ما هى أسباب إستضعاف المجتمع للمرأة؟

ماريو أنور
marioanwar36@hotmail.com

2005 / 6 / 24

إذا كانت الصورة الشائعة عن ضعف المرأة تتنكر بهذا الشكل لواقع طاقاتها الفعلية , فلابد من عوامل قوية قد أدت إلى هذا التشويه . ولسوف نجتهد فى تبيان عدد منها فى ما يلى:
1 - المرأة أضعف عضلياَ من الرجل
فالمرأة أضعف عضلياَ من الرجل , إذ أن نموها العضلى لا يتعدى معدله ثلثى معدل نمو الرجال و ذلك بفعل عوامل هورمونية تعود إلى تفوق كمية الهورمونات الذكورية لدى الرجل ( مما لا يعنى أن المرأة أضعف جسدياَ بشكل عام , إذ أن هناك مؤشرات توحى بعكس ذلك , منها تدنى مستوى الوفيات فى السنة الأولى من العمر عند الآناث منه عند الذكور , و إرتفاع معدل متوسط العمر لدى النساء منه لدى الرجال ) .
و قد كانت القوة العضلية فى ما مضى , أساس العمل المنتج و أساس الدفاع عن النفس و عن الجماعة . من هنا أن الرجال تفوقوا فى هذين الميدانيين الحيويين و استضعفوا بالتالى المرأة التى لم يكن بوسعها أن تجاريهم فيهما , و هكذا توصلوا إلى أن يحددوا لها موقعا هامشياَ فى مجتمع سمحت لهم قوتهم العضلية بالآستئثار بسيادته دون منازع . و لكن الظروف تغيرت بفعل بروز الآلات التى خفت كثيراَ من أهمية القوة العضلية , إن فى العمل المنتج ( الزراعة , الصناعة ) أو فى الحرب . و مع ذلك , فقد بقيت الصورة القديمة , صورة تفوق الرجال , سارية , بفعل قوة الاستمرار , بعد زوال مبرراتها , وفق قاعدة سوسيولوجية عامة , هى قاعدة تخلف تطور التصورات الجماعية عن تطور الظروف الموضوعية التى نشأت فيها .
2 – خوف الرجل الخفى من المرأة.
وهناك سبب لا يستهان به لاستضعاف المرأة , كامن فى ذاتية الرجل , ألا و هو خوفه الضمنى من قوة المرأة . فالرجل , فى قرارة نفسه , ينسب إلى المرأة قوة خارقة ذات طابع أسطورى ( تجلت قديماَ فى الآلهات التى تعبد لها البشر قبل تعبدهم لآلهة ذكور ) لا تعدو كونها صورة معكوسة لما يعتريه حيالها من شعور مبهم بالضعف . فهو بالفعل يسقط على المرأة صورة احتياجه الشديد إليها على الصعيدين الجنسى و العاطفى , كما و على صعيد رغبته فى تخليد إسمه بذرية له ( فالرجل , فى قرار نفسه , لا يقبل بيسر كون المرأة تستاثر وحدها بالقدرة على الآنجاب ) . و لا يسعنا أن ندرك أبعاد هذا ألآحتياج كاملة و شدة و طأته على الرجل , الا إذا علمنا أنه يرتبط , فى أعماق عقله الباطن , بآثار خبرته الأولى , خبرة ارتباطه الشديد , عندما كان رضيعاَ , بالأم التى كانت تتوقف عليها آنذاك حياته و إنشراحه و طمأنينته بحيث أنها كانت تملك عليه اقتداراَ شبه مطلة فيتصورها ( أو بالأحرى يحياها ) جبارة كلية الاقتدار . المرأة توقظ لدى الرجل أثر (( الأم الهوامية )) هذه فيشعر , من جراء ذلك , أن بيدها مفتاح سعادته و شقائه , و أن بوسعها أن تبنيه أو تحطمه , فيخشى ذلك الاقتدار الذى ينسبه إليها , و يسقط عليها خشيته هذه فيتصورها كائناَ مرعباَ .
جملة القول أن (( الرجل يحسد المرأة و يرهبها بآن )) . و من مؤشرات موقفه هذا عبارات مشهورة و شائعة , مثل (( فتش عن المرأة )) أو (( المرأة شر كلها و شر ما فيها أنه لابد منها )) , هذاالوجه المرعب للمرأة جسدته الأساطير أيضاَ , مثلاً , فى الأوذيسة , صورة (( سيرسيه )) الساحرة التى كان بمقدورها أن تحول الرجال إلى خنازير , و فى ذلك إشارة الى استعباد المرأة للرجل يتسلطها على غرائزه و اختزاله بالتالى فى حيوانيته . و فى الأوذيسة نفسها تتمثل غواية النساء المميته فى صورة عرائس البحر و يتحدث أغاممنون , الذى فتكت به زوجته , عن كيد النساء .
من هذه الصورة المرعبة عن المرأة التى صنعها خياله , يحاول الرجل أن يحتمى باعتماد نقيضها ,, فيلوذبفكرة (( المرأة الضعيفة )) مداراة لخوفه من (( المرأة المرعبة )) , و يخفى عليه أنه , بذلك يهرب من أسطورة إلى أسطورة , و يدور فى دوامة الوهم . يقول الخصائى النفسى بيار داكو بهذا الشأن :
(( .... لقد اعتبر الذكور دوماً أن (( النسل )) ( الانثوى ) خطر ( .... ) فكان ينبغى بالتالى تحييد تلك الأنثى المخيفة و إستعبادها . و كانت الوسيلة الفضلى لذلك اتخاذ قرار بدونيتها , مما يسمح , بالآضافة , بإستعبادها إلى مسافة محترمة ( ... ) و قد انتهت النساء إلى التصديق بأنهن (( من رتبة أدنى )) لكثرة ما تردد ذلك على مسامعهن فاحتقرن أنفسهن فردياً و جماعياً . لذا تغمر المرأة مشاعر الدونية منذ طفولتها ....)).
هذا و أن الرجل يتوهم أنه , بإستضعاف المرأة على هذا المنوال , يتمكن من إخضاعها لمآربه فينال منها ما يطلب من راحة و هناء بشكل مكفول و مضمون ( و كأنه دجن (( المارد )) و جعله رهن اشرته )) . و يغيب إذ ذاك عن باله أن الكائن الآنسانى لا يملك كما تملك الأشياء , إنما يعطى ذاته تلقائياً لمن يشاء , و أن السعادة لا تنتزع عنوة من المرأة بل تنبع من التجارب الحر الطوعى بينها و بين الرجل الذى تحبه , بالمقابل , تدفع دفعاً , إذا ما أحست أن الرجل ينظر إليها نظرته إلى متعة و ملك ,إلى الاستماته فى تأكيد استقلالها بما ملكت يدها من أسلحة , فتقاوم الرجل بكيدها إذا لم تستطع أن تتصدى له بوجه مكشوف , و تتسلط عليه بإغرائها إذا ما أعجزها اقتداره ( قصة شمشون و دليلة ) , و تنكد حياته بسلبيتها و شكواها و مطالبها التى لا ترتوى . و بذلك تبرر الصورة المرعبة التى رسمها عنها و تدفعه بالتالى إلى مزيد من الآنتقاض لها , و هكذا دواليك فى دوامة مهلكة للطرفين........ التكملة في المقالة التالية.,......................



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة