دين العرب

حنان محمد السعيد
hanan.hikal13@gmail.com

2017 / 9 / 12

اثارت مسألة المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى التي طرحها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، حفيظة شعبنا المتدين بطبعه، فصار يرغي ويزبد لأيام وأيام، قبل أن ينشغل كعادته في مباراة كرة قدم، أو غلاء سلعة جديدة، او بدء الدراسة، أو غير ذلك من شؤون الحياة.
والحقيقة ان العقليات التي احتدت بشدة على هذا النوع من المساواة على اعتبار أنه يمس الشريعة الاسلامية ويعارض نصوص صريحة في القرآن، لم نجد منهم حمية أبدًا على هؤلاء الذكور الذين يرفضون الإنفاق على أولادهم أو طليقاتهم أو حتى زواجتهم اللاتي هجروهن، وأصبح من العادي والمعتاد أن تجد النساء تعملن في أي شئ وتكافحن من أجل الإنفاق على أنفسهن وأولادهن، على الرغم من وجود الزوج والأخ وحتى الأب والذي ينفض يده من مسؤوليته دون أن يجد اي محاسبة من المجتمع وعلى المرأة أن تلجأ الى القضاء الذي سيكلفها الكثير من الوقت والمال وفي النهاية سيحتال الرجل على نصوص القانون ليدفع أقل نفقة ممكنة – اذا دفع - بعد سنوات وسنوات من التردد على المحاكم.
وعلى الرغم من أن الشرع يلزم ولي المرأة برعاية شؤونها والحفاظ عليها والإنفاق عليها، الا أن هذا الالزام لا يجد من يفرضه في هذا العصر الذي عزّ فيه وجود النخوة والشهامة واصبحت الرجولة تراث من الماضي السحيق.
نفس هذا الأمر ملفت للنظر بشكل فج وفاضح في مسألة الزي الذي على المرأة ارتداءه اذا خرجت من منزلها حتى لا تثير شهوة الكلاب المسعورة التي تسير في الطريق، حيث يتفق المجتمع برجاله ونساءه الا من رحم ربي على أن المرأة التي تخرج من منزلها بدون الزي الذي يعتبرونه ساترا، جسدها مستباح وليس من حقها الاعتراض على أي كائن قذر تسول له نفسه اعتراض طريقها وانتهاكها.
انا لا اعلم حقا أين ورد ذلك تحديدًا في الشريعة؟ وفي أي دين يُسمح لشخص بانتهاك جسد شخص أخر وهو أمن من المحاسبة واللوم، بل أن اللوم عادة ما يقع على الضحية في المجتمع "المتدين بطبعه" وحتى لو كانت سيدة ترتدي النقاب!!
ان الأمر لا يحتاج عالم دين أو فقيه ليعرف أن التحرش جرم في الشريعة ومن لا يعلم فعليه أن يقرأ الحديث الذي ذُكر فيه حق الطريق والذي هو غض البصر وكف الأذى، فأين ما يفعله هؤلاء من الدين والشرع!
ان اكثر الرجال لا يهتمون بتغطية زوجاتهم واخواتهم وبناتهم الا من منطلق ذكوري بحت حيث أنهم – الا قليلا – لا يغضون ابصارهم، وبحسب الاحصائيات الدولية فإن مصر سجلت أعلى معدلات التحرش في العالم وأعلى نسبة لمشاهدة الأفلام الإباحية على الرغم من تردي خدمة الانترنت وارتفاع ثمنها، كما أنها تعد من أسوأ البلاد التي يمكن لإمرأة أن تعيش بها!.
ان حميتهم ليست نابعة من دين وايمان وانما من تعصب أعمى وفوقية مريضة في مجتمع يعطي الرجل الكثير من الحقوق ويعفيه من واجباته بلا محاسبة.
لو كان هؤلاء الغاضبون على مسألة الميراث والحجاب ابدوا نفس القدر من الغضب على الظلم والفساد وانتهاك الحقوق لما وصل بنا الحال الى ما نحن عليه الأن، ولما أصبح الفساد مستشري في كل كبيرة وصغيرة في حياتنا بل أنه اصبح يطرد كل ما هو جيد وصالح وينكل به ويطمسه ويجعله عبرة لمن يعتبر.
في مصر فقد الناس كل قيم النخوة والتراحم والتعاون، وأصبحت متعتهم في أكل لحوم بعضهم واغتيال بعضهم معنويا وماديا اذا اتيحت لهم الفرصة، فأين دينكم الذي تدّعون؟
في مصر لم يعد الطبيب طبيبا ولا العالم عالما ولا الحارس حارسا ولا المعلم معلما، والكل تحول الى كائنات مسعورة لا تمانع في أكل الجيفة واكل السحت وفعل أي شيء يدر عليهم المال والنفوذ والثروة.
ان الخلل الاقتصادي يمكن اصلاحه والجاهل يمكن ان يتعلم والمريض يمكن أن يشفى، أما عندما يصبح المجتمع كله منافق مزدوج المعايير بلا ضمير وفوق ذلك لا يحكمه قانون فعلى الدنيا السلام.

ان نفس هذا القدر من النفاق يمتد في بلدان العرب من المحيط الى الخليج، ومن يتابع كيف يفكر الناس في المنطقة ويقارن بين افعالهم وأقوالهم سيصاب حتما بصدمة بالغة من هذه العقليات التي لا تهتم سوى بالقشور بينما أسس الدين التي قام عليها والتي تتضمن حماية الحقوق وصيانة الأنفس والأعراض وحماية المال العام، وتولية الأصلح والأكثر كفاءة لا يلقون اليها بالا وخاصة اذا ما وقفت هذه الأمور عائق امام تحقيق مصالحهم الشخصية المحدودة، وكم هو البون شاسعا بين التدين والمرض النفسي والتعصب الأعمى!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة