المرأة موضوعاً شعرياً في الابداع العربي - مشاعر وجدانية قدمتها رمزاً للتجدد والنماء وقرأها آخرون من مصائد للشيطان

قاسم حسين صالح
qassimsalihy@yahoo.com

2004 / 9 / 12

لان الشعر العربي، الجاهلي بالذات، كان اداة تعبير اعلامية ذاتية وموضوعية متسمة بالنضج والشيوع بين العرب كأفراد وقبائل، فأنه يمكن ان نقرر بأن الشعر العربي في كل مرحلة من تاريخ العرب يعكس او يعبر عن الواقع الاجتماعي الموضوعي لتلك المرحلة.
وبالتالي فاننا نستطيع ان نتبين موقع المرأة ومكانتها من خلال تفحصنا وتحليلنا لمضامين الشعر العربي، وان كانت معظم تلك المضامين تعبر عن منظور الرجل للمرأة، بحكم ان معظم ما قيل او ما وصلنا من شعر مكتوب هو لشعراء رجال.
لنبدأ بتأشير معالم لوضع المراة في العصر الجاهلي، او بتعبير ادق عصر ما قبل الاسلام.
تحتل المرأة في حياة الجاهلي موضع القلب من جسده واهتمامه وشعره وقد حملت هذه المكانة السامية للمرأة بعض الباحثين من المستشرقين علي القول بان العرب كانت تتبع في الازمنة القديمة نظام الامومة . وهناك من الادلة ما قد يعزز مثل هذا القول.
فقد استنتج بعض الدارسين ان انتساب الافراد الي امهاتهم وشيوع مفردات مثل البطن والفخذ والظهر والدم والرحم الي شيوع الامومة عند العرب. وهناك دليل ربما كان اقوي بنظر البعض هو ان اهم الالهة كانت اللاة وعزة ومناة.. منحوها صفات الانوثة في الاخصاب والولادة والخضرة والخير.
قال المرقش الاكبر:
اينما كنت او حللت بأرض او بلاد احييت تلك البلادا
كانت المرأة، في ذلك العصر ، موضوع الحب والشوق والوجد الي الحد الذي يستهوي العربي في ان يفني فيها. فلقد قيل لاعرابي: (ممن انت؟) فأجاب: (انا من قوم اذا احبوا ماتوا) . فقالت جارية سمعته: (عذري ورب الكعبه)، (ابن خلكان، ص: 203)، اي من قبيلة بني عذره الذين عرف عنهم هيامهم بحب النساء. ويري الجاحظ ان ليس هناك احداً مات في حب والديه او ولده او ثروته او بيته( كما رأيناهم يموتون من عشق النساء) (الجاحظ ،1978).
تلك حالة كانت شائعة بين العرب في العصر الجاهلي، ونجد في قصائد عديدة ما نجده في ابيات عروة بن حزام من تعبير عن مشاعر الرجل تجاه المرأة الحبيبة.
واني لتعروني لذكراك هزة لها بين جلدي والعظام دبيب
بنا من جوي الاحزان والبعد لوعة تكاد لها نفس الشقيق تذوب
وما عجبي موت المحبين في الهوي ولكن بقاء العاشقين عجيب
(الاصفهاني ، 1927)
وقول مجنون ليلي:
عجب لعروةا لعذري اضحي احاديثا لقوم بعد قوم
وعروة مات موتا مستريحا وها انا ميت في كل يوم
(الاصفهاني ، 1927)
او كقول ابن الحدادية:
واني لانهي النفس عنها تجملا وقلبي اليها الدهر عطشان جائع
واني لعهد الود راعٍ وانني بوصلك مالم يطوني الموت طامع
(شعر قيس بن الحدادية)
المراة الحبيبة
وقل مثل ذلك او اكثر في اشعار مجنون ليلي وجميل بثينة وغيرهما كثير، مما يوحي بان المرأة الحبيبة كانت تساوي الحياة عند الشاعر آنذاك. فهي الفرح الذي ينسي الكآبة والامتلاء الذي يقتل الفراغ

والجمال يبعث في النفس احساسا بالراحة واللذة فتكون الحياة وحده اكثر جدة وملأمة وتألفاً (السعدون ، 1969). مما يوحي بان العربي في ذلك الزمان يتباهي بان يحب ويعشق ويجاهر بحبه.. علي عكس ما حصل بعد الاسلام حيث اصبح الرجل( يدرب منذ طفولته علي كبت عواطفه وازدارائها وعد الحب مظهراً من مظاهر الضعف والانوثة لا الرجوله سعادة وهو نمط سلوكي له اثره النفسي السلبي علي الرجل ذاته، وعلي طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة وعلي منظور الرجل للمرأة ، وعلي منظور المجتمع للمرأة. فقبول المجتمع الجاهلي بان يجاهر الرجل بحبه دليل علي وجود شكل من اشكال الحرية في العلاقة بين الرجل والمرأة.. افتقدتها المجتمعات العربية اللاحقة للمجتمع الجاهلي.
فلقد كانت طبيعة الحياة اليومية للعشيرة تجعل اختلاط الرجال بالنساء امرا عاديا، يؤدي الي تكوين علاقات ينتهي بعضها الي الزواج... شرط ان لا يفصح الشاب بأسم حبيبته، كما كحصل لقيس وليلي... وامر ذلك معروف بالطبع.. وكان ان انتهت هذه المخالطة بعد الاسلام لاسباب دينية واجتماعية.
ولم تكن الخلاعة والمجانة مما يتغاضون عنه، فامرؤ القيس طرده ابوه لخلاعته. والمنافرة التي كانت بين علقمه بن علاثه وابن عمه عامر بن الطفيل كان سببها قول علقمه له: (انك اعور عاهر وانا عفيف) (الصائغ ، ص224).
كان الشاعر في ذلك الزمان يتشبث بالمرأة الحبيبة كتشبثه بالحياة.. لن يتركها مهما كلفه حبها من اذي. قال زهير :
فلست بتارك ذكري سليمي وتشبيبي بأخت بني السعدان
طوال الدهر ما ابتلت لهاتي وما ثبت الخوالد من ابان
افيقا بعض لو مكما وقولا قصيدا كما بما قد تعلمان
فاني لا يغول النائي ودي ولا ما جاء من حدث الزمان
(ديوان زهير بن ابي سلمي)
والامومة اقرب الي نفس الشاعر وعواطفه وحواسه من الابوة، وما زالت كذلك في المجتمع العربي، ولقد انتسب كثير من السادة والشعراء الي امهاتهم..
قال لبيد:
نحن بنو ام البنين الاربعة ونحن خير عامر بن صعصعه
(شرح ديوان لبيد)
وكانوا يفضلون ان يكتبوا باسماء بناتهم تفاخرا مثل النابغة الذبياني الذي يكني بابي امامه وحاتم الطائي الذي يكني بابي سفانه وقيس الشيباني الذي يكني بابي الخنساء.
والعرب تقول في الذم لا ام الفلان، وفي التعجب ويل ام فلان وفي الدعاء بالموت هبلته امه.
قالت سعدي بنت المشردل الجهنيه:
ويل ام قتلي بالرصاف لو انهم بلغوا الرجاء لقولهم او متعوا
ويل امه رجلا يليذ بظهره ابلا ونساك الفيافي اروع
اجعلت سعدا للرماح ردئية هبلتك امك اي جرد ترقع
(الاصمعيات)
واذا كان شعر الغزل قد ارتبط بالحبيبة، فقد اقترن شعر الوفاء والفخر بالام . ولا يمكن لشاعر ان يفضل زوجته علي امه. ولذلك اثارت ابيات عنترة في امه شعورا بالدهشة لانه سخر من امه وهو الفارس ذو المرؤة التي تأبي عليه مثل ذلك، حيث الفارس لا يعدل بأمه اخري. قال صخر بن عمرو بن الشريد:
فاي امرئ ساوي بأم حليلة فلا عاش الا في شقاء هوان
(الاصمعيات)
تقاليد الزواج
وكانت تقاليد الزواج في العصر الجاهلي تقضي في الغالب ان تستشار المرأة في امر زواجها .. بل وكان لها الحق في ان تطلب الزواج من رجل تختاره بنفسها كما فعلت خديجة زوجة النبي، ولقد رفضت ام كلثوم بنت ابي بكر ان تتزوج عمر بن الخطاب لانه، علي حد تعبيرها(خشن العيش، شديد علي النساء) (ابن عبد ربه، ص:275).
وكان للمرأة الحق في ان تطلب العصمة وقت الزواج. فتطلق الرجل متي تشاء اذ كانت النساء او بعضهن (يطلقن الرجال في الجاهلية. ولم تكن النساء بحاجة الي المصارحة بالطلاق، بل كان حسبهن ان يحولن ابواب اخبيتهن .. ان كانت الي الشرق فالي الغرب) ( الاصفهاني ، جـ16 ، ص: 102).
قال عبي بن الابرص لزوجتة:
وعيشي بالذي يغنيك حتي اذا ما شئت ان تنأي فبيني
(ديوان عبيد بن الابرص)
ويروي ان ضباعه بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير كانت قد تزوجت رجلا متقدما في السن. وحدث ان رآها شاب جميل وهي تطوف بالكعبة فأعجب بها، وكان هذا هو هشام بن المغيرة ، فقال لها : (قد رضيت ان يكون هذا الشباب والجمال عند شيخ كبير، ولو سألتيه الفرقة لتزوجتك. فذهبت الي زوجها وكان اسمه جدعان فقالت: اني امرأة شابة وانت شيخ كبير) (المرزباني ، ص، 102) وكان ان تركت جدعان وتزوجت هشام.
وكانت نساء شهيرات يملكن زمامهن بايديهن مثل سلمي بنت عمرو التماريه، وام هشام بن عبد المطلب، وفاطمة الافارية زوج اياد العبسي، وام الكحلة، وغير ذلك الكثيرات(الاصفهاني ، ج7، ص: 18).
وكان حب الفرسان المغاوير لزوجاتهم يفوق الوصف. لنسمتع لعنترة ما قاله لعبله:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وكان لا يخاف الموت الا لانه قد يبكيها ، وفي ذلك يقول:
يا عبل لا اخشي الحمام وانما اخشي علي عينيك وقت بكاك
(ديوان عنتره)
وبرغم ان تعدد الزوجات كان حالة قائمة في ذلك الزمان، الا ان بعض الرجال لا يميلون اليها، وهذا شاعر يصف بشكل بديع حال من يتزوج امرأتين:
تزوجت اثنتين لفرط جهلي بما يشقي به زوج اثنتين
فقلت اصير بينهما خروفا انعم بين اكرم نعجتين
فصرت كنعجة تضحي وتمسي تداول بين اخبث ذئبتين
رضا هذي يهيج سخط هذي فما اعري من احدي السخطتين
لهذي ليلة ولتك اخري عتاب دائم في الليلتين
فان احببت ان تبقي كريما من الخيرات مملؤ اليدين
فعش عزبا فان لم تستطعه فضربا في عراض الجحفلين
(ابو علي القالي، ص : 35)
وكانت المرأة في عصر ما قبل الاسلام ( الجاهلية) تخالط الرجال وتحادثهم وتشارك في موسيقي الاعياد العائلية والقبلية، وكانت الفتيات يغنين علي كل ماء حيث يعسكرون ويطلن السنتهن بهجاء المنافقين(فارمر1956).
وتشير بعض المصادر( صلاح الدين المنجد وعلي عثمان وحسن محمد جوهر) الي ان المرأة في ذلك العصر كانت قوية الشخصية، متمسكةبالاخلاق الكريمة مترفعة عما يشينها او يحط من قدرها عند اهلها وقومها، ولم تكن حبيسة دارها، بل كانت تخرج متي تشاء وتخالط من تشاء، وقد نبغ عدد من النساء كالخنساء وخرنف وكبشه وجليله بنت مره وزوجة كليب الفارس المشهور وميسه بنت جابر وأميمة امراة ابن الدمينة التي قالت شعرا في عتابه قبل ان تقترن به لم يقل، ربما، في العتاب اجمل منه:-
وذلك ان ابن الدميمه هام بها ثم تجني عليها ولما زارها بعد غياب طويل:
وانت الذي اخلفتني ما وعدتني واشمت بي من كان فيك يلوم
وابرزتني للناس ثم تركتني لهم غرضا ارحي وانت سليم
فلو ان قولا يكلم الجسم قد بدا بجسمي من قول الوشاة كلوم
(عثمان ، ص:50)
فأجابها معتذرا ثم تزوجها.
وبرزت في ذلك العصر ايضا نساء كان يحتكم اليهن في الشعر والادب . تحدثنا بعض الروايات عن ام جندب زوجة امرئ القيس انها كانت الحكيم بين زوجها وعلقمة الفحل. ومما يروي انهما تحاكما يوما اليها فقالت لهما انظما قصدتين من وزن واحد وقافية واحدة في وصف الخيل. فنظم امرؤ القيس قصيدته المشهورة التي مطلعها:
خليلي مرا بي علي ام جندب ولم يك حقا كل هذا التجنب
ونظم علقمه قصيدة مطلعها:
ذهبت من الهجران في كل مذهب وللزجر منه وقع اهوج متعب
وعندما انشداها القصيدتين حكمت لعلقمه لان امرئ القيس في رأيها ساق الفرس بسوطه واجهده عندما قال:
فللسوط الهب وللساق درة لنقضي لبانات الفؤاد المعذب
اما علقمه ادرك فرسه طريدته وهو ثاني عنانه، وقد قال:
فأدركهن ثانيا من عنانه يمركمر الرائح المتعب
فغظب امرؤ القيس وطلق امراته فتزوجها علمقه
(عثمان ، ص: 51)
مقدسات قبليه
واذا كان كل ما تقدم يشكل مؤشرات ايجابية عن مكانة المرأة ذي ذلك العصر - الجاهلي - (وسنري ان مكانتها في ذلك العصر افضل بكثيرمن مكانتها في العصر العباسي) فأنه يوجد في الجانب الاخر كثير من المواقف السلبية تجاه المرأة، يقف في مقدمتها ظاهرة الوأد، بالرغم من كل التخريجات التي عزاها البعض الي انها كانت ظاهرة محدودة مقتصرة علي نفر قليل ، وان فاعليها كانوا يبررونها بخشيتهم علي سمعتهم من العار الذي يلحق بهم اذا ما انحرفت المرأة او سلبت. وان الخوف من اهانة المرأة، كونها من مقدسات القلبية، او اذلالها علي يد قبيلة غربية كان اصعب علي العربي من وأدها حين يشعر بانه عاجز عن حمايتها . فلقد شكلت ظاهرة الواد هذه علي مدي الزمن موقفا نفسيا من المرأة فعل فعله في المنظور الاجتماعي لها . اذا ما يزال الاباء حتي الان لا يستبشرون حين يرزقون بأنثي.
ويبدو ان ذوق العربي الجاهلي لم يكن سليما تجاه المرأة .. مما يوحي بانه كان يري فيها متعة مادية بالدرجة الاساسية. فهذا امرؤ القيس يصف المرأة : ( بيضاء رعبوبه، بالطيب مشبوبه، بالشحم مكروبه). ويصفها طرفه بن العبد بـ( مطعم شهي وملبس دفي ومركب وطي) . اما تأبط شراً فانه يري السرور في ( اكل اللحم وركوب اللحم وحك اللحم باللحم) . (العقد الفريد).
وكانوا يسمون النساء مصايد الشيطان. وقد اقترن ذكر المرأة في ادب ايام العرب بالناقة والجمل والفرس، وجميعها ترمز الي الفناء الابدي للبشرية(البياتي، 1977) . وبرغم ان العرب كانوا يحبون الفرس الا انهم كانوا يتشأمون منها. وتعد ملحمة(داحس والغبراء)دليلا علي ذلك. فقد نشبت هذه الحرب بسبب فرسين.
وكان العرب يربطون ايضا بين المرأة والناقة والموت والعطر . ففي بيت لزهير بن ابي سلمي في معلقته التي قالها في يوم داحس الغبراء يمدح رجلين عظيمين نهضا للسلم والصلح، يقول:
تداركتما عبسا وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم
(ديوان زهير)
و(منشم) هذه امرأة عطاره. وكان العطر يستخدم قبل اندلاع الحروب الكبيرة.. اذ يغمس الاحلاف ايديهم في قارورة عطر، ثم يتم القسم حولها والتعاهد علي احترام هذا التحالف.
وكانوا قد ربطوا ايضا بين الناقة وحملها وبين المرأة وزفافها. فمنعوا زواج بناتهم في شهر ( شوال) لانه شهر تتلقح فيه النوق، واسم الشهر مأخوذ من هذه العملية التناسلية وهو (الشوال) فتشأموا من تزويج بناتهم فيه.
وكانت معظم حالات الحب الشائعة او (الاسطورية) وحالات العشق تولد وبذور فنائها فيها، وتنتهي الي مثل ما انتهت اليه قصة حب امرئ القيس الذي ارتدي حلة قشيبه موشاة بالذهب لكنها مسمومة.. فتساقط لحمه. ولم تنته القصة بامرئ القيس بالموت مقتولا لانه احب ابنة القيصر، بل رمزت ايضا الي حب نما فوق قمة جبل (عسيب) لفتاة من بنات الملوك قتلها الحب ايضا هناك، فدفنت في موضعها ودفن امرؤ القيس الي جوارها فكتبوا علي قبره قوله:
أجارتنا ان المراز قريب واني مقيم ما اقام عسيب
اجارتنا انا غريبان ها هنا وكل غريب للغريب نسيب
(الاصفهاني ، 1927)
ويبدو الضعف الانثوي والاحتماء بالرجل الي درجة من نكران الذات، بل الموت في سبيل الحفاظ علي صيانة هذا الضعف، ظاهرة اجتماعية سائدة في ذلك الزمان.
تقول فاطمة بنت الاجحم ترثي زوجها الجراح:
يا عين تبكي عند كل صباح جودي باربع علي الجراح
قد كنت لي جبلا الوذ بظله فتركتني اضحي باجرد ضاح
قد كنت ذات حمية ما عشت لي امشي البراز وكنت انت جناحي
فاليوم اخضع للذليل واتقي منه وادفع ظالمي بالراح
(جاد المولي، 1942)
لنكتفي عند هذا الحد، فلسنا هنا بصدد تقديم تحليل تفصيلي لواقع المرأة في ذلك العصر ، فهذا موضوع بحوث كبيرة ولا شك. ولكننا اردنا من كل ما تقدم تحديد معالم صورة المرأة في ذلك العصر الجاهلي، ومن خلال الشعر، لنتابعها في مراحل اجتماعية لاحقة.
المرأة موضوعاً شعرياً للابداع العربي
يبدو ان المرأة في العصرين الاموي والعباسي قد خسرت الكثير مما كانت تتمتع به من مكانة (علي محدوديتها) في العصر الجاهلي.
وكان من اهم الاسباب وراء ذلك هو الرجل اة بالاحري فساد الرجل الحاكم اي رجل السلطة فبعد ان كانت الصحراء لا تجود علي العربي الا بما يبقيه حيا، اصبحت الاموال لدي فئة الحكام والطبقة العليا في العصرين الاموي والعباسي تفيض عن حاجاتهم، فاقتنوا الجواري من جهة، وانشأؤا مؤسسة الحريم المحروسة بالمخصيين من جهة اخري.. فوجدت المرأة العربية نفسها ان دائرة حصارها اخذت تطبق عليها.. وان الصعقة آتية وانها مأخوذة لا محاله.
ففي الجاهلة وصدر الاسلام كانت الجواري والفتيات من السبايا. وكانت المرأة العربية حرة. اما في العصرين الاموي والعباسي فقد اختلط الامر علي المرأة العربية الحرة بفعل اتساع الامبراطورية الاسلامية وانتقال تقاليد حضارية جديدة. لكنها وعت انها تلقت الان اهانتين اضافيتين . انها ستتحول الي سلعة بيد الرجل، بعد ان جعل الرجل من المرأة الجارية جسدا يشبع منه رغباته ويسكب فيه قذاراته، وان عليها ان تميز نفسها عن المرأة الجارية.. ولا سبيل الي ذلك سوي الاعتكاف في بيتها وبقبولها بذلك.. او استسلامها الدفاعي - ان خسرت حريتها لقرون عديدة، وتدنت مكانة المرأة ، وظهر ذلك جليا في الشعر والمأثور الشعبي . فهذا وهب بن منبه( في العصر العباسي) يقول: ( عاقب الله المرأة بعشر خصال: شدة النفاس ، وبالحيض، وبالنجاسه في بطنها وفرجها، وجعل ميراث امرأتين ميراث رجل واحد، وشهادة امرأتين كشهادة رجل، وجعلها ناقصة العقل والدين، لاتصلي ايام حيضها ، ولا يسلم علي النساء، وليس عليهن جمعه ولا جماعه ولا يكون منهن نبي، ولا تسافر الا بولي) (البرقوقي، ص: 476).


المتنبي يصف المرأة
ويري المتنبي، ذلك الشاعر الذي (ليس في العالم اشعر منه) ان المرأة ناقصة بطبيعتها، فهو عندما يصف اخت سيف الدولة يقول عنها انها ليست انثي العقل والحسب ، ومعني ذلك ان الانثي عنده اقل مرتبة
وان تكن خلقت انثي لقد خلقت كريمة غير انثي العقل والحسب
وشبه الدنيا بالمرأة من حيث الغدر والخيانة ويتساءل:
شيم الغانيات فيها فلا ادري لذا انث اسمها الناس ام لا.
ونتيجة لحياة الخلاعة والمجون مع الجواري، او التأثر بها، فقد اهمل او قل اهتمام الرجل بزوجته... واصبح ذوقه متدنيا في المرأة. لانه ارتبط بمتعة آنية مع جارية طارئة.. فركز علي موضوع اللذة .. الجسد .. وتفنن الشعراء في وصف تفاصيل جسد المرأة ، واهملوا جوهرها، مما افسد الذوق لمئات السنين.. وحتي الان. ويبدو ان هذه الظاهرة قد افسدت ذوق حتي الشعراء من امثال الشاعر الزاهد ابو العتاهية ، فقد وصف عتبه جارية المهدي التي ولع بها كثيرا بقوله:
كأنها من حسنها درة اخرجها اليم الي الساحل
عيني علي عتبه ونهلة بدمعها المنسكب السائل
بسطت كفي نحوكم سائلا (فمتي) تردون علي السائل
(سابا، ص:67)
وهكذا اقتصر وجود المرأة علي اشباع حاجة جنسية بذوق متدن ومتخلف ايضا مقارنة بوضعها في العصر الجاهلي(وخاصة في العصر العباسي الذي اعده عصر تدهور المرأة واحساسها الحقيقي بالقهر) بالرغم من عظمة العصر العباسي وما وصل اليه من قمم حضارية)
يقول ابن الرومي:
اعانقها والنفس بعد مشوقة اليها وهل بعد العناق تدان
والثم فاها كي تموت حرارتي فاشتد ما ألقي من الهيجان
(البرقوقي،ص: 82)
ويمكن للقاري الكريم ان يراجع كتاب البرقوقي(دولة النساء) الذي يدور كله حول جزئيات جسد المرأة.
والغريب ان العديد من الرجال المتنفذين في السلطة الذين يدعون انهم يطبقون مبادئ الاسلام، كانوا يسلكون سلوكا مضادا للمرأة ، محقرين اياها نفسيا وجنسيا واجتماعيا، بشكل يتنافي كليا مع تعاليم القرآن التي دعت الي تحقيق نقله نوعية في وضع المرأة ومكانتها الاجتماعية. ولقد بقيت حالة المرأة هذه " تنزل من درك الي درك طوال مدة الامبراطورية العثمانية .. ولا عجب ان يكون من احد اسباب الانحطاط العام انحطاط المرأة اذ كانت جاهلة لا تستطيع ان تعلم اولادها الا الخرافات والاساطير ( سعادة ،ص:17).
وحدث ان ظهر في عصر النهضة العربية كتاب وشعراء عرب بدأوا حملة تثقيف للمرأة ودعوا الي مناصرتها وتحررها . وبرزت في هذه المدة ثلاث شاعرات طليعيات هن: عائشة التيمورية، ووردة اليازجي وزيبنب بنت فواز العاملية. في حين لم تظهر منذ العصر العباسي وحتي القرن التاسع عشر سوي شاعرة واحدة متصوفة هي رابعة العدوية. والاحتمال كبير ان هناك شاعرات كثيرات لم يبرزن بسبب الواقع المتخلف للمرأة في تلك المرحلة.
كتبت عائشة التيمورية (توفيت عام 1902) ثلاثة دواوين. لم تنزع الحجاب، ولكنها تحدت التقاليد وغنت للحب:
يابغية الصب رفقا بالفؤاد فقد اشجاه مابك من تيه ومن يل
بالصد الهبت قلبا انت ساكنه هلا عطفت علي سكناك يا أملي
( عبد الرحمن ، 1963، ص:21)
اما وردة (توفيت عام 1924) ابنة العلامة ناصيف اليازجي، فقد كتبت شعر الغزل بحرية اوسع وصراحة اوضح:
مني السلام الي من صار بالسحر وبدل النوم بعد العين بالسهر
هذا سلام اليه اليوم ابعثه مضمخا بشذاء العنبر العطر
غاب الحبيب وما غابت مأثره عنا فأردف ذاك الخبر بالخبر
ان كان قد بان من عيني فلا عجب اذا اعتبرت فهذي عادة القمر
من ذا الذي فرق الاحباب يجمعهم ولا يعود يرينا حالة السفر
( اليازجي ، ص : 4)
اما مواطنتها اللبنانية الشاعرة زينب(توفيت عام 1914) فلها ديوان شعري فيه غزل رقيق يدلل علي جرأة صاحبته:
سري غرامك في قلبي وفي جسدي لذاك اثر اشعاعا واحراقا
كلي بكلك مشغول ومرتبط فلست اشكو الي لقياك اشواقا
واصبح القلب من وجد يذوبه نور الشبيبة تهياما واشفاقا
(المسكوني ، ص: 225)

الزهاوي مناصراً للمرأة
وكان من ابرز الشعراء الذين ناصروا قضية المرأة هو الشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي(توفي عام 1936) . وبفعل التخلف والتقاليد والقيم الاجتماعية المتزمنه، فقد اتهم بالكفر والالحاد لدعوته المرأة الي السفور.
اسفري فالحجاب يا ابنة قهر هو داء في الاجتماع وخيم
وقد شخص الزهاوي، كغيره من المثقفين الناهضين ، تخلف المجتمع العربي بسبب تخلف المرأة.
ولو انهم ابقوا لهن كرامة لكانوا بما ابقوا من الكرماء
الم ترهم اسموا عبيدا لانهم علي الذل شبوا في حجور : ماء
ويشخص الزهاوي ان زواج المرأة هو نوع من الاستعباد بكل ما فيه من مهانة وتبعية:
لقد اضاعت عنده من الحياة حقها
فهل تزوجت به ام ملكته رقها
ويصور مهانة المرأة كالاتي:
الناس في الشرق ظلوا سبيلهم واضلوا
وبالحياة استخفوا وبالحقوق اخلوا
ظن النساء رجال صنعا اداة يحل
وانهن كحيوان ليس يهديه عقل
وانهن متاع لهم من النفس يخلو
وانهن ملذات تشتهي وتحل
وانهن ظروف يراد منهم نسل
لاربع محصنات منهن يكفل بعل
وكل ذلك منهم اذا تأملت جهل
(ديوان الزهاوي)
وتصور الشاعرة العراقية نازك الملائكة بعدد من قصائدها حالة الصراع والتناقض والالم حين استطاع عدد من النساء الخروج من البيت الي العمل فصد من بواقع اجتماعي قاس.
وتذهب الشاعرة الفلسطينية فدوي طوقان الي ابعد مما ذهبت اليه نازك الملائكة ، فتري ان حرية المرأة مزيفة، لانها تعيش في مجتمع ليس حرا.
تقول فدوي:
الهواء الثقيل يكتم انفاسي
يغل دفق شعوري
كلما ضقت بالظلام وبالكبت، تلفت مثل طير مكبل
علي فجر الخلاص يلمح ، لا شيء سوي الليل..
ليل سجني المقفل
واذا انشق باب سجني اطلت
منه عينا وحش رهيب كبير
(فدوي طوقان)
هكذا كانت فدوي طوقان صادقة تماما حين صورت المرأة بانها تري في المجتمع وحشا كسرا.
ومع ذلك فان هناك من الشعراء من يقف مع المجتمع ضد المرأة. وابرزهم العقاد. وتمثل افكاره ومواقفه عن المرأة الافكار والمواقف الاجتماعية التقليدية التي لا تزال قائمة حتي الان. فهو يضع المرأة في مرتبة ادني من الرجل.. صغيرة الشأن .. قصيرة النظر ... مراوغة .. خداعة بطبيعتها.
خل الملام فليس يثنيها حب الخداع طبيعة فيها
هو سترها وطلاء زينتها ورياضة للنفس تحييها
وسلاحها فيما تكيد به من يصطفيها او يعاديها
وهو انتقام الضعف ينقذها من طول ذل بات يشقيها
انت الملوم اذا اردت لها ما لم يرده قضاء باريها
خنها ولا تخلص لها ابدا تخلص الي اغلي عواليها
(العقاد ، 1942)
اي موقف مريض ردئ هذا .. تجد اردأ منه واقبح في اشعاره الاخري فهو يري ان المراة المتزوجة تحب رجلا غير زوجها ، وان المرأة ماسوشيه تحب من يهينها ويذلها، وتبتعد عمن يعاملها بلطف.. وينصح الرجال بأن يجعلوا من النساء لعبة يتسلون بها لساعات ليس اكثر . كل ذلك يصوره في ابيات شعر كرهت ان اوردها هنا.

نزار قباني شاعر المرأة
اما " شاعر المراة" نزار قباني.. هذا الغابة التي لا تتساوي فيها الاشجار ، والتي نجد فيها الاحراش والازهار... والاثمار الحلوة والمرة والسامة... كان له تأثير كبير في نظرة الرجل للمرأة.
لقد تحدث بصوت انثوي .. لكن الانثي الكامنة في اعماق نزار قد تبدو قصة باطلة .. ولن تدل الا علي فهم مراهق لشاعر استطاع ان يفترع طريقا جديدا من الطريق العام للشعر العربي.
ان موقف نزار المرأة لا يختلف في الجوهر عن الموقف منها في العصر والعباسي فكلا الموقفين ركزا علي وصف جزئيات جسد المرأة . وكلا الموقفين جعلا المرأة في مكانة ادني من مكانة الرجل وان اختلفا نسبيا. ولكن نزار اختلف في كونه كرجلا مهذبا لديه قدرة غير عادية علي انتقاء مفردات وتعابير عادية ، يشيع فيها اجواء شعرية ، تستأثر باهتمامنا برغم تفاهة اشيائها حجما ومضمونا. واختلفت - وهذاهو الاهم- في طريقة تعامله مع المرأة.. في فن اوسايكولوجية ملاطفته لها ، كونها - من وجهة نظره - تؤخذ بالكلمة الحلوة الساحرة والاطراء الشاعري.. ولكنه حين يسيطر عليها يصبح ملكا .. ويريها منة وتفضلا في كونه ملكا ديمقراطيا .
لن تستطيعي بعد اليوم
ان تحتجي
بأني ملك غير ديمقراطي
فانا في شؤون الحب اصنع دساتيري
واحكم وحدي
هل تستشير الورقة الشجرة قبل ان تطلع ؟
هل يستشير الجنين امه قبل ان ينزل؟
كوني اذن حبيبتي
واسكتي
ولا تناقشيني في شرعية حبي لك
لان حبي لك شريعه
انا اكتبها
واناانفذها
اما انت
فمهمتك ان تنامي كزهرة مارغريت
وتتركيني احكم
مهمتك حبيبتي
ان تظلي حبيبتي
( قباني ، الاعمال الكاملة)
هكذا يريد نزار .. ان يكون ملكا .. او بالاحري خليفة عباس . والمرأة حبيبة تتلقي فعل الرجل .. او بالاحري .. جاربه .. متي ما اشبع منها رغبته تركها.
" كان عندي قبلك ... قبيلة من النساء
انتقي منها ما اريد
واعتق ما اريد "
منطق خليفة بلا عمامه
والواقع ان نزار لا يحترم المرأة كوجود بشري بأمكانات عقلية. وان تدليله لها هو لا شباع حاجة ذاتية بأسلوب اناني ، واكفاء حاجة نفسية بتصعيد نرجسي لذاته. فهو كلما التقي بأمرأة قال لها انني احببت قبلك عشرين الف من النساء ... ولكنني ما شعرت بالحب الا معك.. ويعلم هو وتعلم هي انه تاركها لا محالة الي اخري.
ويؤكد نزار قباني ان المرأة " كانت ذات يوم وردة في عروة ثوبي . خاتما في اصبعي ، هما جميلا ينام علي وسادتي . ثم تحولت الي سيف يذبحني .. فالمرأة عندي الان ليست ليرة ذهبية ملفوفة بالقطن، ولا جارية تنتظرني في مقاصير الحريم..
المرأة هي الان عندي ارض ثورية ووسيلة من وسائل التحرير.. انني اربط قضيتها بحرب التحرير الاجتماعية التي يخوضها العالم العربي اليوم.. انني اكتب اليوم لانقذها من اضراس الخليفة واظافر رجال القبيلة. انني اريد ان انهي حالة المرأة الوليمة - او المرأة " المنسف" واحررها من سيف عنتره وابي زيد الهلالي( قباني، 1971، ص: 17).
ان نصف ما قاله صحيح .. والنص الاخر لم يحققه.. ولا يستطيع ان يحققه، لانه وضع نفسه، ووضعه الناس ايضا، في موقف متعلق بقضية واحدة هي الجنس.. وساوي بين المرأة والجنس، فكان شاعرا عباسيا، ولكن بدل ان يطرب الخليفة ومن في ديوانه، مكنته التكنولوجيا ان يمتع الملايين من المحرومين والمحرومات جنسيا، العائسنين في مجتمع متخلف ، لقد احب الجنس احيانا اكثر من حبه رغيف الخبز.
وطريقة التحرر الجنسي التي توحي قصائد نزار انها هي التي تفضي الي تحرر المرأة ، هي استهلاك دعائي والهاء" ممتع" عن معالجة العلة الاساسية الكامنة وراء تخلف المرأة.
واذا كانت خيمة نزار قد استفاء بضلالها واستبرد بهوائها العديد من الناس.. في زمن عصري بأجواء سلفيه.. كانت المرأة فيها رفيق حاجة.. فان هناك شعراء جعلوا من المرأة رفيق حياة واتخذوا منها في اشعارهم رمزا للحرية والانطلاق والحياة المفعة بالسرور والمحبة، من امثال خليل حاوي وبدرشاكر السياب.
ان الفرق ليبرز شامخا بين السياب ومن يوضع معه، وبين نزار قباني ومن يتبعه في موقفهما من المرأة وفهمهما لها. فنزار - كأسلافه - ركز في معظم قصائده علي وصف جزئيات جسد المرأة وتشريح تفاصيله بلغة شعرية. اما السياب فركز علي جوهر المرأة كوجود. واذا كانت عشرون الفا من النساء لا يشبعن ظمأ نزار.. فان السياب أحب ان تكون له امرأة واحدة فقط . واذ انشغل نزار بالمرأة البرجوازية، وكرس كل شعره لغرض الترويح والتنفيس عن ضجرها فان السياب اهتم بالمرأة كواقع اجتماعي، كأنسانة مقهورة تعاني كل انواع الاستلابات، وصور علي نحو مؤثر وواقعي معاناة المرأة في المجتمع المتخلف، ففي قصيدته" المومس العمياء" لا يدين المومس فقط.. بل الرجل الذي يضاجعها.
وهم مثلها - وهم الرجال - ومثل الاف البغايا
بالخبز والاقمار يؤتجرون والجسد المهين
هو كل ما يمتلكون - كمن تضاجع نفسها - ثمن العشاء
الدافنين خروق بالية الجوارب في الحذاء
يتساومون مع البغايا في العشي علي الاجور
ليد خروا ثمن الفطور
(ديوان السياب، 1971)
ويدين السياب ، كالزهاوي ، القيم المتخلفة والتقاليد التي تتحايل علي الدين لتتخذ منه وسيلة لقهر المرأة:
اساطير مثل المدي القاسيات
تلد وفيها من دم البائسين
فكم اومضت في عيون الطغاة
بما حملت من غبار السنين
يقولون : وهي السماء
فلو يسمع الانبياء
لما قهقهت ظلمة الهاوية
باسطورة بالية
تجر القرون
بمركبة من لظي ، في جنون
لظي كالجنون
..............
(السياب ، 1972)



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة