طلب زواج بالحافلة

عبله عبدالرحمن
abla.rasheed@yahoo.com

2018 / 7 / 15


معظم العلاقات لم يعد الهدف الاصيل منها الخير وانما تحقيق المصالح. وبالرغم من الحاجة للمساعدة والعون فأنه لم يعد هناك من يسند احد او لديه الرغبة بذلك.
ما زالت الاسباب غير معروفة او مبررة في داخلي وانا استمع لمن اخذ يصرّح لمرافقة يعرفها للتو في حافلة لنقل الركاب من محطة الى اخرى بحديث خاص يتعلق بعائلته وحياته. لكأنه يستلهم من انصاتها له بابا لضوء النهار الذي يحتاجه. بيدا انه كان يبحث عن الحياة في غير مكانها الحقيقي تماما مثلما يفعل معظمنا حين يربط حياته بأمور يراها مشرقة وهي في الحقيقة تخفي عتمتها بألوان زيتية لامعة. تقول: كان يرجو من هذا الحديث التخلص من الحيرة والتشويش الذي وقع به نتيجة لخلافاته العائلية المستمرة او لأنه كان يبحث عن حلولا بصوت مرتفع مع طرف اخر يمتلك صفة الحيادية. لم يفطن الى انه كان يسبب لي الحرج! وهو يضعني في دور مسرحي كبير في مسرح الحياة الحقيقة من غير ان يدرك اذا كنت قادرة على القيام بمثل ذلك الدور او لدي الرغبة بقبول ما كان يرجوه مني. كثير من المرات شعرت بأنه يحتاج ان يضع اسمي على رأس جملة او في عبارة مهمة كنوع من خصوصية الحوار بيننا وهو يغوص باعماق نفسه باحثا عن سبب المشكلة التي جعلته يتلعثم مثل مراهق لم يعرف الحياة بعد. ما زلت اشكك بالاسباب التي دعت انسان يشبهه للحديث بكل هذه البساطة لمرافقة عابرة لا يعرف اسمها الا يملك الحجة والحكمة لايجاد حلول لمشاكله التي قد تواجهه في حياته وقد بدأ الصبر ينفذ مني فيما صبره لم ينفذ وهو مازال يشق مسافة الرحلة بحكاياه. كان يستخدم اسلوبا لا يخلو من التعبير وهو يقص القصص عن تفاصيل دقيقة تتعلق بعلاقته بزوجته وابنائه لدرجة انني كنت استمع باصغاء تام لفعل الدهشة الذي كان يصيبني مما وصفه من تفاصيل دقيقة كان يمكن ان يتجاوزها ويتحدث بامور عامة لكسر ملل الطريق. كان من النوع الذي يهتم بربط الحكاية بجذورها وقد لفتني من خلال حديثه الخاص حكايته عن حفلة الشواء التي اقامها لاسرته بهدف اصلاح ذات البين ولم الشمل بين ابنائه وزوجته، ولكن ولطالما جاءت لكن بخبر غير سار انتهى ذلك الاجتماع العائلي بالصراخ والشتائم والتهديد بالطلاق والزواج من اخرى على مسمع من الابناء. والسبب ان العصبية القبلية ما زالت تتملك منا وما يزال مبكرا علينا ان نلجأ الى اساليب متحضرة بهدف المحاكاة والتقليد لاقامة مثل هذه الاجتماعات العائلية التي تسمح لنا باستيعاب الاخر واحترام حقه بالتعبير بحرية عن مشاعرة دون ان يكون تحت وطأة العقاب الذي سيناله.
قد لا نتفهم موقف تلك الزوجة التي ذهبت بعيدا وحلمت بأن هذه الحفلة كانت سببا لاشاعة الدفء العائلي الذي لم يكن يوما! حين اخبرت الزوج بكل بساطة وصراحة عن قسوته معها طوال سنوات زواجهما، لم يتحمل صراحتها تلك وكأنه كان بانتظار ذلك التصريح لينقض مزمجرا ومهددا بالطلاق دون ان يعرف لماذا قالت ما قالته. لم يتورع رفيق رحلة الحافلة والناشط بالاعمال التطوعية عن توضيح اسباب سفره لمرافقته بالحافلة عن نيته من هذه الرحلة والتي تأتي من اجل اتمام عقد الزواج من قريبته المطلقة دون ان يخبر زوجته وابنائه! والتي ابدت استعدادها لقبول عرضه بالزواج على الهاتف، كما انه لم يخفي لمرافقته فرحته بتوفير نفقات حفل الزفاف لان العروس مطلقة.
لا تدري تلك المرافقة والتي شاركت ذلك العابر مقعد الحافلة على غير موعد او معرفة عن ذنبها بسماع مثل هذه التفاصيل الصغيرة عن شؤون عائلية خاصة ولماذا خاضت معه مثل هذا الحديث انصاتا. لم تستغرب موقفه حين اخبرها انه على استعداد لالغاء وعد الزواج من قريبته اذا وافقت هي على طلبه بالزواج.
تلك الحالة قد تبدو خاصة لكنها في حقيقة الامر هي تجسيد لحالات متعددة في مجتمعنا والذي تتم فيه عقود الزواج بنفس السرعة التي تتم فيها عقود الطلاق.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة