ملاحظات أولية حول الحركة النسائية المغربية على ضوء موقفها من قانون محاربة العنف ضد النساء

زكية محمود

2019 / 2 / 20

نشأت أغلب مكونات الحركة النسائية التقدمية في المغرب منذ أواسط الثمانينات، وطرحت مناضلات الحركة قضايا النساء من زاوية قانونية بالأساس بجعل مدونة الأحوال الشخصية محور التفاف مكوناتها. ونظمت حملة المليون توقيع سنة 1991 للضغط لتغيير المدونة. وتأسس ربيع المساواة مباشرة بعد إعلان الحسن الثاني تشكيل لجنة ملكية لمراجعة قانون الأحوال الشخصية سنة 1993، لتنسيق عمل الحركة إزاء تلك اللجنة وتفادي إقصائها من مسار تعديل قانون الأحوال الشخصية.

عملت الحركة النسائية بواسطة مذكرات مطلبية إلى الدولة، وحرصت دعما لمطالبها على إعداد مرافعات إلى الهيئات النقابية والحزبية ووسائل الإعلام. وبعد المصادقة عن مدونة الأسرة سنة 2004 أعلن ربيع المساواة عن انتهاء عمله التنسيقي.

لم يتوجه عمل الحركة النسائية التنويري حول المساواة صوب تنظيم جماهير النساء الكادحات، لبناء حركة نسائية تتصدى لمورث الثقافة الذكورية. وانحصر دورها منذ أواخر التسعينات في تقديم الملتمسات للنظام والاحتكام إليه، ولم تسع قط لربط النضال من أجل المساواة بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية والانعتاق من الاستبداد والاستغلال.

عائق غياب استقلال الحركة النسائية وتوجهها النيوليبرالي

عملت الحركة النسائية كذلك على مطالب أخرى، لاسيما مناهضة الميز ضد النساء وتجلياته الواضحة في ارتفاع نسب العنف.وانصب عمل الجمعيات في هذا المضمار على تأسيس مراكز استماع وإرشاد قانوني للنساء ضحايا العنف. كان أولها سنة 1995 أصبح لاحقا الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد النساء. معظمها ينسق في الشبكة الوطنية لمراكز الاستماع للنساء ضحايا العنف بالمغرب، تضم حاليا زهاء 42 جمعية ومركز. فضلا عن مراكز أخرى تابعة لجمعيات كاتحاد العمل النسائي الذي يدير قرابة 15 مركزا.

ساهمت مراكز استقبال النساء المعنفات في التشهير بظاهرة العنف، وقامت بدور هام في بلورة مطالب الحركة النسائية بصدد العنف ضد النساء.، وأعدت تقارير سنوية إلى المؤسسات الرسمية المحلية والهيئات الدولية.

تنتظم الجمعيات النسائية مع منظمات أخرى محلية، لإعداد تقارير موازية وتوصيات لعرضها في قمم لجن منظمة الأمم المتحدة. ونشير في هذا الصدد إلى تقرير 32 منظمة مغربية بتنسيق الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، إبان الدورة السادسة والخمسين للجنة المكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مابين 21سبتمبر 2015 إلى غاية 09 اكتوبر 2015 بقصر الأمم بجنيف(1).

تستند برامج عمل جل الجمعيات النسائية على إستراتيجية الدولة، المرتبطة بالتزامات دولية. لذا تلقى سياسات الدولة تجاه النساء تأييد الجمعيات النسائية، رغم انتقادات بعدم الاستجابة لكل ما تنص عليه المواثيق الدولية بشأن المساواة التامة بين الجنسين.

يبقى عمل الترافع والاقتراح جوهر عمل الجمعيات النسائية، مفصولا عن التعبئة في أماكن احتشاد النساء ضحايا العنف بشكل يومي. النساء بحاجة ماسة لعمل تثقيف كثيف لفهم أسس تعنيفهن واستجلاء سبل مواجهته. لكن الجمعيات النسائية تنظم أنشطتها التواصلية في أماكن تتركز بها مقرات مؤسسات الدولة والإعلام، غير متاحة لجماهير النساء المكبلات بقيود المجتمع الذكوري وقهر النظام الرأسمالي.

تبين طبيعة عمل الحركة النسائية انخراطها في برامج ومؤسسات الدولة الرسمية، وتأييدها للبرامج الاقتصادية النيوليبرالية التي تستهدف حقوق النساء الأولية وتضرب أسس المساواة، ما برز في تأئيد ما سمي “خطة ادماج المرأة في التنمية. إن توجهها السياسي البرجوازي هذا وعدم استقلالها هما ما يفسر عدم ربطها للنضال من أجل قضايا النساء بقضية التغيير الاجتماعي الجذري لبنيات الاستغلال والتمييز والاستبداد. وهذا ما نلحظه في تعاطيها مع مسألة العنف ضد النساء، إذ تقتصر على مقاربة قانونية، لا تربط العنف ضد النساء في مجتمع ذكوري بجذوره الاقتصادية والاجتماعية، إذ تزداد جرائم العنف ضد النساء بانتشار البؤس والفقر والبطالة، من جراء اشتداد هجوم الدولة الليبرالي على حقوق كادحي البلد.

رفض الجمعيات النسائية الليبرالية لقانون محاربة العنف ضد النساء

رفضت الجمعيات قانون محاربة العنف ضد النساء رقم 103.13 مند صدروه كمشروع سنة 2016، وجرى تنظيم لقاءات دراسية لشرح وجهة نظرها.

نظم تحالف ربيع الكرامة(2) مائدة مستديرة لدراسة مشروع القانون يوم 16 مارس 2016. خلصت إلى بيان رافض لصيغة المشروع الجديدة، وقعته ثمانون هيئة.

صادق مجلس النواب على مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء يوم 14 فبراير 2018، رغم شجب الجمعيات النسائية له، معتبرة إياه تراجعا عن مقتضيات دستور 2011 والتزامات المغرب الدولية الخاصة بمحاربة التمييز والعنف ضد النساء. وبررت معارضتها بتجاهل تعديلاتها وإقصاءها صياغة القانون، منتقدة اقتصاره على تعريف يتجاهل اشكال من العنف، كالاغتصاب الزوجي، وجمعه قسرا مابين النساء وفئات أخرى تتعرض للعنف، كالأطفال والأصول في قانون مفروض أنه وضع لتجريم العنف الذي تتعرض له النساء كجنس. بالإضافة إلى استثناء القانون فئات نساء أخرى كالأمهات العازبات والمهاجرات وذوات الاحتياجات الخاصة من الحماية القانونية، فضلا عن أن مشروع القانون مجرد تعديلات للقانون الجنائي ونقل ما استجد بالقانون الجنائي للقانون رقم 103.13(3)، ورفض تعديل بند “تجريم السرقة بين الزوجين” وتغييره ببند “تبديد أموال الزوجية” (4).

تبقى انتقادات الجمعيات النسائية لهذا القانون، رغم صوابها، موجهة أساسا لحكومة يترأسها حزب إسلامي، وتحمله مسؤولية نكوص القانون فيما يخص تجريم العنف ضد النساء. ويستند قسم الحركة النسائية الليبرالي، في صراعه مع مكونات الحركة النسائية الرجعية، على المؤسسة الملكية، إذ يظل مرجعها الأساسي هو الإصلاحات الشكلية التي جاء بها دستور 2011.

لم يجر تبني قوانين وخطط القضاء على التمييز والعنف ضد النساء استجابة لكفاحات جماهيرية من حركة نسائية، بقدر ما جاءت في سياق توجيهات المؤسسات المالية الدولية ومراكز القرار الإمبريالي، ولاسيما الاتحاد الأوربي، التي تفرض على المؤسسة الملكية تكييف تشريعات البلد مع متطلبات سياسات الانفتاح الليبرالي.

حركة نسائية منخرطة في برامج المؤسسات المالية الدولية تجاه النساء

استمالت المؤسسات المالية الدولية معظم الحركة النسوية بعد الاستعمال الأدواتي لمفاهيم هذه الأخيرة، وتبتغى من ذلك مأسسة الحركة وتحويلها إلى شريك ينفذ برامج التنمية النيوليبرالية، وعزل المناضلات النسويات عن جماهير النساء ضحايا برامج التقشف.

تدافع الحركة النسائية المغربية المتحدرة من أحزاب المعارضة التاريخية عن البرامج النيوليبرالية تحث مسميات عدة، كتمكين النساء، وتقوية مشاركة النساء السياسة، والنهوض بأوضاع النساء في وضعية هشة، وتشجيع المشاريع المدرة للدخل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي، ومحاربة الأمية في صفوف النساء.وتستعمل هذه العناوين لإخفاء حجم اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمق التمييز تجاه النساء والناتجة عن تطبيق البرامج النيوليبرالية.

لا تكثرت الحركة النسائية بتفكيك الدولة خدمات الصحة والتعليم، سبب ارتفاع الأمية والأمراض ووفيات الأمهات أثناء الولادة. ولا حديث في برامج الجمعيات النسائية عن وقف إلغاء دعم المواد الاستهلاكية التي سيحرم النساء أساسا من الولوج إلى المواد الغذائية الأساسية، ولا عن استغلال العاملات البشع في الصناعات التصديرية، وضعف تواجدهن في النقابات.

لم تنخرط الحركة النسائية في نضالات حركة 20 فبراير من أجل العدالة الاجتماعية والديمقراطية والكرامة، بل تجندت على غرار القيادات النقابية وراء المؤسسة الملكية، ودعت إلى التصويت على “الإصلاحات” الدستورية لسنة 2011.وفضلت العمل في مؤسسات الاستبداد والضغط بشبكات فوقية بعيدة عن واقع نساء تهدر سياسة الدولة حقوقهن.

تتقدم النساء صفوف النضال من أجل الكرامة ويواجهن قمع الاستبداد في الميادين، وهذا ما أبانت عنه نضالات نساء زاكورة من أجل الماء ونساء الريف وجرادة. ولا مناص من بناء حركة نسائية مكافحة مستقلة بالاشتغال اليومي في أوساط النساء الكادحات غير المنظمات والعاملات المنظمات في النقابات والموجودات خارج النقابات. وعلى المناضلات النسويات المناهضات للسلطة الأبوية والنظام الرأسمالي الانخراط الدؤوب في نضالات النساء وتكثيف التضامن معها، وفضح نفاق مشاريع الدولة النيوليبرالية تجاه النساء، كما يستدعي تحرر النساء النضال السياسي والأيديولوجي ضد تصورات التيارات الرجعية في صفوف النساء.

بقلم، زكية محمود

بيان على أثر نشر ملاحظات وتوصيات لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيةللأمم المتحدة
بمناسبة فحص التقرير الدوري الرابع للمغرب: http://www.tanmia.ma/communique-observations-et-recommandations-du-comite-desc-sur-le-4eme-rapport-periodique-du-maroc-des-conclusions-preoccupantes/

يان بشأن الصيغة الجديدة لمشروع قانون محاربة العنف ضد النساء: موقع: تنمية،http://www.tanmia.ma/بيان-بشأن-الصيغة-الجديدة-لمشروع-قانون/
بيان بشأن الصيغ الجديدة لمشروع قانون محاربة العن ضد النساء: موقع: تنمية،http://www.tanmia.ma/بيان-بشأن-الصيغة-الجديدة-لمشروع-قانون/
جريدة الصباح، 17 فبراير 2018 https://assabah.ma/289479.hml



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة