أنا امرأة فلسطينيّة في إسرائيل...

مهى إغبارية

2019 / 3 / 19

أنا امرأة فلسطينيّة في إسرائيل...

ليس لك الحق في تعيين صفاتي

لأننا نعيش داخل حدود إسرائيل فذلك لا يجعلنا أقلّ فلسطينيّةً من سوانا. إنّنا نعاني من السياسات القمعيّة المريرة ذاتها، حتى لو كان عذابنا من طبيعة مختلفة ويتّخذ شكلاّ مغايراً.

منذ فترة قدّمتُ طلباً للمشاركة في ندوة لنساءٍ إسرائيليّات وفلسطينيّات ستُعقد في الصيف في ألمانيا. بعد أسبوعين تلقّيت رسالةً إلكترونيّة من المنظّمين تبلغني بأنّ طلبي قد رُفض.

السبب، كما عرضوه، هو أنّي عرفت عن نفسي بأني إسرائيليّة فلسطينيّة. قيل لي، إنّ صفة الإسرائيليّ مخصّصة حصراً لليهوديّات والصفة الفلسطينيّة هي فقط للفلسطينيّات من الضفّة الغربيّة أو من القدس الشرقيّة. فأين أنا هنا؟

في رسالة الرّفض، اعترف المنظّمون بتعقيد هويّتي بما أنا امرأة فلسطينيّة في إسرائيل، بل كان للرّسالة نبرة شبه اعتذاريّة لكوني مضطرّة إلى دفع ثمن ذلك التعقيد. لكنّهم أصرّوا في الوقت ذاته على أنّ تركيب الندوة قد تقرّر سلفاً ولن يمكن تغييره، وأضافوا «نأمل أن تكون لنا مناسباتٌ أخرى للقاء في الحقل السياسيّ».

على الرّغم من نوايا المنظّمين المعلنة لتأسيس «مشروعٍ خاصٍّ يوفر حواراً سياسيّاً ولقاءً هامّاً وممتعاً» في إطارٍ رعويٍّ ألمانيٍّ، إلّا أنّهم يتبنّون الانقسامات والتصنيفات التي فرضها الاحتلال والنكبة على الشعب الفلسطينيّ.

يعتزّ منظّمو الحدث بأنّهم ينظّمون حواراً سياسيّاً بين نساء، لكنّهم في الحقيقة ينسخون التمييز الكولونياليّ بين الفلسطينيّين الذي بقوا داخل حدود العام ١٩٤٨والفلسطينيّين الذين باتوا لاجئين نتيجة الحرب، وهو تمييزٌ يتجاهل عنصراً حيويّاً في النزاع أي الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل.

إنّ المقاربة الكولونياليّة تعمل بنشاطٍ وانتظام لتشكيل هويّة الإسرائيليّين الفلسطينيّين بإنكار حقّهم الأساسيّ في تعيين هويّتهم بأنفسهم. وإنّ هذا التشكيل للهويّة الفلسطينيّة مستمرٌّ بلا هوادة منذ نكبة العام ١٩٤٨، من خلال الإدارة العسكريّة، والاحتلال الذي بدأ العام ١٩٦٧ والمستمرّ إلى يومنا هذا.

إنّ التقسيم المصطنَع الذي يمارسه الاحتلال للشعب الفلسطينيّ إلى جماعتين منفصلتين، «عرب إسرائيليّين» و«فلسطينيّين»، يخلق عن قصدٍ أزمة هويّة عميقة بين الفلسطينيّين في إسرائيل.

ليست هذه المرّة الأولى التي أقع فيها أنا، الإسرائيليّة الفلسطينيّة، في منزلةٍ بين منزلتين: فمن جهة، لستُ إسرائيليّة بما فيه الكفاية، بما أنا فلسطينيّة، ولست فلسطينيّة بما في الكفاية، من جهة أخرى، بما أنا إسرائيليّة.

إنّ قرار منظّمي الندوة رفْض طلبي له معنى مزدوج: إنّه ينكر هويّتي بما أنا فلسطينيّة (بمنعي من الانضمام إلى مجموعة المشاركين الفلسطينيّين) وينكر أيضاً هويّتي بما أنا مواطنة إسرائيليّة. على الرغم من هذا التعقيد البنيويّ، وربّما بسببه، كان تصميمي على المشاركة في الندوة.

الدارج في أيّامنا هذه هو حديث الهويّة، بما هي مقولةٌ ذات سيولة وزخم وتحوّل مستمرّ. لكنّ هذا الزخم يصير هباءً بسبب واقع الاحتلال. يسهل عليّ أن أعرّف نفسي بما أنا فلسطينيّة، إلّا أنّ ظروف ولادتي وظروف حياتي والظروف التي كوّنتني قد تولّدَ عنها عنصرُ هويّة آخر بالنسبة لي.

أنا رسميّاً إسرائيليّة أيضاً، أحببت ذلك أم لم أحببْه. هذه الازدواجيّة التي سعى الاستعمار إلى خلقها، مصدرُ تقلقلٍ، تجبرني على معاناة أزمة هويّةٍ مستمرّة، وهو أمرٌ يصعب جدّاً شرحه وتفسيره لمن لا يعيش تلك الأزمة أو يختبرها شخصيّاً.

الإسرائيليّون الفلسطينيّون جزءٌ مكوّنٌ من الشعب الفلسطينيّ، في إسرائيل والضفّة الغربيّة وغزّة وأيّ مكانٍ آخر. إنكار وجود هذه الأقليّة القوميّة التي تعيش هنا سوف يرتدّ على الإسرائيليّين مثل صاعقة.

إنّ العلاقة المتبادَلة بينهم وبين إخوتهم الفلسطينيّين لا تشكّل خطراً على إسرائيل. بالعكس: إنّ صورتهم بما هم جسر بينهم ليست مجرّد كليشّيه من الكليشّيهات. الفلسطينيّون هنا ليبقوا – في أمّ الفحم والناصرة وحيفا وراحات، وفي القرى غير المعترف بها، كما في المدن المختلطة وحتى في أماكن مثل العفولة وكفر فراديم.

لقد آن الأوان للاعتراف بالإسرائيليّين الفلسطينيّين بما هم جزءٌ عضويٌّ من حلّ المسألة الفلسطينيّة. إنّهم جزءٌ من الشعب ذاته، واللغة ذاتها، والثقافة ذاتها والنضال ذاته. ومجرّد كوننا نعيش داخل حدود إسرائيل لا ينتقص بأيّ شكلٍ من انتمائنا الفلسطينيّ. إنّنا نعاني من السياسات القمعيّة إيّاها، حتى لو كان عذابنا من طبيعةٍ أخرى ويتّخذ شكلاً آخر.

لقد آن الأوان للاعتراف بأنّ لا حلّ للنزاع من دون إشراك جميع المشاركين التاريخيّين، أي جميع الفلسطينيّين. قد توجد خلافات حول تفاصيل المقترحات المختلفة، ولكن عندما يجد طرفٌ ما نفسه بما هو مكوّن أساسيّ من مكوّنات الوضع، فثمّة واجب سياسيّ كما أخلاقيّ للاعتراف بذاك الواقع.

يجب أن يوجد مثل هذا الاعتراف في مناسباتٍ مثل الندوة الألمانيّة، كما في جميع المشاريع الدوليّة المتعلّقة بالنزاع. فإذا كانت الجماعات والمنظّمات التي تسعى إلى تحقيق السلام وعَقد الصلات بين الطرفين لن تجد مكاناً لفلسطينيّين ولامرأةٍ مثلي للعب دور جسر حيويّ نحو السلام، فلماذا تكترث السلطة المحتلّة بأن ترى إلينا على هذا النّحو، بل لماذا تكترث بوجودنا أصلاً، وهي التي تحافظ على استمرار النزاع بالقوّة؟



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة