المرأة العراقية وذكرى يوم 8 آذار

سربست مصطفى رشيد اميدي
araratamedi@yahoo.com

2012 / 3 / 7

في عام 1857 خرجت آلاف النساء من عاملات النسيج إلى شوارع مدينة نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، للاحتجاج على ظروف العمل القاسية لعملهن وعلى عدد ساعات العمل الذي كان يزيد على 12 ساعة يومية. حيث أنه بعد سنتين تم تأسيس أول نقابة لعاملات النسيج في الولايات المتحدة، والتي كان لنضال هذه النقابة الفضل في تخفيض عدد ساعات العمل اليومية إلى عشر ساعات. وفي 8 آذار سنة 1908 خرجت مظاهرات ضخمة لعاملات النسيج إلى شوارع نيويورك، وفي مقابل تصدي الشرطة لها فان المتظاهرات حملن باقات الورود مع كسرات من الخبز اليابس كشعار لحركتهن الاحتجاجية المطالبة بتخفيض ساعات العمل، ووقف تشغيل الأطفال، ومنح النساء حق الانتخاب. هذه المظاهرات كانت بداية لحركة نسوية نشطة في الولايات المتحدة، وقد بدأ الاحتفال السنوي المنظم بها هنالك منذ سنة 1909، التي خاض عاملات النسيج قبلها إضرابا دام ثلاثة عشر أسبوعا. وقد كانت ولاية (وايومينغ) في مقدمة الولايات التي منحت المرأة حق الاقتراع وذلك سنة 1869، ومن ثم ولاية (كولورادو) سنة 1893، وولاية (ايداهو) سنة 1896، فولاية (واشنطن ) سنة 1910، ومن ثم ولاية (كاليفورنيا) سنة 1911. وفي سنة 1920 صدر التعديل التسع عشر للدستور الأمريكي الذي تضمن عدم جواز تقييد حق الانتخاب بسبب الجنس، من هنا يتبين أثر الحركات الاحتجاجية في تلبية مطلب حق الانتخاب للنساء.
وفي روسيا كانت مئات الآلاف من النساء العاملات وزوجات الجنود في جبهات الحرب، في مقدمة المظاهرات والاحتجاجات في مدينة بتروغراد أو (بوترسبورغ) لمدة أربعة أيام في شباط سنة 1917 وأنهت حكم القياصرة في روسيا. وكان منح النساء حق الانتخاب من أولى خطوات الحكومة الروسية المؤقتة التي شكلت أثر نجاح الثورة. وفي أكتوبر أيضا من نفس العام كانت النساء في مقدمة المسيرات والاحتجاجات التي سادت روسيا وأسقطت الحكومة المؤقتة، والتي سميت ذلك في التاريخ المعاصر بثورة أكتوبر الاشتراكية.
وفي مؤتمر كوبنهاكن في الدانمرك للاشتراكية الدولية الذي انعقد سنة 1910، كانت للوفود النسائية والحركات الاشتراكية الأثر الفعال في تحديد يوم 8 آذار من كل سنة كيوم المرأة العالمي، باقتراح من الوفد الأمريكي المشارك في المؤتمر. وبعد ذلك عقد في باريس سنة 1945 أول مؤتمر للاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة التي تأسست سنة 1945 لينص على رفض التمييز على أساس الجنس والدعوة لتحقيق المساواة الكاملة للمرأة. وقد جاءت مبادئ المساواة وحرية اختيار شريك الحياة وحق الاقتراع وغيرها في نصوص المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وأهمها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، واتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة لسنة 1979(سيداو). وتكللت الجهود الدولية في مجال تحديد يوم في السنة للمرأة بقرار الأمم المتحدة سنة 1977 عندما دعت دول العالم إلى اختيار يوم في السنة كيوم المرأة. حيث اختارت أغلب الدول يوم الثامن من آذار كيوم المرأة، علما أن بعض الدول لم تختار أي يوم للاحتفال بيوم المرأة لأنها لا تزال لا تقر بأغلب الحقوق الأساسية للمرأة.من هنا يبدو جليا إن تحديد يوم الثامن من آذار يوم المرأة العالمي لم يأتي اعتباطا، بل جاء عبر نضال طويل وقاس للمرأة العاملة والمناضلة في سبيل إحقاق حقوقها، وأريق له الدماء والدموع وبذلت من أجله الجهود والكفاح الشاق وعلى مدى عقود من الزمن.
أما المرأة العراقية فقد كانت ترضخ تحت ظلم كبير، وكانت تتحمل بالإضافة إلى عبء المشاكل السياسية والاقتصادية العامة مع الرجل، كان عليها العمل بجانبه في الحقل ومن ثم العمل في المطبخ، والإنجاب غير المحدود، وتربية الأطفال والاهتمام بنظافتهم، والاهتمام بتوفير حاجات وراحة الرجل في البيت وغيرها. لكن بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة برزت أصوات تطالب بتحرير المرأة من القيود الاجتماعية والثقافية الخانقة. وكان ذلك ضمن المطالبة والنضال في سبيل انتزاع الحقوق والحريات وتحقيق الديمقراطية، ومنها العمل لأجل ضمان حقوق المرأة. من هذه الأصوات جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي وحسين الرحال ومحمود أحمد السيد وكامل الجادرجي وعبد الفتاح إبراهيم، بالإضافة إلى الأحزاب الوطنية المعروفة في حينها مثل حزب الإخاء الوطني والحزب الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي العراقي وحزب الاستقلال. وقد كان الملك فيصل الأول نفسه إنسانا منفتحا والى جانب حرية المرأة، فقد كان أفراد عائلته من النساء سافرات ولم يكن يرتدن العباءة على الرغم من الخلفية الاجتماعية والدينية التي كان يتمتع بها، حيث كان والده هو الشريف (حسين بن علي) شريف مكة .وبعد تطور النضال الوطني والتحرري في العراق منذ أواسط أربعينيات القرن الماضي فقد زادت مشاركة المرأة في الهبات الجماهيرية المعروفة، كوثبة كانون سنة 1948، واحتجاجات سنة 1952 والمظاهرات الساندة لجمهورية مصر العربية سنة 1956. أما بعد ثورة 14 تموز سنة 1958 فقد شاركت المرأة بصورة فاعلة في المسيرات الساندة لها يوم 14 تموز وفي الأحداث السياسية والجماهيرية التي رافقت تلك الفترة. وكان استيزار الدكتورة (نزيهة الدليمي) كأول وزيرة في المنطقة العربية صداه الواسع والحسن لدى المرأة العراقية المناضلة. وقد كان النضال الذي قاده رابطة المرأة العراقية منذ تأسيسها سنة 1952في بغداد باسم (رابطة الدفاع عن حقوق المرأة) دوره الواسع في توعية المرأة حول حقوقها وإشراكها في الساحة النضالية إلى جانب الرجل من أجل إحقاق الحقوق والحريات، بالإضافة إلى النضال من أجل تحقيق مساواة المرأة مع الرجل وحماية الأمومة والطفولة ورفع الغبن التاريخي عن المرأة.
وقد لمعت أسماء قيادات نسويه فرضن احترامهن على الجميع لمطالبتهن بمساواة المرأة وحريتها على سبيل المثال لا الحصر( أسماء صدقي الزهاوي وأسيا توفيق وهبي وحسيبة جعفر ونعمة سلطان حمودة وبولينا حسون وأمينة الرحال وصبيحة الشيخ داود وسافرة جميل حافظ وروز خدوري وزكية حقي وباكيزة أمين زكي ونزيهة الدليمي وبلقيس شرارة وحياة شرارة وسعاد خيري وسالمة الفخري وزكية خليفة وعايدة ياسين) وغيرهن.
ولقد استطاعت المرأة العراقية بنضالها الدءوب من تحقيق انتصارات ومكاسب عديدة، سواء على سبيل مشاركتها الواسعة في الحياة العامة خاصة بعد تموز1958، وصدور قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 الذي كان متقدما في بعض أحكامه قياسا إلى قوانين الأحوال الشخصية في أغلب دول المنطقة. وقد اقتحمت المرأة العراقية مجالات الحياة المختلفة بدءا من الإبداع الشعري والقصة والرواية ومرورا بميدان الطب والقضاء والعمل الأكاديمي والفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والتمثيل والغناء وعلى صعيد الترجمة وعلم الاجتماع وغيرها من المجالات. وانخرطت في المجال الوظيفي بصورة واسعة منذ نهاية الستينيات وازداد وتوسع في سعبنيات القرن الماضي .
لكن منذ بداية الحرب العراقية الإيرانية فان المرأة العراقية قد أخذت على كاهلها إدارة شؤون الأسرة وإعالتها بعد تجنيد الرجال في حرب الدكتاتور الخاسرة والطويلة مع إيران. وحروب النظام المستمرة تسببت في فقدان مئات آلاف النساء العراقيات لأزواجهن وترملن، وتشويه الحياة الاجتماعية في العراق وانخفاض المستوى المعيشي لمئات آلاف العائلات العراقية إلى أدنى مستوياته. وقد جاءت الحملة الإيمانية للنظام السابق لتؤدي إلى إعطاء لبس الحجاب البعد الشرعي والرسمي. وقد صدرت قبل ذلك قرارات عديدة أدت إلى تخريب الحياة الاجتماعية، مثل القرار الذي أعطي الحق للمرأة طلب الانفصال عن زوجها إذا هرب من الخدمة العسكرية، والقرار الذي كان بموجبه يتم منح مبلغ من المال للزوج، إذا قام بتطليق زوجته ( التبعية ) الإيرانية والمسفرة إلى خارج العراق .
وبعد إسقاط النظام السابق فان المرأة العراقية كانت تأمل بعد إزاحة النظام الدكتاتوري عن كاهل الشعب العراقي، أن تسترد بعض الحقوق والمكتسبات التي فقدتها إبان عهد ذلك النظام. وتشارك بفعالية ونشاط في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية. حيث إن تقييد المرأة بالعمل داخل جدران البيت يعني الاستغناء عن طاقة وفكر وجهد نصف المجتمع. على الرغم من سلطة الائتلاف المؤقتة قد فتحت الأبواب للمشاركة الواسعة للمرأة في الحياة العامة. لكن تدهور الوضع الأمني وسيطرة قوى التكفير والإرهاب على مناطق واسعة، وكذلك الفترة المؤقتة والقصيرة لحكمها قد أفقدت ذلك من قيمتها الفعلية، خاصة بعد سيطرة الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية علة مقاليد الحكم. حيث إن وضع المرأة العراقية قد تراجع إلى فترة ثلاثينيات القرن الماضي، فالمرأة غير المحجبة تتعرض باستمرار لعمليات الاختطاف والقتل والتعذيب ليس على أيدي أفراد عصابات الإرهاب فقط، بل أيضا على أيدي أفراد ميليشيات الأحزاب الإسلامية الحاكمة. فأصبح الحجاب أمرا مفروضا بقوة القرارات التي تصدرها مجالس المحافظات، وتم فصل الطالبات عن الطلاب في المدارس، وقد لاحظ العالم قرارات وزيرة يفترض أن تمثل النساء حول تقييد حرية النساء في الزي والملابس أثناء العمل الوظيفي، وانتشر بشكل لافت الزواج خارج الإطار القانوني خاصة (زواج) المتعة في المحافظات العراقية. هذا الارتداد في الوضع العام للمرأة يجعلنا نتساءل عن دور المنظمات النسوية الكثيرة في العراق التي فقدت أية ضرورة لها لكونها واجهات حزبية وتنفذ توجيهات وقرارات وسياسات أحزابها. أما بخصوص منظمات المجتمع المدني فلا بد لها أن نعترف بان عددا كبيرا منها هي أيضا إما واجهات حزبية، أو على الأقل تابعة وممولة من قبلها. ولكن يجب أن لا ننسى إن عددا قليلا منها تتمتع بالاستقلالية لحد ما وتدافع عن حقوق وحريات المواطن وفي مقدمتها حقوق المرأة.
أما في إقليم كوردستان فيجب أن نقر إن وضع المرأة يختلف كثيرا عما هو في عموم العراق، حيث أنها تتمتع بحرية في العمل والنشاط والسفر وحرية اختيار الشريك وحرية اختيار نوع الملابس والزى الذي تلبسها والمشاركة في الحياة العامة. وحتى من الناحية القانونية فانه تم تعديل أحكام عدد من القوانين كما في موضوع تعدد الزوجات في قانون الأحوال الشخصية، وعدم اعتبار جريمة القتل غسلا للعار كعذر مخفف للعقوبة في قانون العقوبات، وكذلك تشكيل مديرية خاصة بمناهضة العنف ضد المرأة. ولكن لا تزال هنالك بعض الحالات التي تشكل خطرا على حقوق المرأة وتهديدا لمبادئ حقوق الإنسان، مثل ظاهرة (انتحار وحرق) النساء المثير للشكوك، وانتشار ظاهرة ختان البنات في بعض المناطق, وكذلك عدم إجراء أية تحقيقات حول حالات قتل النساء الكثيرة خاصة خلال تسعينيات القرن الماضي، وكشف الجهات المسؤولة عنها وتحريك دعاوى جزائية بحق المتهمين بها.
في يوم المرأة العالمي حري بنا أن نشير أن دور المرأة المتعدد في مجتمعاتنا في البيت والعمل وتربية الأطفال، في السياسة والاقتصاد، لابد أن ينسجم مع وجود نظرة متوازنة لها ولدورها، والنظر إليها كإنسانة قبل كل شيء ويجب أن تتمتع بجميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وضرورة الاعتراف بحقوقها على قدم المساواة مع الرجل في النصوص الدستورية، وفي جميع القوانين والأنظمة النافذة. وكذلك وضع حد لظاهرة العنف الشائعة ضدها في مناطق كثيرة من العراق ومهما كانت أسبابه واعتباراته سواء كانت اجتماعية أو دينية أو له علاقة بالموروث والعادات والتقاليد، وسواء كان ذلك داخل جدران البيت أو في المؤسسة الحكومية أو في الشارع والمرافق العامة، خاصة والمرأة حسب قول البعض هي نصف المجتمع وتربي النصف الآخر أيضا. ونعتقد انه لا بد للاتحادات النسوية أن تعيد النظر في دورها لتقوم بنشر الوعي بحقوق المرأة، والوقوف بوجه حالات فرض الحجاب القسري على النساء وخاصة الأطفال. والكف عن كون تلك الاتحادات واجهات حزبية، حتى تعبر عن مصالح وأهداف المرأة العراقية العاملة وربات البيوت وفي الحقل والدائرة، وحتى يمكن رفع الحيف الواقع المفروض عليها.
وبهذه المناسبة نقول بوركت المرأة بيومها العالمي، وللمرأة العراقية استرداد تألقها ورفع الظلم والغبن عنها.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة