حياء المرأة وأزدواجيّة المعايير

فاتن نور
fn.noor@gmail.com

2004 / 12 / 7

الحياء مفردة لغويّة فيها وسامة وجاذبيّة، وأعتقد أنّ المعنى هو مَن يولد اولاّ فيهيأ لولادة اللفظ المناسب لذلك المعنى أوالمضمون الأدراكي له،
والحياء كما يفهم هو خلق من الأخلاق الخيّرة التي تُنزّه اللسان عن قول ما يُعيب وتُخجله من ذكر العورات ويطهر الروح من الفحش،اذن فهو خلق فاضل يُحّصن النفس من الوقوع في الكثير من المعاصي والإنزلاقات الغير مستحبّة،حسناً فالنفس يجب أن تُهذّب بالحياء، ولكن أي نفس؟ أنا افهم على انها النفس البشرية،
بجنسيها الذكري والأنثوي،فالحياء شيمة من شيم الانسان وليس شيم الأنوثة حصراً،هناك من يُريد ان يخصخص الحياء أو ان يفرزه كماً ومفهوماُ لتنال المرأة منه الحصة الأكبر!نعم في موضوع الحياء هناك من هو سخي مع المرأة ويجاهد في سبيل حصة الأسد لها، ربما لأن حصص المرأة في بقية المجالات الأجتماعية و السياسية والأقتصادية والريادية..الخ حصص غير ملموسة في البناء العام للمجتمع لذلك يجب موازنتها بكمٍ هائل من الحياء الذي يكسبها السكينة والجمال والثقل المطلوب! وهنا تكمن الأزدواجية المعصوبة عن الأرتقاء بالنوع الإنساني بالتحجيم بوسامة الألفاظ والمفاهيم المعطوبة،فالأزدواجية واضحة كما نراها في الأمثال التالية: فقد يقال.. في الحياء وقار وسكينة للمرأة( المرأة فقط !)،المرأة بلا حياء كالجسد بلا روح( ايضاً المرأة فقط !)، الحياء جمال في المرأة وفضيلة في الرجل( لمَ لا يكن جمال وفضيلة في المرأة والرجل!)، المرأة بلا حياء كالطعام بلا ملح (ماذا عن الرجل بلا حياء؟ كيف سيكون الطعام؟ مُتبّل!؟). الكثير من الأقاويل التي تُقذف بوسامة لُتعطي أحد الأخلاق الأنسانية مفهوماً أنثوياُ وليس انسانياً عاما، وتلك الأزدواجية نراها في حياتنا اليومية في صور مألوفة جداً وهي صور كثيرة ومتنوعة ولا مجال لطرحها ولكن دعوني أذكر بعضاّ منها: قد يسحب الأخ وبعنف كتاباً من بين يديّ اختاً له يتناول الثقافة الجنسية،فكلمة الجنس تأجج تلك العصبية المفتولة لديه في الوقت الذي تراه يمتلك العديد من المجلات الإباحية و كتب الإثارة الجنسية وما الى ذلك. قد يتلوى هو سهادا بغرام من يحب ولكن بالتاكيد ليس من الحياء أن تحب هي! قد يُطلق هو إحدى زوجاته الأربع لا لسبب بل لفتح المجال لأدخال مّن خفق لها فؤاده في قاطورة الأربع، في الوقت الذي تراه ضد طلاق أخت أو قريبة مهما كانت مسببات الطلاق قائمة وواضحة ، فالمطلقة لها ما لها من تسبيحات وأقاويل في مجتمعنا فعلى المرأة أن تجتر الصبر فثمة استحياء من الطلاق، وعلى الرجل أن يبني فراغات في المربع الوفاقي للزيجات لسدها باضلاع ٍ جديدة من حواء!، والصور كثيرة مثلما ذكرت فالحياء عندنا بقطبين ومزدوجين وربما معنيين فحياء الذكورة ليس كحياء الأنوثة! والله إن كان المقصود بالحياء المطلوب للمرأة هو ذلك اللجام الكابت على أنفاسها والحصار المطبق حتىعلى طاقاتها الكلامية والأستفسارية ،وبحجة الحياء والإستحياء على المرأة أن لا تتطرق لبعض المواضيع لأنها محظورة من قبل فلاسفة الحياء والحياء الفطري للمرأة، فوالله إن كان الأمر كذلك فانا أول من سأبيع حيائي في سوق الخردة، والجدير بالأشارة هنا هو ان بعض الرسائل اللألكترونية التي استلمتها بعد نشر مقالتي( تعدد الأزواج في ميزان الفضول) تطرقت بلا تهذيب عن الحياء الواجب! للمرأة، فهناك من كان يغص بوفرة حبه للحياء الذي لا يمتلك شيئاً منه وبدلاً من مقابلة الحجة بالحجة الخروج عن اللياقة في بيان وجهة النظر وذلك بالشتم والرجم وتهشيم الرؤوس، وتلك واحدة من أزدواجيات المفهوم اللاعقلاني للحياء،فأي حياء يمتلك ذاك الذي يتعرض لأعراض الناس بلا وازع ولا معرفة بل لمجرد حصر وطرح بعض التساؤلات بلا اكمامٍ عفنة. أولئك ممن يدعون السير على النهج الصالح والطالح من الكلام فوق شفاههم بلا حياء، يدعون ايضاً بأن حياء المرأة فطرة، نعم المرأة فقط تخلق مفطورة بحيائها! السؤأل هنا.. هل الحياء فطرة أم إكتساب؟لا أرى أنه فطرة ولكن قد يكون بعض حياء الأنسان ( وليس المرأة فقط) قادم من فطرة أزلية،إلاّ أن حياء المرأة بالذات ( والمقصود الحياء الأنثوي لا الإنساني) في مجتمعاتنا العربية هو مكتسب،حياءٌ مولود من قمقم التقاليد والعادات البالية التي تحاصر المرأة بكفتي العيب والعيب وكفتي الطاعة والخضوع ومزمار غض النظر وغض السمع وما الى ذلك ،وأية فطرة تلك التي تولد بها الأنثى في مجتمعاتنا العربية والأسلامية دون سواها من الإناث في بقية المجتمعات؟ ، وقد يلتبس لدى البعض الحياء بالخجل والخجل بالحياء، الخجل هو معنى يظهر على الوجه غالباً عند الإفتقار للحجة أما الحياء فهو بناء داخلي رادع للإنسان وبغض النظرعن الجنس،وهل من باب الحياء أيضاً أن لا توجد في مناهجنا التربوية المدرسية مادة التربية الجنسية؟هل حياءاَ لا يتم توعية الفرد بشكل منهجي مدروس يتناسب مع النمو العقلي والأدراك الفكري له كي لآ يلجأ لأقتناء المعرفة ربما من مصادر هابطة موجهه لأغراض الأثارة أكثر مما هي لأغراض التوعية والتثقف؟ سوف لا أندهش فيما لو وضعت مادة التربية الجنسية للذكور فقط فالإناث قد لا يجوز حياءاً لهن التثقف في هكذا مجال!!! لنتذكر جميعاً أنه لا حياء في الدين، لاحياء في التفقه،لا حياء في العلم والتعلم،لا حياء في المعرفة بكل أطيافها،لا حياء في الفضول بقصد الإستنارة والتنوّر ولا حياء في فتح الأبواب للنقاش والمجادلة وفي أي موضوعٍ كان،وليكن الإنسان على قدرٍ من هذا الخلق العظيم بلا إزدواجية محمومة تفرز حممها في وجة المرأة بدفْ الوسامة والمزيد من الإنكفاء التاريخي والانغلاق.


فاتن نور
04/12/06



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة