تأثير الظروف على دور المؤسسات الدولية في سبيل تحقيق عدالة جندرية

سحر حويجة
saharhwega@yahoo.com

2016 / 2 / 5

تأثير الظروف على دور المؤسسات الدولية في سبيل تحقيق عدالة جندرية

الجندر مفهوم يقوم على العلاقة المتداخلة بين الرجل والمرأة في المجتمع، حيث تحددها عوامل مختلفة اقتصادية واجتماعية وسياسية. لذلك تختلف هذه العلاقة من مجتمع إلى مجتمع آخر بل تختلف داخل المجتمع نفسه بين فئة اجتماعية وأخرى.
المرأة العربية التي عانت في ظل الاستبداد من التمييز على أساس النوع الاجتماعي ، سياسياً وقانونياً واقتصادياً واجتماعياً. حيث تحتل المرتبة الثانية في المجتمع، إضافة إلى التبعية والدونية بالنسبة الرجل، في الحياة الاجتماعية باسم الدين أحياناً وباسم العادات والتقاليد أحياناً أخرى ، نتيجة سيطرة الثقافة الذكورية ، على صعيد الفقه والتشريع والعائلة.
قبل الربيع العربي كان يتم تسليط الضوء على الواقع المذري للمرأة العربية من قبل المجتمع الدولي، حتى تحولت قضايا المرأة إلى واحدة من الذرائع للتدخل في شؤون الأنظمة الاستبدادية، التي ترفض أي تغيير إلا إذا كان في خدمة الأنظمة، وعليه جرت بعض الإصلاحات الشكلية ، التي تمثلت بوصول نساء إلى المجالس النيابية أو إلى كرسي في وزارة، ومنحت المرأة حق الترشح والانتخاب في دولة مثل الكويت ، ترافق ذلك مع نشاط شخصيات ومنظمات نسائية بهدف رفع الحيف والتمييز عن المرأة في القانون، ومن أجل إشراك المرأة في صنع القرار، كان تأثير هذه الشخصيات والمنظمات محدوداً بسبب القمع والتقييد على المجتمع المدني ومنعه من أي نشاط مستقل .
نجد أنه على الرغم من المكتسبات التي حققتها المرأة على الصعيد التعليمي والاقتصادي، في العقود الأخيرة والتي ساهمت في تغيير الصورة النمطية للمرأة نسبياً ، بدخول المرأة إلى المجال العام ، وكسر احتكار الرجل له، لكن مازالت الفجوة كبيرة بين الرجل والمرأة بسبب التمييز على أساس الجنس في القانون، وفي مراكز صنع القرار، وعلى صعيد المشاركة السياسية .
وعلى اعتبار أن الحقوق لها طابع إنساني عام لا تختلف من مجتمع لآخر، لذلك تم برعاية الأمم المتحدة، تنظيم المواثيق والاتفاقيات والقرارات الدولية، التي تتعلق بحقوق المرأة وفق معايير دولية. غير أن هذه الاتفاقيات والقرارات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة لم تجد مكاناً عند الأنظمة العربية الاستبدادية، لأن الأنظمة العربية تتعامل مع المجتمع الدولي على سبيل المجاملة عندما تصادق على الاتفاقيات، وهي متأكدة أنها لا تريد تطبيقها، حيث تشريعاتها التي تعمل بها تتعارض مع جوهر الاتفاقية ووضع تحفظاتها، هدفه الحفاظ على هذه القوانين وتفريغ الاتفاقية من معناها. واتفاقية السيداو التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1967 تحت عنوان إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة, جاء بعد سنة من صدور العهدين الدوليين لحقوق الإنسان القائمان على مبدأ المساواة بين الجنسين، ليبدأ عهد جديد لحقوق الإنسان خاص بالنساء حتى يتم إلغاء التمييز القائم على أساس الجنس، وبعدها تم صياغة إتفاقية سميت "اتفاقية القضاء على جميع إشكال التمييز ضد المرأة" في عام 1979 وأصبحت نافذة عام 1981. هذه الإتفاقية توضح المبادئ المقبولة دوليا" والمتعلقة بحقوق المرأة بما يضمن للمرأة المساواة الكاملة مع الرجل دون أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد على أساس الجنس في الميادين: السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.وأنشئت رسميا" لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة وظيفتها مراقبة تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقية
.
كما صدر في عام 2000 البروتوكول الاختياري، الملحق بالاتفاقية والذي بموجبه يمكن تقديم شكاوى فردية عن عدم تطبيق بنود الاتفاقية أو في حالة وقوع انتهاكات لحقوق واردة ضمنها من قبل الدول الأطراف
.
وتعتبر حتى الآن اتفاقية السيداو أهم نص دولي ينظم حقوق النساء.
ومن أجل دعم قضايا المرأة على المستوى الدولي، عقدت مؤتمرات دولية دورية خاصة بالمرأة كان لها تأثيراً هاماً على صعيد زيادة عدد منظمات المرأة وفعاليتها، ووضع الخطط والرقابة على تنفيذها من قبل هيئات مختصة في الأمم المتحدة : لقد سمي عام 1975 العام الدولي للمرأة، وفي نفس العام عقد في مكسيكو ستي مؤتمراً حضره 150 دولة من الأعضاء وكان من أهدافه تطوير خطة عمل لتكريس مفهوم المساواة في النوع، وبناء على توصية من المؤتمر تم تشكيل جهازين متخصصين تابعين للأمم المتحدة هما : صندوق تنمية المرأة ، والمعهد الدولي للأبحاث والتدريب من أجل تقدم المرأة .
المؤتمر العالمي الثاني عقد في كوبنهاجن في عام 1980 : بحضور حوالي ألفاً وثلاثمائة وفداً من مائة وخمسة وأربعون دولة، وما يزيد على ثمانية آلاف من ممثلي المنظمات غير الحكومية، أكد المؤتمرون على ضرورة دعم النساء اللواتي يقعن تحت سيطرة الاستعمار والتمييز العرقي والعنصري، كما أكد على أهمية مشاركة المرأة في دعم السلام والأمن الدوليين، كما صدر عن المؤتمر أول وثيقة رسمية من الأمم المتحدة تتناول قضية العنف ضد المرأة بشكل منفصل.
عقد المؤتمر الدولي الثالث للمرأة في نيروبي عام 1985 كان من أهدافه تقييم التقدم الذي حصل في عقد الأمم المتحدة للمرأة، الذي امتد مابين 1975 ـ 1985 ، كما تم خلال المؤتمر وضع خطة جديدة تساهم في تقدم المرأة وبحث المؤتمر في دور المرأة بالسلام والتنمية، وللذكر في عام 1986 تم نشر أول مسح عالمي حول دور المرأة في التنمية.
عقد المؤتمر الرابع في بيكين عام 1995 :‏ ناقش هذا المؤتمر كيفية تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة ،وتحسين أوضاع المرأة كما عرض مدى التزام دول العالم بالنهوض بالمرأة ومساواتها من منظور النوع الاجتماعي ( الجندر) كما تبنى صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة( اليونيفيم) بعد مؤتمر بيجين برنامج عمل تمكين المرأة، الذي تم تبنيه من خلال إطلاق مبادرة أو برامج متابعة ما بعد بيجين في عام 1996 ، وكان من أهدافه تعزيز الآليات المعنية بالمرأة، وترجمة منهاج عمل بيجين الى استراتيجيات وخطط عمل وطنية ودعم التخطيط الجندري وإدماج قضايا النوع الاجتماعي في التنمية الشاملة لزيادة مشاركة المرأة في صنع القرار. ‏ وجاء إعلان بكين كأساس لوضع برنامج عمل يشمل مجالات حيوية تتعلق بالمرأة على مختلف الأصعدة: الفقر والاقتصاد والبيئة وركز على قضية تنمية النوع الاجتماعي. كما تم عقد مؤتمر آخر في عام 2000 متابعة لمؤتمر بكين، تم فيه مناقشة مساواة النوع الاجتماعي والسلام في القرن الحادي والعشرين ، وعرف باسم بكين +5 ثم عقد مؤتمر بعنوان بكين +10في عام 2010 وبعده عقد مؤتمر بكين+15وفي كل تلك المؤتمرات يتم الطلب من الدول الأعضاء تقديم تقارير توضح مدى التقدم في تنفيذ برنامج عمل بكين .
إلى جانب المؤتمرات والقرارات والاتفاقيات الدولية برعاية الأمم المتحدة تم إنشاء أجهزة في الأمم المتحدة خاصة بالمرأة لها دور في دعم الخطط والتدريب والإشراف والمراقبة هي:
1 ـ المفوضية المعنية بوضع المرأة: تأسست عام 1946 ترتبط بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، هدفه تحسين وضع المرأة في المجالات المختلفة.
2 ـ الادارة التابعة للأمم المتحدة والمعنية بتقدم المرأة: هدفها تحسين وضع المرأة ونشر مساواة النوع في العالم.
3 ـ المعهد الدولي للأبحاث والتدريب من أجل تقدم المرأة : مهمته دعم تقدم المرأة على الصعيد العالمي من خلال الأبحاث والتدريب وتبادل المعلومات. :
4 ـ صندوق الأمم المتحدة لتنمية المرأة: غايته تقديم الدعم المادي والبرامج المعززة لتقدم المرأة.
5 ـ هيئة الأمم المتحدة للمرأة : أنشئت عام 2010 معنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
نستنج مما تقدم : أن دور الأم المتحدة والمؤسسات الدولية التابعة لها،لها صفة المراقب والمتابع لوضع المرأة على مستوى العالم، والمساهمة في نشر الوعي، وتقديم الدعم، والضغط والمناصرة، ولكن الفئات المستفيدة في الدول العربية مازالت نخب ، من نساء ناشطات. أو منظمات تابعة للدولة العضو ، ويلحظ أن الهيئات الدولية لا تملك وسائل تلزم الدول بتغيير أوضاع المرأة.

دور المجتمع الدولي في زمن الحرب و ما بعدها في دعم قضايا الجندر :
جاء الربيع العربي ، يحمل رياح التغيير وشاركت النساء بزخم من أجل التغيير، ووضعت المرأة العربية آمالاً في إنصافها ،غير أن الثورات في أكثر من بلد تحولت إلى حروب، وبرزت قوى متشددة تعادي المرأة وتحاكمها لأتفه الأسباب، الحرب والسلاح وضع المرأة مرة أخرى في حيز خاص لأن أغلب النساء يشكلون المدنيين والفئة الضعيفة في الحرب، حيث أن أغلب النساء لم يشاركن في الأعمال القتالية، ولكن دفعن ثمناً غالياً من أرواحهن وأرواح أقرب الناس إليهن، كما شكلن أغلبية اللاجئين والمشردين، والفقراء، وعلى الرغم من انتشار مظاهر تشكيل المنظمات النسوية والسياسية ونمو المجتمع المدني، لكن المرأة مازالت مقصية عن برامج هذه القوى، وعن دورها الفاعل والمؤثر.
في الخلاصة نجد أن جميع الصراعات الأهلية المسلحة، يبدو الموقف الدولي فيها عاجزاً عن قصد أو عفواً ، حيث يترك الصراع وفق قواعد عمياء، ثم تبذل الجهود للبحث عن مخرج . حيث تنزاح وجوه وأطراف بالقوة ويتم الصمت على قضايا بالتوافق منعاً للانفجار،النتيجة تنازلات من هذا الطرف و تنازلات من الطرف الآخر، وبعدها يتم تفعيل قواعد القانون الدولي الإنساني بشكل انتقائي .
إذن الهيئات الدولية أمم متحدة مجلس أمن ستكون بالمحصلة هي الغطاء لأي حل سياسي قادم و من الطبيعي أنها تملك القدرة على فرض بعض شروطها على أطراف النزاع، من هذه الشروط على سبيل المثال تمثيل أطراف الصراع، أو تفعيل قرار أو إرساء قواعد قانونية وغيرها: هذا الكلام يقودنا إلى بيت القصيد من موضوعنا معالجة شروط وظروف تطبيق القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في عام 2000 وهو أول قرار يتخذه مجلس الأمن لمعالجة الأثر غير المتناسب للنزاع المسلح على المرأة والمطالبة بدعم دور مميز للنساء في عملية السلام والأمن ، والاعتراف بدور النساء القيادي ومشاركتهن في صنع السلام ، وضرورة وضع حد للعنف الجنسي في زمن الحرب.
لقد صدرت من الأمم المتحدة الكثير من الاعلانات والقرارات والاتفاقيات الدولة الداعمة لقضايا النساء ومناهضة كل أنواع التمييز التي تتعرض لها المرأة ولكن الفرق ما بين اقرار وغيرها من القرارات 1325 إن القرارات السابقة كانت تتحدث عن حقوق النساء، وتطبيقها منوط بالأجهزة الحاكمة الاستبدادية القوية، أما هذا القرار فيتناول الدور المميز للمرأة في حل النزاعات وصنع السلام وفي منع الحروب، وحفظ السلام ، ورغم عدم إلزاميته إلا أن شروط تطبيق وتفعيل هذا القرار الدولي يجعل منه قوة ملزمة ، حيث القوى الداخلية تكون في وضع تسعى لإرضاء الهيئات الدولية والقوى المؤثرة في حل الصراع . كما أن أجهزة الأمم المتحدة مثل قوات حفظ السلام سيكون لها دوراً على أرض الواقع وبالتالي تتوفر وسائل أكثر فعالية وتأثير .
نشير هنا أن القرار 1325 يقوم على أربعة أركان تراعي المنظور الجنساني : هي مشاركة النساء المتكافئة كعنصر فاعل في منع نشوب المنازعات وإيجاد حل لها. وفي مفاوضات السلام وحفظ السلام. وصونه ، وعملية إغاثة النساء وحمايتهن ، والتعافي من الحرب. كما يتناول أثر العنف الجنسي في النزاع بوصفه أداة حرب، وعلى أن العنف الجنسي في حالات النزاع يشكل جريمة حرب، ويطالب أطراف النزاع المسلح بأن تتخذ على الفور التدابير الملائمة لحماية المدنيين من العنف الجنسي وأن لا تخضع هذه الجرائم لأحكام العفو وضرورة محاسبة مقترفيها.
نخلص أن الحل الدولي للصراع ونتيجة ضعف أطراف الصراع الداخلي ، وبالتالي عمليات الضغط ومطالب المنظمات النسائية ونشاطها الفعال يمكن أن تؤتي ثمارها ، ولابد من تهيئة النساء القادرات على تحمل مسؤوليتهن ، وتركيز جهودهن من أجل مشاركة واسعة للنساء في مرحلة بدء عملية السلام، وإعادة البناء. على طريق العدالة الجندرية .
سحر حويجة


ا



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة