إنصاف النساء

فريدة النقاش
AL-AHALY@YAHOO.COM

2017 / 8 / 7

قضية للمناقشة: إنصاف النساء


الإحصائيات لاتكذب، خاصة إن كانت دقيقة أو أقرب إلى الدقة.
وقد شهدت المؤسسات التي تقوم بعمليات الإحصاء فى شتى المجالات تطورًا مهمًا على الصعيد العالمي، كذلك تطورت مؤسسات استطلاع الرأي شأنها شأن الإعلام الذي لو توفرت له الحرية والحماية القانونية يلعب أدوارا مهمًا للغاية فى كشف المستخبي، وفضح الفساد، ومساندة المبادرات لتطوير المجتمع وتغييره إلى الأفضل ودعم كفاح الجماهير من أجل حقوقها وكرامتها.
وشهدت أوضاع النساء المصريات بعد موجات الثورة التي شاركن فيها على نطاق واسع شهدت تحولات متناقضة، فكانت هناك ولا تزال قوى تدفع بالنساء إلى الأمام، وأخرى تجرهن إلى الخلف.
فقد بدأ إعداد المجتمع لهذه الحالة منذ موجة الهجرة إلى بلدان الخليج التي عرفها المصريون على نطاق واسع بعد حرب أكتوبر 1973، وفورة النفط التي شهدتها إثر الارتفاع المتواصل فى أسعاره، وانقسام الوطن العربي بين دول غنية جداً وأخرى فقيرة.
ونعود إلى الإحصائيات ، تحتل مصر المرتبة 113 من بين 187 دولة فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين.
كان ذلك عام 2011، فهل يا ترى تغير ذلك الواقع إلى الأفضل جراء العمل الثوري الذي شاركت فيه النساء بكل قوة ؟
اعتمد التقرير على قياس الفجوة بين الجنسين فى التمكين السياسي وسوق العمل والرعاية الصحية والاجتماعية ليصل إلى هذه النتيجة والتي تؤكد أن هناك تمييزًا واسعًا ضد النساء فى المجتمع المصري.
وكان البنك الدولي قد أجرى قبل سنوات مسحًا عالميًا فى عدد كبير من البلدان حول تكلفة التمييز ضد النساء، تبين فيه أن الناتج القومي الإجمالي لمصر يمكن أن يزيد بنسبة 34% إذا ما نجحت البلاد فى القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة، ولكن أحدًا لم يتوقف أمام هذه النتيجة.
وتتجلى أشكال التمييز ضد النساء فى مجالي القانون والواقع، ذلك أن المساواة فى القانون ليست هي المساواة بين النساء والرجال إلا أن أجور النساء لا تزال أدنى كثيرًا لسبب أساسي هو أن الواجبات الأسرية وعملية تجديد الأسرة والمجتمع كله عبر الإنجاب تقتطع جزءًا كبيرًا من جهد المرأة وطاقتها، ومازال المجتمع يرفض الاعتراف بالوظائف الإنجابية كوظائف اجتماعية والعقلية الذكورية والمجتمع المحافظ التقليدي فى التأكيد على ما يسمونه طبيعة المرأة التي تضعها بالضرورة فى مكانة أدنى من الرجل بسبب تكوينها ووظائفها، وهو ما تغذيه الأساطير والديانات.
ويشهد المجتمع المصري هذه الأيام جدلا واسعاً حول مشروعات القوانين المقدمة لمجلس النواب عن القضاء على العنف ضد النساء، وتعديل قوانين الأحوال الشخصية، سواء القوانين الخاصة بالمسيحيين، أو القوانين الخاصة بالمسلمين.
ويبدأ التمييز ضد المرأة فى الأسرة ليمتد إلى المجتمع كله، ويبرر وضع المرأة المتدني داخل الأسرة حين تخضع لوصاية الذكور من الأب إلى الأخ، ومن الزوج إلى الابن، العنف الذي يقع عليها ويقال إنه يهدف إلى تهذيبها، أو تقويمها لأن هناك إعوجاجًا خِلقيًا بكسر الخاء، فيها منذ أغرت آدم الرجل، وأخرجته من الجنة مطرودًا مما تسسبب فى شقاء الإنسانية عبر التاريخ كما يقولون.
وتلعب المؤسسات الدينية مسيحية وإسلامية أدوارًا مناوئة لحركة تحرر المرأة ولمقاومة النساء للعنف والتمييز، دون أن تلتفت للثمن الذي تدفعه البلاد حتى على المستوى الاقتصادي والمادي المباشر، أو للتشوهات فى العلاقات الإجتماعية.
ورغم أن الدستور المصري الجديد الذي تضمن مادة لإنشاء مفوضية ضد التمييز جعل من المواطنة مبدأ حاكمًا، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية وممارسة العنف ضد النساء تهدر هذا المبدأ باسم ثوابت الدين، وتجعل من التغيير الجذري للعادات مهمة صعبة، فما بالنا بالتطلع إلى تغيير مجمل العلاقات الاجتماعية من أجل العدالة والكرامة الإنسانية للجميع.
ورغم الجهود المخلصة التي بذلتها وتبذلها المنظمات الديموقراطية والنسوية لتغيير قوانين الأحوال الشخصية، لتستند هذه القوانين إلى المعايير الحديثة، وتتحرر من مفاهيم سيادة الرجل ودونية المرأة، إلا أنها لا تزال جهودًا مبعثرة وخائفة من إبتزاز المجتمع المحافظ والمؤسسات الدينية معاً.
وربما تحتاج هذه الجهود إلى المزيد من الجرأة والشجاعة والعمل المشترك لتستقوى ببعضها البعض، وهي تكافح من أجل قانون جديد موحد يأخذ من الأديان أفضل ما فيها، فلا يستمد مشروعيته من دين واحد ويستند على القيم العليا فى كل الديانات والفلسفات والثقافات الإنسانية، وينهض على أساس مبدأ المواطنة، وسوف يشكل هذا القانون نقلة كبرى على طريق الخلاص من الصراع الطائفي، ويفتح الباب أمام ملايين النساء للتقدم والتحرر، ومناهضة الأسباب المركبة للعنف ضد النساء من أجل إنصافهن، وإنصاف النساء هو انتصار للمجتمع كله ولمبادئ وأهداف الموجات المتعاقبة من الثورة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة