انهم يعلموننا الانحناء

لمياء لطفى
hadylamya@yahoo.com

2006 / 2 / 5

"نحن نعلم الآن ما يجرى ولا يجوز أن نعيش أيامنا كما لو كنا لا نعلم" هكذا أنهى مركز النديم مقدمته للكتاب الذى أصدره مؤخراً بعنوان "أيام التعذيب: خبرات نساء فى أقسام الشرطة"، وبعد قراءتي لهذا الكتاب لم أستطع أن أعيش كما لو كنت لم أقرأ؛ فقد ظل صراخ هؤلاء النساء اللاتي نقل الكتاب شهاداتهن التفصيلية عما حدث لهن فى أقسام البوليس، يصم أذني ولا أجد منه مهرباً، وذكّرني الكتاب بقصيدة أمل دنقل "كلمات اسبارتكوس الأخيرة" وهو يطلب من المارة أن يرفعوا رءوسهم إليه ليروه مشنوقاً، ولكننا الآن لن نستطيع أن نطلب من أحد أن يرفع رأسه، فعلينا أن ننحني، أن نخفض أعيينا ونفتحها لنرى النساء وهى تسحل على الأرض وتنتهك أجسادهن وأعراضهن، فحتى هذا الطلب الذى طلبه أمل لم يعد ممكناً، لأنه قد ذهب الزمن الذى كنا نشنق فيه باحترام!!
والكتاب رغم صغر حجمه الا أنه يحمل الكثير من المفاجآت المؤلمة، فأنت ستقابل فيه أناساً يحكون لك واقعاً ستدهش عندما تستمع إليه من أفواه تقتر ألما وعيون ستراها من بين السطور وقد ملأتها الاهانه والانكسار وبعيد فى عمقها ستجد طيفا للتحدى ومحاولة للصمود، هؤلاء البشر تعرضوا لأشد أنواع التعذيب والإهانة، والكتاب يرصد بصدق تجربتهم من خلال شهاداتهن هن أنفسهن عن تجاربهن لشخصية.
ينقسم الكتاب إلى أربعة أقسام: مقدمة عرض فيها المركز إلى أهمية الكتاب فى هذا التوقيت، وهي لفت الأنظار إلى ظاهرة جديدة هى تفشى تعرض النساء للتعذيب الجنسي فى أقسام البوليس، الأمر الذى تم رصده بواسطة بعض المراكز والمؤسسات العاملة فى مجال حقوق الإنسان،
"إننا إذ نرصد هنا بعض حالات التعذيب التي انتقيناها بعينها، فذلك لأن جرائم التعذيب قد شهدت تطوراً نوعياً مهماً و خطيراً في السنوات الأخيرة ألا وهو تفشي التعذيب الجنسي للنساء في أماكن الاحتجاز سواء مقار مباحث أمن الدولة أو أقسام الشرطة، حيث قامت بعض المنظمات – بالإضافة إلى مركز النديم - كالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ، بتوثيق تلك الظاهرة، وأفرد المركز المصري لحقوق المرأة ، تقريراً خاصاً بشأنها، كما رصد مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء "تزايد ظاهرة التهديد بهتك العرض و هتكه فعلا، وأنه يمثل انفلاتا أخلاقياً خطيراً، حيث لم يكن هذا النوع من التعذيب شائعاً من قبل ". وحوى الجزء الثاني من الكتاب شرحاً للبند الأول من اتفاقية إلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، والتي تنص على عدم التمييز ضد المرأة على أساس الجنس، الأمر الذى تم انتهاكه من قبل رجال الأمن فتم التمييز ضد النساء وتعريضهن لانتهاكات جنسية عديدة، وتعرض الجزء الثالث لشهادات الضحايا اللاتى تعرضن للتعذيب، حيث تضمن وقائع التعذيب لواحد وعشرين حالة صنفت تبعاً للأماكن التى تمت فيها الانتهاكات، ورغم اهتمام المركز بتغيير أسماء الضحايا حرصاً على عدم نبش جروحهم وآلامهم، إلا انه تم ذكر الأسماء الحقيقية للذين مارسوا التعذيب والانتهاكات على النساء، وقد كان لقسم شرطة حلوان نصيب الأسد فى هذه الانتهاكات، حيث بلغ عدد الحالات التى تم رصدها فى هذا القسم عشر حالات تعرض فيه الضحايا لأحط أنواع التعذيب الجنسى أمام الأهل، وقد حوى الكتاب فى الجزء الرابع مجموعة من الإحصائيات المبنية على حالات النساء المصريات المترددات على مركز النديم من أغسطس 1993 حتى ديسمبر ،2004 فكان عددهن 255 سيدة تعرض منهن للعنف من قبل الدولة 168، كان نصيب التحرش الجنسي فى الأقسام 62 حالة 17 حالة منها تمت فى الفيوم و17 فى بلقاس، وعشر حالات فى حلوان، وتوزعت بقية الحالات على محافظات مصر، وهذه الحالات تتعلق بمن ملكن الشجاعة لكي يتحدثن عما جرى، ولكن هناك بالتأكيد كثيرات لم يستطعن الإفصاح عن ألمهن، ربما الخجل أو الخوف أو تجنباً للفضائح التى كفاهن ما لقينه منها.
وأخيراً... نحن نعلم الآن ماذا يجرى ولا يجوز أن نعيش أيامنا كما لو كنا لا نعلم.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة