انقلاب رجالّي لإنقاذ سوريا

مرح البقاعي
marahbukai@gmail.com

2006 / 3 / 19

انقلاب "رجالّي" لإنقاذ سوريا !
تناقلت وكالات الأنباء خبرا عاجلا مفاده أن سبعة عشر سوريا على رأسهم السيد عبد الحليم خدام نائب رئيس جمهورية سوريا ورئيسها الانتقالي إثر وفاة الرئيس حافظ الأسد حسب دستور البعث لعام 1973 ولبضعة أيام فقط ، إلى السيد علي صدر الدين البيانوني زعيم حزب الإخوان المسلمين السوري وجانب من شخصيات معارضة ، تداعوا إلى الاجتماع في العاصمة البلجيكية بروكسل للتداول بما آلت إليه الأوضاع في سوريا. وجرى استعراض محطات المعارضة السورية وكيفية تنسيق وتوحيد جهودها لوضع منهج عملي لتحقيق التغيير المنشود، وبناء النظام الديمقراطي المرتقب في سوريا.

واتفق المجتمعون على تشكيل "جبهة الخلاص الوطني" ووضع وثيقة تتضمن آليات عمل الجبهة وذلك بهدف تحقيق تطلعات الشعب السوري في التغيير والخلاص من النظام الراهن الذي أوهن سوريا في مواجهة التحديات الداخلية والإقليمية والدولية.

نعم سبعة عشر "رجلا" اجتمعوا من أجل إنقاذ سوريا فهل سينقذون "نساءها" أيضا حين تأخذهم الحمية الذكورية التي تحنو على الأضعف والأقل حيلة من مواطنيهم؟ وهل عدمت سوريا وجها نسائيا وطنيا واحدا على أقل تقدير بإمكانه أن يرفد مساعي هؤلاء الرجال الأشاوس في تحرير سوريا الأم؟ وهل هذه هي سوريا التي منها لبيبة هاشم، وماري عجمي، وعادلة بيهم الجزائري، وزينب فواز،وثريا حافظ، وألفة الأدلبي، وغادة السمان، ودعد حداد، وفلورنس غزلان، وكلاديس مطر...وغيرهن؟ وهل هذه رسالة جبهة خلاص سورياـ الرجالية جداـ ببرنامجها الإصلاحي الذي ستخاطب به الرأي العام العالمي وتقنعه بصوت واحد "أجش" بأهمية التغيير المرتقب في سوريا ـ عالما يرى في شخص "امرأة" تدعى كوندليزا رايس مقياسا للجاذبية السياسية الأبلغ تأثيرا في التاريخ المعاصر؟ وهل نعتب بعد اليوم على حكومات الاستبداد التي تجمّل وجهها من حين لآخر بمشاركة صورية لنساء في حكوماتها، كحالنا مع وزيرتي المغتربين والشؤون الاجتماعية والعمل السوريتين؟ وهل هذا التجاهل هو مجرد خطأ تكتيكي أم هو نتيجة لموروث هؤلاء الانقلابيين الثقافي والعقائدي من عزل وإقصاء وتهميش للمرأة؟ وهل سيطلبون في برنامجهم المقترح، من المواطنين السوريين الرجال فقط، اللجوء إلى العصيان المدني، بينما ينحصر دور المرأة السورية في هذا التحرك الوطني الإسعافي على الطبخ والنفخ في المطبخ والسرير حصرا؟!

سوريا أيها "المخَلّصون" بفتح الخاء وتشديد اللام، كانت سباقة في إقرار حق المرأة في الترشيح والانتخابات منذ العام 1953 رغم أن المجتمع العربي في أساسه وموروثه وقوانينه لا يجد غضاضة في إقصاء المرأة، عمدا ومع سابق إصرار، عن الساحة السياسية. وبعد عقود من نضال عسير لتحقيق شبه حضور ثقافي واجتماعي وسياسي، هل المطلوب منها في رأيكم التراجع إلى محارتها تاركة للرجل شأن إدارة الدفّة؟!

في العام 1995، حدد مؤتمر المرأة العالمي في بكين موضوع تبوأ المراة لمواقع السلطة وصنع القرار كأحد محاوره الأساس. وعمل في بيانه الختامي على ترسيم الخطوط العريضة للإجراءات العملية التي يتعين على الحكومات والمنظمات غير الحكومية، فضلا عن منظومة الأمم المتحدة، اتخاذها لتمكين وصول المرأة إلى هيكلية السلطة ومواقع صنع القرار. وأكد البيان أنه من غير اشتراك المرأة اشتراكا فاعلا في عملية صناعة القرار السياسي على المستويات كافة، فلن يكون من الممكن تحقيق أهداف الديمقراطية المتمثلة في الحرية والمساواة والعدالة ونشر قيم السلام.

أما في عالمنا العربي الإسلامي الذي يرسم قواعدَه الرجل بامتياز تصنيفه الفيزيولوجي، ويخطّ قوانينه المدنية ويجتهد في تشريعاته رجال أيضا، فغياب المرأة عن خطوط المد التفاعلي ومكامن الإنجاز السياسي إنما هو محصّلة لما هو وضعي بشري مؤدلج، أوعقائدي ديني مُُنزل، ما يجعل من حجة المرأة في الالتحاق بعالم صمّمه الرجال على مقاسهم ضربا من الترف في مجتمع يتعمّد حشرها في زوايا ضيقة من شؤون حياتية أدنى إنجازا وأضعف اتصالا مع مراكز الحراك المدني والسياسي.

ونظرا إلى العلاقة التكاملية بين الرجل والمرأة كعنصرين مسؤولين بنفس الدرجة في عملية البناء والتجديد المجتمعي فإنه يترتب، نتيجةً، ضمان حقوق إنسانية متساوية وموازية لحجم الواجبات المنوطة بالطرفين. وليس العمل السياسي إلا عموداً فقاريا للتنمية الاجتماعية، فمن بوّابته يدخل المجتمع في عملية التطوير والبناء السوسيولوجي. ولكي تستقيم هذه المعادلة لا بد من زلزلة الاستقطاب الرجالي الأحادي للشأن السياسي بما يفتح باب الممارسة والاجتهاد عريضا أمام المرأة ويتمّم ما لا تدركه الحاسة الذكورية بفردانيتها ونزوعها الإقصائي.

إن تحقيق الديمقراطية المنشودة يا دعاة التغيير الديموقراطي في بلدي المفقود، إنما يقتضي شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة في إدارة شؤون المجتمع على قدم المساواة، وعلى نحو متكامل، ما يكفل إثراء العملية السياسية بفعل تغايرهما.

لا أعرف لماذا حضرتني وانأ أقرا أخبار السبعة عشر رجلا في بروكسل، أغنيةٌ لمسلسل أطفال جميل كنت أهوى متابعته مع ولدي، جالسَين معا إلى أريكة وثيرة في بيتنا الدمشقي الدافئ سابقا؛ اسم المسلسل الكرتوني "جزيرة الكنز". ووجدت نفسي وحيدة في مكتبي هنا في واشنطن أكرر لازمة أغنيته بطرب أحمق:
/ سبعة عشر رجلا تاهوا من أجل صندوق/
الصندوق كان لغز الجزيرة والبحر.. وفيه كان الكنز..
نعم الكنز!
فتبصّروا أيها البحارة الأشداء.. في مركبكم ثقب!



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة