بيوتٌ لا يدخلُها النّور

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2016 / 4 / 2

نحن والواقع نمشي في خطّان متوازيان .نتحدّث عن الحضارة البعيدة وتلك الحضارات التي سادت ثم بادت تعني المؤرخين فقط، نحن اليوم في القرن الواحد والعشرين ، العالم يسبقنا بأشواط كثيرة، ونبدو فريدين في التاريخ. نسجّل قصصاً فردية لرحلة نجاح وهميّة ، نكتب أسماءنا على حيطان التّاريخ، كأنّنا نملكه، فهذا يقول أنّه أصبح عالميّاً وذلك يقول أنّه بكل أمسّك الذّئب من ذيله ، الموضوع لا يتعدى بالونات ننفخها ثم تذهب أدراجها عند أوّل وخزة دبوس.
نحن لسنا منهم. عندما يصرخون تصّفق لهم الأكفّ . الموضوع لم يتغيّر فقط أصبح البعض مع، والآخر ضد، مع أنّ الضدّ هو مع، والمع هو ضده أيضاً.
بعض البيوت السّورية مظلمة ليس فيها قبس تستضيء به. فقيرة ، منهكة.
والرّجل مذلّ مهان فهو لا يستطيع أن يكون رباً لأسرة لا يملك ثمن رغيف خبزها، المرأة هي خادمة برتبة عبد في العائلة ، ترضخ للعبوديّة لأنّ المجتمع قد هيأ نفسه كي يقف ضدها. إن فتحت فاها بكلمة تكون خاطئة، وما أشدّ عداء النساء للنّساء!
ليس النّساء السّوريات في جونية فقط ذبيحات. المرأة السّورية ذبيحة في وطنها، وبيتها، وفي الشّارع، وإن كان بعضهنّ يلبسنّ ثياباً تشبه ثياب الأوروبيات فإنّ داخلهن مغلّف بالسّواد. هن فقط غير محجبات، وفي بعض الأحيان تكون المحجبة ربما لديها بعض الحقوق أكثر.
لم يبحث الإعلام في وضع النّساء السّوريات في أماكن أخرى، وكيف يمكن لرجل سوري أن يتزوّج بأربع نساء يرحل بهنّ إلى دول الخليج، ويوظفهنّ في الدّعارة، ولا إلى الطفلات السّوريات التي تزوّجن من سعوديين بموافقة أولياء أمورهن قبل الثورة بسنوات طويلة، وقبضن ثمن الزواج. بعض أولئك الطفلات زوجة رابعة، وبعضهنّ زوجات مدمني مخدرات. لم يبحث الإعلام أيضاً في البيوت التي تحتكرها أجهزة الأمن وتجلب إليها شابات لا أحد يعرف من أين.
قضية النّساء السّوريات في جونيّة قضية كشفت للإعلام، وغيرها كثير، وقبل الحرب بزمن طويل، عندما ب>ات تنتشر سياسة تنمّر النّظام، ودوائر المجتمع ومن بينها الرجل الذي يعلن عن ذكورته ويتبجّح في إذلال امرأة ما، وهم كثر بين الضَباط، والمتنفذين ورجال الأعمال. السوريات لسن جواري. فالجارية تجيد العزف والغناء، أما السّورية فلا تجيد إلا قول نعم سيدي لذلك العظيم الذي تكرّم بالزواج منها كي لا يبحث عن أخرى أغنى منها، بينما يذكر زوجته دائماً أنه يبدو جميلاً وشاباً لطيفاً مع أن عقلها من زمن اكتشاف الأخشاب.
الموضوع الخطأ يبدأ في الزّواج، حيث تبحث المرأة عن مستوى مقبول ربما يحقق لها الحدّ الأدنى من الطموح، ويبحث الكثير من الرّجال عن مستوى مادي يؤمن لهم لقمة العيش، وعندما يستطيع هو أن يكون صاحب اللقمة يقول وداعاً. بل إنّ أحدهم أخبر زوجته بأنّه يسمح لها بالأكل والشرب بينما هي تعيل أولادها الذين هم أولاده، وبينما كان عالة عليها في يوم من الأيام.
لا تحتاج المرأة السوريّة إلى ثورة ضد النّظام فقط. بل ضد كل النّظام الهرمي في السّلطة، والمجتمع. ضد أفكار العشيرة، ضد جريمة الشّرف، وإذا كان النّظام لا يحميها، فيجب أن تبدأ المرأة السورية المقتدرة مادياً بصنع أماكن حماية للنساء المهدّدات . دور حماية قد تبدأ باستئجار شقة في مكان ما يمكن استقبال من تتعرّض للظلم مع أطفالها، لو بدأنا بشقّة ، أمّنا حياة أمّ واحدة مع أولادها. سوف تزداد البيوت وتصبح في المستقبل قانوناً يحمي المرأة، لا يمكن أن يكون العمل النّسوي إلا من الدّاخل .
نحتاج نحن- نساء سوريا-إلى تنظيمات سورية جديدة تقوم بها نساء غنيّات بمشاركة رجال يقفون ضد الظّلم. كما تحتاج إلى وقفة جريئة مع ذاتها. لا بأس أن تقول : لا. ليس نهاية العالم أن أكون أمّاً عازبة. سوف أعيش حياتي ، ومن يغادرها أضعه في خانة النسيان.
يجب أن تكون الثورة تنويرية . تكون المرأة فيها شريكاً ، ولها برنامجها ، الثورة لا تعني قتل الخصم. بل لفت نظره إلى الخطأ، والخصم ليس النّظام. النّظام مجرم، لكن خصم النساء هو المجتمع.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة