كائن فيسبوكى... LOL

فاتن واصل
fatenwassel@gmail.com

2012 / 9 / 4

خفيف ظريف طريف، كلماته قليلة مختصرة أستاذ فى الاختزال، يلعن ، يشجب ، يحزن، يكره ويحب بعبارات مختصرة قد يدعم كلماته القليلة بصورة أو أغنية أو مقطع من فيديو ، ويعلن معاناته وما يشعر به على لافتة تسمى بلغة الكائنات الفيسبوكية (بالحائط ) الذى هو بمثابة الجزء الناطق منه أو لسانه .. هو كائن يقتات على الصمت لا يرد على أحد لو وجه له الكلام، غارق فى عالمه وفى واقع حياته لا يتحدث إنه فقط .. يحملق فى شاشة الكمبيوتر وأنشط أجزاء جسده حركةَ هى العينان والأصابع .. وهذان الجزئان يتلقيان اشارات من المخ لكى يقوموا بردود أفعال لما هو معلن على حوائط الآخرين .. يتصف هذا الكائن بقلة الصبر، يعنى لو أردت ان تكسبه كصديق اختصر قدر الامكان وكن محددا ومركزا وعبر عن قضيتك بجمل قصيرة لأنه لن يقرأ ولن يطيق الصمود لشروحات طويلة .. ضع آرائك فى شطيرة سريعة التحضير يمكن استيعابها وهضمها بسرعة.. لخص فكر فيلسوف فى قول مأثور دون أن تدله على كتاب يشرح فلسفته، حرك مشاعر غضبه أو تعاطفه أو سخريته بصورة أو فيديو أو خبر قصير ذو عنوان ساخن وهو قادر على اختزال ضحكة بثلاث أحرف LOL وتنطق لول، أى ضحكة بلغة الفيسبوك.
أما عينا هذا الكائن فتدوران بسرعة رهيبة لهثا وراء الكم الهائل من المعلومات ـ والتى أغلبها قد يكون غير موثق ـ رد فعله على ما هو منشور من مواد على حوائط الآخرين يكون بثلاث طرق الأولى ان يضغط على زر أعجبنى والثانى ان يقوم بالتعليق والثالث أن يتبنى الخبر او الرأى أو الاغنية أو ايا ما يكون الموضوع وينشره على حائطه مع تعليق بسيط أو بصمت ، هو كائن يتعلم بسرعة لكنه لا يعرف من الموضوعات الا رؤوسها ولا يتعمق فى شئ وانما عناوين، يمكن أن تنشأ صفحات تتبنى مواقف معينة ، هناك على سبيل المثال من يتباكى على عصور مضت فتجد صفحة تتحدث عن مصر قبل الغزو الوهابى وهناك مجموعة تعشق أغانى فيروز وهناك محبى حى مصر الجديدة وأخرى للملحدين العرب وهناك ما هى للعلمانيين وهناك من المجموعات من يتكون لمناصرة فكرة او الالتفاف حول مشروع او اهتمام بقضية وهكذا ..قد تجد نفسك امام مكتبه ضخمة من أغانى المشاهير على سبيل المثال والنادر منها أحيانا مثل عبد الوهاب أو رجاء عبده أو نجاة ، أو مشاهير الغرب ولكن دون القدرة على اقتنائها فقط تدخل تستمع تبدى اعجابك او تعلق أو تستعير لتنشر فيلتف أصدقائك من الكائنات الفيسبوكية الأخرى حولك .!! إعجابا أو شجبا او رفضا أو ايا ما يكون رد الفعل.
انك تستطيع التعرف على شخصية الفيسبوكى وتميزها سواء بالصورة التى يضعها أو المواد التى ينشرها او الاراء التى يتبناها هذا بعد ان تتعمق علاقتك به .. قد يحبك أو يتحمس لآرائك فيضمك لقائمة أصدقاءه ، لكن حذارى فقد تختلفان ويقوم بتجميدك فلا تراه او يراك بعدها وهذا التجميد يسمى Block بلوك ، وهو فى رأيي ميزة جيدة فى عالم الفيسبوك فهناك العديد من الاشخاص فى حياتنا العادية الذين نرغب فى التخلص منهم ولكن لا نملك الزر السحرى لكى نجمدهم ونوقف إزعاجهم.
ولأن الكائن الفيسبوكي كائن سهل الاستثارة والاستنفار فاللعب بمشاعره وامكانية استفزازه عن طريق إطلاق الشائعات أو الأخبار الكاذبة والصور المفبركة أو مقاطع الفيديو المقصوصة على طريقة لا تقربوا الصلاة ، تجدها منتشرة بجنون على الحوائط .
أنشئت بمصر هيئة تدعى هيئة الاستعلامات فى خمسينيات القرن الماضى أنشأها عبد الناصر لتحريك الجماهير وجس نبضهم فى الوقت المناسب ، لو أرادت الحكومة إطلاق شائعة كانت الهيئة تستعين بسائقى التاكسى ، الحلاقين بعض الباعة ( مجاميع البث والدعاية ) المهم ان يكون لهم احتكاك مباشر بالناس فيبدأوا باثارة الاسئلة أوقياس التذمر من الاسعار-على سبيل المثال ـ لجس نبض الشارع او اطلاق الشائعات المراد نشرها .. وتسرى بعدها كالنار فى الهشيم لكنها كانت تستغرق وقتا حتى تتفاعل وتصل لأكبر عدد ممكن من المواطنين الذين لم يكونوا فى ذاك الوقت قد تحولوا الى كائنات فيسبوكية ، وكانوا يعيشون فى ظل تعمية معلوماتية وتعطش مستمر لمعرفة أحوال الدولة بصورة شبقة ودائمة لما كانوا يعانونه من محدودية المصادر وافتقارها للمصداقية وفقد ثقة المواطنين الذين اعتادوا كذب الابواق الاعلامية الرسمية، وقد كان ذلك يستغرق وقتا قد يصل لأسابيع، أما الآن فما عليك الا ان تضغط زرا وتطلب ممن يتحمس أن ينشر وتبعا لأهمية الموضوع ودرجة الاستفزاز والسخونة المكتوب بها عنوانه والتى كــُتِبَ بها الخبر تجده ينتشر بسرعات متفاوته.
قررت الدخول لعالم الفيسبوك وشجعنى المقربون من الاصدقاء، وأصبحت كائنا فيسبوكيا من الطراز الاول صامتة أغلب الوقت مأخوذة داخل شاشتي، تدريجيا زاد عدد أصدقائى بصورة مهولة، وحرصت على الا أكذب والا أنشر مادة على حائطى يكون بها شك أو تضليل، وكنت لا أنشر الا ما انا مؤمنة به ، وبعد فترة أصبح الفيسبوكيين يعرفونى من نوعية تعليقاتى ، ويبحثون عنى، موضوعاتى كانت تدور حول ما اهتم أو أؤمن به فقط ، واهتماماتى كان على رأسها قضايا المرأة الشرقية وهمومها وحريتها واستقلالها، وقررت أن أقود حملة عن طريق الفيسبوك وأقوم بدور هيئة الاستعلامات ( ولكن بصورة إيجابية) وأنشر مواد أصحح بها مفاهيم مغلوطة فى ذهن الرجل والمرأة على حد سواء وأستغل شعبية وانتشار وسرعة الفيسبوك فى التركيز على شرح فكرة او نشرها أو حتى معارضتها ومحوها من الأذهان، واخترت الموضوع واضعة نصب عينىَّ عقل المرأة الذى أنا على يقين أنه اذا استنار لاستنار المجتمع بأسره.
اخترت موضوع الحجاب لاعتقادى الراسخ أن هذه القطعة من القماش لا تحجب فقط شعر المرأة وانما تحجب النور والعلم والمعرفة والعلوم الانسانية من النفاذ الى عقلها وتقف حائلا بينها وبين كل موضوع يحتاج منها الى إعمال للعقل بما فى ذلك موضوعات تمس صلب الدين و الشريعة الاسلامية و تقديم وجهات نظر مختلفة تضحض الفهم الخاطئ والمغلوط لها أو لقضايا تمس حقوقها كانسان ...والذى يمنعها من الاحساس بالندية والمساواة مع الرجل فهى كائن مختزل لعناصره الاولية، جسد مثير لغرائز الرجال، كما انها مسلوبة الارادة ولا تستطيع تغيير مصيرها بنفسها لأن هناك آخر يمتلك حياتها ويتحكم فيها ويدلها على طريق العفة من وجهة نظره الذكورية والنابعة من حالته المرضية سواء كان فى وضع الأب أو الاخ او الزوج واحيانا الابن ، الحالة التى بكل تأكيد تحتاج لعلاج فورى ومسح كامل لكل المعلومات التى تم نظمها بواسطة رجال الدين ومشايخ الزوايا وبرامج الفضائيات وآلاف الكتب الصفراء التى تشوه عقول الجنسين ، هذا بالاضافة لتراث اجتماعى وموروث شعبى كالسجن كلاهما أسيران بداخله ولا يستطيعا الفكاك ، هؤلاء يقنعون المرأة المسكينة أن هذا الذكر يسيل لعابه عليها كلما مرت بجواره، ولديه شعور جارف خارج عن السيطرة بالرغبة فى الانقضاض عليها كما ينقض الحيوان المتوحش على الفريسة ، كما انهم وبمعاونة المجتمع يرسخون فى ذهنها انها لو لم تتبع طريقتهم وتعاليمهم للوصول الى العفة، فانها ستكون حطبا لنيران الجحيم .. وبدلا من السعى لكى تنمو شخصيتها فتدافع عن عفتها بطرق أكثر فعالية وعقلانية عوضا عن تلك القطعة من القماش التى ترتديها وهى بعد فى سن الثانية عشرة ، ناهيك عمن يصر على ان تعتاد ابنته على ارتداء الحجاب فيجبرها على ارتداءه وهى فى سن السابعة من عمرها، حتى إذا خلعته او سقط عنها لأى سبب، تشعر فورا بالعرى والعار وبالتالى يصبح جزءً من تركيبتها النفسية المنكسرة وشعورها الدائم بالخوف من جسدها وكرهه، وإحساسها انه سبب خطير فى تكدير حياتها، هذه القطعة من القماش والتى لا تحميها من أى شئ بل هى مجرد ستار زائف تحاول به ان تعلن عفة مظهرية تتنافى مع طبيعتها الانسانية وتركيبتها كانثى تحب الحياة... متذرعين بأن هذا ما نص عليه ديننا الحنيف والدين منه براء، متعامين عن اربعة عشر قرنا من الزمان تغير فيها كل شئ تماما بما فى ذلك كل الظروف التى احاطت بنشأة الاسلام فى وقته بما فى ذلك أهل الجزيرة العربية وظهور جازهم المقدس.
هذه المظاهر المغرقة فى التخلف جعلتنى ازداد إصرارا على القيام بالحملة ، سميت الحملة (( إخلعى الحجاب )) ولا اعنى بالطبع الا إخلعى حجاب عقلك ، تحررى ، ثورى على الموروث بالمزيد من الثقافة والفهم .. وعبرت عن هذا بكل ما أوتيت ككائن فيسبوكى من قوة وإيجابية وصرت أنشر وأنشر مع مراعاة المصداقية والتزام الحوار المنطقى المتسم باللياقة والفهم لأنثى طال قهرها فاعتادته وتصالحت معه وقبلت به رفيقا وفيا ، كما انى راعيت الا الجأ للسباب والشتائم وصرت اكتب على حائط الحملة من حين لآخر ان اى سباب او قذف سيتم ايقاف صاحبه عن الدخول للصفحة ( بلوك )، وبدأت الحملة بالتعاون مع فريق من الاصدقاء الذين يتبنون نفس الفكر، لم يستمر البعض وانضم آخرون وبدأت المعركة .. جعلنا شعارنا قول للفيلسوف برتراند رسل وهو : ((أكثر الجدالات عنفا هي التي تدور حول أمور ليس لها أدلة جيدة تثبتها أو تنفيها)) حتى يتخلى البعض عن تصوره انه يمتلك الحقيقة المطلقة دون غيره. الشئ الهام هو ردود فعل زوارنا من الكائنات الفيسبوكية والذين تنوعوا فى الآتى :
نوع رافض للفكرة بمجرد قراءة اسم الصفحة، يلجأ للسباب ويحول الموضوع لهجوم عدائى وقد يبلغ عن صفحة الحملة لإدارة الفيسبوك ولا يحتمل قراءة المادة المنشورة بل فقط العنوان ويعتبره تحريضا بلا مبرر ومخالفة لشرع الاله .
نوع آخر يفضل النقاش ويأتى باحاديث وآيات من القرآن والسنة وروابط من صفحات إسلامية وفى النهاية يهددنا او يدعو علينا بأن نصلى نارا ذات لهب.
نوع يرى اننا نتشبه بالغرب الكافر ويأتى لنا باحصائيات عن اعداد النساء اللاتى يتم اغتصابهن فى الغرب لسفورهن وعدم احتشامهن أو الجرائم والعنف ضد المرأة التى ترتكب فى ظل المجتمعات التى ( نظن نحن ) أنها متقدمة .
المثقفون الذين يزورون الصفحة لهم عدة مواقف فالبعض يضيف الينا معلومة أو مرجع أو يساهم بقول مأثور والبعض يرد على تعليقات المهاجمين .. لكن للأسف نفسهم قصير ولا يطيلون التواجد ويتركون المعركة فى أوجها ومع ذلك نلاحظ زياراتهم الدورية واشتراكهم من حين لآخر فى النقاشات .
المرأة وآه من المرأة حين تكون عدوة نفسها تدافع عن قهرها كما لو كان حبيبا لا تستطيع العيش بدونه، وترى ان هذا الذل والاستكانة والاذعان لأوامر غير منطقية ومشكوك فى أمرها ومختلف عليها هى مقدسة كالاله ولابد من طاعتها دون تفكير .. هذا النوع من النساء حيرنى كثيرا ناقشناه وتصارعنا انا وزملائى معه ، لكنهن كن شديدات التمسك بخيباتهن ومستسلمات بل وفخورات.
كان دائما المثال الذى يضرب لنا هو مثال الحلوى المكشوفة والحلوة المغطاة ( تشبيها للمرأة ذات الحجاب والأخرى السافرة )، عشرات بل مئات المرات التى تضرب لنا مثل هذه الأمثلة.. هناك أيضا من تحاول ترهيبنا أو التهديد بالابلاغ عن صفحة الحملة ويمكن أن نجد مجموعة من الاصدقاء الذين ينشئون حسابات وهمية خصيصا لغرض الهجوم على الصفحة يسمون حساباتهم بأسماء بذيئة وحين الدخول على هذه الحسابات لا نجد الا مواد جنسية فجة وصور مبتذلة .. ولكننا صمدنا فكلنا فيسبوكيين من الدرجة الأولى ونحمل قضيتنا فى قلوبنا وعقولنا ونعتبرها قضية حياة، حملتنا اليوم لها حوالى اربعة آلاف معجب ومؤيد ومشجع لنا وهذا فى عالم الفيسبوك رقم لا بأس به.
حملتنا لازالت مستمرة ونزداد اصرارا حين تاتينا رسائل سرا بأن زائر/ة ما شديد/ة الاعجاب بالصفحة ويقوم بامدادنا بمواد ندعم بها حملتنا، أو من تقول لنا سرا انها مجبرة على ارتداءه لكنها غير مقتنعة أو اننا ساعدناها على اتخاذ القرار، بعضنا يسقط تعبا او يأسا فنقرر أحيانا غلق الصفحة بأيدينا وإيقاف الحملة، ما يقلقنى حقا هو انه لا مجال لقياس النجاح أو مؤشر يفيد بأن الحملة قد نجحت او اثرت فى البعض ، إنما علينا ان نستمر دون انتظار نتائج سوى زيادة عدد المعجبين.
هذه التجربة ، ودخولى عالم الفيسبوك وانا أُعَد من جيل ماما سميحة وأبلة فضيلة علمنى الكثير، علمنى ألا أخاف ان أعبر عن رأيي لكن أهم شئ أن يكون لدى القدرة على قول أعقد الأفكار بأقصر الجمل واقل الكلمات ، علمنى ألا آخذ اى أمر باستخفاف فخلف كل لوحة مفاتيح كائن فيسبوكى له روح وعقل ورغم اختزاله لكل المعانى الا انه قادر على النفاذ لعقلك وقلبك بمزحة أو صورة ساخرة أو قصيدة شعر أو بتعاطفه مع قضية تهتم بها لدرجة انك من الجائز ان تفتقده وتبحث عنه، عالم الفيسبوك مذهل فى سرعته مربك فى اتساعه ولكن ممتع وشيق وقد يسبب لك احيانا ... الابتسامة (لول ) أو بعض الاحزان والاحباطات .. لا تستسلم ولو كنت حاذقا استخدم حلول الفيسبوك فى الحياة واعمل بلوك لمن يحزنك وابتعد ، و لول (LOL ) لمن يسعدك ويفهمك.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة