عن حرية المرأة مرة أخرى..

جاسم المطير
j.almutair@kpnplanet.nl

2004 / 11 / 4

حين نشرت دعوتي المعنونة "يا نساء العراق تحررن من الحجاب" وصلني بعدها عدد من الرسائل الشخصية على نوعين: الأول كان منغلقاً على نفسه وعلى دعوتي إلى التحرر من الحجاب، بل أن بعض الرسائل ــ أغلبها من رجال ــ يدعوني فيها للعودة إلى طريق(البر والتقوى). لكن أغلب الرسائل كان من نوع ٍ ثان ٍ يحمل الكثير من التشجيع والتأييد للمضي في هذه الدعوة لأنها تنسجم مع الروح العالمية الانسانية المعاصرة التي لا تتناقض مع تطلعات المرأة العربية والمسلمة إلى الفضيلة وإلى النهوض بدور المرأة العراقية ضد النزعة الأنعزالية التي بدأت بالحجاب وتنتهي بتحويل المرأة إلى تحفة منزلية.

رسالة الكاتبة العراقية سميرة المانع أستوقفتني للتفكير كثيراً. فأنا أعرفها أمرأة عراقية من نوع خاص عاشت غربتها الطويلة في لندن داخل مملكتها الخاصة، مملكة الرواية العراقية المبدعة، إلى جانب رجل فضيل تفرغ لمملكة الصحافة والكتابة هو صلاح نيازي فأسسا معاً بجهد تأليفي موحد مملكة الدعوة لفضائل أدب الغربة وفضائل قصائد الغربة وفنون الغربة فكانت مجلتهما " الأغتراب الأدبي " الصادرة في لندن أروع خطوات تحرير الانسان العراقي المبدع، رجلاً وأمرأة، من قيود العزلة. فقد ساهما بفعالية فردية وامكانية مالية فردية في التعبير عن نشوء وتكوين وتطور الانسان العراقي المغترب الذي فرضت عليه الفاشية العراقية أن يترك وطنه فاستدعيا ــ سميرة وصلاح ــ حريتهما ومسؤوليتهما الفردانية الصغيرة ليقفا أمام مهمة كبيرة في لندن العظمى وأمام الله والوطن ليكونا من رعاة الادب العراقي كمحور من محاور الوعي والضمير والاخلاق دفاعاً عن هوية الانسان العراقي وغاياته وآماله وباستقلال كلي عن دولته الفاشية.

في مقابل هذه المملكة نجد الكثير من الأزواج العراقيين أيضاً قد انقادوا في تاريخ غربتهم المماثلة في لندن أو غيرها نحو مملكة المال والشهرة والغريزة والجسد وبعضهم نسى أو تناسى صفحات من تاريخه النضالي الشخصي أيام وجوده داخل الوطن.. وبعضهم الآخر وجد نفسه منقاداً إنقياداً أعمى في " مملكة الحجاب " يعتقدونها هي وحدها مملكة الدين وليست من عطاءات مملكة الدولة ونسوا، أصلاً، انها فاشية صدام حسين بالذات التي أدت إلى حجر المرأة العراقية في البيت وتواصل منها، بالأرهاب، تنمية قيم الحجاب التي ولدت مع انحسار الحركة الوطنية العراقية وبالتالي انحسار حركة تحريرالمرأة العراقية أيضاً.

في مقالتي المشار إليها أوردت اسم الكاتبة المصرية نوال السعداوي مثالاً إيجابياً في عصر المرأة العربية العائد إلى وراء بقصد الوصول الى قلب المرأة العراقية المغلق تماماً حتى بعد سقوط نظام صدام حسين قاطع رؤوس النساء. فهذه المرأة المكافحة جعلت من دعاواها الصريحة والجريئة والنموذجية مثالاً أتمناه لنساء عراقيات وعربيات اخريات لتهديم نماذج الدعوات الطاغوتية ضد المرأة العربية والمسلمة الصادرة من حكومات دنيوية تدعي الدين كالمملكة العربية السعودية ومن اصحاب رؤوس أموال يتحدثون باسمها عن نصر من الله للمرأة وفتح لها قريب، كالمدعو أسامة بن لادن الذي استمد من امواله شرعية زواجه بنصف دزينة من النساء.

كم أتمنى أن تبادر المرأة في مجلس الحكم الانتقالي بفعل ٍ عظيم ٍ مماثل ٍ لما فعلته قبل ثمانين عاماً المرأة المصرية هدى شعراوي حين خلعت الحجاب في ذلك الزمان (1923) علانية وداسته بقدميها مع زميلتيها سيزا نبراوي ونبوية موسى أمام الناس وفي مرآهم. ظل التاريخ المصري كله منذ ذلك اليوم وحتى الآن يحفظ لهاته النساء كرامتهن وشرفهن و سلامةارادتهن ولا يذكرن على ألسنة المصريين جميعاً إلا مع كلام الشكر والخير والبطولة، بينما ظلت الآية الربانية خالدة إلى الأبد وهي تجهر : (إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها). ليس المقصود في الآية الكريمة بالملوك استثناء بهم وحدهم فالمعنى العام يشمل كل سلطات وانظمة القهر والاجبار رئيساً للجمهورية أو خليفة أو من اتباع اسامة بن لادن أو حتى (رب) البيت .

كانت النساء المصريات الثلاثة محجبات منذ طفولتهن المبكرة تحت جبروت التخلف الاجتماعي والطغيان الابوي والعشائري.اما أعضاء مجلس الحكمالأنتقالي المحجبات حالياً فقد كن في فترة شبابهن الجامعي متحررات من هذا النظام القهري. فهل يمكن ان يكون استنهاض مشاعر الايمان النائمة في مرحلة الشباب قد نتج عن الحملة الايمانية التي قادها وبشر بها عدو الله صدام حسين في زمن الكهولة..؟ أم أن المرأة العراقية تنازلت عن ذاتها فخضعت، وهماً، لإرادة وصفت لها أنها جماعية.

معذرة يا سميرة المانع : ففي العراق اصوات نساء عظيمات وفي ذاكرتي أسماء الكثيرات ممن ناضلن من اجل حقوق المرأة العراقية و حريتها وكرامتها فلا يمكن نسيان المحامية صبيحة الشيخ داوود، ولا نسيان أول وزيرة عربية نزيهة الدليمي، ولا الروائية الجريئة عالية ممدوح، ولا المناضلة خانم زهدي، ولا القصاصة المعذبة سافرة جميل حافظ، ولا الصحفية سالمة صالح، ولا الملاية ام موسى في الديوانية، ولا كادحة مدينة الثورة ام بدران، ولا وروز خدوري عميدة كلية البنات، ولا الكاتبة سلوى زكو، ولا الناشطة باسمة بغدادي ولا الشاعرة الشعبية أم زهير، ولا أمرأة بيت الدين القصاصة بنت الهدى ولا المناضلة إيمان ناجي يوسف. ولا غيرهن بالمئات. جميعهن ناضلن ضد مفاهيم الملوك و ضد بعض تجار الدين والسياسة في سبيل إنهاء عبودية المرأة العراقية وتوفير ارادتها الحقيقية وإيمانها الصادق وحريتها الإنسانية.

علينا جميعا، رجالاً ونساء، أن ندرك أطر المجتمع الذي نعيشه وأن ندرك مفاهيمه، وأن ندرك أننا لا نعيش في عصور جاهلية أو وسيطة، بل نعيش، رجالاً ونساء، في مجرى عصر التطورات العلمية والتاريخية الكبرى، في عصر لا يبتعد عنه دين الاسلام ومراتبه الواعية التي تستطيع، حتماً، انجاز مهمة التمييز الدقيق بين الجوهري والقطعي والثانوي والهامشي في افكار ودعوات رجال دين مختلفي الوعي والمراتب، والتمييز الدقيق بين العبودية والحرية، بين عبودية الجهل والجهلاء وبين حرية النور والمتنورين.

نعم يا سيدتي سميرة المانع فالمرأة بحاجة الى صوت الرجل لتخليص المرأة العراقية من رق حقيقي قيدت به بينما وضع الدين الاسلامي اسس تحريرها الاولى باستنكاره وأد البنات الذي أتخذوا له أشكالاً " معاصرة " لبقائه حياً في الزمن المتخلف الذي يعم ظلامه، حتى الآن، في بقاع كثيرة من بيوت وطننا.

اجد ان مسؤولية أولى ، أيضاً، في تحرير المرأة المسلمة من عبودية البيت والحجاب والقيود الاجتماعية الاخرى تقع على عاتق رجل الدين المتنور وعلى عاتق المراة المسلمة المتنورة ولنتذكر دائما ان الله سبحانه وتعالى اوجد العلاقة المتكافئة بين الرجل والمرأة في آيته الكريمة 187 من سورة البقرة حين قال (هن لباس لكم وانتم لباس لهن)..

إنها دعوة المساواة.. ويا نساء العراق تحررن من العبودية.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة