حقوق المرأة؛ لا تشمل التعليم والعمل

ريم أبوالوفا
wuthering.heights@live.com

2014 / 9 / 21

حقوق المرأة؛ لا تشمل التعليم والعمل


يقول حسن البنا في بداية كتابه "المرأة المسلمة": ((.. الإسلام يرفع قيمة المرأة ويجعلها شريكة للرجل في الحقوق والواجبات، ... وقد اعترف لها بحقوقها الشخصية كاملة وبحقوقها المدنية كاملة وكذلك بحقوقها السياسية كاملة أيضاً...)). (المرأة المسلمة، ص 7)
بادئ ذي بدء يجب التنويه إلى إن هذا ليس رأيه وحده ولا من تبعوه فقط، إلا أنه داء تفشى في مجتمعاتنا، حتى بات بإمكاننا القول "أن داخل كل منا عنصري صغير، باسم الدين". حيث أن هذه الفكر دعمته الكثير من الكتب التراثية الدينية، وأغلب من يُدعون رجال وعلماء دين أياً كان توجهاتهم، أو انتماءاتهم المذهبية، وباختلاف المؤسسات التي يدرسون فيها علوم الدين، وأيضاً أغلب أفكار وأدبيات التيارات الدينية المتعددة؛ بداية من هذه التي يُطلق عليها وسطية ثم تأخذ حدة عنصريتهم تجاه المرأة في التزايد تدريجياً وحتى الوصول إلى أكثرهم تشدداً وأصولية.
والآن؛ علّنا نتساءل هل قدم فعلا رؤية الإسلام للمرأة، أم جاء بإسلام يخصه، صاغ فيه صورة المرأة كما يراها هو، وفي هذه السطور لمحة بسيطة حول رؤيته لحق المرأة في التعليم والعمل.

المرأة والعلوم المختلفة:
قال حسن البنا عن رأيه في تعليم الفتيات: ((ومن حسن التأديب –يُقصد النساء- أن يعلمهن ما لا غنى لهن عنه من لوازم مهمتهن كالقراءة والكتابة، والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح رجلاً ونساءً، وتدبير المنزل والشئون الصحية ومبادئ التربية وسياسة الأطفال وكل ماتحتاج إليه الأم في تنظيم بيتها ورعاية أطفالها .... أما المجالات في غير ذلك من العلوم التي لا حاجة للمرأة بها فعبث لا طائل تحته، فليست المرأة في حاجة إليه وخير لها أن تصرف وقته في النافع المفيد. ليست المرأة في حاجة إلى التبحر في اللغات المختلفة. وليست في حاجة إلى الدراسات الفنية الخاصة، فستعلم عن قريب أن المرأة للمنزل أولاً وأخيراً. وليست المرأة في حاجة إلى التبحر في دراسة الحقوق والقوانين، وحسبها أن تعلم من ذلك ما يحتاج إليه عامة الناس ... ونحن لا نريد أن نقف عند هذا الحد، ولا نريد ما يريد أولئك المغالون المفرطون في تحميل المرأة مالا حاجة لها به ولكنا نقول: علموا المرأة ما هي في حاجة إليه بحكم مهمتها ووظيفتها التي خلقها الله لها: تدبير المنزل ورعاية الطفل)).
(المرأة المسلمة، ص9-11)

كما رأى أنه من وسائل إصلاح النشء، إصلاح تعليم المرأة، فقال: ((ترقية تعليم المرأة عندنا وتزويدها في المدارس بالقدر الوافر من الدين والخلق وإفساح المجال في مناهج دراسة البنات للبحوث البيتية وتراجم فضليات النساء .... أما أن تستمر مناهج تعليم البنات عندنا كما هي عليه الآن فتعني بالكمالي والضار وتترك الضروري والنافع؛ فهذا مما لا يبشر بحياة طيبة للنشء الإسلامي. تدرس البنت في مدارسنا الموسيقى واللغة الأجنبية والهندسة الفراغية والقانون الآن، ثم هي لا تعلم شيئا عن تربية الطفل ولا تدبير الصحة ولا عالم النفس ولا الدين والخلق ولا تدبير المنزلي ..!! فأي منهج هذا، وإلى أي غاية يوصل ؟!))
(نص المحاضرة التي ألقاها الأمام حسن البنا في جمعية الشبان المسلمين عام 1927 م)
ويبدو – وفق هذه الرؤية- أن المرأة لا تصلح سوى لتعلم التدبير المنزلي، والغزل والنسيج، وليس لها في العلوم والفنون واللغات والهندسة، فهي علوم تضر بأنوثتها.

المرأة وشغل الوظائف:

((يقول كثير من الناس: إن الإسلام لم يُحرم على المرأة مزاولة الأعمال العامة، وليس هناك من النصوص مايُفيد هذا، فأتوني بنص يُحرم ذلك، ومثل هؤلاء مثل من يقول: إن ضرب الوالدين جائز، لأن النهي عنه في الآية أن يُقال لهما: "أف" ولا نص على الضرب. إن الإسلام يُحرم على المرأة أن تكشف بدنها، وأن تخلو بغيرها وأن تخالط سواها، ويحبب إليها الصلاة في بيتها، ويعتبر النظرة سهماً من سهام إبليس، ويُنكر عليها أن تحمل قوساً متشبهة في ذلك بالرجل، أفيُقال بعد هذا أن الإسلام لم ينص على حرمة المرأة للأعمال العامة.))
(المرأة المسلمة، ص18)

((... ومن واجبها أن يكون عملها هذا بقدر ضرورتها، لا أن يكون هذا نظامًا عامًّا من حقِّ كل امرأة أن تعمل على أساسه. والكلام في هذه الناحية أكثر من أن يحاط به، ولا سيما في هذا العصر الميكانيكي الذي أصبحت فيه مشكلة البطالة، وتعطل الرجال من أعقد مشاكل المجتمعات البشرية في كل شعب، وفي كل دولة.))
(المرأة المسلمة، ص21)

يبدو هنا أن على المرأة أن تترك أماكن الوظائف خالية من أجل الرجال، حلاً لمشكلة البطالة، فشغل العمل ليس بالكفاءة، وإنما وفق جنس العامل؛ فإن كُتب في أوراقك ذكر فأنت مقبول-مقياس سقيم-.
وعلقت مجلة النذير على طلب عميد كلية التجارة حمدي بك تعيين أربع طالبات في وظائف الدولة، مستنكرة بإيحاءات جنسية في ردها، فقالت: ((إن كل واحدة من هؤلاء المتخرجات إذا لم تعثر على الجليل فهي في وظيفتها لن تعدم الخليل.))
(مجلة النذير؛ العدد20، 1358)

يعقب حسن البنا على طلب الآنسة نعيمة الأيوبي للعمل كمحامية، وفاطمة فهمي للتقدم لمدرسة الهندسة بقوله: (( للمرأة وظيفة في الحياة وهى المنزل، وليس من النافع أن تشارك الرجال فيما يقومون به من الأعمال)).
(مجلة الإخوان المسلمين العدد 8 )

وفي اعتراض آخر على بعض مكاسب للمرأة في النواحي الوظيفية والتعليمية، قال: ((اسمع يا محرر النذير، أحب أن ألفت نظرك ونظر قرائك إلى هذه الأحاديث النبوية الكريمة والنصائح المحمدية الغالية، فإن فيها تبصرة وذكرى:
1- ما تركت بعدى فتنة هي أضر على الرجال من النساء.
2- الخمر جماع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، وحب الدنيا رأس كل خطيئة.
3- اتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
4- المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها فى قعر بيتها.))
(مجلة النذير؛ العدد 19، 1358هجرية)
وإن كان استخدامه الأحاديث لا يثبت إلا أنه لم يجد ما يُنصف رأيه العنصري، وما يناسب ما يُعانيه من مرض في نفسه تجاه المرأة، فإن مرتبة صحة هذه الأحاديث أثبتت فشله في أن يجد مُبتغاه؛ فالحديث الأول مرفوع، والثاني ضعيف، والثالث موضوع، والرابع مرفوع.
وفي رأيه في حق المرأة الانتخاب أو شغل عضوية البرلمان، قال:
في الانتخاب: ((يعتبر منح المرأة حق الانتخاب ثورة على الإسلام وثورة على الإنسانية، وكذلك يعتبر انتخاب المرأة ثورة على الإنسانية بنوعيها لمناقضته لما يجب أن تكون عليه المرأة بحسب تكوينها ومرتبتها فى الوجود، فانتخاب المرأة سبة فى النساء ونقص ترمى به الأنوثة)).
(مجلة الإخوان المسلمون 5 يوليو 1947)
في عضوية المرأة للبرلمان: ((إباحة عضوية البرلمان مطلقاً يتنافى مع خطر الخلوة والاختلاط بالأجانب على النساء، ويتنافى كذلك مع تحريم النظر، ويؤدى إلى كثير من المفاسد ... المرأة لا تكون وزيرة ولا عضواً في البرلمان بحال، فإن من مقتضى إسناد هذه الأعمال إليها الخلوة مع غير ذي المحرم، بل ربما اقتضى ذلك الخلوة مع غير المسلم)).
(مجلة النذير فى العدد 19، 1358هجرية)
((مهمة المرأة زوجها وأولادها وأما يريده دعاة التفرنج وأصحاب الهوى من حقوق الانتخاب والاشتغال بالمحاماة مردود عليهم بأن الرجال، وهم أكمل عقلاً من النساء، لم يحسنوا أداء هذا الحق، فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين؟!))
(حسن البنا في «حديث الثلاثاء»)

كل هذه الأمثلة لإثبات رأيه –ورأي كل من يشبهونه، كما نوِّه في بدء المقال- بأن حقوق المرأة في الإسلام لا تشمل التعليم والعمل، كل هذا وكأنه لم يترامى إلى مسامعه في يوم من الأيام ذِكر هؤلاء النسوة الصحابيات، ومنهن:
"نسيبة بنت كعب"؛ فارسة الإسلام، وبايعت النبي وشهدت معه معارك كثيرة، فكانت تُدافع عن النبي بالسيف وبالقوس؛ فامتدح النبي أدائها وشجاعتها؛ أهداها عمر ثوباً ثميناً لما فعلته مع النبي يوم أحد، حيث قال النبي عنها -يوم أُحد- (ما التفت يميناً ولا شمالاً إلا وأنا أراها تقاتل دوني، فبعث به إليها). وشهدت معارك في عهد أبي بكر حتى قُتِل مسيلمة. وقطعت يدها في الحرب.
"الشفاء بنت عبد الله العدوية القرشية"؛ بايعت النبي بمكة قبل أن يخرج، استأذنت النبي في أن تستمر في علاج الناس كما كانت قبل الإسلام، فأمرها بأن تستمر وتعلم زوجته حفصة بنت عمر، وكان يذهب النبي إليها ويقيل في بيتها، فجعلت له فراشًا ينام فيه، وولها عمر بن الخطاب أمر السوق في عهده. وتوفيت في عهده أيضاً.
ليس ثمة مانع من صناعة إسلام وفق الهوى، حتى لو بتلفيق الأحاديث، ونشر الضعيف منها، وتسميم العقول، وتدمير صورة المرأة في العقل الجمعي لمجتمعات بأكملها، وسلبها حقوقها. ليس من مانع للحط من صورة الدين؛ وهدم قيم المساواة والعدل فيه، وجعله رمزاً في العالم للرجعية والتخلف.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة