رسالة تحريض لكل النساء العربيات

غازي الصوراني
cdideology@hotmail.com

2012 / 3 / 8

في مناسبة الثامن من آذار :
رسالة تحريض لكل النساء العربيات
(1)
كل حديث عن التحرر والديمقراطية والمقاومة والتقدم لا يلتزم في الممارسة بالنضال من اجل المساواة الكاملة للمرأة العربية مع الرجل وتحريرها من كافة القيود الاجتماعية ومن كافة اشكال وادوات ومظاهر الاستبداد التي تعاني منها المرأة في بلادنا ، هو حديث منافق او زائف لامعنى ولا قيمة له او تأثير.

(2)
ادرك أن مشوار تحرر المرأة ومساواتها مازال طويلاً في مجتمعاتنا ،وعليها ان تتحمل العبء الاكبر مع الرجل ، حيث نلاحظ استمرار العلاقات الأسرية القائمة على الخضوع أو مبدأ الطاعة والامتثال، وهو مبدأ منتشر في كل المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة وليست متباعدة ، خاصة وأن الصورة المشتركة للتراث الشعبي (القديم والحديث والمعاصر) على المستوى العربي تتعاطى مع المرأة كخادمة للرجل ولشهواته الجنسية ، أو كإنسان ناقص أو من الدرجة الثالثة ، فهي " ناقصة عقل ودين " أو هي مصدراً للهموم حسب المثل الشائع " هم البنات للممات " أو " كيدهن عظيم " أو " أمن للشيطان ولا تأمن للنسوان " و كذلك الأمثال الشعبية المتداولة من قبيل "طاعة النساء تورث الندم " و "البنت لا تأمنها من بيتها لبيت خالها " و "الفرس من خيالها والمرأة من رجالها " "ما خلا رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما"، ويقال أيضا: "المرأة فتنة"، "العين تزنى"، "صوت المرأة عورة". و أخيراً وليس أخراً "ظل راجل ولا ظل حيط " و هو المثل الذي يتضمن صراحة على أن الرجل هو الذي يعطي المكانة الاجتماعية للمرأة وليس الدور المميز للمرأة في العمل أو في السياسية أو في المجتمع أو في الانتاج الأدبي .. إلخ .فعندما يمتزج الديني بالاجتماعي يبرز شكلا واضحا للتمييز بين المرأة والرجل مثلما يقال في بلادنا "المرأة مرأة والرجل رجلا"، "ربّة بيت ممتازة"، "بنت عائلة"، "مطيعة ولا ترفع صوتها ولو بكلمة في وجه زوجها"، إن كلّ هذه الأقوال حول المرأة تتلفظ بها الألسن يوميا هنا وهناك. ويتفنّن الرجال اليوم في التعبير عن صورة المرأة صاحبة الأخلاق العالية بإضفائهم "بعدا أخلاقويا" آخر لصورة "المرأة العصرية" التي لابدّ لها من أن تخرج من البيت إلى ميدان العمل كي "تساعد" زوجها على مجابهة تكاليف الحياة لتصبح في الآن ذاته ربّة بيت ممتازة وعاملة ممتازة أيضا....وهذه الصورة الاخيرة لا تنتمي للتقدم بل هي عندي اعادة تجديد و تكريس للتخلف ولكن بمنطلق انتهازي .

(3)
في المجتمعات الحديثة، تحققت مساواة المرأة بالرجل في مجالين: 1- الحيز العام أو حقوق المواطن والنشاط السياسي والاقتصادي والثقافي... الخ. 2- الحيز الخاص: حقوقها داخل العائلة، وندية دورها إلى جانب الرجل... وبضمان القانون. العلاقة هنا جدلية بين مجتمع الحداثة ومفاهيمها وبين المرأة، لكن مجتمعاتنا العربية لم تدخل طور الحداثة بعد، بصورة جوهرية. وبالتالي فان الحيز العام، والحيز الخاص، مشدودين للقديم المتخلف، الامر الذي يفرض على المرأة العربية العاملة عموما والمثقفة خصوصا عبئا كبيرا في مجابهة واقع التخلف وتجاوزه عبر النضال الديمقراطي المنظم ، السياسي والقانوني والمجتمعي المشترك مع الرجل .

(4)
إن صورة المرأة في الواقع الاجتماعي العربي ، خضعت وتخضع لسياقات إجتماعية وتراثية تاريخية بكل ما انتجته من أعراف وعادات وتقاليد سلبية تراكمت على مدى التاريخ القديم والحديث والمعاصر، بواسطة جملة من الأدوات التواصلية كاللغة والدين والقانون والثقافة بمختلف مكوّناتها في اطار المجتمع التابع والمتخلف... وبالتالي فان هذه الأدوات أدت وظائفها داخل هذا الاطار بالتفاعل مع واقعه الإقتصادي والإجتماعي الذي شكل أساس البناء الثقافي لهذه التركيبة / الصورة التي لم تتطور مكوناتها بشكل جوهري أو متمايز عما كان عليه الحال قبل 50 عاماً ، فمازالت المرأة عموماً ، والفقيرة خصوصاً في أطراف المدن والأرياف ، تأتمر بأوامر الرجل وتدخل عنوة وغصبا بيت الطاعة والخضوع، بتأثير مباشر لهيمنة وسيطرة الرجل انسجاما مع الثقافة الذكورية المتخلفة السائدة ،وتساهم بالتالي –وفق ما أسميه عفوية الرضوخ- في إعادة إنتاج مكانتها الدونية في المجتمع.

(5)
على الرغم من أن تراثنا الثقافي والديني السلفي ، لا يخلو من بعض السلوكيات والمواقف الايجابية بالنسبة للتعامل مع المرأة ، إلا أن طبيعة التناقضات في الدولة الإسلامية بعد خلافة عمر بن الخطاب أدت إلى تجاهل وطمس النظرة الايجابية في التعامل مع المرأة ، وفي كل الأحوال فإن تلك المحطات أو الإشارات التي دافعت عن المرأة في التراث الإسلامي لم تكن سوى موقفاً أخلاقياً خجولاً ارتبط بعدد محدود ومتميز من النساء المقربات من الخليفة بحكم القرابة أو النسب أو المقربات من آل البيت وبالتالي لم يكن ذلك الموقف أصيلاً أو مبدئياً ينطبق على عامة النساء، أما في عصرنا الراهن فقد ازداد قهر المرأة بشاعة وعمقاً عبر الاستخدام المتخلف للثقافة السلفية ودعاتها المنتشرين اليوم في بلادنا من أجل إعادة "بناء" مجتمع إسلامي ذكوري يرفض التعاطي مع المرأة أو الإعتراف بأي دور رئيسي لها .
(6)
التحرر الحقيقي للمرأة ، يكمن في تحررها الاقتصادي الذي يوفر لها الضمانات الفعلية، القانونية والمجتمعية في اتخاذ القرار في كل الميادين و على كل المستويات ، و المشاركة في الأنشطة السياسية و الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية و الأسرية ، هذا هو التعبير عن حقيقة الارتباط الوثيق بين قضايا المرأة العربية و قضايا مجتمعها في الاستقلال الوطني و النهوض و التقدم الاجتماعي و التنمية و العدالة الاجتماعية و الديمقراطية، و هي قضية يتحمل مسؤوليتها كل مثقف عربي ديمقراطي تقدمي ً، لأن مواجهة جوهر الأزمة الراهنة ، بكل مظاهر التخلف و التبعية و الجهل و الاستبداد و القهر ، إلى جانب الفقر و سوء توزيع الثروة و غياب العدالة الاجتماعية ، يحتم هذا الترابط الجدلي الفعال بين السياسة و الاقتصاد ، أو بين التحرر الوطني و القومي من جهة ، و التحرر الديمقراطي المجتمعي الداخلي من جهة أخرى ، فإذا كان العامل السياسي يلعب دوراً هاماً في تعزيز الهيمنة السياسية الطبقية البيروقراطية الفردية ، فإن العامل الاقتصادي يعزز و يكمل ذلك الدور في المجتمع عموماً ، و في إخضاع المرأة بصورة خاصة بالاستناد إلى التشريعات و القوانين من جهة أو بالاستناد إلى الهيمنة الذكورية الاقتصادية والتاريخية من جهة أخرى .
إذن وفي سياق حديثي عن قضية المرأة في بلادنا ، فإن التحرر الاقتصادي شرط أولي لكل تحرر مادي أو معنوي ، اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك ، وهنا تتبدى أهمية العمل بالنسبة للمرأة المعزز بالشهادة العلمية كشرط أساسي لعملية تحررها في سياق العمل ، إذ أن العمل المجرد الذي يتيح دخول أعداد كبيرة من النساء – شبه الاميات والاميات – من الطبقات الشعبية الكادحة إلى سوق العمل المأجور ، لا يوفر سوى شكل من أشكال التحرر الجزئي الاقتصادي ، وهي ظاهرة معروفة في بلادنا، بحيث تبقى المرأة خاضعة لشروط الاضطهاد والخضوع الاجتماعي داخل الأسرة وخارجها ، وبالتالي فان عمل المرأة في المجتمعات العربية يمثل خطوة تقدميّة بلا شك تمهيدا لمشاركتها الفعالة في النشاط العام ، السياسي والاجتماعي ، عبر المؤسسات الثقافية والجمعيات والاحزاب في مسيرة النضال الديمقراطي المشترك لتحرير المجتمع من كل اشكال التبعية والتخلف والاستغلال وتجاوزها صوب مجتمع الحرية والديمقراطية والمواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة وفق اسس ومفاهيم قانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية واخلاقية تمثل روح المجتمع والمستقبل المشترك للمرأة والرجل في مجتمع عربي ديمقراطي.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة