جيل التحوّل الديمقراطي

امال قرامي
grami2020amel@gmail.com

2019 / 1 / 23

يُنظر إلى التلاميذ، في الغالب، على أساس أنّهم «منفلتون» لا يعيرون اهتماما للدراسة ولا للمنظومة القيمية وليس لهم شغف إلاّ بالألعاب الالكترونية ووسائل التواصل الحديثة والرياضة. أمّا على مستوى السلوك فإنّ أغلب التلاميذ هم، في نظر الكهول، ثائرون على جميع السلط بدءا بسلطة الأب والأسرة وصولا إلى سلطة الإطار التربوي ومن ثمّة فإنّ العنف سيّد الميدان وخوض التجارب مساعد على بناء الشخصية، بل إنّ شرب الخمور وتعاطي المخدرات وممارسة التحرّش وغيرها من الأفعال تعدّ في نظر اليافعين، من أهمّ «وسائل التسلية».

بيد أنّ هذه الصورة السلبية التي يتشبث بها أغلب الكهول والمسنين مغرقة في التعميم ولا تجانب الصواب إذ أثبتت الدراسات على قلّتها، أنّ اليافعين يعيشون تحولات متعددة تعبّر عن إدراك مختلف للواقع المعيش وفهم جديد للشأن العامّ الأمر الذي يجعلهم يردّون الفعل بطريقة غير معهودة. ولئن همّش الإعلام قصص النجاح التي كان أبطالها اليافعون ككتابة القصص وتأليف الكتب التي تتناول قضايا التعليم وابتكار بعض البرمجيات والتفوّق في مجال الشطرنج والرياضة وغيرها من الانجازات فإنّ المتأمّل في حيوات هذه الفئة وخطاباتها ينتبه إلى علامات التحوّل ويقف على مؤشرات تخبر عن تحقّق مقدار من الوعي والنضج، وهو ما اكتشفه التونسيون خلال هذا الأسبوع عندما خرج التلاميذ عن صمتهم وبدأ أغلبهم يتململ ويعبّر عن موقفه من «الصراع بين النقابة والوزارة».

التلاميذ في تونس «التحوّل الديمقراطي» ينتفضون ويعبّرون من خلال الاحتجاج والمسيرات والشعارات والإضراب عن غضبهم ويدافعون عن حقّهم في العلم وسيلتهم في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ومقاصدهم فتح المجال أمام جميع الأصوات للتعبير عن ذواتهم، واختبار الممارسات الديمقراطية علّهم يتحصّلون على حقوقهم، وعلى رأسها الحقّ في المعرفة. والتلاميذ إذ يحتجّون إنّما يتموقعون باعتبارهم مواطنين فاعلين يرفضون التعامل معهم على أساس أنّهم موضوع المشاجرات والعراك والتفاوض والضغط...إنّهم ذوات قادرة على ردّ الفعل والضغط والتعبير.

ولا غرو أنّ هؤلاء التلاميذ الذين يؤمنون بالتمثيلية والاستشارة والحوار والإصغاء إلى القواعد...يمثّلون الجيل الذي نشأ في مسار التحوّل الديمقراطي، وعاش على وقع الاحتجاجات والمسيرات السلمية والاعتصام، وواكب أيّام الغضب وعاين تشكّل الحركات الاحتجاجية وفقه سطوة وسائل التواصل الاجتماعي وأدرك هيمنة الخطاب الحقوقي واستراتيجيات التفاوض فراح يتحدّث عن مراحل الحوار ويهدّد بالتصعيد .. وهو جيل حذق ممارسة التشكيلات التعبيرية المتعدّدة فحوّل ساحات المدارس والمعاهد إلى فضاء للتواصل المرئي فكتب بالمحفظات: «لوقتاش» و«باسطا Basta... وصاغ الشعارات المحفزّة: «التلميذ يطالب بالتغيير» و«يا تلميذ يا مسكين حقك ضاع ونتي وين»... «يا تلميذ يا مظلوم جا الوقت باش تقوم».. والشعارات المعبّرة عن المشاعر السائدة «من السيستام رانا فدينا» و«يا تونس... قتلو صغارك بين يديك» والشعارات المنتقدة «يا اعلام وينك على التلميذ مغطي عينك» والشعارت المهدّدة: «لا دراسة لا استسلام حتى يتبدل السيستام».

تمتلكنا البهجة ونحن نعاين الحركة التلمذية، وهي تتشكّل وفق معايير وقيم غير التي نعرفها ولكنّ أبناء هذا المسار الانتقالي ليسوا كلّهم على هذه الدرجة من الوعي والانضباط. فقد لمسنا حالات الاستسلام للاحباط والتي انتهت بالانتحار أو «بالحرقة» أو بالرضوخ لمحاولات الاستقطاب للراديكالية أو الإقبال على الممارسات المنحرفة كالبراكاجات التي بات عدد من المراهقين أبطالها ورأينا كيف ينفلت عقال بعض المراهقين فينتقمون من الإطار التربوي أو من الأمنيين، ومعنى هذا أنّ هذه الحركة التلمذية معرّضة للاختراق من عناصر تحتفي بالمشهدية وتبحث عن الإثارة «البوز» وأخرى تريد أن تتحوّل من الهامش إلى المركز ، وهو أمر مشروع: فلم يغدو «اليعقوبي» و«بن سالم» وحدهما في المركز؟ أليس من حقّ «المرتهن» و«الضحية» أن ينقلب على تسلّط الكبار؟ وإذا كانت المؤسسة التعليمية في نظر المتصارعين، ذات قطبين : الوزير- الحكومة والنقابة والمنضوين تحتها فإنّ احتجاجات التلاميذ على ما آل إليه الأمر تلفت النظر إلى قوّة أخرى بصدد التشكّل قد تقلب موازين التفاوض وتغيّر بنية العلاقات ونظام التمثّلات. فحذار من الاستخفاف بقدرة الجيل القادم على تغيير المعادلات.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة