حقوق المرأة من قبل المهد ال ما بعد اللحد 4 ـ لقطات مكبرة ـ

خالص عزمي
khalis_azmi@hotmail.com

2005 / 7 / 14

قد يسير موظف وهو في طريق عمله مابين حدائق غناء يوميا فيعتاد عليها بمرور الزمن ولايكاد بعد ذاك يحس بوجودها او بروائحها العطرة؛ ويحدث ذات الشيءللعامل
البلدي الذي يمر بالازقة وهي مليئة بالنفايات ليجمعها ويضعها في العربات الخاصة بها و بمرور الزمن تصبح امرا طبيعيا فلا تبهته مناظرها ولا
تتقزز نفسه من نتانتها ؛ وللمرء من دهره ما تعودا ؛ كم كان المتنبي صائبا في حكمته هذه... لي صديق سافر مصطافا الى بلد كان من المنظومة الاشتراكية سابقا
عرف بسحر وطول سواحله المخصصة للسباحة والتعرض للشمس والهواء الطلق . لقد فتن وانبهر بالعدد الهائل من النساء الساحرات وهن بملابس ( البكيني) يمرحن
على الشاطيء مما جعله لايكاد يتناول طعامه في الفندق حتى يهرع الى حيث تلك المناظر الخلابة . وبعد مرور ا سبوعين وجد نفسه قد اعتاد على ذلك المنظر الذي بهر به اول مرة فلم يعد يجلب انتباهه ذلك الحشد الكبير من المضطجعين على الرمال شبه عرايا. هذه تقدمة مبسطة ترتبط بما سنصل اليه سوية في بحثنا عن التقالــيد
والعادات وتلازمها مع ( العيب ) الذي تناولناه في الحلقة السابقة؛ ومنها ان بعضا من تلك الموروثات المتراكمة اصبحت امام عاشقيها امرا مألوفا اعتادوا عليه فــلا
يكادون يبصرون شيئا منه بمرور الزمن . بل اكثر من ذلك ... لم يحاول اكثريتهم الساحقة من العمل الجاد على تغييره او تطويره الى ما يتناسب مع روح هذاالعصر
... انا لا ا تحدث هنا عن العادات والتقاليد الاصيلة والمفيدة والواقعية بل كل ما اعنيه منها تلك التي لاتشكل اي معنى للكرامة والسمعة الحسنة ؛ واقصد بها تلك التي تقع
ضمن دائرة الشكلية والمظهرية والتشبه بما يفعله الاخرون دونما اي ادراك لتفاهة تلك العادات التي اقتنع الجميع بعدم فائدتها ومع ذلك فتداولها مستمر من الاباء الى الابناء الى الحفدة.ولكن المشكلة هي من هو ذلك الذي سيعلق الجرس ويجعله يزغرد باعلى صوته في مسمع عبدة التقاليد المحنطة. الذين عميت ابصارهم عن رؤيــة
تلك الحقاق من كثرة ما اعتادوا على رؤية مشاهد الظلم والقسوة بحق المرأة بالذات طبقا لتلك التقاليد البالية والاصرار على ممارستها قولا وفعلا.,هناك لقطات مكبرة تسمىلدى المصورين السينمائيين ( الزوم ) ويبدو ازاء تلك الحالات المرتبطة بالاعتياد المؤدي الى عمى البصيرة ان نستعمل ذلك المصطلح التصويري لكي
نرى عيوب تلك الاعراف بحجمها المكبر ليصبح من الميسور رؤيتها من خلال عدسة التمايز ما بين الانثى والذكر:ومن خلال النماذج التالية..ـ
ـ مرضت مهندسة فانقطعت عن العمل فاراد زميلها ان يعودها مستأذنا والدها بذلك؛ فطار صوابه واسمع ا لزميل المهندس كلمات في الاخلاق والتربية وحسن
التصرف ومكررا ... ماذا سيقول الناس عنا ونحن نستقبل رجلا غريبا في بيتنا ؟ وحينما عرض علي والدها هذه الوااقعة الشنيعة! سألته هل كانت زميلته في الكلية
اجاب نعم ؛ سألته وكم مضى عليها في هذا العمل ؛ اجاب ثلاث سنوات قلت اذن هما متلازمان لاكثر من ثماني سنوات مع الزملاء الآخرين ؛ اجاب نعم هو
كذلك قلت ايهما انقى واكرم لقاؤهما في البيت تحت سمع الاسرة وبصرها ام اللقاء خارج البيت ؛ ولو كان ولدا ؛ وفي مثل عذه الحالة ؛الا تسمح لزميلاته بزيارته
وفي نفس البيت ... اجابني متحسرا ومتألما ... ولكن ماذا نفعل للتقاليد الجائرة التي تمنعنا من التحرك بالطرق الصحيح
ـ عقد شاب صيدلي قرآنه على فتاة جامعية زرته في صيدليته لشراء بعض الادوية فوجدته مهموما كئيبا فلما سألته عن سبب حزنه اجابني والالم يعتصره
لقد نغصت امها على عيشتي اذ لااكاد اخرج مع زوجتي بعد عقد القرآن الا ويأمر والدها امها بالخروج معنا اينما نذهب .. لقد ذهبنا الى سوق الصاغة فكانت معنا
وذهبنا لمشاهدة اثاثالشقة فكانت هناك لانتحدث بيننا همسا الا وحشرت اذنها بين فمّينا هنا سألته هل لزوجتك شقيق اجاب نعم ومتزوج منذ سنة قلت وهل تعلم اذا
كانت الام تتصرف بنفس الاسلوب مع ابنها قال بالطبع كلا هنا قلت وهل زوجتك تحدثت عن هذا التمايز او الازدواجية قال لايمكن لها ذلك لان التقاليد هي الآمر
ـ ونحن نتحدث عن المعايير المزدوجة حكى اليّ احد الادباء المصريين المعروفين هذه الحادثة النابعة من قلب التمايز قال هناك مطرب مصري مشهور رحل عنا منذ
زمن بعيد جاءا من طنطا الى القاهرة حيث بدأ مسيرته الفنية مغنيا وملحنا ونجما سينمائيا صعد سلم الشهرة بموهبته وجديته فارادت شقيقته ان تتخذ منه نموذجا يحتذى به وكانت ذات صوت ساحر عذب فلما سمع بذلك انتفض كالاسد الهصور وحاول منعها بكل الطرق الا انها كانت مصرة على السير بذات الطريق ؛ فما كان منه
الا خاصمها وحرض الاسرة عليها وقاطعها لسنوات عدة . ثم سألني ذلك الاديب ما هو رأيك بهذا الموقف ؟ اجبته لو كان هذا الاخ محاميا مثلا وامتهنت اخته الطــرب
لكان فيها وجهة نظر يمكن مناقشتها اما ان يكون فنانا يحترم فنه ويحتقر اخته لانها امتهنت مهنته فهذا هو التمايز بعينه ما بين الذكر والانثى.
ـ كنت في عهد الشباب في متوسطة ( اعدادية ) كربلاء وكان على اذا ما فرغت من دروسي ان التحق بوالدي لنعود سوية الى البيت . كان والدي آنذاك رئيسا
لتسوية حقوق الاراضي ( وهي محكمة خاصة لفض منازعات الملكية على الاراضي) . يومها كنت اجلس في غرفة المحكمة حينما طلب والدي المناداة على اطراف
الدعوى عندها دخل رجل بملابسه العربية فسؤل عن اسمه ومحل اقامته ...الخ فاجاب ثم قال له والدي واين هو شقيقك فالتفت اليه وقال له ادخل ثم اردف هذا هو ( اخوي) ثم سأله واين هي زوجتك فنادى عليها فلما دخلت ملتحفة بالسواد لا تكاد تتلمس طريقها قال ( او هاي تكرم مرتي ) ومعنى تكرم هذه هو ( تجل) وهنا
نظر اليّ والدي وهويبتسم لهذا القول المتدني ... لان تكرم لاتقال عادة الا لشيء قذر ... كأن يستفسر احدهم عن موقع ( التواليت مثلا) فيجاب تكرم هناك المرحاض
والخلاصة : فكما ان البغال والحمير والجمال اختفت كوسائط نقل وحلت محلهاالسيارات والطائرات والقاطرات ؛ وكما ان الكتاتيب قد اخذت بالزوال لتحل محلها المدارس والمعاهد والكليات والجامعات ؛ وكما ان ( القصخون ) قد انتهى عصره ليحل محله الراديو والتلفزيون والانترنيت .... كذلك هي العادات والتقاليد والاعراف
المسرفة في رجعيتها وتخبطها في بحور من الجهل المتعصب والتمايز ..؛ عليها هي الاخرى ان ترحل لتحل محلها تقاليد اكثر اتزانا وعقلانية وواقعية تنمو وتترعرع
وتزدهر ثم تموت لتحل بدلا عنها تقاليد من جيل آخر جديد في كينونته ينمو في مناخ عصره وبيئته بعيدا عن عن كل عوامل التفريق والعزل والتمايز بين سائر
مكونات الجنس البشري ... عند ذاك ستسعد المرأة بحقوقها الكاملة متوازية ومتوازنة مع ما للرجل من حقوق . وبهكذا تماثل وتقارب تعيش وتتوالد الاجيال على قاعدة ثمينة
مفادها .... زرعوا فأكلنا ونزرع فياكلون.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة