المرأة لماذا يرونها عارا فى صعيد مصر

حجاج سلامة
hagagslama@yahoo.com

2005 / 11 / 7

المرأة عار .. نشتهيها ونشمئز منها .. نلعقها ونبصق عليها .. نقيم لها أصنام فى حجرات النوم نعبدها ونرجمها في المجالس العامة ، إذا تجاسرت وتحدثت فهى عاهرة وإذا التزمت الصمت فهى قديسة ، نبتر ذلك الشيطان الشهواني الذى يعربد فوق عضوها التناسلي ثم نصفها بالبرود الجنسي ، نضع أمهاتنا فى فترينات زجاجية محكمة الغلق نهيل عنها التراب بجبهتنا ولو استطعنا لوأدنا بناتنا فى اقرب سلة قاذورات .
نريدها أن ترتدي البكينى وتلتحف بالبردة ، وفى مجون افروديت وطهارة العذراء ، وفى ميوعة كليوباترا وصلابة حتشبسوت ، وفى شقاوة سعاد حسنى ووقار فاتن حمامة .
ندعو لحريتها ونكبلها بالأغلال ل هكذا ينظر الرجل للمرأة فى صعيد مصر وفق مجموعة من المتناقضات ما بين التمسك بالعادات والتقاليد آو التظاهر بمسايرة التطور الحضارى بمفرداته التى تبدو شاذة على مجتمع " طيني " يستنكر كل ما هو جديد ويزداد تمسكا بالقديم ، فالصورة الأنثوية الأزلية – كما يقول الباحث المصري أمير الصراف - لم تتطور كثيرا فى الصعيد بل لا زالت محفورة بفطريتها فى الاذهان ، تلك الصورة التى نراها منذ ان حاولت المخلوقات ان تعبر عن أساليبها الحياتية بالنقش آو الرسم فتظهر المرأة فى دور الحبيبة آو الام الباكية الناحبة التى تعنى بالميت الراحل نحو أبديته وخلوده وهى التى تثير الرغبة وتعطى الحياة للمولود وتبدو مرغوبة ومشتهاه محترمة وحانية وهى التى تجسد نوعا من الجاذبية والضرورة وتلك الصورة الفطرية والقائمة على الجانب الغرائزى لم تتهذب ولم تستطع مقومات فطرية ا و مكتسبة من الأنا الأعلى والنوازع الد ينية والأخلاقية فى محاولة الترفع عن الغريزة الحيوانية الى نوع من التفاعل الوجداني والحسي فليس هناك فى مجتمع فطرى كمجتمع الصعيد مجال للحب الأفلاطوني المجرد الخالي من الشهوات مثلا فالنظرة الشمولية للرجل الصعيدى لشريكته فى الحياة جنسية فى المقام الاول وحتى فى الأغاني الشعبية – والكلام لأمير الصراف فى دراسته الجريئة عن حال المرأة الصعيدية - التراثية فى الصعيد والتى يتغنى بها الأهل ليلة الدخلة لا تخلو من تلك المفردات الجنسية الصريحة التى تصف ما يحدث فى تلك الغرفة المغلقة الجنس وحده هو الذى يهرول نحوه الرجل الصعيدى , لكنه جنس منقوص وهو اشبه بالتكاثر الذى تمارسه باقي المخلوقات التى تشاركنا الحياة فى هذا الكون ونظرة المرأة فى الصعيد للرجل لا تختلف كثيرا عن نظرته أليها فإحدى نساء الشوراع الضيقة أجملت واجبات الرجل الصعيدى فى المنزل بأنه القائم بالعملية الجنسية ، لم تقصد تلك المرأة التى كانت تتهامس مع جارتها الشابة التى أنجبت بنتا ان تهمش الرجل آو تعدد من مزايا البنات بل قدمت لنا رؤية السواد الأعظم من نساء الصعيد للرجل فهى تريده فحلا جنسيا على الفراش وعاجز جنسيا فى الشارع تشتهيه وتتأفف منه تهرب منه وتتمنى ان ترتمي فى أحضانه تريده خيال مآته فى المنزل وطاغية فى الخارج شيئان تبحث عنهما المرأة فى الصعيد هما : اللذة والأمومة انهما أقصى الطموحات وغاية المنى , والحرمان والكبت وتجبر الأب والام المهمشة خبرات مختزنه لدى الفتاة الصعيدية تجعلها لا تعيد صياغة أفكارها تجاه وحدانية اللذة والأمومة فى حياتها انها ارتضت بالقناعة آو بالإجبار بذ لك الإطار التى وضعت فيه فهى مجرد " ولية " تابعة للرجل ومخلوق من ضلع منه ويكفى انها العار الذى تبتلى به الاسرة الصعيدية و " العار " هو اللقب الذى يخلعه الصعايده على بناتهم الغير متزوجات ومعنى ان يسلم الأب الصعيدى بان البنات عار فالنتيجة تكون ضرورة وأد هذا العار بالزواج المبكر .

- 2-

لم تكن سنة 1899 مجرد سنة عادية عند المصريين يقدمون فيها الاحترمات لافندينا الجاثم على صدورهم أو يقوم أحد الوطنيين باغتيال أحد قيادات الاحتلال البريطاني أو المقارنة ما بين بقاء مصر فى ظل السيادة العثمانية أو الاستقلال التام بل ان المصريين انشغلوا بقضية اخرى هى " البدعة " التى كادت ان تؤدى الى انفراط عقد المجتمع وانتشار الفجور والانحلال بين أفراده لولا تمكن أصحاب الفضيلة الأصوليين من منع تلك البدعة وإرسال صاحبها الى العالم الآخرر .
قاضى شاب درس القانون فى فرنسا وجاء الى بلاده بأفكار بدت غريبة فى ظاهرها مجرد بدعة من شاب متفرنج مبهور بالحضارة الغربية وبفجور نسائها انه يريد ان تخلع المصريات النقاب التركي وتتعلم الفتاة المصرية حتى المرحلة الابتدائية وتشارك المرأة الرجل العمل ويالها من بدعة فى عصر كانت فيه الطرابيش التركية قد حجبت عقول المصريين عن الفكر المستنير وقد دفع " قاسم امين " ثمن أفكاره التقدمية التى حرضت " الحريم " بمفهوم القرن التاسع عشر على التمرد على القهر الذكورى مات قاسم أمين وهو في الأربعين من عمره أي بعد تأليفه لكتاب تحرير المرأة بثلاث سنوات والتاريخ يؤكد انه تعرض لضغوط من أصحاب الطرابيش الرجعيين الذين قادوا الكثير من المظاهرات الساخطة ضده بل ذهبوا الى بيته وطالبوه بان يسمح لهم بالجلوس مع زوجته وابنتيه ولكن المدهش ان أ حد أصحاب الطرابيش المناهضين لأفكار القاضي الشاب كان المناضل المصري مصطفى كامل الذى جاب كل بلاد العالم مناديا بالقضية المصرية وكان صديقا للكاتبة الفرنسية جولييت ادامز ومعجبا بأفكارها ومعنى انه معجب بفكر أنثوي مثل جولييت ادامز يدل على إيمانه بقضية تحرير المرأة وخروجها الى العمل ولكنه كان يريد لنساء بلده ان يظلوا قابعات فى الحر ملك ولم يتطاول ذ لك الدوق الفرنسي "دار كور "عندما زعم ان تأخر المصريين بوجه عام يرجع الى احتقارهم للمرأة وعزلهم نسائهم عن الحياة العامة ولا عجب من موقف مصطفى كامل من قضية تحرير المرأة فالمناضل المصري كان يريد تحرير مصر من الاحتلال الإنجليزي لتظل خاضعة للخلافة العثمانية !!
الإمام الجليل محمد عبده كان من المؤيدين لأفكار قاسم امين بل كانت له فتاوى وضيئة تخطى بها فقهاء السلف وادهش بها فقهاء عصره وقد راى ان المرأة مساوية للرجل فى جميع الحقوق كذلك راى إمام الإصلاح جواز منع تعدد الزوجات بقانون تصدره الدولة والاستثناء الوحيد إذا كانت الزوجة عاقرا وتلك الفتاوى التى أثارت جدلا واسعا فى القرن التاسع عشر تجعلنا الان ننحني احتراما لأفكار ذ لك الإمام الجليل الذى واجه اتهامات عديدة بسبب أفكاره فقد اتهم بالزندقة وقامت إحدى الجرائد بتزوير ونشر صور شمسية للشيخ بصحبة نساء أجنبيات .
مات قاسم امين بعد ان أشعل فتيل معركة لا زالت مستمرة الى يومنا هذا ولم تكن أفكار قاسم امين تقاليع مستوردة افتتنت بها بعض النسوة المصريات أمثال ملك حفني ناصف ا ونبوية موسى ولم يكن إعجاب هؤلاء النسوة بهذه الافكار مجرد سبب واهي للتشبه بالنساء الغربيات آو للتحرر من ثقل الملابس اللاتي كن يرتديهن والتى وصفها لنا المستشرق الإنجليزي إدوارد لين بانها توليفة من أثواب القماش التى تكفى لتشغيل مصنع ولكنها كانت دفاع عن حقوق مشروعة للمرأة المصرية التى كفلها لها الدين قبل الدستور وكانت هذه الحقوق قبل تلك الحركة حبيسة قمقم اسمه القهر الذكورى 0



3

" حقل الغام ممنوع الاقتراب " لافتة وضعها الصعايدة على العمل السياسي لافتة تحذيرية شديدة اللهجة تتراكم عليها الكثير من الموروثات التى لا يمكن ان تمحوها الإرهاصات الدخيلة على مجتمع الصعيد ولا التطور الذى فرض نفسه دون ان نسعى خلفه انه إيمان مطلق بأن السياسة قاصرة على فئة معينة من مجتمع الصعيد وانه من المحذور ان يخترق البعض من الدخلاء هذا المجال فالقبلية تلك الايدولوجية الراسخة فى الكيان الصعيدى قد وقعت منذ زمن ليس بقليل عقد احتكار أبدى مع السياسة وكأنها ارث تتقاسمه قبيلتين آما الآخرون فقد ارتضوا ان يلعبوا دور الحاشية التى تفترش الارض كالسجاجيد الفارسية التى تدوسها أقدام السلاطين ,وعندما يخرج ويتجاسر فرد لا ينتمي الى إحدى هاتين القبيلتين ويطالب بجزء من الكعكة السياسة فان اول من يتصدى له هم هؤلاء الحاشية وهم فى الغالب من عشيرته , الباحث المصري أمير عازر يرى ايضا فى دراسته المثيرة للجدل هنا فى الصعيد ان اذهان الصعايدة مختزن هلامي يشبه الفلاش باك السينمائي بدا من البوليس السياسي فى عقد ما قبل الثورة ثم معتقلات الحقبة الناصرية وهؤلاء الزائرين الغير مرغوب فيهم الذين يبداون رحلة الانتقاد الإجباري عند الفجر واخيرا سجون السادات التى طالت معظم رموز مصر وهذا الشريط السينمائي يعمل ذاتيا داخل أدمغة الصعايدة فلو علموا بنية البعض فى الانخراط فى السياسة يسارعون بالترهيب والتحذير كذ لك فهم ينظرون لمن انخرطوا فى أحزاب المعارضة وكأنهم انخرطوا فى تشكيل إرهابي آو عصابى آو ان أحزاب المعارضة منظمات سرية تعمل فى أنفاق تحت الارض هدفها الانقلاب السياسي والانفراد بالسلطة انها سياسة الحزب الواحد المهيمن على كل شئ حتى عقول البشر تلك السياسة التى فرضت على المصريين ببعض الشعارات الحماسية البلهاء بعد فترة من الخنوع ,الصعايدة مصابون بفوبيا السياسة آو الخوف من السياسة فقد تحولوا من رجال ذو شوارب كثيفة منحتهم كاريزما منزلية عريضة على زوجاتهم وابنائهم الى قطط سامية أليفة تقتات على الفتات السياسي الذى يتساقط من موائد القبلية ان أصحاب الشكيمة والباس الشديد يرهبون السياسة فماذا عن نسائهم؟
النساء فى الصعيد ينظرن للسياسة بنظرة مغايرة لنظرة الرجل فهى تبدو لهن كثمرة التين الشوكي " تريد ان تآكلها ولا تقوى على لمسها " هكذا تبدو السياسة فالمرأة فى الصعيد تريد ممارسة السياسة كحق لها تحقق فيه ذاتها وتبحث عن اهتماماتها داخل نطاقه وتشبع وتنمى مواهبها الكامنة داخلها ولكن تبقى العادات والتقاليد والنظرة الذكورية الهامشية التى تتحول الى نظرة دونية احيانا كحائط ذو ارتفاع هلامي يفصل بينها وبين المشاركة السياسية فالأب الصعيدى وافق على مضض على خروج ابنته للعمل ولا احسب ان الصعايدة كانوا قد ارتضوا بخروج بناتهم للعمل لولا الظروف الاقتصادية الطاحنة فماذا لو جلست فتاة وسط مجموعة من الرجال فى مقر حزبي انه خروج عن المألوف فكيف يعبر "العار " عن نفسه وهو يجب وأده ولا مجال للشفقة على نساء الصعيد فهن يستطعن التمرد على هذا الإطار الدميم الذى وضعن فيه وممارسة السياسة هى السبيل الى ذ لك وتحطيم أصنام العادات والتقاليد هى البداية فالسياسة لا تعنى مخالطة الرجال آو التخلي عن المبادئ الدينية والأخلاقية فهناك سيدات مصريات مارسن السياسة من خلف النقاب فى القرن التاسع عشر وفى عصر الحريم مارست " ام خليل " شجرة الدر السياسة فى عصر كان فيه الرجل هو الملك المؤهل فى الارض مارست ذات الجذع الشامخ " حتشبسوت " السياسة انها دعوة لتخرج المرأة الصعيدية من صورتها السلبية التى وضعت فيها اوالتى أصبحنا مقتنعين بها نحن الرجال .
والبداية تكون بانخراط نساء الصعيد فى الاتحادات النسائية والعمل الأهلي فهى الخطوة الأولى لمحو الأمية السياسية واعادة تأهيلهن ليقوم نصف المجتمع بدوره السياسي الغائب .. فهل تجد دعوة أمير الصراف الاستجابة .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة