العنف في جلد المرأة !

اسحاق الشيخ يعقوب
thabet.alsheikh@gmail.com

2013 / 12 / 17

االعدل مكتملاً ... ولا يصبح عدلاً الا اذا اكتمل العدل في طرفيه !!



و تقف الكاتبة السعودية حصة آل الشيخ بقلمها الشامخ في انسانيته التنويرية من اجل اكتمال العدل بنصفيه في قضية المرأة و الرجل على حدل سواء .. فالعدل في قضية الرجل عدلاً ناقصاً بدون العدل في قضية المرأة !!



و تضعنا الكاتبة حصة في جريدة الرياض وجهاً لوجه أمام مأساة ( فتاة رفحاء ) في اخراج مشهد درامي أدبي يُجسد مأساة امرأة مشدودة على الأرض تتناهبها اسواط الرجال في تمزيق ظهرها !!



ظاهرة الجزاء و العقاب بطرفيها و ان معاقبة طرف و ترك الطرف الآخر بلا عقاب يكون انحيازاً فجاً لا اخلاقياً ظاهراً للعيان لطرف ضد طرف آخر ...

و في ذلك مشكلة فصل السبب عن النتيجة .. أليس سبب " التجاوز " الذي أقدمت عليه قتاة رفحاء يرتبط ارتباطاً عضوياً بالتجاوز الذي أقدم عليه في الكذب و الافتراء زوجها بزواجه من امرأة اخرى دون علمها ... وهو ما شكل هذا الارباك في مقاضاة طرف دون الطرف الآخر .. و مرجع ذلك فقه المجتمع الذكوري الذي يٌهمش حق المرأة في مساواتها بالرجل و تكريس واقع تعنيف جسدها جلداً بالثمانين على ظهرها كما هو حال فتاة رفحاء التي ثارت لكرامتها الانسانية ضد برهانية ميثاق زواجها ...



ليس هناك احداً غير خاضع لفقه الجزاء و العقاب كما ترى الكاتبة حصة آل الشيخ .. إلا ان فقه الجزاء و العقاب عليه ان يكون شاملاً عادلاً بين النساء و الرجال و بدون استثناء !!



و أحسب ان المشكلة ترتبط بالتحرر العام في المجتمع من مخازي و آثام القرون الوسطى .. وهو تحرير يندرج في ثقافة الرجل و نظرته تجاه المرأة كشريكة في العدل و المساواة في الحقوق و الواجبات مع الرجل .. وقد كان خالد الذكر ( أنجلز ) في كتابه " ضد دورينغ " يقول : " ان درجة انعتاق المرأة هي مقياس درجة التحرر العام " .. تحريرها فيما يكفل كرامتها و انسانيتها في كل مقتضيات الحياة و شروطها .. تحريرها من فقه المجتمع الذكوري و رفعها الى منزلة المساواة في الحقوق و الواجبات بجانب الرجل !!



و على وليمة جلد فتاة رفحاء تقول الكاتبة حصة آل الشيخ : " ففي طرفها تظهر مجموعة من المتسربلات بالسواد وهن يخفين هوياتهن و اجسادهن يلتصقن بالجدار حتى ليؤثر فيهن يحضرن مسرح الجلاد و المجلود لتلقنهن المسرحية درساً في الاخلاق لا ينسى .. ما أعظم مسرحياتنا وكم هي القيم العظيمة التي تستنبتها فينا "



و تختزل الكاتبة الألمعية حصة آل الشيخ ذلك كله في جملة واحدة قائلة : " انه الفيض الذكوري الأفاك " .. و ترى في ذلك " نظام ممتد لقهر النساء يحكي مآسي تتلظى بآفة الاستمتاع الذكوري المفتوح على مصراعيه فكأنه أحد آلهة المجون و الطغيان فطوبي للصابرات من أذى ذكوري و حكم ذكوري و بغي ذكوري يقطع بنياط قلوبهن بلا رحمة ولا تأدب و يحمل على عرش المتع قيمة الرجولة المفقودة بفقدها للصراحة و الصدق و النزاهة تجاه عشرة رباط مقدس ميثاق الزواج "



و أحسب ان الرجولة وفاء و صراحة و كرم و ثقة و ايمان بين الحبيب و الحبيبة في واحدة لا ثانية ولا ثالثة ولا رابعة فإن تعدد اشهارها او اخفائها فقد الرجل رجولته و انفرط تلقائياً حبل حجة الوفاء بين الحبيب و الحبيبة في ميثاق الزواج وهو ما يأخذ شيئاً من فقهية ذلك لدى فقهاء الدين في تونس الخضراء وما تحقق في عهد الحبيب بو رقيبة في قانون الاحوال الشخصية التونسي وما يريد راشد الغنوشي و رهطه في الاسلام السياسي تشويه مفاهيمه الانسانية و اغراقه بمفاهيم قروسطية لا تمت الى الاسلام بشيء !!



لا فضيلة و انما الرذيلة بعينها في فقه جلد المرأة تعسفاً في القوامة فالقوامة ما قام و اقيم على الحق و ليس الباطل في العدل و المساواة في الحقوق و الواجبات للنساء و الرجال على حد سواء !!



و تصرخ حصة آل الشيخ امام مأساة المرأة قائلة : " حرروا الجلاد من استغلاله و عنصريته و بغيه قبل ان تعاقبوا الضحية و ستختصرون الكثير من العقوبات و همجيتها اللا آدمية "



أنحن تجاوزنا مرحلة القرون الوسطى ... أم نحن ما زلنا نقتات نصوصها فيما يخص الدين و تفسيره .. و يرى هاشم صالح في نظرته الفلسفية الثاقبة قائلاً في جريدة الشرق الاوسط اللندنية :

" نحن لم نتجرأ بعد على تفكيك الانغلاقات التراثية القديمة و الدغمائية المتحجرة " .. و أحسب ان الدغمائية الدينية التي يكرسها الاسلام السياسي بيننا تلعب دوراً سيئاً في تكريس تهميش المرأة و اضطهادها و تشريع العنف ضدها و تحقير انسانيتها و جلدها و رجمها .. وما فتاة رفحاء الا واحدة من عشرات الآلاف من النساء عندنا اللواتي يرزحن تحت ذل و قمع و ارهاب و عنف شرعية دغمائية الاسلام السياسي ..



صحيح ان الشريعة في مفاهيمها الانسانية و ليس الدغمائية الفقهية و الدينية المتطرفة تأخذ بالرحمة و الكرامة انسانياً في حق المرأة و الرجل على حد سواء في الحقوق و الواجبات .. الا ان توجهاً دينياً متطرفاً ضد المرأة و مساواتها تراه شائعاً في فضائيات وجهات اعلامية نافذة برجال دين ان اظهروا انهم خارج دوائر الاسلام السياسي قولاً فإنهم فعلاً وواقعاً و عملياً ينطلقون من ذات مواقف دغمائية دينية ترفع سياط الذل و العنف و الارهاب في اذلال المرأة و جلدها !!



ان اصدار قانون عصري ديمقراطي للاحوال الشخصية يضمن حرية المرأة و كرامتها و مساواتها في الحقوق و الواجبات لكل دول الخليج و الجزيرة العربية " بموافقة الزمان و المكان لا البقاء على عقوبات قديمة أصبحت تجد استهجان العقل و الوجدان " كما تطالب الكاتبه التنويرية حصة آل الشيخ في جريدة الرياض !!



و تختم الكاتبة مقالها الجميل و الواثق بقضية المرأة قائلة : " بقي ان نتساءل هل جاء الدين لأجل الحياة ام جائت الحياة لأجل الدين ؟! "

الدين فكر و الحياة مادة .. هل استوى الفكر قبل المادة .. ام المادة استوت قبل الفكر ؟! الحياة المادية قبل الفكر الديني ... و الدين اتى لخدمة الانسان في الحياة .. الا ان الجدل في الاثر و التأثير قائم بين الحياة و الدين ... و ان ما نرفضه من الاسلام السياسي هو تسييس الدين في اضطهاد المرأة و قمع ارادتها الانسانية و جلدها و الاعتداء على كرامتها !!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة