مكتبة الطفل العراقي بادرة تستحق الاشادة والدعم

رزاق عبود
razakaboud@hotmail.com

2012 / 11 / 22

مكتبة الطفل العراقي بادرة تستحق الاشادة والدعم!
العراق هو احد بلدان العالم، الذي يسم العنف حياته اليومية بكل تفاصيلها. وكما هو الحال في كل الصراعات، والحروب، والكوارث، فان النساء، والاطفال هم الضحية الاولى، وينالون الحصة الاكبر من المعاناة، والعذاب. بعد سنوات طويلة من الديكتاتورية، والاضطهاد، والفاشية، والحروب، والحصار، والعقوبات الاقتصادية، والاحتلال، والارهاب، والحرب الاهلية، والهجرة، والتهجير، والسياسات الطائفية، والعنصرية، والفساد، والخراب الشامل، فان شؤون الاطفال وضعت جانبا، واتسمت حياتهم اليومية بالعنف، والحرمان بكل اشكاله.
من مهام، واهداف لجنة التضامن السويدية العراقية(سيسك) التي تاسست عام2000 التضامن مع الشعب العراقي، ودعم نضال منظمات المجتمع المدني العراقي من اجل السلام، والديمقراطية، والمساواة، والعدالة الاجتماعية. لهذا تعاونت مع رابطة المراة العراقية، التي تناضل من اجل عراق مستقل، مسالم، وديمقراطي يضمن المساواة بين الجنسين، ورعاية الطفال، ووقف العنف، والتمييز ضد المراة. وتولي حقوق الانسان، والطفل اهتماما خاصا.
لذا، انشأت ومنذ سنوات مكتبتين للاطفال واحدة في منطقة الكرادة، والاخرى في افقر مدن العاصمة بغداد مدينة الثورة(الصدر). حيث يحصل الاطفال على امكانية القراءة، واللعب، وتعلم الغناء والعزف، والاستماع للموسيقى واغاني الاطفال، والرسم، والمسرح، وكتابة الشعر، وغيرها. اضافة الى امكانية التعرف على ادب الاطفال العالمي، والسويدي خاصة، واشهر كتابه مثل استريد ليندغرين. اضافة الى نتاجات مكتوبة اصلا باللغة العربية. يوفر طاقم المكتبتين المساعدة في الواجبات البيتية، ودروس اضافية، وخصوصية مجانية للاطفال زوار المكتبتين. بعض الاطفال يجد في المكتبة مكانا للهدوء والخلوة مع النفس، او اقراءة، واداء واجباته المدرسية في ظروف افضل بعيدا عن ازدحام البيوت، وضجيج السكن، وانعدام الامكانيات. اخرون يجدوها ملجأ آمن من الظروف المنزلية الصعبة، او الهرب من سخط الوالدين، او العنف المنزلي، ومخاطر اللعب في شوارع بغداد. في المكتبتين يجدون من يستمعع لهم، ويساعدهم، ويدعمهم نفسيا. طاقم المكتبتين متخصص، ومتعلم، ومدرب للعمل مع الاطفال، ويتمتع بامكانيات، ومؤهلات تربوية. دخول دورات تطور امكانياتهم باستمرار للعمل، والتعامل مع الاطفال، رغم كل الظروف الصعبة. في بلد كل شئ فيه يدور حول العنف، والانفجارات اليومية، ونقص، اوانعدام الخدمات.هناك مدرسي موسيقى، ومختصين بمسرح، وادب الاطفال، والنشاط المدرسي الفني شبه المعدوم في المدارس الرسمية، فيجد الطفل تعويضه في المكتبتين. حيث ترعى، المواهب، وتنمى، ويجري الاهتمام بها، والاخذ بيدها لتحقيق احلامها. المكتبتين تحولتا الى واحتين يلتقي فيهما الاهل، والاطفال عبر الاديان، والاثنيات، والطوائف، والافكار السياسية، والوضع الاجتماعي. يتعرفون على بعضهم، يناقشون اموراطفالهم، ويبنون صداقات، ويكتسبون خبرات، ومعارف جديدة.
اضافة لذلك صارت المكتبتين موقع لتبادل الخبر، والحديث عن المشاكل المشتركة خاصة الامهات، وما تتعرض له النساء من عنف، وتمييز، وتهميش، ومعاملة سيئة، ونظرة دونية، وسيادة الفكر الذكوري، والعشائري، ومحاولة ربط ذلك بالدين، واعتبار وضع المراة السئ، وظروفها الصعبة، وكانها امر سماوي لا يجوز مناقشته، ولا يجب تغييره، ويحرم الحديث فيه. لكن العاملات في المكتبة، والمتطوعات المنتميات جميعهن الى رابطة المراة العراقية حولن المكتبة الى مكان تثقيف، ومنبر للتوعية، والتنوير، والمحاضرات عن حقوق المرأة، والطفل، وشؤون الاسرة، والحقوق الاجتماعية، والانسانية، ودورات حول قوانين الاحوال الشخصية، واسس واساليب التربية الحديثة. كل هذا زاد اهتمام العوائل، وخاصة النساء بالمكتبتين، وصارتا قبلة لزيارة النساء المعنفات، لسماع النصائح، والارشادات، والدعم المعنوي، والنفسي، والصحي، والقانوني حسب الظروف، والامكانيات، والحالة المعنية. تنظم ايضا محاضرات، ودورات حول الرعاية الصحية، ونمو، وتربية، وشؤون الطفل، والمرأة، والكومبيوتر، ومحو الامية، والخياطة، والتطريز. لقد نجح طاقم المكتبتين ببسالة، واندفاع، وحماسة منقطعة النظير الى اقامة علاقات، وتقديم الخدمات لنساء، وعوائل تعيش على هامش المجتمع، وفي اطراف المدن. في اماكن لم يسمع بها احد، ونساء ارامل، واطفال يتامى لم يروا غيرجيرانهم في اكواخ كارتونية قرب المزابل، والمستنقعات. نظموا السفرات لطلاب المدارس، وزوار المكتبة، واهتموا حتى بالمعوقين من الاطفال.اقاموا مهرجانات، وفعاليات، ومسابقات فنية، ورياضية بالتنسيق، والتعاون مع المدارس، ومديريات التربية، والبلديات ومنظمات المجتمع المدني. نشاطات اهتم بها الاعلام المحلي، وتحدث عنها باطراء تستحقه.
هذه الجهود الجبارة تحتاج الى دعم، ومساعدة مالية مستمرة من اجل استمرار تقديم هذه الخدمات، التي يحتاجها الطفل العراقي المعذب، ولا تستغني عنها المرأة العراقية، التي تعاني اهمال السلطات، وظلم المجتمع، وقيمه، وعاداته، وتقاليده المتخلفة. لذا تسعى لجنة التضامن السويدية العراقية(سيسك) بكل السبل والوسائل الممكنة، وتبذل الجهود، لجمع المال لمكتبتي الطفل في بغداد. سواء بطلب المساعدة المادية من الجهات السويدية المانحة، او جمع التبرعات في الاحتفالات، واللقاءات الجماهيرية، او تنظيم مزادات، واسواق خيرية يبيعون فيها حاجياتهم القديمة، والجديدة، وبعض الاكلات السريعة من اجل جمع مبالغ، ولو بسيطة.
عندما يراقب المرأ هذه الامور الايثارية، يزداد ايمانا بقدرة المراة على التضحية، والفداء، وروح التضامن مع الاخرين. عندما سألتهن لماذا كل هذا العناء، وانتن تعشن في هناء، ورفاه اجابت احداهن: "لان الاخرين محرومين مما نتمتع به"! اما الاخرى فاجابت بكلمات حركت مشاعري، واسالت دموعي، واثارت فخري وهي ترد بحزم، وكانها تلقي علي درسا يجب استيعابه: "هل تستطيع ان تجري، ولو مقارنة بسيطة مما تتجرعه، وتتحمله، وتقوم به، وتقدمه زميلاتنا في الداخل بنات وطنك؟ ! نحن نقدم ما نستطيع، ونعود لحياتنا، وبيوتنا الامنة، لكن نسائكم في بغداد يتحدين المخاطر في سبيل خدمة الاطفال، والنساء"! تمنيت وقتها، لو انني املك الدنيا، لاقدمها لبنات وطني الجريح. كما يفعل خمس نساء سويديات وثلاث نساء عراقيات في ستوكهولم.
لقد سمعت اول مرة عن هذا النشاط الرائع عبر ندوة اقامها التيار الديمقراطي في السويد عن اوضاع المرأة في العراق. استعرضت وقتها الزميلة وداد زكي معلومات عن المكتبتين ودورهما في مساعدة اطفال بغداد. حينها امتزجت الغبطة مع شعور بالذنب والقصور.عدد قليل من السويديين يساعدون ويعملون من اجل الطفل العراقي، والمرأة العرقية، ويجمعون التبرعات على حساب راحتهم، ووقت فراغهم، واحيانا كثيرة عملهم اليومي، في حين ان اغلبنا لا يعرف شيئا عن هذا النشاط الانساني الجميل. بعد فترة استمعت لتقرير انجازي للفدائيات المتفانيات، من العاملات بالمكتبة. اذهلني ذلك النشاط الرائع، وذاك الاندفاع العجيب، والحرص على الاستمرار، وتقديم الخدمات في ظرف لا يضمن المرأ امر رجوعه الى بيته اذا غادره، فكيف وهن يتوجهن من اقصى بغداد الى اقصاها لرسم الابتسامة على شفاه اطفال العراق المنكوبين في وطن ينزف باستمرار. ادعموهن رجاءا، كي يمتد نشاطهن لكل مدن العراق، ورسم البسمة على شفاه اطفال العراق الحزين!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة