كوني زوجة عظيمة لرجل عظيم

فاطمة ناعوت
f.naoot@hotmail.com

2014 / 12 / 17

"أنثرُ عطرَكَ الفرنسيَّ فوقَ وسادتي/ فأسرِقُكَ/ رغمَ أنفِ الأميالِ وفروقِ التواقيتِ والسهرْ/ ورغم أنفِ قبائلِ البدوِ ومحاكمِ التفتيش التي/ تسرقُ الفرحَ من عيونِ الأحبّة./
تأتيني/ بكامل عَتادِكَ وصولجانِكَ وخيولِكَ/ رغم أنفِ عقائدَ وطواطمَ/ تخنقُ العشّاقْ/ وتبذرُ المتاهاتِ في الدروب./
أحتلُّ جسدَكَ/ وأمزَّقُ شرايينكَ/ لأعرفَ أين يختبئُ المطرُ/ رغم أنفِ جسدي الظامئ/ ورغم انفِكْ.”
***
"لا تفجعي لموتي. فالموتُ مجردُ حادثٍ، لكنه ليس الأهمّ. منذ إلتقيتكِ يا حبيبتي، والفرحُ يملؤني لأنكِ علمتِنى كم هو عظيمٌ قلبُ المرأة. في عالمي الجديد، بعدما أصعدُ للسماء، أول ما سأفعله، هو انتظارك والتفتيشُ عنك. تطلّعى للأمام، وانعمي بالحرية والحياة، وافرحي بأطفالنا. واذكريني."
كانت تلك الكلمات العاشقة، هي آخرَ ما كتب زوجٌ عظيم، لزوجته العظيمة لتكون رسالة وداع من رجل ذاهب إلى الموت بقدميه، لأنه جسور لا يهاب الرصاص. كان يعلم أن غيابه عن زوجته يومًا أو بضعة أيام يسبب لها قلقًا لا نهائيًّا، فترك لها ديكًا من الخزف، حتى تذكره كلما دبّ في قلبها الخوفُ، فتطمئن؛ وتعرف أنه حيّ وسوف يعود لها عمّا قريب. فإن كان سفرُه يخيفها ويقلقها، فماذا عن موته؟!
كتب تلك الرسالة عام 1915 وهو في الأربعين من عمره، كى تفتحها إذا ما قُتِل في الحرب العالمية الأولى. لكنه لم يمت بل عاش بعد الرسالة نصفَ قرن كامل حتى عام 1965، لكن الرسالةَ ظلّت قطعةً فنية فريدة تحملُ من العذوبة والحبّ، قدرَ ما تحمل من إعلاء للمرأة والحبيبة، قدرَ ما تحمل من الجسارة وعدم مهابة الموت، إذا ما كان الموتُ فداءً للوطن.
أما الزوج، فهو رئيس الوزراء البريطاني “ونستون تشرشل” أحد أعظم زعماء العالم. ضابطٌ ومخططُ حرب ذكيّ وسياسيٌّ داهية وأديبٌ لامع فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1953، والأهم من كل ما سبق، زوجٌ عاشق. وأما الزوجة، فهي كليمنتاين تشرشل، السيدة الرائعة التي ساندت زوجها في الظلّ، وكان لها دورٌ مهم في توطيد علاقة زوجها بقادة الحلفاء، حتى تحقق لهم النصرُ على الفاشية النازية عام 1945. لكنه، كزوج متحضّر، اعترف لها بهذا، كما اعترف قادةُ أوروبا بجهودها في الحرب، حتى أن الزعيم الروسي الحديدي “ستالين”، صاحب الجبروت الأسطوري، قلّدها بنفسه وسام الراية الحمراء السوڤ-;-يتي، ووضع في إصبعها خاتمًا مرصّعًا بالألماس، تقديرًا لما قدمته لروسيا أثناء الحرب العالمية الثانية حين أنشأت عام 1943 صندوقًا لمساعدة الجنود السوڤ-;-ييت، وقامت برحلة إلى روسيا لتوزيع المساعدات على أسر الجنود.
وحين نعود بالزمن إلى بداية علاقتهما، نجدها بدأت في حفل عشاء عام 1908. شاهدها فأُعجب بجمالها، ثم تحدث معها فأُعجب بذكائها وثقافتها. وبعد عدة مراسلات بينهما، أرسل إلى والدتها هذه الرسالة:
[سيدتي العزيزة، بلانش هوزير
ستكون كليمنتاين سفيرتي إليك اليوم. كنتُ قد سألتها الزواج بي، وها نحن نسألك معًا أن تمنحينا موافقتك، ومباركتك. تعرفين عائلتي منذ سنوات طوال، فلا داعيَ لإطالة الحديث حول هذا في خطابي. لستُ ثريًّا ولستُ ذا نفوذ وسلطان؛ لكن ابنتك تُحبّني، وسوف يمنحني هذا الحبُّ القوةَ لأضطلع بتلك المسؤولية العظيمة، والمقدسة. أعتقد أن بوسعي أن أجعلها سعيدة، وأمنحها الاستقرار، وأحقق لها المستقبل الذي يليق بجمالها، وفضائلها.
المخلص
ونستون تشرشل]
الحبُّ هو الحبّ، كما ترين، عزيزتي حواء. لا يختلفُ كثيرًا حينما يكون العاشقُ عاملاً بسيطًا، أو زعيمًا أسطوريًّا. لكن الحتميّ أن سموَّ الروح، يتجلى في سموّ المشاعر، بين الرجل والمرأة. فالرجلُ، أيُّ رجلٍ، سيكون عظيمًا بقدر ما يحبُّ امرأته ويُعلي من شأنها ويمنحها الاحترام والدفء والدفع للأمام لتحقيق أحلامها. والمرأةُ، أيُّ امرأةٍ، ستكون عظيمة بقدر ما تمنح رجلَها من مشاعرَ وحنوٍّ ودفع لنجاحه وتحقيق طموحه. حواء الجميلة، كوني امرأة عظيمة، لرجل عظيم.
***
* قصيدة "عطر" | فاتحة ديوان جديد | فاطمة ناعوت
---



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة