حقوق المرأة بين المورث والوعي

صاحب الربيعي
sahib.al-rabi@spray.se

2005 / 12 / 20

حين تخضع المجتمعات لفترة طويلة من حياتها تحت الاستبداد ومفاهيمه تصاب بالخنوع والقنوط وتستسلم لقدرها ويصعب عليها التمييز بين أوجه الظلم وأوجه العدالة. ومع تتابع الأجيال وتناسل الاستبداد وتوجهاته، تُوسر المجتمعات في لاوعيها لتعتبر نمط حياتها حالة طبيعية، لاتسعى لتغييره وإنما تدافع عنه دون أن تعي الجانب الآخر من الحياة الذي تسوده الحقوق والواجبات. ولعل النساء أكثر الفئات الاجتماعية تعرضن للتغيب والظلم الذي يستمد توجهاته من المورث والأعراف والقيم الاجتماعية والدينية المضَللة وأصبحن لايميزن بين الحقوق والواجبات!.
هذا المورث المتراكم عبر الأجيال لم يمنح المجتمع الذكوري حقوقاً مكتسبة حسب، بل اعترافاً نسوياً بتلك الحقوق! وواجهت الناشطات في المجال النسوي مشكلة التعاطي مع توجهات النساء غير الواعيات لحقوقهن أكثر من الرجال الرافضين لحقوق المرأة. وأصبحت كفة النساء الساعيات لتكريس المورث التاريخي وما ينال من حقوقهن أكثر رجاحة، فهن قادرات على تحشيد المسيرات النسوية الأكبر للتصدي للناشطات النسوية المطالبة بحقوق المرأة.
لايعود ذلك لحالة اللاوعي بالحقوق وأنما لإعادة إنتاج وعي جديد يصبغ المورث التاريخي بلون عصري، يكون قادراً على التوائم مع متطلبات الحاضر لخداع جيل جديد وترسيخ القناعة لديه بأن التوجهات الداعية للمطالبة بالحقوق أنما هي توجهات (معادية!) تدعمها جهات دولية معادية للشعوب تسعى لتخريب المجتمعات وضرب ركائز الدين المساند لها!.
هذه البدعة (الدينية!) الجديدة لترسيخ المورث في اللاوعي للجيل الفتي، وتصوير الصراع على أنه صراعاً بين القيم الدينية والحداثة وليس بين المورث السيىء والحداثة، هو محاولة واعية لترسيخ مفهوم المورث وتوجهاته في أذهان الجيل الفتي خاصة في المجتمعات المتخلفة الرازحة تحت براثن الأمية والفقر والاستبداد.
يقول ((زهير حطب))"لعل في اضطرار المرأة للقيام بدورها التقليدي لفترة طويلة ما جعلها تقتنع به، وتعتقد أنه قدر محتوم لا إرادة له، وأنه يستمد أصوله ودواعيه من المبادئ الدينية لاسيما وأن شبكة من المسكنات والبدائل المتاحة للرجال لاستخدامها ضدهن جاهزة لتدخل مرحلة التنفيذ ومنها: الطلاق، الزواج المتعدد، وإساءة العشرة واستعمال حق القوامة من دون أية اعتبارات".
تتطلب إعادة تشكيل منظومة الوعي الاجتماعي المستندة للعدالة والمساواة القيام بحملة توعية لكافة فئات المجتمع خاصة النساء منهم اللواتي يزرحن تحت براثن الأمية والجهل والمورث....فبدون وعي النساء بحقوقهن العادلة في المجتمع، لاتستقيم أوجه المطالبة من الرجال المؤمنين بتلك الحقوق على المساهمة في النضال ضد المورث التاريخي غير العادل الذي ينال من حقوق المرأة.
وبالرغم من أن الحرية والعدالة والمساواة...منظومات متكاملة تسهم بها كافة فئات المجتمع، فإن النضال في نهاية الأمر منوط بالمرأة ذاتها لانتزاع الحقوق، ولن تقدم لها على طبق من ذهب وهي مستكينة لأسر المورث التاريخي والاتكال على الرجال المؤمنين بحقوقها للنضال لوحدهم لإنصافها في المجتمع.
يعتقد ((زهير حطب))"أن صحوة فئة من النساء واقتناعهن بأن الثقة بالنفس والاستعداد للمطالبة والمواجهة هي السبيل لتطوير أوضاع بنات جنسهن. ودور الرجال المتنورين ليس سوى دور مرحلي مؤقت، وتبقى الأدوار الأساسية للنساء أنفسهن، فلا يستطيع الرجال مهما بلغوا من الإخلاص لقضية النساء وتحريرهن أن يذهبوا في الشوط بعيداً".
تتطلب سُبل النضال للمرأة وعيها بماهية حقوقها، لتساهم في تشكيل منظومة الوعي الجمعي لتحرير المجتمع من براثن الأمية والجهل والفقر والاستبداد التي لاتقتصر على فئة اجتماعية دون أخرى. إن صياغة وعي جديد للمجتمع، يحتضن كافة المطالب الاجتماعية العادلة لايحدد دور ومسعى كل فئة اجتماعية لحشد طاقاتها وجعلها في قائمة ألولياتها، وإنما يفتح باب المنافسة بينهما لنيل الحقوق فالفئات الاجتماعية الأكثر نشاطاً هي التي تفرض مطالبها وأولويتها على الفئات الأقل نشاطاً!.
تقول ((حكمت أبو زيد))"أن الوعي السياسي بقضايا المرأة، عملية مادية ومعنوية في آن واحد، وذكرية وأنثوية في آن واحد، وموضوعية وذاتية في آن واحد، وسوسيولوجية وسيكولوجية في آن واحد في نهاية المطاف".
يشكل وعي كل فئة اجتماعية بعدالة قضيتها وسعيها لانتزاع الحقوق حجر الأساس لحشد المؤيدين، فالفئة الاجتماعية التي لاتعي حقوقها ولاتسعى إليها عبر سُبل النضال المتعددة لاتنتظر من الآخرين أن يلبوا مطالبها حتى لو كانت عادلة ومنصفة!.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة