كلُّنا مقتولات محتَمَلات

عايدة الجوهري
ajawhary@hotmail.com

2017 / 6 / 22

قدّر تقريرٌ لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، أعدّه الصحافي «روبرت فيسك»، عددَ ضحايا جرائم الشرف في الدول العربية وجنوب آسيا، بحوالي عشرين ألف فتاة، دون أن يذكرَ تلك التي ترتكبُها الجاليات العربية والإسلامية في البلدان الأوروبية، رغم صرامة القوانين المضادة. وتُفضي المقارنة الإحصائية، إلى أنّ منسوب هذه الجرائم إلى ازدياد، عامًا بعد عام. إنّه رقمٌ مفزِعٌ يدلّ على حجم كراهية هذه المجتمعات للمرأة، وبالمقدار ذاته على حجم العدوانية التي تختزنها على وجه العموم، والتي تجد في المرأة كبشَ فداء مثاليّ.
كلّ جريمة معيبة أخلاقيًّا، وتحطّ من قدر مرتكبها وشرفه الاجتماعي، ما خلا جريمة الشرف، فهي تُشرِّف مرتكبها وتُعلي من شأنه وتقديره لذاته! مؤسِّسةً بذلك لمأزق أخلاقي غير قابل للتسوية.
إنّ مجرّدَ احتمال ارتكاب هذه الجريمة، سواء سوّغتها القوانين أم لا، تمسّ كينونةَ كلّ امرأة تحيا في المجتمعات الحاضنة لها، نظريًّا وواقعيًّا، حتى تلك التي تحيا في أبراج عالية أو تعدّ نفسَها من النّاجيات، سواء أدركت ذلك أم لا، أو أدركها وعيُها الواعي أم لا. يكفي أن تعلمَ المرأة أنّ هذه الجرائم ليست من نسج الخيال، بل من نسيج الواقع الحيّ، كي تجزع وتهلع، وتفقدَ ثقتَها العميقةَ بنفسها، ويساورُها شعورٌ غامضٌ بذنب لم ترتكبه، وبخطيئة لا تعي مصدرَها.
إنّ تفشّي هذه الجرائم يجعل من كلّ النساء مقتولات افتراضيات، يعشنَ بسبب ذلك رعبًا مضمرًا إزاء ردود أفعال محتمَلة، على كلّ خطوة يخطينَها، وكأنّ جلاّدًا أو غولاً أو مسخًا، قد ينقضَ عليهنّ في أيّة لحظة.
إنّ وأدَ البنات، وقتلَ الأنثى غسلاً للعار، هما وجهان لسيف مسلط على رقبة كلّ امرأة، وكامن في لاوعيها، لأنّه موروث حيّ، يُحيي دون هوادة تلك الازدواجية المستعصية على الفهم. كيف يُمكن أن يكون جسد المرأة مبخّسًا ومقدّسًا في الوقت نفسه؟ وكيف يحدثُ لكائن بشري أن يقيمَ في جسد، وأن يكون هذا الجسد، الذي هو وعاء وجود، ملكًا خاصًّا للغير، يفعلون به ما يشاؤون، ساعةَ يشاؤون، بما في ذلك حقّ منع الحياة عنه واقتنائه، مثلها مثل العبد الذي يعود أمرُ تقدير مصير جسده إلى مالكه؟
إذا كان جسد المرأة مكبّلاً بالقوانين والأعراف والأوامر والنّواهي، ويُعدّ مستقرًّا للفتنة وموئلاً للاضطراب، ووجب احتراسًا وتحسُّبًا تقييده في الزمان والمكان، والأمثل حجبه، فكيف للمرأة التي تُقيم في هذا الجسد أن تسكنَ إلى نفسها وتفكّ أغلال عقلها ووجدانها وإرادتها وأن تكون إنسانًا سويًّا وفاعلاً ومتوازنًا؟!!
المسألة تتعلّق، إذن، بمجمل كينونة النساء، فإذا كانت المرأة لا تتحكّم بوجودها الحسّيّ، فكيف تتحكّم باللامحسوس والذهني والمجرّد؟
ليست جريمة الشرف حالةً منفصلةً عن حياة كل امرأة عربية أو مسلمة، ولا عن مجموع التقاليد والأعراف والتمثّلات والقوانين، التي تحطّ من شأن المرأة، وتُعلنُها إنسانًا قاصرًا، فاقدَ الأهلية، بل هي محصلة نهائية لمجموع البنى والقوانين، التي لا تعترف بالنساء كائناتٍ كاملاتِ الإنسانية والكرامة، وبالتالي لا تعترف بهنّ مواطنات، مساويات للرجل أمام القانون، في العام وفي الخاص. إنّها قضيّة مجتمع بأسره.
وحين توكل الدولة أمر إدارة الأحوال الشخصية، إلى رجال دين وفقهاء، ديدنهم صيانة امتيازات الرجل، وتكبيل المرأة، وحين تترك هذه الدولة أمر تأديب المرأة للأسرة أو العائلة الموسّعة، ولو أدّى هذا التأديب إلى استئصال وجودها، ولا تتدخّل سوى للتمييز بين جرائم الشرف وسائر الجرائم، والحكم إذا كانت الجريمة المذكورة تستحقّ أعذارًا محلّة أو تخفيفية، تتخلّى هذه الدولة عن خاصيتها الجوهرية، بصفتها ناظمًا حياديًّا وموضوعيًّا لحياة مواطنيها المشتركة، ومرجعًا أساسًا لحلّ النزاعات.
هذا إذا سلّمنا جدلاً بأنّ الأسباب الآيلة إلى ارتكاب جريمة الشّرف تستحقّ التّقاضي.
قد يرفض الرجل المعاصر المثقّف القتل، ويعدّه همجيّةً مطلقةً، ولكنّه في قرارة نفسه لا يرفض «الدور» الذي يعطيه هذا الحق، وإلاّ لعلت أصوات المثقفين في العالم العربي لإلغاء هذا القانون.
إنّ المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة