اصلاح المجتمع وفقا لفلسفة عقيدة الحياة لمعاصرة / الجزء الخامس

رياض العصري
riadalasri@yahoo.com

2018 / 3 / 9

ان نقطة البداية في اصلاح النظام الاجتماعي تكمن في اصلاح النظام الاسري ، في الحقيقة اننا عندما نقول اصلاح النظام الاسري فاننا نقصد بالتحديد اصلاح اوضاع المرأة ، المرأة لها دور كبير في كيان الاسرة ، اذا كانت الاسرة هي وحدة بناء الكيان الاجتماعي فان المرأة بالذات هي عماد الاسرة ، بوجود المرأة يكون هناك معنى للاسرة ، وبغياب المرأة لن يبقى للاسرة معنى ، المرأة هي التي تربي الاطفال وتُنشأ الاجيال ، يتلقى الانسان منذ طفولته أولى الدروس في التربية والسلوك والاخلاق من أسرته .. وبالتحديد من الام التي تربي ابنائها وفقا للقيم الاخلاقية التي نشأت عليها ، وتغرس في نفوسهم المفاهيم والسلوكيات التي تتصف بها ايجابية كانت ام سلبية ، وان سوء تربية الابناء لا ينعكس تأثيره السلبي على كيان الفرد وكيان الاسرة فقط وانما يتعدى تأثيره الى المجتمع ، وبالتالي فان حالة المجتمع من حيث تقدمه ونهضته وعمرانه انما هو انعكاس لوضع المرأة ولثقافة المرأة في ذلك المجتمع ، ولا نجافي الحقيقة اذا قلنا انما الامم تنهض وتتقدم بنسائها ، بصلاح المرأة صلاح الاسرة وصلاح المجتمع ، وبفسادها فساد الاسرة وفساد المجتمع ، من هذا المنطلق فان اصلاح النظام الاسري في اي مجتمع ينبغي ان يبدأ باصلاح اوضاع المرأة في ذلك المجتمع وتعديل قوانين الاحوال المدنية بما يسمح للمرأة ان تأخذ دورها في بناء المجتمع وتحمّل المسؤولية ، الثقافة السائدة في مجتمعاتنا العربية تجاه المرأة تقوم على مبدأ ( الحد من حرية المرأة مقابل اعفائها من المسؤولية ) بمعنى تقليص مساحة الحرية للمرأة حفاظا على عفتها التي هي مصدر شرف الرجل ـ حسب هذه الثقافة ـ مقابل اعفائها من المسؤولية المجتمعية ، بالتالي فان الرجل ملزم بحمل كل ما يترتب على هذه المبدأ من مسؤولية وأعباء ، فمثلا في مجتمعاتنا فان المرأة البالغة اذا كانت غير متزوجة يكون المسؤول عن اعالتها والانفاق عليها وتدبير شؤونها هو اما ابيها او اخوتها الذكور مقابل وصايتهم عليها والتحكم في شؤونها ومصيرها ومستقبلها ، واما اذا كانت متزوجة فان زوجها هو الذي يكون مسؤول عن اعالتها والانفاق عليها مقابل ذلك يكون الزوج هو المسؤول عنها والقائم بشؤونها ، وهو وحده الذي يقرر مستقبل ومصير حياتها الزوجية ، هذه الثقافة مصدرها الشريعة الاسلامية وهي ثقافة خاطئة حسب تقديرنا ، لانه وفقا لهذا المنطق فان المرأة تصبح تحت وصاية الرجل وتتحول الى جزء من ممتلكاته ، وهذا يتنافى مع مباديء حقوق الانسان ، ان هدفنا في برنامجنا لاصلاح النظام الاسري يتجه صوب مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات وتحريرها من هيمنة الرجل على كيانها لكي تتولى هي شخصيا تدبير شؤونها واعالة نفسها دون وصاية من احد ، ان الغاء مبدأ ( الحد من الحرية مقابل الاعفاء من المسؤولية ) يؤدي في الوقت نفسه الى تحرير الرجل من تحمل الأعباء المترتبة على ذلك المبدأ ، وهي أعباء مالية واخلاقية ، ألأعباء المالية تتمثل في اعالة المرأة ان كانت هذه المرأة زوجته او ابنته البالغة غير المتزوجة او اخته البالغة غير المتزوجة ، والاعالة انتقاص من القيمة الانسانية للشخص المعال ، واما الاعباء الاخلاقية فتتمثل في اعتبار المرأة رمزا للشرف وان شرف الرجل مرهون في صونه لنسائه من الناحية الاخلاقية ، ونحن نعتقد بان هذه المفاهيم وهذه الثقافة لم تعد تصلح في عصرنا الحالي ويجب ان تتغير ، نحن نرى بانه يجب فك ارتباط مفهوم الشرف بالجنس ، شرف الانسان ـ ذكرا كان أم انثى ـ يرتبط بسلوكه في حياته العملية واسلوب تعامله مع الاخرين ، ولا علاقة لمفهوم الشرف بالميول الجنسية او بالسلوك الجنسي طالما كان هذا السلوك محصورا في النطاق الشخصي ولا يسبب الضرر للمجتمع ، الميول الجنسية ترتبط بالعوامل الوراثية وهذه العوامل ليست تحت ارادة الانسان وتحكمه ، وليس من العدل اعتماد عوامل وراثية خارجه عن نطاق الارادة والاستطاعة اعتمادها كمعايير للشرف ، كما ان شرف الانسان هو معيار شخصي مرتبط بالشخص المعني فقط ولا يجوز اسقاطه على غيره من عائلته او ذويه ، كل انسان بالغ يكون هو شخصيا مسؤول عن اعماله وسلوكه ، وان رابطة الدم لا يترتب عليها مسؤولية مشتركة عن افعال اعضاء الرابطة طالما كان العضو الفاعل بالغا واعيا مدركا مؤهلا .. وبالتالي لا يجوز ان يرتهن شرف الرجل باخلاق نسائه البالغات ، هذا ما يتعلق بمسألة الشرف ، واما ما يتعلق بمسألة الانفاق على المرأة فاننا نرى بان القاء مسؤولية الانفاق على كاهل الرجل انما هو عبأ يجب ان يتحرر منه الرجل وتتحرر منه المرأة ايضا ، المرأة البالغة عليها ان تعمل لتعيل نفسها .. ولا تنتظر من أحد ان يعيلها ، لان في الاعالة عبودية ومهانة ، يجب ان تتحرر المرأة البالغة من وصاية الرجل عليها ان كان أب او أخ او زوج فلا تتكل على أحد في معيشتها وفي تقرير حياتها ومستقبلها ، يجب ان تكون مستقلة ماليا فلا تستجدي الشفقة والعطف من الرجل لكي يطعمها ويسكنها في مسكنه ، وهذا يحتم عليها ان تعمل لكي تتحمل نفقات معيشتها وبالتالي تكون لها شخصيتها الحرة فتكون مؤهلة لممارسة حريتها واستقلالية قرارها وممارسة دورها الايجابي الفعّال في الاسرة وفي المجتمع ، المرأة حتى وان كانت متزوجة فانها مطالبة بالعمل .. وفي حالة عدم توفر فرصة عمل لها فان الدولة ملزمة ان تصرف لها اعانة بطالة من صندوق رزق العاطلين باعتبارها عاطلة عن العمل ، الزواج لا يسقط حق المرأة كمواطنة لها حق في الرزق من المال العام ، ومن هذا المنطلق اعتبرنا المرأة المتزوجة والتي تحمل صفة ربة بيت اعتبرناها عاطلة عن العمل ويجب توفير فرصة عمل لها لكي تنفق على نفسها فتشعر بانسانيتها ولا يستعبدها زوجها ، العمل هو مصدر الرزق لكي تنفق على نفسها وعلى اسرتها كما هو حال الرجل ، الانفاق يجب ان يكون مشترك ، وهذا ما سوف ينعكس ايجابيا في اسلوب تربيتها لاطفالها ، ولا ينبغي لها ان تصبح عبء على الرجل في المعيشة وفي الانفاق ، ليس مهمة الرجل في ان يحمل لوحده عبأ إعالة كل من زوجته وابنائه القاصرين ، بل ان الزوج والزوجة كلاهما يشتركان في حمل عبأ إعالة ابنائهما القاصرين ، الاعباء الاسرية يجب ان يتحملها كل من الرجل والمرأة مشاركة ، الزوجة شريك وليس عائل ، الزواج ليس مشروع إعالة وانما شراكة حياة ، الزواج حسب مفهومنا هو شراكة بين الرجل والمرأة للعيش المشترك من اجل تكوين اسرة في ظل ارتباط المصالح والاهداف ، ولا يجوز ان تكون الزوجة عالة على زوجها في معيشتها فتضطر الى التنازل عن حقوقها الانسانية في سبيل عيشها ، الإعالة مهانة وإذلال للنفس وفقدان لحرية الارادة ونحن نرفض ذلك للمرأة كما نرفضها للرجل ، المرأة هي انسان مكافيء للرجل في الحقوق والواجبات ، وعندما تُمنح المرأة الحرية فان ذلك سيترتب عليه تحملها للمسؤولية ، كما ان مساواتها بالرجل في الحقوق يترتب عليه تحملها للواجبات ، اننا اذ نطالب للمرأة بالحرية والمساواة فاننا نؤكد ان لا حرية من غير مسؤولية ولا مساواة من غير واجبات ، هكذا نفهم حرية المرأة ، كما ان للزوجة الحق كما للزوج في تقرير الاستمرار في الشراكة الزوجية او الانفصال وفصم عرى الشراكة متى ما شاءت ، وعندما تنفصم عرى هذه الشراكة في أي وقت من الاوقات ويذهب كل طرف في طريق فان كل طرف يجب ان تكون له القدرة على اعالة نفسه والاستمرار في العيش بكرامة ، ومن هذا المنطلق ينبغي اعادة النظر في مفهوم النفقة في قضايا الطلاق ، واعادة النظر في قواعد الميراث المتبعة حاليا والتي هي مستمدة من الشريعة الدينية ، واعادة النظر في بعض المفاهيم ذات الصلة بقوانين الاسرة مثل مفاهيم الابوة والامومة ، ومفاهيم الجنس ، اما ما يتعلق بمفاهيم الزواج والابوّة والامومة فان برنامجنا الاصلاحي يتعامل مع هذه المفاهيم على انها مفاهيم بغاية الاهمية لما تترتب عليها من مسؤوليات اجتماعية ، فاذا كان من حق كل انسان بالغ ومؤهل ـ ذكرا كان أم أنثى ـ ان يتزوج ، وكذلك من حق كل انسان بالغ ومؤهل ـ ذكرا كان ام انثى ـ ان يحيا حياته اعزبا دون زواج ، فالحقيقة التي لا يمكن انكارها هي ان ليس كل ذكر يصلح ان يحمل صفة زوج ويكون مسؤولا عن اسرة ... وليس كل انثى تصلح ان تحمل صفة زوجة وتكون مسؤولة عن بيت ، كذلك ليس كل رجل متزوج يصلح ان يحمل صفة أب ويكون مسؤولا عن ابناء ... وليس كل امرأة متزوجة تصلح ان تحمل صفة أم وتكون مسؤولة عن أبناء ، الصفة شيء والمسؤولية المترتبة عن الصفة شيء آخر ، ومن ليس جديرا بحمل المسؤولية لن يستحق حمل الصفة ، الاسرة مسؤولية اجتماعية ، ووجود الابناء في الاسرة مسؤولية اجتماعية اعظم ، ومن هذا المنطلق نحن نرى ان وجود الابناء في الاسرة ليس شرطا واجب الوجود لكل أسرة .. رغم اننا نؤكد على اهمية وضرورة وجود الابناء في كيان الاسرة .. ولكن هذا يتوقف على مدى استعداد الزوج للقيام بمسؤوليته كأب ... ومدى استعداد الزوجة للقيام بمسؤوليتها كأم ، ان تربية الابناء مسؤولية عظيمة تستلزم معرفة في اساليب التربية والتعامل مع الاطفال والمراهقين وتتطلب بذل مجهود ضخم وصبر طويل ، التربية هي علم وادارة وفن ، اذ ليس فخرا للمرأة ان تنجب طفلا وانما الفخر ان تصنع من هذا الطفل إنسانا صالحا ، هذا ما يتعلق بنظرتنا لمفاهيم الابوة والامومة ، القضية الاخرى التي يشملها برنامجنا الاصلاحي هو قضية تنظيم الكثافة السكانية في المجتمع من خلال تنظيم بناء الاسرة ، ان من اهم القضايا التي يجب ان تقع في صلب اهتمام الدولة ويترتب عليها مسؤوليات جسيمة هو قضية السيطرة على النمو السكاني ... لان الزيادة في عدد السكان يترتب عليها زيادة في الاحتياجات والمطالب من قبل الشعب وقد تخرج هذه المطالب عن نطاق السيطرة نتيجة الزيادة السكانية المتفاقمة مما يصيب الدولة بالعجز عن تلبية هذه الاحتياجات والمتطلبات ، فتفشل الدولة وينهار النظام الاجتماعي ، ولكي تتمكن الدولة بصفتها رب الشعب والراعي لمصالحه من الايفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها وصيانة النظام الاجتماعي فانها مطالبة بسن القوانين التي تنظم النمو السكاني للمجتمع بما يتوافق مع النمو الاقتصادي للبلد حفاظا على الاستقرار الاجتماعي ، ان ترك قضية النمو السكاني من غير تنظيم وتخطيط سوف يؤدي الى ضياع جهد الدولة في تنمية اقتصاد البلد والى ضياع جهد الدولة في الحفاظ على أمن المجتمع ، اننا نعلم ان الدعوة الى وضع قوانين لتنظيم الاسرة وتنظيم النمو السكاني ستواجه اعتراضا من الكثيرين لانها تعني ايقاف الزيادة في السكان او الابطاء من نموها من خلال تحديد النسل ، ويترتب على تحديد النسل اجراءات مثل استخدام موانع الحمل والسماح بعمليات الاجهاض بشكل علني وتحت غطاء قانوني ، وان مثل هذه الاجراءات سوف تصطدم بالشريعة الدينية وتصطدم بالمفاهيم العشائرية والاعراف ، وكذلك تصطدم برغبات السياسيين في الدول ذات النظام البرلماني التي تعتمد مبدأ المحاصصة الدينية والطائفية والقومية والعشائرية في السلطة السياسية ، حيث ان المبدأ السياسي (الاغلبية هي التي تقرر ) يستلزم المزيد من الاصوات للحصول على ميزة الاغلبية وهذا يعني المزيد من البشر .. ومثل هذه الامور تخلق المصاعب امام تنفيذ قوانين تنظيم الاسرة والسيطرة على النمو السكاني ، وهنا يدفع المجتمع ثمنا باهضا من اجل مصالح السياسيين والطائفيين ، وهذا ما يجعلنا نؤمن بان المحاصصة السياسية وفقا للانتماءات الدينية والمذهبية والطائفية وكذلك المفاهيم العشائرية وقيمها هي من العوامل الضارة بالنظام الاجتماعي المعاصر ، ولغرض عرض خارطة الطريق نحو نظام اجتماعي معاصر فاننا نقدم في مقالاتنا القادمة مقترحاتنا حول تحويل برنامجنا لاصلاح النظام الاجتماعي من المجال النظري الى المجال العملي التطبيقي من خلال اعادة كتابة قوانين تنظيم شؤون الاسرة بعد اجراء التعديلات اللازمة لتحل محل قوانين الاحوال المدنية المعمول بها حاليا والتي لم تعد صالحة للمجتمعات المعاصرة ، اننا على ثقة اكيدة بان هذا البرنامج يمثل خطوة كبيرة للانتقال من نظام اجتماعي قديم فاقد للصلاحية الى نظام اجتماعي جديد يستجيب لمتطلبات العصر وينسجم مع معطياته ، وسوف نعـرض في مقالاتنا المقبلة من البرنامج الاصلاحي نوع التعديلات وآلية التنفيذ لهذا البرنامج .
يتبع الجزء السادس ....



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة