المرأة التي حيرتهم وحيروها معهم

إكرام يوسف
ekramegypt@yahoo.com

2005 / 8 / 31

أظهر مسح أجراه المجلس الوطني لشئون الأسرة في الأردن، في سياق تقييم توجهات المرأة بشأن العنف الأسري، موافقة 87 في المائة من عينة النساء المستطلع آرائها على حق الرجل في ضرب زوجته، وأيدت 60 في المائة من العينة حق الرجل في ضرب امرأته إذا ما أحرقت الطعام!!.. وسرعان ما التقطت إحدى الفضائيات الخبر لتجري تحقيقا مع عدد السيدات العربيات؛ كان من بينهن واحدة تعرضت لضرب مبرح من زوجها أصابها بكسور في أضلاعها وكدمات شديدة، قالت للمذيعة" نعم هو من حقه الضرب، لا نستطيع أن نقول في ذلك شيئا، ولكن ليس إلى هذه الدرجة"!!!
ومؤخرا شغلت وسائل إعلام ومنتديات إنترنت بسجال حول حق المرأة السعودية في قيادة السيارة، بعدما تقدم أحد النواب بطلب السماح بهذا الحق؛ وبالطبع نالت النائب سهام تكفير وسباب كثيرة، حتى أن بعض كتاب المنتديات أوردوا عشرين سببا شرعيا(ليس هناك أي خطأ طباعي في الرقم) استقاها من القرآن والسنة، لتحريم قيادة المرأة للسيارة. رغم أن محللين خبثاء ـ بعضهم سعوديون ـ يعتقدون أن حسم قضية قيادة المرأة للسيارة لا يستحق كل هذه الضجة، وإنما هي قضية تستخدم إثارتها إعلاميا في مناسبات معينة يكون المطلوب شغل الرأي العام بقضية مثيرة للجدل من حين لآخر.
ومازالت مجتمعات عربية لا تسمح للمرأة بشراء الهاتف الجوال إلا بموافقة ولي أمرها، ولا تستطيع أن تباشر أي أمر من أمورها في المصالح الحكومية ـ مهما بلغت درجة تعليمها ـ إلا ومعها ولي أمرها.. بل أن بعض هذه المجتمعات سمحت مؤخرا ـ على استحياء ـ باستخراج بطاقات هوية للنساء بعدما زادت قضايا اختلاس بعض أولياء الأمور لحقوق مادية أو مواريث تخص نساء تحت ولايتهم.
وعلى صعيد مناقض تماما، تحفل قنوات فضائية في مسلسلاتها وأغنياتها بصورة مفرطة الانفتاح و "التحرر" ـ لم أجد تعبيرا مهذبا أكثر دقة ـ عن المرأة العربية.. وقد أتى هذا الحشد الإعلامي أكله ، حتى في تغيير أذواق الملبس في المجتمعات المحافظة؛حتى أنك تجد المتاجر في أكثر هذه المحلات محافظة تزخر بأمثلة لملابس مطربات فضائيات هذه الأيام، تقبل على شرائها سيدات محافظات للاستمتاع بارتدائها حتى تحت العباءة، أو يستعرضنها في المناسبات التي يقتصر حضورها على النساء.
واحتارت المرأة بين تشدد لا يرى في المرأة إلا جسدا يثير الفتن، يستحق أن تبذل كل الجهود لإخفائه، والتبرؤ منه. وبرامج إعلامية تغالي في الدعوة إلى عزل النساء عن مجتمعاتهن، واكتفائهن بالتفاني في خدمة الزوج وتربية الأبناء. وامتناعهن حتى عن متابعة برامج التليفزيون أو متابعة الصحف ـ قرأت مؤخرا لمن يعتبر أن المجلات والصحف تحوي موضوعات تفتن النساء وتدعوهن للتمرد على حياة البيت والزوج وخدمة الأبناء ، ثم قرأت ردا لأحد "المستنيرين لا يرى غضاضة في أن يسمح الزوج لزوجته بقراءة بعض المطبوعات الدينية على أن تكون تحت رقابته!!، بمعنى ألا يسمح الزوج بدخول أي من المطبوعات للبيت إلا عن طريقه ـ وبين انفتاح لا يعرف حدودا، لا يرى في المرأة ـ أيضا ـ إلا جسدا يثير الفتن، يستحق أن يستعرض بشتى السبل ، ويستخدم في الإعلانات لجذب الزبائن حتى لسلع لا تتعلق من قريب أو بعيد بجسد المرأة، من إعلانات السيارات والتبغ إلى الشاي؛ إلى التغطية على رداءة صوت المطرب أو المطربة ، في الفيديو كليب.
ومؤخرا استخدمت المرأة العربية أيضا، بمنطق كلمة الحق التي يراد بها باطل؛ كورقة ضغط على الدول العربية ـ مثلها مثل الديمقراطية تماما ـ تلوح بها قوى أجنبية ذات مصالح عندما تشعر أن هناك تهاونا في حماية مصالحها. ثم تعود إلى تغافل الحديث عن حقوق المرأة والديمقراطية، معا ـ عندما تعود الدول المعنية للسير في الفلك المرسوم لها.
وفي كل الأحوال تجد المرأة العربية مستغلة، إما من قبل دعاة العودة للوراء، أو من قبل جهات تهدف لمسخ الشخصية العربية، وتحويل المرأة إلى سلعة تستغل لتحقيق أرباح؛ تتجاوز الأرباح المادية إلى القضاء على ما عرف عنه رجال العرب من نخوة، وضمان تربية أجيال من الأبناء ممسوخي الهوية. أو من قبل قوى أجنبية تستخدم قضايا المرأة كلما شاءت لي ذراع من يتململ أو يتأفف أو يتهاون في تحقيق رغبات القوى المسيطرة على النظام العالمي الجديد.
وبين هذا وذاك، و"ذلك"، لم نعد نجد في إعلامنا صورة المرأة العربية الحقيقية؛ تلك التي تعمل وتكافح لتحقيق نجاحات علمية، أو زيادة إنتاج؛ والمساهمة في تنمية وتطور المجتمع، أو حتى تلك التي تكدح لتعين أسرتها على مواجهة مطالب الحياة، إلى جانب حرصها على تنشئة أسرة قويمة.
هذا النوع من النساء المسكوت عنه، والمعتم عليه؛ موجود في مختلف طبقات المجتمع: بداية ممن تشقى وتعمل في الخدمة في البيوت لإعالة أسرتها، أو من تقف في الحقل يدها بيد الرجال للمساعدة في تدبير لقمة العيش، مرورا بموظفات الحكومة والعاملات الكادحات، وحتى العالمات والخبيرات في معاملهن أو مراكزهن الأكاديمية.. فإذا سألنا مجموعة من الشباب أو الفتيات عن المثل الأعلى المعاصر للمرأة العربية، لن نجد إجاباتهم تخرج عن إما الشيخة الداعية فلانة؛ أو "الفنانة" فلانة!! ولا تكاد تجد من بينهم من يذكر اسما لباحثة، أو عالمة، أو خبيرة ؛رغم أن مجتمعاتنا مازالت بحمد الله تذخر بالكثيرات من بينهن، لكنها مقتضيات العولمة قبحها الله.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة