بالرغم من معاناتهن في ظل الاشتراكية.. لماذا تمتعت النساء بجنس أفضل آنذاك؟

كريستين ر. غودسي

2021 / 12 / 6

البولنديون لم يحصروا الجنس في التجربة الجسدية فحسب، بل شددوا على أهمية السياق الاجتماعي والثقافي للمتعة الجنسية.

كتبت كريستين ر. غودسي، أستاذ الدراسات الروسية وأوروبا الشرقية في جامعة بنسلفانيا، مقالًا نشر في نيويورك تايمز يركز على وضع المرأة في ظل الشيوعية، ومقارنة ذلك بوضعها في ظل الاشتراكية. غودسي ألفت العديد من الكتب عن الشيوعية الأوروبية وعواقبها، بما في ذلك، كتابها الذي صدر في الآونة الأخيرة بعنوان «تركات الشيوعية في القرن الـ20».

تسلط «كريستين» الضوء على وضع المرأة في ظل الشيوعية ومقارنة حال المرأة الألمانية على جانبي الجدار. وعلى الرغم من قتامة الوضع حينها، يبدو أن المرأة تمتعت بمزايا قد تفتقدها بعض الديمقراطيات في عصر ما بعد الحداثة. تقول:

عندما يفكر الأمريكيون في الشيوعية في أوروبا الشرقية، يتصورون القيود المفروضة على السفر، والمناظر الطبيعية القاتمة للخرسانة الرمادية، رجالًا ونساءً بائسين يصطفون في طوابير طويلة من أجل التسوق في أسواق فارغة، ويتصورون أجهزة أمنية تتطفل على الحياة الخاصة للمواطنين. في حين أن أغلب تلك الصورة حقيقي، إلا أن القوالب النمطية الجماعية عن الحياة الشيوعية لا تروي القصة كاملة.


على جانبي الجدار


قد يتذكر البعض أن نساء الكتلة الشرقية تمتعن بالكثير من الحقوق والامتيازات غير المعروفة في الديمقراطيات الليبرالية آنذاك، بما في ذلك استثمارات الدولة الكبرى في تعليمهن وتدريبهن، وإدماجهن الكامل في قوة العمل، فضلًا عن تمتعهن ببدلات إجازة أمومة سخية، وضمان رعاية الأطفال مجانًا، لكن كانت هناك إحدى المميزات التي لم تحظ باهتمام يذكر: في ظل الشيوعية، تمتعت النساء بمزيد من المتعة الجنسية.

وجدت دراسة مقارنة اجتماعية بين النساء الألمان من ألمانيا الشرقية والغربية، كانت قد أجريت بعد إعادة توحيد ألمانيا في 1990، أن النساء في ألمانيا الشرقية كن يصلن إلى النشوة الجنسية ضعفي النساء في ألمانيا الغربية. تعجب الباحثون من هذا التفاوت في الرضا الجنسي في الجانبين، خاصة وأن النساء في ألمانيا الشرقية عانين من العبء المضاعف الشهير بسوئه في العمل الرسمي والأعمال المنزلية.

وعلى النقيض، في مرحلة ما بعد الحرب، بقيت نساء ألمانيا الغربية في المنازل يتمتعن باستخدام الأجهزة التي توفر المجهود في الأعمال المنزلية التي أنتجها الاقتصاد الرأسمالي الضخم، وعلى الرغم من ذلك كانت ممارستهن الجنس أقل عددًا وأقل إرضاءا من النساء اللاتي اضطررن للاصطفاف طويلًا للحصول على ورق المرحاض في ألمانيا الشرقية.

إذًا.. كيف نفسر هذا الجانب من الحياة خلف الستار الحديدي؟


لو أخذنا في الاعتبار ما قالته «آنا دورشيفا»، التي كانت تبلغ من العمر 65 عامًا عندما قابلتها أول مرة في 2011، وعاشت تحت ظل الشيوعية حتى بلغت 43 عامًا؛ إذ اشتكت كثيرًا من أن السوق الحرة الجديدة أعاقت قدرة البلغاريين على تنمية علاقات غرامية صحية.

تقول «آنا»: «بالتأكيد كانت بعض الأمور سيئة خلال تلك الفترة، لكن حياتي كانت تملؤها الرومانسية. بعد طلاقي، حصلت على وظيفة وصار لي راتب، لم أحتج حينها لرجل يكفلني. ففعلت ما يسرني».

على الرغم من أن «دورشيفا» كانت أمًا غير متزوجة لسنوات طويلة، فإنها أصرت على أن حياتها قبل عام 1989 كانت مرضية أكثر من حياة ابنتها المجهدة الآن، جدير بالذكر أن ابنتها ولدت في أواخر السبعينات.

أخبرتني «دورشيفا» في عام 2013، عن ابنتها قائلة: «كل ما تفعله ابنتي هو العمل والعمل فقط، فهي تصل بيتها ليلًا بعد العمل منهكة للغاية فلا تقوى على قضاء وقت مع زوجها، لكن لم يكن الأمر ذا أهمية؛ لأنه منهك هو الآخر، فيجلسان معًا لمشاهدة التلفاز مثل الأموات الأحياء. في حين أنني عندما كانت في مثل سنها، كنت أستمتع أكثر منها الآن».

في العام الماضي، في جينا – مدينة جامعية في ألمانيا الشرقية سابقًا – تحدثت مع امرأة تبلغ الثلاثين تزوجت حديثًا تدعى «دانييلا غيربر». وكانت والدتها التي ولدت وترعرعت في ظل النظام الشيوعي، تضغط عليها باستمرار لتنجب طفلًا.

تقول «دانييلا» إن والدتها «لا تدرك مدى صعوبة الأمر الآن، الأمر كان أسهل كثيرًا على النساء قبل سقوط الجدار» مشيرة إلى سقوط حائط برلين عام 1989، وأضافت «كان لديهن رياض أطفال ودور حضانة، وحصلن على إجازات أمومة مع الاحتفاظ بوظائفهن. أما أنا، فيعتمد عملى على التعاقدات، وليس لدي الوقت كي أحمل».

يدعم ذلك الانقسام الجيلي بين الفتيات وامهاتهن اللاتي وصلن لمرحلة البلوغ على كلا الجانبين في عام 1989 فكرة أن النساء كانت حياتهم أكثر إشباعًا خلال الحقبة الشيوعية. وكانوا إلى حد ما يدينون بنوعية الحياة تلك إلى حقيقة أن تلك الأنظمة رأت في تحرر المرأة محورًا لمجتمعات «اشتراكية علمية» متقدمة.

على الرغم من أن الدول الشيوعية في دول أوروبا الشرقية كانت بحاجة إلى عمل المرأة كي تحقق برامجها للتصنيع السريع بعد الحرب العالمية الثانية، كان الأساس الأيديولوجي لمساواة المرأة والرجل وضعه «أوغست بيبل» و«فريدريك أنجلز» في القرن التاسع عشر. بعد أن سيطر البلاشفة، مكَّن «فلاديمير لينين» و«أليكساندرا كولونتاي» لثورة جنسية في أوائل عهد الاتحاد السوفيتي، إذ ساقت «كولونتاي» حجة أن «الحب يجب أن يُحَرر من الاعتبارات الاقتصادية».

مددت روسيا حق الاقتراع بالكامل للنساء في عام 1917، أي قبل أن تقره الولايات المتحدة الأمريكية بثلاث سنوات. فضلًا عن أن البلاشفة عملوا على تحرير قوانين الطلاق، وضمان الحقوق الإنجابية، وحاولوا إضفاء الطابع الاجتماعي على العمل المنزلي من خلال الاستثمار في المغاسل العامة والمقاصف العامة. وتمت تعبئة وحشد النساء في القوى العمالية؛ فأصبحن مستقلات ماليًا عن الرجال.

في العشرينات من القرن الماضي في آسيا الوسطى، ناضلت النساء الروسيات لتحرير المرأة المسلمة، وقد واجهت تلك الحملة من أعلاها إلى أخمصها ردة فعل عنيفة من الأولياء والأوصياء المحليين غير المتحمسين لرؤية وأخواتهم وزوجاتهم وبناتهم تعتقن من أغلال التقليد.

في الثلاثينات، عكس جوزيف ستالين مسار الكثير من التقدم الذي احرزه الاتحاد السوفيتي في مجال حقوق المرأة؛ إذ جرَّم الإجهاض وعزز الأسرة النووية. وعلى الرغم من أن النقص الحاد في عدد العمال الذكور الذي أعقب الحرب العالمية الثانية استحث الحكومات الشيوعية الأخرى على المضي قدمًا في برامج متعددة بهدف تحرير المرأة، بما في ذلك أبحاث برعاية الدولة حول أسرار الحياة الجنسية للنساء، لم تستطع أغلب نساء اوروبا الشرقية السفر إلى الغرب أو قراءة الصحافة الحرة، لكن من ناحية أخرى خرج العلماء الشيوعيون ببعض الفوائد.

اقرأ أيضًا: مترجم: فتيات إفريقيا تقدن الثورة الصناعية الرابعة

أخبرتني كاترينا ليسكوفا، أستاذة في جامعة ماساريك في جمهورية التشيك إنه «في أوائل عام 1952، بدأ علماء الجنس التشيكوسلوفاكيين في إجراء أبحاث على النشوة الجنسية للنساء، وفي عام 1961 عقدوا مؤتمرًا مكرسًا لهذا الموضوع فحسب»، وأضافت: «ركزوا على أهمية المساواة بين النساء والرجال باعتبار المساواة مكونًا رئيسًا لمتعة المرأة، بل إن البعض قالوا إن الرجال بحاجة إلى المشاركة في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال، وإلا لن يحظوا بحياة جنسية جيدة».

أخبرتني أنيسكا كوسسيانسكا، أستاذ الأنثروبولوجيا في جامعة وارسو، أن علماء الجنس البولنديين قبل عام 1989 «لم يحصروا الجنس في التجربة الجسدية فحسب، بل شددوا على أهمية السياق الاجتماعي والثقافي للمتعة الجنسية»، وكان ذلك رد اشتراكية الدولة على التوازن بين العمل والحياة ، وأضافت: «وقالوا إنه حتى مع أفضل تحفيز، فلن يساعد في تحقيق المتعة إن كانت المرأة مجهدة أو مثقلة بالعمل أو قلقة بشأن مستقبلها واستقرارها المالي».

الشيوعية وإصلاحات الأسرة
Embed from Getty Images

في جميع بلدان حلف وارسو، أدى فرض حكم الحزب الواحد إلى إجراء إصلاح شامل للقوانين المتعلقة بالأسرة، إذ استثمر الشيوعيون موارد كبيرة في تعليم النساء وتدريبهم وفي ضمان توظيفهم، كما سعت اللجان النسوية التي تديرها الدولة إلى إعادة تثقيف الصبيان لقبول الفتيات كرفقاء لهم، وحاولوا إقناع المواطنين بأن الشوفينية الذكورية هي من بقايا الماضي ما قبل الاشتراكية.

وعلى الرغم من استمرار التفاوت في الأجور بين الجنسين والفصل في العمل، وبالرغم من أن الشيوعيين لم يحققوا إصلاحات كاملة في النظام الذكوري المحلي، فإن النساء في ظل الشيوعية تمتعن بدرجة من الاكتفاء الذاتي لم تكن لتتخيلها سوى عدد قليل من النساء الغربيات. فلم تكن نساء الكتلة الشرقية بحاجة إلى الزواج، أو ممارسة الجنس، مقابل المال.

وقد أشبعت الدولة الاشتراكية احتياجاتهم الأساسية، وخصصت بلدان مثل بلغاريا وبولندا والمجر وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية موارد إضافية لدعم الأمهات العازبات – غير المتزوجات – والمطلقات والأرامل، وكفلت معظم بلدان أوروبا الشرقية، باستثناءات رومانيا وألبانيا وإتحاد ستالين السوفيتي، حق الحصول على التثقيف الجنسي والإجهاض؛ أدى ذلك إلى خفض التكاليف الاجتماعية للحمل العرضي وخفض التكاليف البديلة المتعلقة برعاية الأمومة.

اعترفت بعض الحركات النسوية الليبرالية في الغرب على مضض بهذه الإنجازات، ولكنهم انتقدوا إنجازات اشتراكية الدولة؛ لأنها لم تنبثق من حركات نسوية مستقلة، بل كانت تمثل نوعًا من التحرر من أعلى لأسفل، أي من الدولة نفسها. وتتمتع العديد من الحركات النسوية الأكاديمية اليوم بحق الاختيار، لكنها أيضًا تحتضن النسبية الثقافية التي تفرضها حتميات التداخل. إن أي نظام سياسي يحكُم من أعلى إلى أسفل يسعى إلى فرض مجموعة من القيم الكونية الوحدوية، مثل المساواة في الحقوق بين النساء، هو في الحقيقة لم يأت بجديد.

للأسف، كانت النتيجة أن الكثير من أوجه التقدم في تحرير المرأة في بلدان حلف وارسو السابقة إما فقدت أو تراجعت. والآن، تكافح ابنة «دورشيفا» الكبري، والشابة الأصغر «غروبر» لحل مشاكل الحياة العملية التي حلتها الحكومات الشيوعية من قبل لأمهاتهم. قالت لي «دورشيفا» ذات مرة «أعطتني الجمهورية حريتي»، مشيرة إلى جمهورية بلغاريا الشعبية؛ «لقد سلبت الديمقراطية بعض من هذه الحرية».

وفيما يتعلق بالسيدة «غروبر»، ربما ليس لديها أوهام بشأن الوحشية الشيوعية في ألمانيا الشرقية؛ لكنها تتمنى فقط «لو أن الأمور لم تكن أكثر صعوبة الآن».

لأنهم دافعوا عن المساواة بين الجنسين- في العمل، في المنزل وفي غرفة النوم- وكانوا على أهبة الاستعداد لإنفاذها، قد يُطلق على النساء الشيوعيات اللواتي شغلن مناصب في جهاز الدولة لقب المستعمرين الثقافيين، ولكن على صعيد آخر يبدو أن التحرير الذي فرضوه غير حياة الملايين في جميع أنحاء العالم جذريًا، بما في ذلك العديد من النساء اللواتي ما زلن يتجولن حولنا من أمهات وجدات لأحفاد بلغوا سن الرشد في الدول الأعضاء الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي.

قد يبدو وقع إصرارهن على التدخل الحكومي قاسيًا على أحاسيسنا في عصر ما بعد الحداثة، ولكن أحيانًا يحتاج التغيير الاجتماعي الضروري، والذي ربما يصبح قريبًا أمرًا طبيعيًا، إلى إعلان تحرر من أعلى النظام السياسي.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة