وردة وكميلة... وجوه من رحلة الجحيم

فهد ناصر

2004 / 9 / 14

الى نادية، بيان وينار... أين نحن من كل هذا الجحيم؟
من وسط الدمار والقتل المتواصل والارهاب وطغيان الرجعية وقيم التخلف والجهل في العراق،فأن قناة الشرقية الفضائية تطل علينا بين آونة وأخرى وعبر مجموعة من التحقيقات والبرامج الاسبوعية،بما يزيد من حدة فقدان وضياع خيوط الامل بأن يكون العراق بلد آمن وان يكون فيه للانسان مكانة تليق به.
(بطاقة تموينية) هو أحد البرامج التي تقدم من خلال قناة الشرقية وبألية واسلوب يحمل الكثيرمن الرسائل المثيرة والملغزة،هذا البرنامج يأخذ اسمه من احد الرموز المؤلمة للعراقيين واحدى اليات تنظيم وادامة مجاعتهم والتي اصبحت سلاح بيد نظام الدكتاتورية والتوحش البعثي(البطاقة التموينية) التي رافقت حياة وآلام العراقيين منذ اكثر من 15 عام، قننت حياتهم وصحتهم ومقدار ما يأكلون،وبما يخدم سلطة الفاشيست التي بنيت بارواح ودماء ملايين العراقيين .
لست هنا بصدد التعرض للسياسة الاعلامية التي تنتهجها قناة الشرقية او التوقف امام الاهداف التي تتعقبها،لكني بصدد التطرق الى حلقتين فقط من برنامج بطاقة تموينية، الحلقتان اللتين خصصتا لوردة وكميلة وهما امرأتين من مناطق ارياف العراق،وبقدر ما يكشفان لنا عن مقدار الجحيم والاذلال الذي تعرضتا له،فان وقائع حياتهما تكشف لنا ايضا عن واقع مرير ولاأنساني بكل تفاصيله،واقع تعيشه المرأة العراقية في المناطق والقرى الريفية ،حيث يوجد عالم آخر لايمت للحضارة والمدنية والتقدم العلمي والتكنلوجي الذي يشهده العالم المعاصر بشيء يذكر ولا علاقة له بقضايا وحقوق الانسان –المرأة- او الطفل،اناس يعيشون على هامش الحياة ،منقطعين عن العالم الذي يحيط بهم او يشكلون جزء منه.الامية والتخلف الاجتماعي والثقافي سمة اساسية للمناطق الريفية في العراق ،حيث تمارس العشيرة بقيمها وتقاليدها سلطات واسعة تفوق في كثير من الاحيان سلطة وقوانين الدولة لجهة انتهاك كرامة المرأة واذلالها واخضاعها لعبودية مريرة.
(وردة )أمرأة من مواليد 1970 غير ان من يستمع اليها او يشاهد وجهها سرعان ما يلمس انها قد تجاوزت سنوات عمرها أضعاف المرات، وانها ضحية مباشرة لحروب الدكتاتورية وانعدام ابسط معايير العدالة والمساوات ،عائلة كبيرة،تزوجت في المرة الاولىغير ان زوجها قتل في حرب السنوات الثمانية الاولى مع أيران وترك لها ثلاثة اطفال ،تزوجت للمرة الثانية فانجبت خمسة أطفال،وبما انها تعيش وسط دوامة من الهموم وقسوة الحياة فان كل ما يعنيها الان هو ان تزوج أبنها الاكبر بعد ان ربحت الف دولار من برنامج (بطاقة تموينية) ومن المؤكد أنها تتمنى لابنها ان يكون له من الاولاد بقدر ما لديها او اكثر.سألوها عن بغداد فقالت اين تقع ؟تسمع بها فقط كما الكثير من النساء في مدن العراق المختلفة ،حتما ان اكثر طريق تعرفه هو الطريق الذي يوصلها الى النجف او مقبرة السلام تحديدا حيث قضت سنوات عديدة تزور قبر زوجها قتيل الحرب وتشتكي ما يفعله بها الزمن والاقدار.ترى كم كان عمرها حين زوجوها للمرة الاولى حتى يصبح همها الدائم وسط ركام جحيمها ،ان تزوج أبنها الاكبر؟
أما(كميلة) فأن لها حكاية تثير المشاعر الانسانية الحميمة والاستياء والغضب في آن معاَ.هي ام لثلاثة أطفال تعنى بهم لوحدها،لاعمل ،لا ارض تزرعها ولا حيوانات تملك كي تكون مصدر معيشتها واطفالها،هكذا تعيش على هامش الحياة وبأقسى درجات بؤسها ،سألوها كيف تعيش ؟قالت اعيش واطفالي على الحصة التموينية،ثياب ممزقةهي ما يكسي اطفالها الحفاة وفوق كل بؤسها وجحيمها فأن لكميلة طفل منغولي تعرف انه في يوم ما سيغادر حياتها الى الابد مما سيجعل الامل بأن ترتدي ثياب من لون ما غير الاسود،مستحيل او من الصعب التفكير به.
وردة وكميلة،وجهان من رحلة الجحيم التي تسير بها نساء العراق،رحلة صوب المزيد من القهر والعبودية والاذلال .ما الذي يمكن ان يحدث حتى لا نرى وردة وكميلة اخرى ،لا نرى بؤسا او حرمانا او بشرا يعيشون على هامش حياة قاسية ولا أنسانية؟
انه سؤال مغرض وقاسيٍ في نفس الوقت،اذ مالذي يمكن ان يحدث حتى يتم القضاء على كل هذا البؤس والحرمان او يضع حد لقيم واعراف العشيرة السائدة وكانت عامل اساسي من عوامل التخلف والجهل وتحقير المرأة وتهميش مكانتها الاجتماعية وتغييب أرادتها،ما الذي يمكن ان يحدث حتى لا نجد أمرأة أمية لا تعرف من هذه الدنيا شيء سوى البيت ورعاية اطفال حفاة؟
ثورة أجتماعية،نعم ،لكن باي قدر واي ثورة هذه التي تقضي على كل هذا الجهل والامية والتخلف الاجتماعي والثقافي الذي يخيم على شرائح وفئات واسعة من المجتمع العراقي او ان تجعل ملايين النساء يشعرون بالامن الاجتماعي والاقتصادي في مجتمع يحترم كرامتهن الانسانية؟ ربما هو أمل بعيد او قد يحدث في يوم ما ،لكن حتى يحين موعده فأن علينا ان نعيش هواجس والآم الالاف او الملايين من أمثال وردة وكميلة ،حيث يواصلن رحلة الجحيم......



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة