اجتهاد في نصيب الزوجة من الميراث!

محمد مسافير
moussafir.med@gmail.com

2017 / 7 / 26

تزوجا منذ عقدين ونيف من الزمن، لكنهما لم يرزقا بأبناء، هي أستاذة مادة التربية الإسلامية، وهو موظف بإحدى الشركات، عاشا حياة بسيطة، وقد اتفقا على أن ينفقا راتب الزوج الزهيد، ويدخرا راتب الزوجة الذي يفوق نسبيا راتبه هو، واستطاعا بعد سنوات أن يبنيا منزلا يخلصهما من تكاليف الكراء، كان ذا طابقين، انتهيا من الإصلاح بفضل بعض الديون، ثم انتقلا إليه مسرورين...
وبعد أن سددا ما بذمتهما من ديون، جهزاه بما يليق به من أثاث، ثم بسطا قدميهما على طاولة الصالون، وهما يستمتعان بنشوة الانتصار، وأفول زمن البخل والادخار، أخيرا سيخلدان إلى الراحة...
لكن شيئا من ذلك لم يحدث، لقد خطفت المنية الزوج بغثة ودون ميعاد، أكد التشريح الطبي أن سبب الوفاة كان سكتة قلبية، لقد رحل عنها إلى الأبد مهما تكن الأسباب...
الغريب في الأمر، أن ظهر بين المواسين أشخاص لم ترهم من قبل، أخبروها أنهم أبناء عم الزوج، ليشيروا إلى أبيهم الواقف عند الباب، تقدم نحوها متأسفا ومواسيا، حثها على الصبر والسلوان، ثم سأل الله أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، وإنا لله وإنا إليه راجعون...
تفاجأت كثيرا لقدوم هذا القريب الغريب، ثم تذكرت ما قد حدثها به زوجها في بعض الأيام المتقطعة، حدثها عن خصومات معقدة نشبت بين والده مع عمه هذا، ثم انقطعت عن فجأة أخبار العم دون أن يحاول أحد منهما المبادرة بالمصالحة...
كل هذا لا يهمها الآن، لكن لماذا جاء الآن؟ هل يسعى إلى التصالح مع جثة ابن أخيه؟ ربما أحس بتأنيب الضمير فجاء ليريحه!
لم يغادروا بعد انقضاء التأبين، لم يغادروا في الغد الموالي، لم يغادروا بعد أسبوع، لكنهم مكثوا عندها لأكثر من شهر، فبدأ يصيبها الهلع، ما الذي يريده هؤلاء؟ حتما ستسألهم، فلا فائدة في الإرجاء؟
- شكرا لاهتمامك عمي، يمكنكم الآن الذهاب، أستطيع أن أخوض حياتي كما كنت في السابق!
رد العم وهو يحاول إظهار بعض الاستغراب والاستنكار:
- ما هذا الكلام بنيتي؟ أتطرديننا من بيتنا هذا؟ أتظنين أننا هنا لأنستك؟! لا يا بنيتي، فرغم أنك أستاذة التربية الإسلامية إلا أنك لا تزالين جاهلة، ألا تعلمين - وأنت دون أبناء – أن نصيبي من هذا البيت ثلاثة أضعاف نصيبك، فليس لك إلا ربع ما ترك!
- ماذا تقول! إني ساهمت بالنصف في بناء البيت، فلن يأخذه أحد إلا على جثتي!
قالت ذلك دون أن تؤمن به حقا، فقد تذكرت أن كل إسهاماتها ستذهب بها رياح الموت، كانت تحث زوجها على أن يكتب البيت باسميهما، لكنه آثر التأجيل، دون أن يستحضر استعجال الموت بانتزاع روحه...
إنها تتذكر ذلك الآن، لكن ما باليد من حيلة، هكذا يسلبها الشرع من عرق جبينها!
اقتحمها على حين غفلة منها رد العم البارد:
- على كل حال، المحكمة هي التي بيدها القول الفصل بيننا، وإلى ذلك الحين، فها نحن هنا قاعدون!
ماذا تفعل؟ أتكفر بما أنزل الله وهي التي تلقنه لتلامذتها؟ أم أن دين الله ليس بظلام للعباد، فقط ينقصه بعض الاجتهاد! لكن من ذا الذي سيغامر بالاجتهاد في قضية حساسة كهذه؟ من ذا الذي سيحتمل تكفير المكفرين؟ من ذا الذي سيحمي رقبته من سيوف المتطرفين؟
في الحقيقة، لم تكن حالتها تتميز بأي نوع من الخصوصية، خاصة وبعد أن تم رد الاعتبار للعمل المنزلي (لم يتم إهماله مثلا في مسألة الطلاق في مدونة الأسرة)، فليست هناك زوجة عاطلة، إما أن تشتغل خارج البيت، وإما أن تشتغل داخله في إعداد الأطباق، في غسل الصحون، في تربية الأولاد... وربما فالعمل داخل البيت أشد كثافة، لأنه لا تتخلله إجازات، بل هو عمل دائم لا ينتهي...
فمسألة الطلاق، تعتبر أن أي تحصيل بعد عقد القران يعتبر ملكا مشتركا يستوجب الاقتسام حسب تقدير القضاء، إذن فقانوننا لا تنقصه سوى القليل من الجرأة ليعيد النظر في مسألة الإرث، وإن من هذا المضمار: أن يعود للزوجة جزء مما تم تحصيله منذ أول يوم من الزواج حسب نفس التقدير، ثم يتم تعريض الباقي لمقصلة قانون الإرث الإسلامي!
لأوضح أكثر... الفكرة هي كالتالي:
بما أن المشرع المغربي قد اعترف بحق الزوجة في جزء من الممتلكات التي تم اكتسابها منذ عقد القران في حالة الطلاق، فإن ذلك حقها أيضا في حالة الوفاة، لأن ذاك الجزء هو ملك لها (لدورها في إنتاج الثروة الأسرية وإن على شكل أعمال منزلية)، ولا يحق لأحد أن يرث حقها وهي على قيد الحياة، لكن يمكننا أن نساوم، إن اتفقنا على ما سبق، في حق الزوج المتبقي، في ثروة الزوج المتبقية، وإن كان بمنطق الدين (الميراث حسب تقسيم القرآن)!
وإلا فلتبادر كل زوجة بتطليق زوجها وهو على سرير الإحتضار!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة