حكاية تحرش جنسي

زهدي الداوودي
al.dahoodi@gmail.com

2013 / 3 / 30


التحرش الجنسي مشكلة سببها الحرمان الجنسي، سواء في عالم الإنسان أم عالم الحيوان. لسنا الآن بصدد عالم الحيوان الذي يحل مشاكله بأساليبه الحيوانية الخاصة به والتي تختلف إختلافاً كلياً عن الإنسان الذي يتحكم فيه الوعي، بخلاف الحيوان الذي تتحكم فيه الغريزة التي تصونه وتعفيه عن الوقوف أمام المحكمة.
يختلف مفهوم التحرش الجنسي من بلد إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن عمر إلى آخر. عندما كنت في سن الرابعة عشرة، أنظر إلى التحرش الجنسي بنظرة تختلف عن نظرتي إليها الآن. وهناك مشكلة تعريف التحرش الجنسي، ما هي حدوده وما هو الخط الأحمر في هذه الحدود. وما هو المسموح به وما هو الممنوع وما هي عواقب الممنوع. ما هي نظرة المجتمع و ما هي نظرة القانون إلى التحرش الجنسي. كل هذه النظرات المختلفة لا تعطيك شرحاً ملموساً ووافياً للتحرش الجنسي.
أول عبارة سمعتها من صديق، عندما وطأت قدماي أرض ألمانيا هي:(أنظر فقط ولا تلمس). والحقيقة لم أهتم بتحذير الصديق، ولكن تحذيره أتخذ مكانه في وعيي ولا شعوري وأعطاني نوعاً من المناعة في مواجهة الحياة الجديدة.
أول مشكلة بدأت بيني وبين التحرش الجنسي، كانت خارج إرادتي ولم أحسب لها حساباً، حيث أطلت في الشارع العام التحديق في وجه إمرأة في غاية الجمال وكان أن تصدى لي زوجها بنرفزة قائلا:
"هذه زوجتي. لماذا تنظر إليها هكذا؟ هل تعرفها؟"
هيأت نفسي لإستقبال صفعة على خدي وقلت:
"جمالها هو الذي شد أنظاري إليها"
وكان أن غطت الفرحة سحنتهما وهما يشكراني لمشاعري الصادقة. لو حدث هذا في بلدي لأستحققت الراشدي. هذا هو الفرق في النظرة إلى التحرش الجنسي بين بلد وآخر. ثمة مثال آخر لا يفهمه الشرقي المسافر إلى أوروبا (أقصد ألمانيا) وهو مسح رأس الطفل الجميل، من قبل رجل غريب، حيث يفرح الوالدان ويشكرانه لموقفه النبيل تجاه ابنهم ومديحه له. هذا الموقف النبيل تجاه الطفل ومديحه، يعتبر حسب القوانين الألمانية تحرشاً جنسياً قد يؤدي إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر. ويعتبر أي لمس للمرأة من قبل الرجل تحرشاً جنسياً يعاقب عليه القانون. ويعتبر إرغام المرأة على الجنس من قبل زوجها بدون رضاها، تحرشاً جنسياً بل إغتصاباً. وتعتبر إفادة الطفل هي الحاسمة.
هذه النظرة غير الواضحة للتحرش الجنسي، خلقت إلتباساً عند طالب لجوء من كركوك لا يتجاوز العشرين من عمره، راح يفسر الأمر على هواه وأنك يمكنك أن تتصرف كما تشاء وبمنتهى الحرية. كان قد مرت على وصوله إلى ألمانيا حوالي ثلاثة أشهر. كلفتني المحكمة الإبتدائية أن أكون مترجمه في قضية تتعلق بالتحرش الجنسي. وأعلمني المحامي بحيثيات المحاكمة التي قد تكون في غير صالح المتهم. وملخص التهمة هو أن المتهم كان يسبح في مسبح صيفي، رأى مجموعة من الشابات والشبان الصغار يتقاذفون ويلعبون فيما بينهم، فأختلط بهم دون أن يعرفهم. مسك إحدى الفتيات (13 سنة) من الخلف وأطبق على مؤخرتها وهو في حالة إنتصاب وفي نفس الوقت راح يقبل عنقها. وكان أن صرخت الفتاة بصوت عال ونادت على أبيها الذي كان يراقبها عن كثب. وتم إستدعاء الشرطة وأجري اللازم.
ورغم محاولات المحامي ودفاعه عن الشاب الذي يجهل القوانين الألمانية واعتراف المتهم وندمه، حكمت المحكمة عليه بالسجن لمدة سنة كاملة ووضعه تحت المراقبة لمدة سنة كاملة أخرى.
قلت للمتهم بعد صدور قرار الحكم:
"ماذا كان يفعل بك أهل البنت لو جرت المسألة في كركوك؟"
أجاب بهدوء وهو يبتسم:
"كانوا يصفوني بطلقة على رأسي"



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة