مساهمة المرأة في النضال تحقق نتائج نوعية

النهج الديمقراطي العمالي
annahjad@gmail.com

2018 / 12 / 18


افتتاحية:
تعلمنا مختلف الثورات والانتفاضات عبر العالم، أنه كلما التحقت المرأة بصفوف المحتجين كلما انتقلت الحركة الاحتجاجية من مستوى ضعيف إلى مستوى أقوى وأكبر، وقد تتحول الحركة الاحتجاجية إلى حركة اجتماعية. أما أن تتولى المرأة تفجير حركة احتجاجية أو قيادتها، فإنها قد تتحول إلى انتفاضة أو ثورة تنتقل من المطلب البسيط إلى مطالب متعددة ونوعية.

لماذا يحدث ذلك؟ وهل من سر وراء الظاهرة؟ طبعا وراء الظاهرة حقيقة مادية هي ما يفسر كون المرأة تتوفر على مؤهلات أعمق وأقوى للعب دور تشكيل الوعي في محيطها الصغير ثم الكبير، وإمداد الحركات الاحتجاجية بالوعي والفكر والمبررات السياسية والأخلاقية والاجتماعية لطرح المطالب واكسابها المشروعية التامة. فلتبيان الأسباب العميقة والموضوعية لهذه القدرة الفائقة للمرأة على لعب دورها الطليعي نستعرض حالة المرأة العاملة أو البروليتارية، فإنها إلى جانب ما يتعرض له رفيقها العامل أو البروليتاري، فإنها تتعرض إلى حيف واضطهاد آخر إضافي. فالمرأة العاملة إذ تتعرض إلى الاستغلال المسلط عليها من رب الشركة الرأسمالية، تتعرض أيضا إلى النهب من طرف نفس ذلك الرأسمالي لما تقتني كمستهلكة وسائل العيش وإعادة إنتاج قوة العمل من ملبس ومأوى وتطبيب وتعليم وتغذية؛ إنه ينهب أجرتها التي كدحت طوال اليوم أو الأسبوع أو أشهر؛ بالإضافة إلى هذا الاستغلال والنهب الطبقيين فإنها تتعرض للاضطهاد داخل البيت والمجتمع لكونها امرأة ملزمة بأشغال ووظائف إذا لم تقم بها تعرضت إلى التحقير والتعنيف المادي والنفسي. هذه هي الأسباب الموضوعية التي تجعل من المرأة قوة تثوير العمل وتعميق الوعي إذا ما توفرت لها الشروط الذاتية والتحمت بالقوى المناضلة والتقدمية؛ أما إذا انتفى هذا الشرط فيحدث فعلا أن تتحول المرأة إلى نقيض ذلك وتصبح عدوة نفسها، ويتم توظيفها كما يوظف الكادحون ضد مصالحهم ويصبحون حطبا لحرب يقودها أعداؤهم الطبقيون.

لكون المرأة تخضع للاستغلال والنهب والاضطهاد فهي بالخبرة والتجربة تستطيع أن تدرك أسباب كل هذه الجرائم التي تتعرض لها، وقد يتقدم وعيها خطوات هائلة لما تجد من يساعدها على الفهم العلمي لأسباب هذه الآفات في المجتمع وكيف تواجهها.

في استعراض سريع لتجارب قريبة رأينا المرأة في حركات النضال من أجل السكن اللائق وضد الحكرة كيف كانت في طليعة الكفاح، وكيف ساهمت من موقع متقدم في حراك الريف وجرادة وزاكورة… نفس الدور لعبته المرأة في السيرورة الثورية في تونس وهي من جعل هذه السيرورة تحقق مكتسبات ستساعد الشعب التونسي في نضاله التحرري؛ وفي الأسابيع الأخيرة خرجت أيضا المرأة الفرنسية تقود في العديد من المناطق حركة السترات الصفراء بجرأة ساعدت على تعميق المطالب مما يذكر بالتاريخ المجيد للمرأة الفرنسية في الثورة الفرنسية أو انتفاضة كمونة باريس سنة 1871 حيث ساهمت في الكفاح المسلح وبناء المتاريس.

“كتب ماركس يقول أن النساء لم يشاركن في التصويت العام على الكومونة. وعلى الرغم من ذلك كان الدور الذي اضطلعت به النساء مثيراً للدهشة. ففي الطريق المؤدي إلى مونمارتر ظهرت لويز ميشيل، بطلة الكومونة التي حملت لقب “بانية المتاريس”، وهي تهرول نحو جهة المدافع … مالت المرأة البالغة 41 عاماً نحو رجل مصاب، وهي تسمع واحداً من الجنرالات يقول أن باريس، الآن، في قبضة الجيش الفرنسي، وأن “الرعاع القذرين الذين أخذوا هذا السلاح من المكان الذي يجب أن يكون فيه، سيتلقون درساً قاسياً”.

أدركت لويز جيداً ماذا يعني هذا… المشكلة أنه كان هناك عداء مستحكم ضد أية امرأة تتمتع بأفكار مستقلة. غير أنها تمكنت، رغم ذلك، من كسب مصداقية كبيرة. وكانت قد التحقت بالاتحاد الأممي للرجال العاملين، الذي أسسه ماركس وآخرون. وكان من الصعب أن تنضم إلى تشكيل “ذكوري”، كما هو حال انضمامها الشاق إلى الحرس الوطني!

وعندما سمعت ميشيل ما قاله الجنرال أمرت بقرع أجراس الكنيسة. وفجأة سمع الجنود البؤساء، الذين كانوا لا يزالون يحرسون المدافع، أصوات الناس المقبلين عليهم تتزعمهم لويز ميشيل التي تمكنت من حشد ما يقرب من 200 سيدة، أغلبهن مسلحات بالبنادق باتجاه الجنود الثلاثة آلاف المسلحين.

كتبت ميشيل لاحقاً: “كنا نسير بأسرع ما يمكن، عارفين أن الجيش ينتظرنا هناك. من أجل الحرية كنا نتوقع الموت. كل الناس كانوا هناك، لا أعلم كيف”. أمر الجنرال جنوده ثلاث مرات، لكنهم رفضوا ذلك. وفجأة هتف رقيب: “لابد أن نتمرد”. كان المشهد مهيباً، حيث احتضن الناس الجنود، وتشاركوا زجاجات النبيذ.

وكانت لويز ميشيل تناقش كل من تعرفه بإصرار بالغ: “لابد أن نسير إلى فرساي. هذا هو الوقت المناسب”.

تمكنت لويز مشيل من الفرار من الموت المحقق إثر هزيمة الكومونة، غير أنها لم تكن محظوظة بما فيه الكفاية للإفلات من القمع. فقد نقلت للعمل في المستعمرات، ثم سجنت بعد ذلك عند عودتها إلى فرنسا. لكنها لم تفقد روح التحدي يوماً. وحين كانت على فراش الموت جاءها خبر الثورة الروسية عام 1905، انتفضت من فراشها ورقصت في أرجاء الغرفة، ثم استلقت ثانية وهي تقول: “حسناً، أنا الآن مستعدة للموت”. (مقتطف من مقالة تأملات في ذكرى كمونة باريس / رضا الطاهر).

لذا لما يقول الماركسيون بأن المرأة نصف السماء كما نعتها الصينيون، فهذا يستلزم وجوبا وضعها في صلب التغيير الثوري المنشود ببلادنا إذا أردنا أن يكون هذا التغيير ثوريا حقيقيا.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة