في القرآن". فالتّركيبة الفحوليّة-السّياسيّة بما تتأسسّ عليه من اعتبارات بيولوجيّة ماهويّة وأسطورة فحوليّة للسّلطة من السّهل أن يضاف إليها بعد دينيّ يزيد في أسطرتها وتأبيدها، فتصبح تركيبة فحوليّة-سياسيّة-دينيّة. يختفي وجه الفحل الحيوانيّ ويظهر فوقه قناع سياسيّ-دينيّ يمثّل وجه الأب الحامي، حامي الحرمات ورافع راية الأمّة. قد تتفاوت درجات دينيّة هذا الأب فيكون "إماما" أو زعيما شبه دينيّ، إلاّ أنّه يبقى مع ذلك الزّعيم الأوحد المذكّر. فكما يتحوّل النّظام الطّبيعيّ التي تكون المرأة بمقتضاه وعاء سلبيّا وكائنا مختزلا في بعده البيولوجيّ إلى نظام إلهيّ سرمديّ، يختفي الفحل البيولوجيّ المتغلّب، فيتحوّل إلى "إمام" أو أب حام للحمى.

ب-الحلقة المكبوتة في الخطاب الدّينيّ المدافع عن المرأة :
إنّ الفكر متجذّر في اللاّمفكّر فيه كما أسلفنا، ولذلك فمن الضّروريّ أن ننظر في الحلقات المكبوتة من النّظام الرّمزيّ الإسلاميّ اللاّمرئيّ الذي أنتج الصّيغ التّاريخيّة للعلاقة بين الرّجل والمرأة، ولكنّه يواصل الفعل في الذّوات من حيث هو مكبوت، فيولّد أسطرة الأصل لدى الرّافضين لدنونة الفضاء الاجتماعيّ، ويولّد مغالطات الفردوس النّسائيّ المفقود لدى المدافعين عن المرأة... فمن الحلقات المكبوتة من هذا النّظام الرّمزيّ أفضليّة الرّجل على المرأة كما جاءت في القرآن، فهي المسلّمة الكبرى التي كانت تحكم العلاقة بين الرّجل والمرأة ومنها القوامة أي الرّئاسة في المجال البيتيّ التي ينجرّ عنها مبدأ الطّاعة، ومنها الرّئاسات المختلفة في المجال العامّ. أقرّ القرآن بأفضليّة الرّجل على المرأة من خلال الآية : "ولهنّ مثل الذي عليهنّ بالمعروف، وللرّجال عليهنّ درجة، واللّه عزيز حكيم" (البقرة/228)، والآية المذكرة سابقا : "الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه عليهنّ بعضهم على بعض..." (النّساء/34) وتتّضح أبعاد هذه الأفضليّة الأنتولوجيّة والسّياسيّة في رسالة ابن أبي الضّياف (ت1874) عن المرأة : "إنّ الذّكر أفضل من الأنثى، وأبو البشر أوّل مخلوق ومنه ولدت حوّاء أمّ البشر، والأصل أفضل من الفرع، فالذّكر أهّله اللّه للنّبوّة والخلافة في الأرض والقضاء والإمامة في الصّلاة ومباشرة الدّفاع عن الدّين والعرض والوطن..."[26]
حلقة تفضيل الرّجل على المرأة هي المفقودة والمرفوضة في التّأويلات الجديدة، وهي المغيّب المشترك بين المدافعين عن المساواة الفعليّة والمناهضين لها. تغيب مثلا في تأويل فريدة بنّاني لمبدإ القوامة، رغم أهمّيّة هذا التّأويل في المطالبة بالمساواة بين الرّجل والمرأة. فقد بيّنت الباحثة نسبيّة هذا المبدإ وعدم ملاءمته للعصر، ونقضت الحجج التي ينبني عليها، ودعت إلى مراعاة "سنّة الإسلام في التّدرّج"، ومراعاة تطوّر الواقع المغربيّ ، و"طابع التّعميم في الآيات القرآنيّة" إلاّ أنّها لم تذكر الأفضليّة التي يرتّب عنها رغم أنّها ترد في الآية ذاتها التي تنصّ على هذه الصّيغة للعلاقات بين الرّجل والمرأة،[27] وتؤكّدها التّفاسير القديمة على اختلافها.[28]
كما يتمّ إنكار هذه الأفضليّة في التّأويل الجديد الذي قام به متولّي شعراوي، وهو أحد الرّافضين لمنظومة حقوق الإنسان من السّلفيّين الجدد، فقد أعاد تأويل الآية المتقدّمة على هذا النّحو : "إذا قيل إنّ فلانا قائم على أمر فلان، فما معنى ذلك؟ هذا يوحي بأنّ هناك شخصا جالس والآخر قائم..فمعنى قوّامون على النّساء..أنّهم مكلّفون برعايتهم والسّعي من أجلهنّ وخدمتهنّ، إلى كلّ ما تفرض القوامة من تكليفات، إذ القوامة تكليف للرّجل. ومعنى "بما فضّل اللّه بعضهم على بعض" ليس تفضيلا من اللّه عزّ وجلّ للرّجل على المرأة كما يعتقد النّاس، ولو أراد اللّه هذا لقال : بما فضّل اللّه الرّجال على النّساء، ولكنّه قال : "بما فضّل اللّه بعضهم على بعض" فأتى ببعض مبهمة هنا وهناك..ذلك معناه أنّ القوامة تحتاج إلى فضل مجهود وحركة وكدح من جانب الرّجل ليأتي بالأموال يقابلها فضل من ناحية أخرى، وهو أنّ للمرأة مهمّة لا يقدرر عليها الرّجل، فهي مفضّلة عليه فيها.. فالرّجل لا يحمل ولا يلد ولا يحيض..."[29]
هذه الحلقة التي أصبحت مكبوتة مرفوضة في الكتابات المعاصرة عن المرأة، يجب أن نتذكّرها نحن ونؤوّلها، بدل أن تظلّ أشباحا من الماضي تطاردنا. التّذكّر عمليّة هامّة من أجل تجاوز الجمود والحُصار، سواء تعلّق الأمر بذات فرديّة أو جماعيّة.
إنّ الوليد الذي لم ترغب أمّه في إنجابه، يظلّ يصرخ ولا يخلص من علاقته بقصّة مجيئه إلى العالم، ولا يتخلّص من الصّراخ ومن قصّة الأصل إلاّ إذا رويت له وقيل له : لم نرغب في مجيئك، ولكنّك الآن أصبحت محلّ حبّ ورغبة، وكذلك المرأة. فقد قامت الأديان التّوحيديّة على أنقاض وثنيّة كان للآلهة المؤنّثة فيها دور أساسيّ يحول دون التّوحيد. أمّا الآن فيجب أن تروى هذه القصّة لكي تعي المرأة الآن أنّها فعلا كانت محلّ نفور واحتقار أصليّين، وأنّها تقدر الآن على التّحرّر من هذا الأصل، أو على الانفلات من أقاصيص الماضي المكبّلة لإبداع أقاصيص أخرى. وهذا ما فعله في رأيي بعض المصلحين الأوائل ممّن يتّسم خطابهم بجرأة أصبحت اليوم نادرة : ففي سنة 1930 كتب المصلح التّونسيّ الطّاهر الحدّاد (ت 1935) بهذا الوضوح : "لقد حكم الإسلام في آيات القرآن بتمييز الرّجل عن المرأة في مواضع صريحة. وليس هذا بمانع أن يقبل بمبدأ المساواة الاجتماعيّة بينهما عند توفّر أسبابها بتطوّر الزّمن ما دام يرمي في جوهره إلى العدالة التّامّة وروح الحقّ الأعلى، وهو الدّين الذي يدين بسنّة التّدريج في تشريع أحكامه حسب الطّوق"[30].

3-من ثقافة الفحولة إلى ثقافة المواطنة
ليست التّركيبة الفحوليّة-السّياسيّة موجودة في العالم العربيّ فحسب، بل نجد لها أصداء في العالم المتقدّم. يمكن أن نشير إلى اتّجاه في السّوسيولوجيا الأمريكيّة ظهر في السّبعينات من القرن الماضي وسمّي بـ"السّّوسيوبيولوجيا". يرى أقطاب هذا الاتّجاه أنّ البيولوجيا هي التي تحدّد في نهاية الأمر "الماهيّة" الأنثويّة والذّكوريّة، فيفسّرون كلّ سلوك بالوراثة الجينيّة وبالوظائف النّورونيّة، ويرون أنّ الجنس قوّة لااجتماعيّة، وأّن الذّكور خلقوا لكي يتنافسوا على النّساء، وهذا سبب سيطرتهم عليهنّ. بل يذهب بعضهم إلى أنّ الاغتصاب أمر طبيعيّ، لأنّ تنافس الذّكور على الإناث، كما في نصّ العقّاد، أمر طبيعيّ. إلاّ أنّ هذه النّظريّة تبقى في الغرب غير فاعلة وغير مؤثّرة في سنّ القوانين المنظّمة للعلاقات بين النّساء والرّجال، والمنتصفة للنّساء في مجال المشاركة السّياسيّة. وقد بيّنت بعض الأبحاث أنّ هذا الاّتجاه السّوسيوبيولوجيا لم ينتشر ويلق صدى في فرنسا مثلا إلاّ لدى منظّري اليمين الجديد[31]، فهو اتّجاه يظلّ مطوّقا وغير مقبول.
إنّ النّوازع الذّكوريّة ما زالت قائمة في العالم أجمع، إلاّ أّن العالم الغربيّ طوّر المعارف والمبادئ والآليّات التي تقيه منها إلى حدّ بعيد. ومن هذه المعارف البحث في "الجندر" أو النّوع الاجتماعيّ وهو بحث يسير في اتّجاه معاكس للسّوبيولوجيا، فهو كما أشرنا يعتبر الفوارق بين النّساء والرّجال ثقافيّة تاريخيّة لا طبيعيّة سرمديّة. ومن المبادئ والآليّات مبدأ المساواة الذي أصبحت له فاعليّة قصوى في شتّى مجالات الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة وآليّة "إنصاف" النّساء (parité)التي نشأت لجعل مبدإ المساواة أكثر فاعليّة في المجال السّياسيّ، بحيث أنّها تمثّل "تمييزا إيجابيّا" ظرفيّا من شأنه أن يساعد النّساء على دخول البرلمانات وحلول المناصب التّسييريّة.
أمّا في العالم العربيّ، فالتّركيبة الفحوليّة السّياسيّة يضاف إليها كما رأينا بعد دينيّ يؤسطرها و"يأمثلها" ويأبّدها. ولكنّ الأدهى هو أنّ هذه التّركيبة الفحوليّة-السّياسيّة-الدّينيّة ليست مهمّشة في الممارسة الاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة. فالبلدان العربيّة تنتج منذ العشرينات على الأقلّ، وتصدّر موجات من الثّقافة المعتمدة لهذه التّركيبة، الملحّة على بعدها الثّالث. هذه الثّقافة المناهضة لخروج المرأة من حجبها، المناهضة لتقلّدها وظائف الزّعامة، مدعومة بالكثير من التّشريعات في الكثير من البلدان العربيّة، مدعومة بالمؤسّسات الدّينيّة الكبرى التي ما زالت رافضة لحقوق الإنسان، ولحقوق الإنسان للمرأة، بل إنّها مدعومة بالهياكل التّمثيليّة المنتخبة، فالبرلمنات العربيّة لا تسير في الغالب في اتّجاه الاعتراف بأهليّة المرأة ومساواتها التّامّة مع الرّجل، الدّليل على ذلك المثال الذي ذكرناه عن رفض البرلمان الكويتيّ منح النّساء حقوقهنّ السّياسيّة المرّة تلو الأخرى. والدّليل على ذلك مطالبة الكثير من البرلمانيّين المنتخبين بالتّراجع عن الحقوق الممنوحة للمرأة. ففي سنة 1988 دعا أحد نوّاب التّيّار الإسلاميّ في "مجلس الشّعب" المصريّ "بعدم تعيين الإناث في الوظائف الحكوميّة من أجل القضاء على ظاهرة البطالة."[32]
هذه الثّقافة ليست مهمّشة وهي إلى ذلك كلّه ثقافة رائجة، تكاد تهيمن على وسائل الإعلام السّمعيّة والبصريّة، والقنوات الفضائيّة العربيّة التي تخصّص حصصا هامّة لشيوخ الإفتاء أبرز مثال على رواج هذه الثٌّقافة وتلبيتها لحاجيات الجماهير العريضة. خصوصيّتنا الثّقافيّة إذن هي هذه : لا نتحفّظ على حقوق المرأة فحسب، بل ننتج ثقافة تقدّم ترسانة من الأحكام والفتاوى والتّصوّرات المناهضة للمرأة.

بين التّمسّك بمنظومة فقهيّة صنعت لمجتمعات قديمة، وإكساب شرعيّة معاصرة لأفكار قديمة، وإكساب شرعيّة قديمة لأفكار معاصرة ربّما أمكن لنا أن نجد بدائل أكثر ملاءمة مع الذّات المسؤولة التي نريد أن نبتنيها. إنّها بدائل لا تتطلّب اجتهادا، بقدرما تتطلّب جهدا عمليّا ونفسيّا. أمّا الجهد العمليّ فيتمثّل بكلّ بساطة في الإقبال على الممارسة السّياسيّة. فلا تكفي مقترحات الإصلاح الدّينيّ بل والتّيولوجيّ لمواجهة بنى الفحولة وتعبيراتها الدّينيّة، بل لا بدّ أوّلا من إقبال النّساء فعليّا على المطالبة بحقوقهنّ السّياسيّة والمدنيّة وإقبالهنّ على المشاركة، فالممارسة السّياسيّة هي التي من شأنها أن تخلق المشهد السّياسيّ، وتنضج الفعل السّياسيّ. ولا بدّ ثانيا من أن تنتج الحركة الحقوقيّة العربيّة، أو تواصل إنتاج ثقافة مدنيّة جديدة مبنيّة على المساواة، ومن أن تعتمد استراتيجيّات ناجعة لترويج هذه الثّقٌافة على النّطاق الواسع حتّى لا تترك المجال واسعا أمام الثّقافة الدّينيّة الفحوليّة المستشرية. أمّا الجهد النّفسيّ فهو الذي سنهتمّ بتفصيله منطلقين من الفرضيّة الموالية : الفحولة ليست بنية للمجتمع وللدّولة معرّضة اليوم إلى الخطر فحسب، بل هي أيضا بنية نفسيّة للثّقافة السّائدة في العالم العربيّ، ولذلك فقد تجد آليّاتها لدى المدافعين على المرأة نفسهم. وأقصد بالبنية النّفسيّة الفحوليّة الوضعيّة المتمثّلة أساسا في رفض الفقدان والنّقص، ورفض المستحيل الذي يفرضه الواقع، وطلب القوّة والهيمنة. فربّما آن الأوان لأن ننطلق من فقدان أوهامنا لا من الاحتفاء بها وزيادة تغذيتها، ولأن ندرك أنّ سياسة سحب البساط من الواهمين بالأصل الفردوسيّ المفقود بمشاركة هؤلاء في جزء من أوهامهم لا تزيد إلاّ في تعميم الوهم وزيادة التّمسّك الماليخوليّ به، والماليخوليا هي العجز عن الحداد، أي العجز عن قبول واقع الفقدان، واقع فقدان الوهم وواقع اليتم واستحالة عودة الماضي. وهذا هو شأن الفحولة الجريحة التي ترفض واقع النّقص وتصطدم به.

أ- فاقد الشيّء هو الذي يمكن أن يعطي. يمكن أن يشرع في العطاء. يمكن أن ننطلق من الوعي بالفقد لنقول إنّ المشاركة السّياسيّة عموما لا المشاركة السّياسيّة للمرأة فحسب، أمر لم يكن مفكّرا فيه في الأبيستميه القديمة. إنّه مفهوم يحيل إلى سجلّ المواطنة، بل هو مرادف للمواطنة من حيث هي إسهام في تسيير المدينة. وهذا المفهوم تشكّل في نسيج فكريّ حديث، أي في علاقة بمفاهيم "التّعاقد"، تعاقد الارتباط الذي يكون مصدر السّيادة السّياسيّة، ومفهوم "دولة القانون" التي تعني أنّ سلطة غير شخصيّة هي سلطة القانون فوق كلّ الأشخاص، و"التّفرقة بين السّلط" و"المساواة" واللاّئكيّة التي لا تعني الإلحاد بل تعني أنّ الشّرعيّة السّياسيّة لا يمكن أن تستمدّ من الدّين، لأنّ الممارسة السّياسيّة لابدّ أن تكون بشريّة وإن نطقت باسم الدّين، وتعني التفرقة بين الخاصّ والعامّ لأنّ العامّ يجب أن يكون مشتركا، وتعني حياد الدّولة دينيّا.
فمرجعيّة هذا السّجلّ ليست تراثيّة، والتّقابل بين المرجعيّتين الفقهيّة والدّيمقراطيّة أساسيّ، رغم أنّ المطامح العامّة التي تسيّره توجد في التّراث، أعني التّوق الإنسانيّ، توق كلّ إنسان إلى العدالة والمساواة والحرّيّة. فقد بيّنت بعض الأبحاث العربيّة الحديثة أنّ النّظريّة السّياسيّة التي سادت في تراثنا هي نظريّة مماثلة لنظريّة الحقّ الإلهيّ للملوك يعبّر عنها مبدأ "طاعة الإمام من طاعة الله"[33]، بحيث تمّ ربط هذه الّطاعة بالسّعادة، وأصبحت "جزءا من العقيدة السّياسييّة لأهل السّنّة والجماعة."[34] وفيما يلي بعض النّقاط الدّالّة على اختلاف المرجعيّة التّراثيّة عن المرجعيّة الدّيمـقراطيّة الحديثة :
* لقد اهتمّ الفقه الإسلاميّ الذي أصبح يسمّى "الشّريعة" بكلّ صغيرة وكبيرة في مجال العبادات والمعاملات، ولكنّه لم يقنّن سلطة أولي الأمر على نحو من الأنحاء، ولم ينتج مؤسّسات وآليّات لمراقبة الحكم. بل نجد تبريرا للسّلطة الجائرة في الأبواب المتعلّقة بالخارجين على سلطة الإمام أو "المحاربين على التّأويل" وحكمهم القتل في الغالب، ومن هذه الأبواب باب "الحرابة"[35] و "باب البغي"[36]. فلم يكن يوجد في الممارسة السّياسيّة القديمة سوى ثنائيّ الرّاعي والرّعيّة، وقد كان الفقهاء والعلماء في أحسن الأحوال يكتفون بتقديم النّصائح للخلفاء والأمراء.
*اقتصرت كتب الآداب السّلطانيّة، التي كانت نتيجة تثاقف بين العرب والفرس، على التّدبير السّياسيّ العمليّ خاصّة، ولم تهتمّ بأصل السّلطة وشرعيّتها وعدلها وإنصافها، بل اهتمّت بتبرير انتقال الخلافة إلى ملك عضوض منذ منتصف العقد الرّابع من القرن الأوّل وقامت بوظيفة "تكريس تصوّرات معيّنة للسّلطة وإبراز حتميّة القهر كخاصّيّة ضروريّة لكلّ سلطة في التّاريخ، ولزوم الولاء والطّاعة والصّبر، وهي أخلاق العامّة المطابقة لإرادة التّاريخ ومقتضيات الزّمن، حيث لا مفرّ من السّلطان القاهر العادل، القويّ والمنصف..."[37]
*مبدأ الشّورى الذي يقدّم اليوم على أنّه بديل ممكن للدّيمقراطيّة قد يمثّل توقا إلى عقلنة القرار السّياسيّ، ولكنّه لم يتحقّق طوال التّاريخ، ولا يذكر ضمن شروط الإمامة، وهي الرّئاسة العامّة في الدّين والدّنيا، وهو إضافة إلى ذلك يبقى دون المأمول لأنّ هذه الشّورى تتمّ بين أهل "حلّ وعقد" غير منتخبين، وليس من بينهم نساء. فالتّمسّك بهذا النّموذج هو من باب رفض الحداد على الأموات، ومن باب عبادة الذّوات الضّعيفة لأشيائها الخاصّة، وافتخار المنطوي على نفسه بما يعدّه الأفضل والأصلح.

ب-الوعي بالتّاريخ وعي بالنّسبيّة، والوعي بالنّسبيّة وعي بالحدود. وما ينظّم علاقات النّاس في الدّنيا مبصوم بالدّنيويّة وإن كان ينطق باسم الدّين، مبصوم بانتمائه إلى زمانه. ولذلك فلا بدّ من مواصلة بيان تاريخيّة الأحكام الفقهيّة، لا سيّما تلك المتّصلة بمجال المعاملات، ولا سيّما تلك المتّصلة بالمراتبيّة الاجتماعيّة وبتقسيم الأدوار الجندريّة. وبيان تاريخيّة الأحكام الدّينيّة المتّصلة بالمعاملات يعني الوعي بالوظيفة التي كانت تؤدّيها في السّياق الاجتماعيّ الذي ظهر فيه الوحي.
فالخمار مثال على ما يمكن تنسيبه ببيان وظيفته التّاريخيّة وعلاقته بالتّمايز الطّبقيّ. فإضافة إلى كونه مكمّلا لمؤسّسة "الحجاب"، أي للفصل المؤسّسيّ بين فضاءين عامّ وخاصّ، كان وسيلة تمييز بين الحرائر والإماء كما يفهم من تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب[38] : "يَا أَيّهَا النَّبِيّ قُلْ لِأَزْوَاجِك وَبَنَاتك وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبهنَّ" جَمْع جِلْبَاب وَهِيَ الْمُلَاءَة الَّتِي تَشْتَمِل بِهَا الْمَرْأَة أَيْ يُرْخِينَ بَعْضهَا عَلَى الْوُجُوه إذَا خَرَجْنَ لِحَاجَتِهِنَّ إلَّا عَيْنًا وَاحِدَة "ذَلِكَ أَدْنَى" أَقْرَب إلَى "أَنْ يُعْرَفْنَ" بِأَنَّهُنَّ حَرَائِر "فَلَا يُؤْذَيْنَ" بِالتَّعَرُّضِ لَهُنَّ بِخِلَافِ الْإِمَاء فَلَا يُغَطِّينَ وُجُوههنَّ فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُنَّ "وَكَانَ اللَّه غَفُورًا" لِمَا سَلَفَ مِنْهُنَّ مِنْ تَرْك السِّتْر "رَحِيمًا" بِهِنَّ إذْ سَتَرَهُنَّ".[39]

ج- ما يحول دون الاعتراف بأهليّة المرأة للمشاركة السّياسيّة للمرأة هو عين ما يحول دون السّياسيّ، أو ما يقضم فضاء السّياسيّ باستمرار. فواجب الطّاعة في المجالين الخاصّ والعامّ، والبنى الصّهريّة المنجرّة عنه هي المناطق الكارثيّة التي يجب أن نعي بها. واجب الطّاعة الزّوجيّة يصهر الزّوج في الرّئيس، ويصهر الخصم في القاضي، ويحدّ من إمكانيّات التّقاضي بالنّسبة للزّوجة، أي لا يترك مجالا لسلطة القانون التي يجب أن تكون فوق الجميع. وواجب الطّاعة في المجال العامّ يصهر الأب-الفحل في الرّئيس، ويحول دون السّلطة التي من شأنها أن تحدّ من السّلطة. فالأب يطاع ولا يحاسب لأنّه وليّ النّعمة ومالك الرّقاب، وهو راع لا تسأله رعيّته عمّا يفعل. وإذا كان هذا الأب-الفحل-الرّئيس إماما يضع قناعا دينيّا ويتكلّم باسم الدّين كما في الدّول التّيوقراطيّة، فإنّ وطأة الثّنائيّة الاستبداديّة تشتدّ وتحتدّ. فلا يمكن للسّياسيّ أن يظهر دون تفرقة بين الوظائف والسّلط، ودون وجود سلطة غير شخصيّة تكون فوق الجميع، ودون وجود مجال عامّ معلمن. فالممارسة السّياسيّة لا يمكن إلاّ أن تكون بشريّة، ولا يمكن أن نحاسبها ونقيّمها إلاّ على هذا الأساس.

د-الأنثى في ثقافة الحجب والتّأثّم المنتشرة تولد آثمة، وعليها أن تثبت يوميّا براءتها. والخمار هو علامة الإثم ودليل البراءة المستحيل، لأنّ الخمار يجب أن يجرّ وراءه كوكبة لا تنتهي من الأفعال والسّلوكيّات الهوسيّة المتناقضة مع الفعل والمشاركة : رفض الاختلاط، رفض الخلوة، رفض المصافحة واعتبار المرأة مواطنة من نوع خاصّ. فما قد يعوق المشاركة السّياسيّة للمرأة هو اختزال المرأة في جنسها، أي في كونها أنثى، تنبعث من جسدها إشعاعات "الفتنة" الفاسدة. لقد انتقلنا من الحجاب بالمعنى الفضائيّ، بمعنى الحاجز الفاصل بين المجال الخاصّ الذي تأهله المرأة المحرّمة والمجال العامّ إلى الحجاب بمعنى الثّوب المسدل على المرأة، وهو ثوب لا يعوقها كثيرا عن العمل والخروج. إلاّ أنّه تجسيد لمنطق التّأثّم الذي يظلّ باسطا ظلاله على جسدها وعلى المدينة.

هـ-مقولة الاختلاف الجنسيّ مقولة خاوية، لا يمكن التّفكير فيها دون ملئها باعتبارات جنسيّة تكرّس هيمنة جنس على الآخر.
وما نلاحظه هو تردّد النّسويّة العربيّة في الغالب بين طرحين لقضيّة المرأة : طرح إنسانيّ يلحّ على الاشتراك بين الرّجل والمرأة في المنزلة الإنسانيّة، وهو الطّرح الذي ظهر منذ كتاب سيمون دي بوفوار عن "الجنس الثّاني" وطرح اختلافيّ يلحّ على الاختلاف، وهو قد يفضي إلى تفضيل المرأة على الرّجل. فلعلّ الحركة النّسويّة العربيّة تغنم كثيرا إذا تمسّكت بكلّ وضوح بالطّرح الإنسانيّ الأوّل وإذا فضحت المقاربات التي "تجوهر" الفوارق بين النّساء والرّجال لغايات تخدم الهيمنة لا المساواة. ولذا فالأفضل أن لا نقول لأطفالنا : هناك جنسان : ذكر وأنثى، بل أن نقول لهم : الإنسان في أيّ مكان يولد فيكون أنثى أو ذكرا أو غير ذلك.

هذه بعض النّقاط في برنامج ينتظرنا هو برنامج ترسيخ ثقافة المواطنة في الممارسات الخطابيّة والسّياسيّة وفي النّفوس والأفئدة، وفي عقول أطفالنا الصّغار، فالثّقافة أيضا لا تحبّ الفراغ : حيث تغيب المواطنة والمساواة والدّيمقراطيّة، تحضر الصّور الفحوليّة المطمئنة الخادعة : صور الذّكر المتغلّب المخلّص أو الأب الأوحد الحامي، أو الزّعيم الموزّع لأوهام القوّة والغلبة، فيصعب على النّفوس قبول صور ما زالت باعثة على القلق : صورة المرأة-المواطنة، المرأة غير-المحجوبة، المرأة-الرّئيسة. هذا ما يحصل في عالمنا العربيّ اليوم : ما زلنا أطفالا سياسيّين يبحثون عن الأب الحامي ويغمضون أعينهم عن القساوة اللاّديمقراطيّة وعن اللاّمساواة الموحشة القابعة خلف الصّور الأليفة.


· أستاذة بكلّيّة الآداب منّوبة، تونس.
[1] -انظر تقرير التّنمية البشريّة العربيّة لعام 2002 الصّادر عن برنامج الأمم المتّحدة الإنمائيّ، ص26.
[2]-Union interparlementaire : Les femmes dans les parlements : moyennes mondiales et régionales au 23 Déccembre 2002.
[3]- Foucault Michel : L Ordre du discours, Paris, Gallimard, 1971, p12 sqq.
[4]- ابن باز عبد العزيز ، الفتاوى المنشورة في موقعه من شبكة الأنترنيت : www.ibnbaz.org.sa.
[5]-"الرّجال قوّمون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعض وبما أنفقوا بأموالهم فالصّالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ اللّه واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلا إنّ اللّه كان عليّا كبيرا."
[6] -القرطبيّ : الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التّراث، 1985، القرطبيّ : 2/1430.
[7]-انظر تحليلا للنّموذج الأحاديّ البيولوجيّ القديم الذي يجعل المرأة رجلا ناقصا والنّموذج الثّنويّ الحديث الذي يلحّ على الاختلاف الجنسيّ في :
Ben Slama Raja : "Le plein-genre" in Masculin/Féminin (gender), Paris, Editions La Découverte, 2004, p

[8] -انظر : موللير أوكين سوزان : النّساء في الفكر السّياسيّ الغربيّ، ترجمة إمام عبد الفتّاح إمام، القاهرة، المجلس الأعلى للثٌّافة، ص 103.
[9] -شعراوي الإمام محمّد متولّي: الفتاوى : كلّ ما يهمّ المسلم في حياته ويومه وغده، أعدّه وعلّق عليه د. السّيّد الجميلي، ج1 بيروت، دار العودة، 1987، 1/19.
[10] -Saadi Noureddine : "La loi au féminin : entre l universel et le spécifique", in Droits des femmes au Maghreb : l universel et le spécifique, Rabat, Friedrich Ebert Stitfung-Association démocratique des femmes du Maroc, p20.
[11] -البخاريّ : الصّحيح، القاهرة، إدارة الطّبعة المديريّة، د.ت، 1/137.
[12] -البنّا حسن : حديث الثّلاثاء، سجّلها وأعدّها أحمد عيسى عاشور، مكتبة القرآن، ص370.
[13]-Mernissi Fatima : Le Harem politique : le prophète et les femmes, Albin Michel, 1997, pp

[14] -الشّيخ حسين عبد الرّحمان، الصّباح الأسبوعيّ، 19 أوت 1985، ص 11 ، نقلا عن :
لطيف شكري : الإسلاميّون والمرأة : مشروع الاضطهاد، تونس، بيرم للنّشر 1988، ط2، ص 104.
[15]- علي حبورة/ جلال الدّين بن عصمان، المعرفة عدد 4 سنة 4 ص32، نقلا عن المرجع السّابق، ص ص 103-104.
[16] -الموقع المذكور على الأنترنيت.
[17] -Encyclopédie de l Islam, 2e éd., IV/1048-1051 (Idjma , M. Bernard).
[18] -قطب محمّد علي : بيعة النّساء للنّبيّ ص، مكتبة القرآن، ص 95.
[19] - الأيام، 16 أغسطس 2002. نقلا عن بحث سبيكة النّجّار في "المشاركة السّياسيّة للمرأة العربيّة"، منشورات المعهد العربيّ لحقوق الإنسان، تحت الطّبع.
[20] - زكي ميلاد : تجديد التفكير الديني في مسألة المرأة، الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 2001، ص 56.
[21] -الشّرفي عبد المجيد : الإسلام والحداثة، تونس، دار الجنوب، 1998، ص 155.
[22] -الجزيريّ : كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، بيروت 1998، 1/39.
[23] -أذكّر بأنّ "فحول الشّعراء" مثلا هم "الذين غلبوا بالهجاء من هاجاهم مثل جرير والفرزدق وأشباههما" وأنّ الشّاعر علقمة بن عبدة سمّي "الفحل" "لأنّه تزوّج بأمّ جندب حين طلّقها امرؤ القيس لمّا غلّبته عليه في الشّعر." (اللّسان : فحل).
[24] - الجاحظ : الرّسائل، تح عبد السّلام محمّد هارون، مكتبة الخانجي، 1979، م2/ج3/149-150.
[25] -العقّاد محمود عبّاس : المرأة في القرآن، القاهرة، دار الهلال، 1964، ط3، ص 35.
[26] -ابن أبي الضّياف : رسالة في المرأة، تح المنصف الشّنّوفيّ، حوليّات الجامعة التّونسيّة، عدد 5، 1968، ص68.
[27]-بنّاني فريدة : "وضعيّة المرأة بالمغرب بين القانون والمواثيق الدّوليّة" في : المرأة العربيّة : الوضع القانونيّ والاجتماعيّ، منشورات المعهد العربيّ لحقوق الإنسان، تونس، 1996، ص ص 280-81.
[28] -انظر على سبيل المثال : الطّبريّ : جامع البيان في تأويل القرآن، بيروت، دار الكتب العلميّة، 4/59؛ والقرطبيّ : الجامع لأحكام القرآن، 2/ 1430؛ وقد تقدّم ذكره؛ والمحلّى والسّيوطيّ : تفسيير الجلالين، القاهرة، محمّد علي صبيح وأولاده، د.ت، ص 69.
[29] - الفتاوى، 3/261-62.

[30] - الحدّاد الطّاهر : امرأتنا في الشّريعة والمجتمع، تونس، الدّار التّونسيّة للنّشر، 1985، ط4، ص 43.

[31] --Badinter Elisabeth : XY : De l’identité masculine, éd. Odile Jacob, Paris, 1992, p42.

-[32] المصريّ سناء : خلف الحجاب : موقف الجماعات الإسلاميّة من قضيّة المرأة، سينا للنّشر ط1، 1989، ص49.

[33] -انظر البحث الهامّ : عبد اللّطيف كمال : في تشريح أصول الاستبداد : قراءة في الآداب السّلطانيّة، بيروت، دار الطّليعة، 1999.
[34] -المرجع نفسه، ص 181.
[35] -ابن رشد : بداية المجتهد ونهاية المقتصد، بيروت، دار الفكر، 2001، ج2/373 زما بعدها.
[36] -ابن جزيّ : القوانين الفقهيّة، دار الفكر، دت، ص 312.
[37] -في تشريح أصول الاستبداد، ص110.
[38] - "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا".
[39] -تفسير الجلالين، موقع عجيبwww.ajeeb.com .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة