أمَّ عازبة..تحدياّت وكثير من الحب!

علياء عواضة

2019 / 3 / 19

يُعرّف قاموس “أكسفورد” الأم العازبة بأنها المرأة التي تتولى وحدها مسؤولية تربية طفلها من دون زوج، أو شريك.

ومهما اختلفت الأسباب، طلاق، ترمّل، أو كان الأمر مجرّد خيار شخصي فإن تجربة تربية طفل من دون شريك هي من أصعب التحديات أمام أية إمراة، خاصة في بلد عربي يسلب المرأة الكثير من حقوقها وتحاول قوانينه غير العادلة ومجتمعه البطريركي إخضاع المرأة لسيطرة الذكر أباً كان، زوجاً، أو أخاً، أو حتى ابناً. المهم، بالنسبة لهذا المجتمع، يجي دائماً أن يكون هناك وصيَّا عى المرأة فكيف لها أن تكون وصيّة على إبن أو إبنة؟ كيف لها أن تكون وليّة أمر في مجتمع يحترف الظلم بحقها بشتى الأشكال والأساليب؟

بعيداً عن التعريفات والصور النمطية، ما معنى أن تكوني أمّاً عزباء؟

أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن يبدأ نهارك عند الخامسة صباحاً وينتهي، في أحسن الأحوال، عند الثانية عشرة ليلاً. أن تكوني أماً عزباء يعني أن تتولّي وحدك تربية طفلك وتتحمّلي الأعباء الاقتصادية والإجتماعية المتعلقة بتربيته، بالإضافة إلى حرصك، الذي يتحوّل إلى هاجس يقضّ مضجعك كثيراً من الأحيان، على أن يكون ابنك محاطاً ومحصّناً من الناحية النفسية التي تساهم في تطوّره أكاديمياً، واجتماعياً بشكل صحّي وسليم.

أن تكوني أمّا عزباء يعني أن تكوني دائماً قويّة أمام طفلك أما البكاء والتعب فترجئينه إلى ما بعد غفوته. لا مجال للتأفف من ألم جسدي أو نفسي. سعيدة، منطلقة، صلبة، محبّة، متفهّمة هو ما يجب أن يراه دائماً.

أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن تساومي في بعض الأحيان على تطوّرك المهني مرغمة وأن تحاولي سرقة القليل من الوقت لشحن طاقتك والعودة إلى ميدان العمل أقوى. أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن أي تطوّر مهني ليس حكراً عليك بل على مخلوق يجب أن ينظر إليك بشكل يومي بفخر واعتزاز ليقول “هذه أمي”.

أن تكوني أماً عزباء في بلد عربي يعني ألا يتواني هذا المجتمع عن تهميشك ووصمك، محاولة قمعك، تأطيرك وحتى كسر عنفوانك وقدرتك على الصمود. الانتفاض على هذا الواقع يستجلب دائماً حديث التقاليد، والعادات والدين وكأن كل نفس محسوب عليك فكيف إذا كان المبتغى أن تتنفسي بحرية. مجتمع منافق يعايد النساء في يوم المرأة العالمي وعيد الأم وغيرها من المناسبات فيما يصعّب كل تفصيل في حياتها، يفاقم التحديات، ويضاعف العقبات. مجتمع يحاول أن يخضع كل النساء ضمن منظومة وأطر، أي خروج عنها يحوّلها الى “فاجرة” بمختلف المعايير والتسميات.

ولكن، أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن تتحوّل كل الصعوبات الآنفة الذكر إلى تحديات ويعني أيضاً أن تستمدّي القوة والعزيمة من عيني مخلوق صغير بغاية الرقة والجمال والطيبة. أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن تستيقظي ليلاً فرحة عندما يناديكِ للحصول على الماء، أو من أجل عناق. أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن يخفق قلبك غبطة وتلمع عيناك حبّاً وحناناً عندما ترين طفلك يرقص في احتفالية آخر السنة في المدرسة وأن تشاهدي بفخر جهدك الكبير وتعبك يتجلّى بوضوح في شخصية طفلك القيادية والمرنة في آن.

أن تكوني أمّاً عزباء يعني أن تتشاركا أغنيتكما المفضلة في السيارة وترقصا معاً فينظر إليك هذا الكائن الصغير بعينين ملؤهما الحب ويقول: “شكراً لأنك ماما”.

مرة أخرى، وبعيداً عن كل التعريفات والتجارب، الأم العزباء هي أقوى النساء وأكثرهنّ عنفواناً وقدرة على العيش باستقلاية دون الحاجة إلى تبرير نفسها وخياراتها. هي الأم المضحية، القوية والقادرة على تحقيق أحلامها أينما كانت ومهما كان حجم التحديات. هي الحنونة والقادرة على الاستحصال على حقوق أطفالها مهما كانت العقبات.

باسم المرأة التي أراها كل صباحٍ في المرآة وفي صور السيلفي التي تجمعني مع طفلي، باسم هذه المرأة التي تختصر قصص كثير من النساء، أنا الأم العزباء سأبقى أقاتل وأناضل من أجل أفضل حياة لابني وعلى طريق عدالة اجتماعية وقانونية تستحقها كل امرأة أينما كانت ومهما كانت التحديات التي تواجهها.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة