المرأة والبوصلة

ديمة كرادشة
dima_yanal@yahoo.com

2010 / 12 / 2

إن حالة التوازن التي يسعى الانسان الى تحقيقها مع ذاته، لا يمكن أن تتأتى من خلال التجربة والخطأ فقط ،بل لابد من أخذ الدروس المستفادة من كل التجارب الجيدة منها والسيئة وهنا جد الوصفة السرية لتحقيق التوازن .
إن نضال المرأة الحقيقي لن يؤتي ثماره إلا بتحقيق التوازن مع انفسنا قبل أن نطالب به المجتمع المحيط بنا. وها يكمن التحدي أمام حركات التحرر التي تطالب بالعدالة والمساواة للمرأة ، والتي لابد لنا نحن النساء من الخوض بها بعد تحقيق التحدي الاكبر وهو التوازن والتصالح مع الذات .فقد مرت الموجات النسوية منذ بداياتها بمراحل متنوعة ومختلفة المطالب والاهداف وذلك ليس لضعف في هذه الحركة الاجتماعية بل هو التطور الطبيعي لهذه الفئة من النساء التي كانت ترفض ذاتها وانوثتها كنوع من التمرد، فقد نلاحظ أنه في فترة الستينات ظهرت النساء بقصات شعر رجالية (وكانوا يدعونها البوي) ولبسوا بنطلونات الجينز وتركوا حيزهم الخاص كالمنزل والمطبخ – وأدل على ذلك تلك التوجهات التي تبناها رجال في مجالات الطبخ وتسريحات الشعر وغيرها وأبدوا بها ليوما هذا، ومضى كل ذلك الى أن ادركت المرأة ان هذا الحيز الخاص لا يعيبها ولا ينقص من شأنها فعادت له وبقوة ومتسلحة بأدوات التغيير من الخارج الى الداخل وبدأت لعبة إعادة توزيع الادوار وظهورالجندرية في كافة المجالات وما الى ذلك من مفاهيم تؤكد على أن انوثة المرأة هي قوة وليست ضعف وبدأت تصل الى حالات التوازن في الحراك الاجتماعي الى أ وصلت الى ما هي عليه اليوم.
ومن هنا لابد لنا نحن النساء في مناطقنا العربية الاستفادة من خبرات الغرب وليس استنساخ تجاربهم ، والبدء بأنفسنا ولنتمكن فيما بعد من أن نؤتي ثمار جهودنا على أرضية صلبة وراسخة.
إن علاقة المرأة بالبوصلة هي من النوع الخفي والسري وذلك لارتباطها بحالة التوازن التي يصل اليها الانسان خلال مسيرته النضالية مع الحياة وتحدياتها ، ودور البوصلة في تحديد اتجاهاتها، فالانسان مهما تعثرت خطواته وتحطمت اشرعته فلابد للبوصلة من أن توجهه للمسار الصحيح وبالتالي تشعره بالامان والراحة طالما بقيت تعمل في داخله.
إن رحلة البحث عن البوصلة ومنها الى حالة التوازن لابد وان تمر بحالة من الفوضى والضبابية ليتم بعدها العبور بمراحل متسلسلة تبدأ في اكتشاف الذات، بمعنى أن يكتشف الإنسان ملامح شخصيته من خلال الاحتكاك والتفاعل مع المواقف الحياتية السارة والمحزنة معاً ، ويبدأ بقبول نقاط القوة ونقاط الضعف ، ولكن التحدي الاكبر هو في قبولنا لنقاط ضعفنا كطبيعة بشرية والتي نبقى في معظم حياتنا نرفضها وننكرها لنحافظ على صورة "البطل" في أذهاننا ، الى ان نقع في الهاوية والتي تنهار فيها صورتنا الحقيقية من حياتنا ونفقدها مع رياح الزمن التي تنزعنا من جذورنا، فلا يعود هناك طعم للحياة ؛فنفقد مشاعر الفرح والحزن معاً؛ ولا نجد لون لاتجاهاتنا وتصرفاتنا فكلها تصدر كردود افعال دون تفكيروبلا وعي،الوان باهتة قاتمة، ولا نعرف ماذا نحب وماذا نكره، وتقتل حينها المبادرة والإبداع والمتعة في البحث والتحليل ونصبح عبارة عن ادوات تسيرها الحياة دون خيارات او مواجهات اشخاص يحركها القدر وتتكلم بلغة الصم والبكم..... فتبدأ الاعراض تظهر في اجسادنا بامراض نفسجسدية وبأعراض سلوكية غير مفهومة ، فكثيرا ما نجد من يقول لقد تصرف معي هكذا ولا اعرف السبب أو لقد قمت بهذا دون أن اعرف لماذا ، ولماذا اخترت هذه الفتاة او لا اعرف لما تزوجت هذا الشاب ...وغيرها من العبارات التي تنم عن الفوضى التي نعيشها بحياتنا ...لقد فقدنا البوصلة .
لذا أعود وأوكد على ضرورة قبول ذواتنا بضعفها وقوتها ، وننظر الى ان جوانب الضعف لابد وان نسعى الى تقويتها ما أمكن ، ومواجهتها بتحدي أكبر وهو التصالح من انفسنا ورسم لوحة جميلة تبرز ملامح شخصيتنا بالوانها القاتمة والمشرقة معاً لتعطي بالنهاية لوحة ولا أروع . لوحة رسمتها أيدينا نحن وليس احد غيرنا ، لوحة إخترنا الوانها بأعيننا لا بأعين الأخرين ، لوحة تعكس تطلعاتنا الى المستقبل لا تطلعات يفرضها علينا الغير مع العلم انها لوحات ليست للبيع!!!....



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة