رويدة -1-

نادية خلوف
nadia_khaloof@yahoo.com

2016 / 5 / 28

رويدة هذا الصباح
لا تزال ذاكرتي تعصف برويدة مع أنّني لم أرها، فقط كنت وزوجي محامين مسّخرين لها من قبل المحكمة لها كون الموكل لا يملك ثمن توكيل محام . حضرت جلسة المحاكمة مرّة واحدة. ثم امتنعت عن الحضور فأصبح زوجي هو من يحضرها.
منذ المرّة الأولى التي ظهر المتّهم في محكمة الجنايات. عرفت أن رويدة لا حق لها في الحياة ، ولا في الدّفاع عن حقّها بالحياة، لكن زوجي أكمل القضّية، وعندما انتهت جلب لي دفتر مذكرات رويدة وأشيائها المحجوزة ، في كلّ يوم كنت أعود إلى المذكرات أقرأها كاملة. ثم أقول لماذا جرى معي ما جرى. كنت أنسى أنّ تلك المذكرات ليست لي ، وباعتبار أنّني كتبت عدّة مقالات في الماضي عن الموضوع. لن أكرّر الكلام، وبخاصة أنّنا بعدها كلفنا بقضية كريستين الطفلة غير شرعية لامرأة من زواج غير شرعي ، والتي أنجبت بدورها طفلة بنفس طريقة أمّها ، وهي تبيع نفسها للرجال من أجل ثمن الحليب. في بيتهم المكوّن من غرفة واحدة على طرف نهر الجغجغ ، والذي كان يضّج بتعريفك بالسّبب الذي يدفع النّساء لبيع أنفسهنّ . هاتان الطّفلتان ضحيّة المجتمع، والفقر، وآلاف القصص تأتي من مدينة واحدة. قصص منسية تماماً لأنّ أصحابها طردوا من المجتمع، فلا ينتهي العار عندما يفسل الشّرف بالقتل، بل يزداد ، يأتي بعد الغسل السّجن، والطلاق، والتّشرد، ويبقى العار راكضاً خلف من غسله يعيّره به، وينفي صفة الرّجولة عنه لأنّ الرجولة هي في الحماية، وليس في الغسل.
الموضوع هو عن رويدة التي ماتت، التي لم تخلق، التي هربت من الظلم، التي تسّلمها أمير حرب فأشبعها قهراً ، والتي بقر بطنها تحت صرخات الله أكبر، أو يا حسين.
. . .
جميل تفتّح الورود في الربيع.
براعم الزهور، براعم الطّفولة
وقبل أن يبدأ الشّباب . نفور
مثل الرّياحين نثور
تضطرب فينا الأنثى
هي بداية الرّيح
بداية الأفول
يموت الأمل في ربيع حلم
يصبح الشّباب عبئاً
الموروث قيداً
الطفولة ضرباً من الوهم
. . .

تبتسم لنفسها وهي ذاهبة إلى المدرسة.
"حضّرتُ بعض الطّرائف سوف أرويها لصديقاتي.
لا أستطيع التّوقف عن الضّحك. تقول لي معلمة الرّياضيات أن "الضحك بلا سبب من قلّة الأدب"
أحبّ المدرسة ، أجد فيها حياتي، عندما أعود إلى المنزل أشعر أنّ العالم كئيب ، أبي لا يضرب أمّي إلا في حضوري. يعمل في بيع الخضار على عربة، وزجاجة الكحول في الأسفل ، بينما يبيع للنّاس يشرب شّفة ، يمسح فمه بطرف كمّه ، يبتسم للدّنيا، عندما يعود للمنزل يكون شبه غائب عن الوعيّ. يضرب أمّي، أحياناً يضرب نفسه. يقول لي أنت مثل أمّك ،ومثل أخوالك مجرّد فتاة غبيّة . أُخرِج أخي الصغير أحياناً من المنزل كي لا يبكي. لا أستطيع أن أساعد بقية إخوتي, بعد شهرين سوف أصبح في السّدسة عشر من عمري .
عندما أذهب إلى المدرسة أنسى ما جرى البارحة . علاماتي جيدة إلا في مادة الرّياضيات. قلت للمعلّمة أن تشرح لي مسألة في الهندسة أجابتني: لو أردت أعطيك درساً خصوصياً . لم تشرح لي. صديقاتي يذهبن إلى بيتها يأخذن الدروس الخصوصيّة . قالوا لي لا نفهم منها شيئاً .
أرغب أن أتعلم، وأحصل على وظيفة، وفي أوّل مرتب أحصل عليه سوف أرسل أمي وأبي في رحلة لمدة شهر ، أصالحهما.
عندما ينام أبي أستيقظ، أدرس طوال الليل، وأنام بعد مجيئي من المدرسة كي لا تعكّر أمي مزاجي. كأنّها تنتظر عودتي كي أجلي وأنظف المنزل. في بعض المرات أبكي ، أرى نفسي مجرّد خادمة. لماذا تنجب أمّي سبعة أطفال إن لم تستطع إدارتهم."
. . .
مهلاً على الأيّام
سوف تكبرين أيّتها الجميلة
اضحكي الآن
الضحك نسرقه من الزّمان
ينتهي وقته يوماً
ينتهي بأسرع من البرق
لا تأمني الحياة
لماذا أنت هنا؟
اهربي إلى مكان آخر
قد تموتين هنا

هكذا تقول العرّافة
اهربي
أسرعي
لكّنها لا تعرف طريقة للهروب أيتها العرّافة
ولا طريقة تكبر فيها
تسجّل أنوثتها على الدّروب
ترحل
لا يذرف أحداً دمعه عليها
يتّهمون أنوثتها
كانت فاجرة
وكان الجاني مجبور
. .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة