آراء نسوية في الرجال

صاحب الربيعي
sahib.al-rabi@spray.se

2005 / 11 / 9

إن الحرية تم اغتيالها منذ الأزل في مجتمعات الشرق فالمجتمع قائم على أساس اللاحرية يتنفس من رئتان، رئة المورث التاريخي ورئة القيم الدينية، ودونهما لاحياة له. والهواء الذي يتنفسه المجتمع هو الأخر يتألف من مكونين: مكون ذكوري ومكون أنثوي فالأول له حجم ومساحة أكبر من الثاني. وإذا كان حساب مساحة الحرية رياضياً يخضع لأبعاد الطول والعرض فإن تلك العلاقة الرياضية لايصلح استخدامها في المجتمع الشرقي لقياس مساحة الحرية، لأن بُعد (الطول) للمورث التاريخي ضارباً في عمق التاريخ، وبُعد (العرض) للقيم الدينية تنتهي في اللانهايات.
وما لم يتم إسقاط هذه الأبعاد، لايمكن إيجاد معادلة صحيحة لحساب مساحة الحرية المطلوبة في المجتمع الشرقي، وليس بوسع أي نظام (ديمقراطي!) فرض توجهاته على تلك الأبعاد دون القيام بعملية إسقاط المفاهيم والتوجهات المتعارضة مع العالم المعاصر مع عدم إغفال جوانبها الايجابية التي تعتبر إحدى الأركان الأساس للمجتمع.
إذا تم الإقرار بأن المجتمع الشرقي تنعدم فيه فضاءات الحرية فإن الفضاء الذي يسبح به هو فضاء المورث التاريخي والقيم الدينية ويشغل القسم الأعظم من الرجال ذاك الفضاء تاركين ما تبقى منه إلى النساء. وهذا التقسيم بحد ذاته يفرض التزامات على الرجال أكثر من النساء ولابأس من تبني رؤية المرأة بهكذا مجتمعاً على أنه مجتمع ذكوري!.
تقول ((الهام منصور))"أن المجتمع الحالي، هو مجتمع ذكوري تسوده وتحركه قوانين وضعها الرجل لمصلحته جاعلة من المرأة كائناً ثانوياً، كائناً يغير ذاته، كائناً تابعاً في كل مراحل حياته".
ترفض المرأة آلية المجتمع الذكوري لأنه يقلل من مكانتها ككيان إنساني وتسعى جاهدةً لتحدي المجتمع، فهي في تطور مستمر (يرفض المورث والقيم) ولايبالي بالآراء الاجتماعية المتعارضة مع مساراتها. وبذات الوقت فإن الرجل لم يتطور، ويحتكم لنفس الآليات القديمة في التعامل مع المرأة لأنها في صالحه. حتى التعابير والإيحاءات الغرامية لديه لم تتبدل منذ الأزل هي ذاتها لأنها ترسخ سلطته!. لكن المهم في هذا (الصراع!) أن المرأة لم تعد تبالي بما يفكر الرجل ولا بما يفعله، إنها أصبحت خارجة عن قبضته التاريخية.
تعتقد ((الهام منصور))"نحن النساء ما عدنا نتأثر بما يفكر به الرجل أو بما يفعله أو يقوله، هو بقي على حاله لم يخرج من مملكته لكننا نحن النساء خرجنا من قبضته. هذا التغيير يدفعني إلى تأكيد ما أقوله، هو أنني ألاحظ أن الرجل مازال يستعمل القول ذاته والطريقة ذاتها في التعبير عن علاقته الجنسية أو الغرامية بالأنثى. يستعمل الألفاظ القديمة نفسها، ويحاول القيام بالحركات والإيماءات القديمة نفسها".
على ما يبدو أن انعدام فضاء الحرية في المجتمعات الشرقية (المجتمعات الذكورية!) حدد طريقة التفكير لدى الجنسين، فبدلاً من أن تتوحد أهدافهما في المطالبة بالحرية للمجتمع بالكامل. أصبح الصراع بين الجنسين لانتزاع الحقوق من بعضها بعض، فالرجل يتحرك في فضاء المورث التاريخي والقيم الدينية التي تصب في طاحونته أكثر من طاحونة المرأة ولايقبل التنازل عن (حقوقه المكتسبة!).
والمرأة تحاول أن تقسر الرجل على التخلي عن تلك الحقوق الخارجة عن صلاحيته، لأنه لايمثل المجتمع بالكامل بل أنه أسير تلك المورثات والقيم كما هي المرأة. فالتغيير المطلوب في المجتمع ليس من خاصة الرجل لوحده ولا المرأة لوحدها بل المسؤولية تقع على عاتقهما لينال كل منهما حريته التي لاتقبل التجزئة في العالم المعاصر.
إن تحجيم الصراع الاجتماعي وتصويره على أنه صراعاً بين الرجل والمرأة لانتزاع الحقوق، يدلل على قصور في الرؤية. ولايمت بصلة للواقع المعاصر الذي يفرض آليات الصراع للوصول إلى التغيير المنشود والمحدد بهدف واحد لاغير، هو حرية المجتمع بالكامل.
لـ ((الهام منصور)) تصور أخر لوجه الصراع، فهي تجد أن الرجل يرفض أن تكون المرأة في مستواه حتى لايشعر بهزيمته قائلةً:"علمتني تجاربي في مجتمعنا الذكوري، أن الأنثى بعلاقتها بالرجل هو إما (امرأة) حبيبة أو أنثى صديقة لايحتمل الرجل أن تكون حبيته في مستواه فهو يريدها ملكاً له، يريدها الحيز الذي يمارس فيه سلطته. إن تساوت معه يشعر بالهزيمة، بالضياع لأنه خارج سلطته عليها، هو لاشيء. لهذا السبب حين يتساويان يعترف الرجل بالصداقة لا بالحب حتى لو كان يحب، لايقبل هزيمته بسهولة، أما هي التي تفهم آلية الدفاع هذه عند الرجل، فتضحك في سرها وتجيبه (أصدقاء لا بأس)".
بغض النظر عن صدق من عدم صدق تلك الآراء النسوية بالرجال، فإنها تحجم الصراع إلى حدوده الدنيا وتصوره على أنه صراعاً بين الرجال والنساء في المجتمع. وليس صراعاً من أجل تغيير منظومة المجتمع الأسير للمورث التاريخي والقيم الدينية المتعارضة مع العالم المعاصر.
الحرية في المجتمع لاتعرف التجزئة في الحقوق ولامنح حرية لأحدى فئات المجتمع وحجبها على فئة اجتماعية ثانية. وسُبل النضال واحدة لنيل الحرية، ولاسبيل لنيل الحرية دون تحشيد كافة القوى الاجتماعية لانتزاع الحقوق والوصول إلى الهدف المنشود.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة