حول مسلسل قتل النساء

ناجح شاهين
najehshahin@yahoo.com

2005 / 5 / 12

هل هرب أهلنا الأقربون بالفعل من مدنهم وقراهم ضناً بالعرض أن ينتهك من قبل المحتلين الغاصبين فتركوا البلاد دون حرب أو جهاد؟ وهل صحيح يا ترى ما قرره محمود درويش في تلك الصورة المذهلة في معرض رثائه للشهيد ماجد أبو شرار مطلع الثمانينيات.
صباح الخير يا ماجد
صباح الخير
قم اقرأ سورة العائد وحث السير
على وطن فقدناه بحادث سير

كان الناس ليس جميع الناس ولكن كثيرون يظنون أن:" العرض قبل الأرض." لكن ماذا يتبقى من " العرض " على وجه الدقة؟ ذلك موضوع لم ُيطرق بشكل كاف أبداً، وذلك لا ينفي البدايات الشجاعة للشهيد غسان كنفاني وغيره ممن فتحوا الملف على الأقل في مستوى الفن ما دام فتحه في مستوى الواقع أو التنظير أمر محال أو شبه محال.
جاءت طالبتي متأخرة حوالي ثلاثة أرباع الساعة. هل هذا معقول؟ فتاة تأتي إلى الجامعة بعد ثلاثة أرباع الساعة؟ سمحت لها بالدخول، فقد كنت أعرف السبب: لا يجوز أن تغادر البيت دون " محرم " ولذلك عليها أن تنتظر حتى يغادر شقيقها الذي يذهب للعمل فيأخذها بسيارته حتى الجامعة ويعود لاصطحابها إلى المنزل بعد الظهيرة بقليل. إذا لم يعجبها ذلك فلتجلس في البيت وتنتظر "العدل" أي الزواج بلهجة إخوتنا في مصر العربية. ولا داعي للتعليم ولا من يحزنون.
في الدراسات التي تتعلق بالخيانة الزوجية يؤكد الباحثون أن نسبة الخيانة بين الجنسين متقاربة. وذلك بالطبع لا يجب أن يستدعي أية دهشة، فالرجل الخائن يدفع زوجته إلى الخيانة، والمرأة الخائنة بالطبع تقود زوجها إلى ذات الاتجاه. ولعل من المضحك بالفعل أن نفكر أن تخون المرأة دون أن يخون الرجل أو العكس. هذا الفعل يحتاج مساهمة الجنسين. ومن هنا فهو فعل متضايف بلغة المناطقة، يستدعي التشارك ضرورة. فكيف يمكن أن يعاقب طرف ويترك الطرف الآخر؟
لكن عصراً معيناً شهد تحول المرأة إلى ملكية للرجل، وصار من غير الجائز أن تستعمل المرأة من قبل رجال غير مالكها أو مالكيها. ومن أجل حفاظ الرجل على امرأته أو مجموعة نسائه اقُترحت أنظمة للعقوبة تختلف من حضارة زراعية إلى أخرى.
الثقافة العربية ليست الاستثناء وليست القاعدة. إنها جزء من خط التطور البشري الصاعد حيناً والنازل في أحيان أخرى. لكن علينا أن نقر أن الثقافة العربية الإسلامية كانت متقدمة في نقطة جوهرية تماما. ونعني بها مسألة تساوي الرجل والمرأة في المسؤولية عن الفعل المحرم أو الممنوع. والواقع أنه أمر يثير الاحترام والتقدير التامين أن الإسلام قد اعتبر أن " الزانية والزاني " يجب أن يجلدا أو يرجما بحسب حالتهما الاجتماعية: الرجم في حالة الزواج والجلد في حالة العزوبية.
لا بد أن المواطن/ة العربي/ة في هذا العصر يجب أن ينشده من إياب أي حد من الصرامة في حق الرجال. فالحقيقة أن ثقافتنا المعاصرة لا تجعل الرجل في وضع من يلحقه العار بسبب الممارسة الجنسية خارج المؤسسة الشرعية للزواج. وبمعنى من المعاني فإن الرجل في مختلف أصقاع الوطن العربي الكبير بما فيه فلسطين يتباهى على الأغلب ب " غزواته " ومغامراته العاطفية مع أكبر عدد من النساء. وذلك على الأرجح يعتبر دليلاً على الفحولة والفهلوة والشطارة والنجاح..الخ وما يزال الحال على هذا النحو على الرغم من النشاط الواسع لمئات المنظمات النسائية هنا وهناك. والواقع أن المرء لا يستطيع أن يقصر القضية على ما يتعلق بموضوع الجنس الذي يرتبط في الذهنية التقليدية بشرف النساء دون شرف الرجال. ولكنه يتسع في الواقع وللأسف الشديد ليشمل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المختلفة. فالمرأة مثلاً ما تزال تعاني على صعيد حرمانها من الميراث. وفي القرى الفلسطينية وخصوصا مناطق الجنوب لا يتم إعطاء المرأة ميراثها من أرض الأب لكيلا تذهب الأرض إلى أولادها الذي هم من عشيرة أخرى. ويتقاعس القضاء الفلسطيني عن التدخل الفاعل مما يسهم في تيئيس المرأة ودفعها إلى الاستسلام وعدم المطالبة بحقوقها. إن حالات معينة ماتت فيها النساء دون التمكن من دفع تكاليف نفقات العلاج على الرغم من أن ميراثهن من الآباء تكفي لمصاريف العلاج وتزيد.
وعلينا أن نلاحظ أن الفتاة في الأسرة ما تزال تعاني اضطهاد الأب والأخ. وكثيراً ما تتعرض لاضطهاد معين في موضوع اختيار الشريك الذي سيسومها حداً من الإذلال عندما تصبح في طوعه " وملكه ".
قد تكون التقاليد الدينية المشرقية إن مسيحية أو إسلامية تعلي من شأن الرجل على حساب المرأة قليلا. لكن التقاليد المجتمعية الناجمة عن العادات العشائرية والمتسربة من التراث التركي لعالم " الحرملك " هي في الواقع الطامة الكبرى. وفي هذا السياق علينا أن نوضح أنه عندما تقع " واقعة " تتعلق بشرف العائلة، فإن ذكور العشيرة يتنادون لإراقة الدم الذي يغسل العار عملاً بقول الشاعر:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم
وحتى عندما تكون الفتاة التي " دنست " شرف العائلة تحت السن القانوني أي قاصر من ناحية العمر وإن تكن في مستوى عقلي أو تعليمي متدن لدرجة وصول الأمر حد الإعاقة فإنه لا مناص من إسالة دمها باعتبار ذلك الطريقة الوحيدة لتبييض عرض العائلة.
يجب أن نتوقف عن خداع أنفسنا. فالمجتمع الفلسطيني يغرق في ممارسات تنتهك حقوق الإنسان على نطاق عميق وواسع. وعند ذكر المرأة يجب ملاحظة أنها تتمتع بنصيب الأسد من الانتهاكات الأشد خطورة. ونعلم بطبيعة الحال أن التغير الاجتماعي ليس رهناً بالنوايا الحسنة لمجموعات من المثقفين المعزولين والذين يطفون على سطح المجتمع. كذلك نعلم أن تحول ثقافة المجتمع لا تتم بجرة قلم ولا بقرار من وزير أو رئيس وزراء. لا بد من خوض نضال شاق بكل معنى الكلمة. إنه على الأرجح الجهاد الأكبر. وموضوع التنمية المجتمعية لم يتحقق بجدية كافية في بلاد عربية أنجزت حروباً تحريرية من الطراز الأول وخير مثال على ذلك جزائر المليون شهيد التي أدى فشلها في تحقيق تنمية تستند إلى الديمقراطية والتعددية، أدى بها ذلك إلى حمام دم كلفها أرواحاً تضاهي ما قدمته من أجل التحرر الوطني من ربقة الاستعمار الفرنسي. من هنا نظن أن الاستهانة بحقوق المواطنين وحرياتهم ونموهم في كافة الميادين بشكل سوي لن يقود إلا إلى تكريس حالة مرعبة تضعنا كأمة خارج العصر مقدمة للخروج النهائي من التاريخ إذا شئنا استعارة عنوان كتاب فوزي منصور.
الطريق الطويل الذي يجب أن يقطع لا بد أن نخطوه منذ الآن. وذلك يتطلب إضافة إلى عمل النخب المعزولة من المثقفين وجماعات المنظمات غير الحكومية النسوية وغيرها، نقول إنه يتطلب التوعية الفاعلة غير الشكلية ف المدارس والجامعات وربما يلزم الأمر تدريس مساقات إجبارية تتعلق بحقوق المرأة وعضويتها المتساوية مع الرجل في كيان المجتمع. وفوق ذلك كله لا بد من تدخل حقيقي لرجل الأمن لحماية الحقوق بكافة أشكالها. أليست مهمة الدولة بحسب المنظر الحداثي من جون لوك فصاعداً أن تمنع الأفراد من الاعتداء أحدهم على الآخر. لكن لكي يتحقق للدولة ذلك لا بد من وجود تشريعات واضحة وقوانين صريحة تضع المرأة في مكانها الطبيعي إلى جانب الرجل. دون ذلك سيبقى ما نفعله خطب وعظية تتعالى جعجعة دون طحين كلما سالت دماء فتاة أو امرأة بريئة هنا أو هناك. لعل الوقت لم يفت على المشرع الفلسطيني لأخذ زمام المبادرة لكتابة النقاط على الحروف لقانون عصري يؤسس لبناء وطن يضمن الحد الأدنى من الأمن والحقوق التي تسمح للموطن أنثى وذكر أن يقوم بأدواره كما ينبغي لمواطني يبني وطناً عزيزاً ومزدهراً قادراً على السير بمحاذاة الأمم الحية.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة