-ماهي- الجميلة والذكور الثلاثة

فاطمة ناعوت
f.naoot@hotmail.com

2014 / 12 / 8


صفعها لأنه وضيع. وقدّمته للعدالة لأنها جسورٌ ذاتُ كبرياء، مثقفةٌ تعرف حقوقَها، مستنيرةٌ ألقتْ بمِشعلها ليحرق جُبن النساء وخنوعهن أمام "ذكور" لم يصيبوا من "الرجولة" إلا غلاظة الصوت وضخامة الحذاء وإطلاق اللحى الخشنة.
"ذكرٌ" كهلٌ على مشارف الستين، لم يحترم سنَّه المتقدمة، ولا لحيته المُدلاة فوق صدره، ولا احترم الدستورَ المصريَّ الذي يُقرُّ باحترام الآخر، بوجه عام واحترام المرأة على نحو الخصوص، ولا احترم قانونَ السماء الذي أمر بالرفق بالنساء واحترام أجسادهن وعدم التحرش بهن. والتحرش، بمعناه الحقيقي، لا يعني المغازلة الجسدية وفقط، بل تندرج تحت خيمته أيةُّ محاولة تماسّ جسماني أو لفظي بغرض الإيذاء الجسدي أو المعنوي.
هذا الكهل المترخّص تطاول لفظيًّا على سيدة شابة، ووصفها بالمتبرجة، لأنها نبّهته لكيلا تصطدم سيارتُه بسيارتها وهو يرجع للخلف بسرعة عالية في موقف سيارات. فلما اعترضت على قوله أنذرها بأنه سيضربها، وبالفعل نزل من سيارته وصفعها على وجهها ثم بصق عليها، ثم دخل سيارته بهدوء وهمَّ بالمضي في طريقه كأن كارثة وجودية لم تحدث! إلى هنا، وقبل أن أمضي في سرد بقية الواقعة المخجلة، أتساءل: تُرى كم واقعة مثل هذه حدثت، وتحدث، وسوف تحدث، دون أن ندري عنها شيئًا، لسيدات وفتيات مصريات على يد بلطجية الذقون الذين يظنون جهلا وعماءً أن الله قد فوّضهم لتأديب الناس، بينما هم فاقدو أولى مبادئ الأدب والأخلاق، وليسوا إلا أكياسًا فارغة من خواء، تُحيط بخواء؟! ما كنّا سندري عن تلك الواقعة لولا أن تلك السيدة الجميلة كانت من الوعي والثقافة والاعتزاز بالنفس والإدراك بحقوقها كإنسان حرّ ومواطن في دولة محترمة، بحيث رفضت تلك الإهانة أن تمرّ، فتعلّقت بباب سيارته ورفضت أن يفلت بجريمته الرخيصة دون أن تقدّمه للعدالة. فما كان من "الذكر" إلا أن أمسك بكتفها وركلها في بطنها ثلاثًا، وهي بادية الحمل! وبوسعنا أن نستنتج بقية القصة التي سردتها الصيدلانية: "ماهي درويش" في برنامج "مصر الجديدة" مع الإعلامي معتز الدمرداش. أمام الضابط لبس المجرمُ ثوبَ الأب الحنون وراح يستعطفها لتصفح!
تمت تلك الواقعة الرخيصة قبل أسبوع في جراچ أحد مولات مدينة الشيخ زايد. ولما استنجدت الضحيةُ بفرد الأمن في المول، لم يبد احترامًا للسيدة، بل قال لها: “اِتْركني على جنب عشان نجيب لك حقك". فمثل هذا "الذكر" لا ينصر امرأة إلا تحت شرط واحد فقط. أن تكون المرأة من "أملاكه"، وأن يكون الخصمُ أيَّ ذكر سواه. بوسعي أن أجزم أن نموذج فرد الأمن هذا يهين نساءه: زوجته- شقيقته- ابنته- أمه، لكن شهامته تصرخ ورجولته تأنّ وتتجلى إن أهانها "ذكرٌ" آخر، "فإهانة كل امرأة شأنُ ذويها من الذكور"، في عُرف أولئك. لكن هذا الغضنفر لا يغضب إن أُهينت امرأةٌ لا تخصه، لأن نخوته مشروطة. ثم يأتي "الذكر" الثالث، الضابط الذي كتب المحضر في قسم شرطة أول أكتوبر، حيث رفض ذكر واقعة الضرب في المحضر، واكتفي بقوله "خناقة" بين اثنين من المواطنين!
هذه الصيدلانية العارفةُ حقوقها وقعت بين براثن ذكور ثلاثة، لم يصلوا إلى مرتبة الرجولة الناضجة بعد. لأن المجتمع الرخو تربةٌ خصبة لتلك الكائنات الرخوة. فهل نقبل أن نظل مجتمعًا رخوًا بعد تلك الثورات التي خضناها وتلك الدماء التي دفعناها؟ أختصمُ، كمواطن مصري، وككاتبة تنويرية، وكامرأة، وكإنسان، تلك الكائنات الذكورية الثلاث مع الدكتورة ماهي درويش، وأنتظر أن يُردُّ لنا حقُّها وحقي وحق كل مواطن مصري شريف بالقصاص من ثلاثتهم.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة