تدريس الجندر والعرق والجنسانية: تأملات في البيداغوجيا النسوية

أكانكشا ميهتا

2019 / 7 / 12

التربية النسوية – الصف النسوي – هو مكان فيه شعور بالنضال، فيه اعتراف علني بوحدة النظرية والتطبيق، فيه نعمل سوية كأساتذة وطلاب للتغلّب على الغربة والعزلة التي أصبحت هي القاعدة في الجامعة المعاصرة، بل ينبغي أن يكون كذلك. الأهم من ذلك، على البيداغوجيا النسوية أن تشرك الطلاب في عملية تعلُّمية تجعل العالم "أكثر وليس أقل واقعية".


ما معنى أن تكوني معلمة نسوية وأن تنخرطي في الممارسات البيداغوجية النسوية؟ كَوني امرأة ذات بشرة ملونة وبنيّة، مناهِضة للعنصرية، ومعادِية للرأسمالية ولنظام "الكاست"، نسوية من "الجنوب العالمي" تدرّس في إحدى جامعات لندن، فإنني أتعامل يوميا مع أوجهٍ من هذا السؤال. أدرّس عن/باستخدام/حول الجندر والعرق والجنسانية، مع التركيز على إنتاج المعرفة النسوية، والكويرية، وما بعد الاستعمارية، والمرتبطة بإنهاء الاستعمار، والمناهِضة للعنصرية. في سياق التعليم العالي في المملكة المتحدة، يمكن تسميتي "أكاديمية في مبتدأ مسارها المهني" ذات منصب آمن. يتضمن هذا التصريح أشياء شتى (ظاهرياً)، لكن بالنسبة لي فهو يعني أساساً أنني معلمة (وأحيانًا كاتبة طامِحة). أدرّس منذ ما يقارب الخمس سنوات، بداية في وظائف مساعدة تدريس جزئية كطالبة دكتوراه، والآن كمحاضِرة ومنسِّقة أكاديمية. خلال كل هذه السنوات (القصيرة)، كان التدريس الموقع الرئيسي للتّخلص من المفاهيم الموروثة؛ فهو يرتّب ساعاتي وأيامي وأسابيعي وحياتي؛ يعطيني سببًا تلو الآخر للخروج من الفراش حتى عندما يسيطر عليّ الاكتئاب والقلق بقسوة؛ ينشّط جسدي المصاب بأمراض مزمنة يستنزفني بشكل لا يُعقل؛ ويحملني على البقاء في الأوساط الأكاديمية في أفضل وأسوأ الأيام. التدريس هو أيضا العملية التي أساهم من خلالها إلى حدّ كبير في مشاريع "إنهاء الاستعمار في الجامعة" و"إنهاء الاستعمار"2 في المعارف حول الجندر والجنسانية. باستخدام ممارسة بيداغوجية نسوية، يصبح التدريس موقعا ليس فقط لتشارك الأفكار/المواضيع، ولكن أيضا للدراسة الضرورية لديناميات القوة واستعمار المعرفة وإنتاجها، واستقصاء الهرميات المادية والاستعمارية في الصف والجامعة والمدينة والسياسة العالمية، ولتحقيق مشروع فكر وممارسة وتحرّر نسوي منخرط في إنهاء الاستعمار، من خلال قيامنا جماعيا بتفكيك عوالمنا الحياتية وإعادة بنائها.

محاطة بالذين يدرّسون منذ عقود، أدرك أنني ابتدأت مساري للتوّ. مع ذلك، أودّ أن أعرض بعض التأمّلات في ممارساتي البيداغوجية النسوية (والمنخرطة في إنهاء الاستعمار) كما القضايا الملتبسة التي أثارتها بالنسبة إليّ – قضايا ليست فقط مجرّدة ولكن لها عواقب وجدانية وعاطفية ومادية على مستوى الحياة اليومية. أتناول ثلاث سرديات معينة من تدريسي، مع عرض تفاصيل مهمّة عن كل منها. تضيء هذه السرديات التأمّلية بعضا من التعقيدات والارتباكات والفروقات الدقيقة العائدة للبيداغوجيات النسوية والأشكال غير المتوقعة التي تتخذها، وديناميات القوة الكامنة في عمليات التعليم والتعلّم في المرحلة الجامعية والأوساط الأكاديمية في المملكة المتحدة، والهرميات الصفية الجندرية والعنصرية والطرائق والتكوينات التي تحتلّها، وتعقيدات تدريس الجندر والجنسانية والعرق بطرق نسوية ومنخرطة في إنهاء الاستعمار.

استهلّيت هذا النص استناداً إلى بيل هوكس. لا أنوي هنا أن أراجع أدبيات حول البيداغوجيات النسوية. أودُّ ببساطة التسليم بنقطة انطلاق وأن أؤدّي تحية إجلال لبيل هوكس والنسويات ذوات البشرة الملوّنة اللواتي ظللن يفكّرن ويكتبن لعقود من الزمن عن البيداغوجيا، وعن التعلّم كما عن عملية التّخلص من المفاهيم الموروثة، وعن النضال والتدريس وعن الفشل والكتابة. من دون عملهن، لم أكن لأتمكّن من معرفة من أين أبدأ.

***

أعلّم مادة تتناول التقاطعات بين العرق والجندر والجنسانية من أجل استكشاف العلاقة الوثيقة والمعقّدة التي تربط بين التكوينات العرقية والقومية المعاصرة، وبين تاريخ أطول من الإمبريالية. صُمِّمَت المادة من قبل باحثة ومدرِّسة نسوية كان عملها كثير التأثير بي؛ لقد حاولت بكل تواضع مواصلة ممارستها التربوية. تُدَرَّس هذه المادة للطلاب الجامعيين في السنة النهائية من البكالوريوس ولطلاب الدراسات العليا، بطرق محسوسة ومتجسدة. لا تقدم "تاريخاً" و"حاضراً" متجرّدين عن العِرق وعملية إسناد الهويات العِرقية والحقد العِرقي، لكنه يطالب الطلاب بالتفكير في هيكليات السلطة والعنف، وربط تجاربهم/نّ المُعاشة بمحادثة مع النظرية، والتفكير في الأحاسيس والعواطف والانفعالات والأجساد كمساحات وأرشيفات لإنتاج المعرفة. تشكّك المادة في التفكير الشعبي عن التمييز العرقي على أنه "فعل" فردي، وتلفت انتباه الطلاب إلى كيفية هيكلة العرق لتجاربنا وعوالمنا، وكيف أن تاريخاً من السيطرة الإمبريالية يتغلغل في أعماقنا. كما تؤكد باستمرار على أن العرق والإمبريالية والأمة (الوطن) (والحدود والأنظمة الأمنية و"الآخر" و"الغريب"3 وما إلى ذلك) ليست فقط موجودة لذاتها، بل هي تقولب وتلازم الصفّ والجامعة. محاضراتنا وحلقاتنا الدراسية هي مساحات معبّأة بالبيداغوجيا النسوية وطرق التعلّم كما التخلّص من المفاهيم المتعلَّمة؛ حواراتنا غير مريحة وهي غاضبة ودامعة ومرهقة ومتفائلة وتعاونية ومحسوسة ومتجسدة ومُعاشة. نتشارك قصصاً وسرديات؛ نتحدث إلى النصوص؛ نتكلّم باستخدام النصوص؛ نتكلم ضد النصوص؛ نرمي النصوص جانباً؛ ننسى أنه تم تعيين نصوص؛ نحن النصوص. نفكّر في المادة في نهاية كل حلقة دراسية وبطرق صغيرة، نتشارك في صنع الجلسات التالية.

في منتصف الدورة، كانت لدينا جلسة بعنوان "أجساد الآخرين/ات". هنا، قرأنا فرانتز فانون4 وأودري لورد،5 مع التركيز على كيفية تأثير النظم "الغيرية" على الأجساد المتمثّلة وكذلك المأهولة. استمعنا إلى عوالم وكلمات هذين المفكرين والكاتبين المناضلين، واستكشفنا كيف أن العرق والكراهية العرقية ليست موجودة لذاتها، بطرق مجرّدة، ولكنها تتغلغل في الأعماق، تؤثر على الأجساد في كيفية تحرّكها وعيشها وتنفّسها وموتها وشعورها ووجودها. كانت النصوص ثقيلة؛ سببت الغضب والحزن لكثر منا؛ جعلت الكثير منا يريد الصراخ والبكاء؛ جعلت البعض منا يصرخ ويبكي. ركّز جزء كبير من محاضرتي على "الطفولة" في أعمال أودري لورد،6 واستكشاف المسائل التي قامت بطرحها – ماذا يعني أن تجرّب علاقات القوة والعرق والعنصرية والتصنيف العرقي كطفل قبل أن تمتلك الكلمات والمفاهيم لفهم التجربة؟ كيف تتم تسوية تجارب العرق والعنصرية في طفولتنا من قبل أهلنا ومقدمي الرعاية لنا؟ وماذا يخبرنا هذا عن صمتهم/نّ وألمهم/نّ ونضالاتهم/نّ، وعن غيرية الأجساد الأخرى؟ ناقشنا بمزيد من التفصيل، في حلقتنا الدراسية، تأملات لورد حول تجاربها الطفولية للعنصرية، وبدأ الطلاب تبادل قصصهم وذكرياتهم، وربطها بالنصوص وبالنظرية. استرجع الطلاب ذوو/ات البشرة الملوّنة7 في الصف (بعضهم/نّ من الشتات) تجاربهم/نّ المبكرة في مواجهة وفهم الاختلاف والعنصرية، وفكّروا/ن في تعقيدات هذه الذكريات وذاتيتها. كان الطلاب البيض8 يستمعون في الأغلب، ولكن تحدثوا/ن أيضا عن كيفية تعليمهم "الاختلاف" في طفولتهم.

مع تقدّم الحلقة الدراسية، كل حوار يقود إلى آخر مع بعض التسهيل من جانبي، أدركت أن الطلاب ذوي/ات البشرة الملونة كانوا/كنّ المتكلّمين/ات الوحيدين/ات. كانت النصوص المخصصة تُخرِج من هؤلاء/هاته الطلاب/الطالبات أفكارا عاطفية جدا، وكانت قاعة المحاضرة تعجّ بالتشابكات المعقدة بين النظريات والقصص. بعد أربعين دقيقة من بدء المحاضرة، صمتت القاعة فجأة؛ توقّف الطلاب عن الكلام وصمتُّ أنا أيضًا. كان هناك إدراك في القاعة بأن القصص والذكريات وتجارب الحياة وأفكار الطلاب ذوي/ذوات البشرة الملونة قد "استُهلِكت" بطرق جعلتهم/نّ غير مرتاحين/ات. حسب تعبير بيل هوكس، أصبحت المحاضرة مساحة "لأكل الآخر"، حيث "أضحت الإثنية توابل" والسلعة المطلوبة والمستهلكة والمُزارة والمُلتهمة، كانت الذكرى الحميمة، والمؤلمة في كثير من الأحيان، ماذا يعني وكيف تشعر عندما يُفرض عليك انتماء عرقي وهوية "الآخر".9 اتخذت ديناميات القوة العنصرية في القاعة شكل صمت متوتر وثقيل؛ استولى شعور من الاختناق المفاجئ واختلف الشعور تجاه المساحة. كان علينا أن نتوقف؛ لم نتمكن من الاستئناف. فجلسنا في صمت خلال الخمس عشرة دقيقة المتبقية على انتهاء المحاضرة؛ تركنا الصمت يفعل فعله.

فكرت في تلك الدقائق الخمس عشرة لساعات. بصفتي معلمة نسوية، شاركت في إنشاء الصف وأجزاء من قائمة القراءة، وتأمّلت مراراً وتكراراً مع الطلاب في عمليات التعلُّم والتخلص من التعليم. تخلّصنا باستمرار طوال فترة تدريس المادة من الثنائيات الاستعمارية والعنصرية والجندرية على مستوى الأفكار/المشاعر، العقلاني/العاطفي، والشخصي/السياسي. في مساحتنا، كانت تؤرشف أجسادنا وحيواتنا، كانت ذكرياتنا ومشاعرنا بمثابة تاريخ، وقصصنا كانت نظريات، ونظرياتنا كانت قصصا، وكنا ملتزمين/ات بالتكلّم، وبالمشاركة، وبعدم التزام الصمت، وبألا نكون "مسحوقين/ات بتخيلات الآخرين/ات... وأن نؤكل أحياء".10 ولكن، من خلال القيام بذلك بالضبط، هذا اليوم، أفسحنا المجال لظهور أشكال جديدة من الاستبداد العرقي، حيث أصبح التحدث والمشاركة تعني أن تؤكل، وحيث أضحى الشعور وتذكُّر غيريتك تعني أن تُستَهلك، أصبحت تجربتهم مرة أخرى قصة "مشوّقة"، طُرفة عابرة، وسيلة للتقرب ولكن فقط عبر زيارة عالم "الآخر". تلك الدقائق الخمس عشرة الأخيرة من عدم المشاركة، عدم التعبير، عدم التكلّم، جلبت توتراً غير مريح في الأجواء، حيث أصبح مرور الوقت في صمت أفضل طريقة للتخلص من المفاهيم المُتَعلَّمة وللتعلُّم.

***

يطرح تدريس الجندر والجنسانية في / من / و"الشرق الأوسط" أو "جنوب آسيا"11 في لندن وفي المملكة المتحدة الكثير من الأسئلة. كيف يمكننا وبطريقة نقدية أن نصوغ المفاهيم ونعلّم دراسات ما بعد الاستعمار وعبر-الوطنية عن الجندر والجنسانية في جامعات ذات التاريخ الاستعماري والمأسسة الاستعلائية البيضاء؟ كيف يمكننا "إنهاء استعمار" الجندر والجنسانية في قلب الإمبريالية الغربية؟ ماذا يعني الانخراط في الكيانات والجغرافيا الاستعمارية مثل "الشرق الأوسط" أو "جنوب آسيا؟" كيف يمكننا التخلص من مركزية المعرفة الأوروبية عن "الشرق الأوسط" و"جنوب آسيا" والتركيز على المعارف التي يتم إنتاجها في جميع أنحاء العالم في / من المواقع الخارجة المحورية الأوروبية ؟ وكيف نعلم هذه المعارف في الصف؟ في كل مرة أقوم فيها بتدريس مادة / حصة عن "الشرق الأوسط" أو "جنوب آسيا" (لا سيما المادة التي تركز على الجندر والجنسانية)، كانت هذه الأسئلة وثيقة الصلة ببيداغوجياتي النسوية،12 وتم تصميم المحاضرات والسيمينارات لإلغاء الافتراضات الاستشراقية/الإمبريالية وإعطاء الأولوية للبحوث القادمة من المنطقة. ولكنني تعثّرت في عدد من هذه المحاولات.

إن تدريس هذه المواد في المملكة المتحدة يعني أن الفصل عادة ما يكون مختلطًا بشتى الطرق. هناك طلاب بيض وطلاب ذوي البشرة الملونة، والأخيرون هم مزيج من طلاب من "الشرق الأوسط"، و"جنوب آسيا"، ومن الشتات. هناك طلاب أصلاً يفكرون نقديا في النمط الاستشراقي في إنتاج المعرفة حول المنطقة ويريدون مناقشة الفروقات الدقيقة بين الجندر والجنسانية والعرق والطبقة و"الكاست" خارج الأطر الاستشراقية – يريدون الحوارات الغاضبة والقبيحة وغير المريحة، الحوارات المليئة بالأمل حول البطريركية والقوة والعنف والتحرش الجنسي ومعاداة السود والأنوثة والذكورة والمقاومة والفضاء العام والدين والحياة اليومية، وأكثر من ذلك، الحوارات التي تناقش هذه الأجزاء/أجزاءنا من العالم بكل تعقيداتها وانعدام رؤيتها من دون حَمْلَقَة الإمبريالية الغربية البيضاء. ثم هناك طلاب (معظمهم على سبيل المثال لا الحصر من النسويات البيض) يصلن إلى الصف بأفكار إمبريالية صلبة حول "اضطهاد النساء" و"رهاب المثلية" و"الإسلام" وأكثر من ذلك في "الشرق الأوسط" و"جنوب آسيا" أو حتى "العالم الإسلامي" والمصطلح العمومي "العالم الثالث". بالرغم من تناولنا الاستشراق واليمين النسوي الإمبريالي منذ البداية، لم يتمكن بعض هؤلاء الطلاب من نزع تلك العدسات الليبرالية البيضاء،13 وذكّرتنا تعليقاتهم بالنظرة الإمبريالية المتواصلة في قاعة التدريس.
13. أقر بأن هذه "الإخفاقات" كانت أيضًا مؤشراً على أوجه القصور في ممارستي التدريسية "في بداية مساري المهني"، وعليّ التفكير في ذلك والتعلم من المعلمين الأكثر خبرة.

غالباً ما تعيد حواراتنا المنتبهة إلى التّفاصيل والتي تهدف إلى تجاوز هذه النظرة والتخلص منها، تأكيد تصورات هؤلاء الطلاب وتخيلاتهم/نّ الاستشراقية والاستعمارية والإمبريالية، فنقضي الكثير من الوقت في محاولات للتراجع عنها من خلال النقاشات والحجج وتبادل الآراء حول الجندر والجنسانية والعرق. على الرغم من أن عملية التخلص من الأفكار/العدسات الاستعمارية والعنصرية المتعلمة تشكل بيداغوجيا نسوية، إلا أن الصف حيث الحوارات المتعدّدة مستمرة وضرورية، غالباً ما تبدأ محادثة واحدة بالسيطرة. تفسح الحوارات الدقيقة من "الشرق الأوسط" و"جنوب آسيا" المجال لمشاريع الاستماع إلى المشاعر البيضاء ومداراتها، وتهذيب الخصائص الإثنية البيضاء، ومجابهة الأفكار الليبرالية البيضاء والأورو-مركزية، وتحّدي الافتراضات البيضاء، وشرح العنصرية لمرتكبيها. أيديولوجيا تفوق البيض ممركزة (معاد مركزتها) في الصف؛ بدأت أنا والطلاب ذوي البشرة الملونة وحلفائهم البيض في إجراء مناقشات "أكثر دقة" خارج هذه المساحة المتعِبة. كمعلمة نسوية، أجد هذه الحوارات حول التخلص النظرة الإمبريالية مضجرة لكن ضرورية، ولكنها تتطلّب مني أيضاً أن أسأل – إذا استمر تمركز أيديولوجيا تفوّق البيض في الحوارات الصفية، حتى باستخدام مواد في إنتاج المعرفة من خارج الأطر الأورو-مركزية، فلمن ولماذا يوجد الصف؟ كيف يكون الصف "منهيا للاستعمار" هنا؟ كيف يمكن أن تتعامل البيداغوجيات النسوية مع هذه الحقائق وديناميات القوة في الصف؟ أين تكمن جذرية الصف؟ ما زلت أجد صعوبة في إيجاد الإجابات.

***

في الممارسة البيداغوجية النسوية، خاصة المتخذة من الطلاب ذوي البشرة الملونة مركزا في الجامعة البيضاء التي تهمّشهم/نّ، ليس من البديهي إلا أن يتمدّد الصف إلى خارج جدران الغرف المجدولة زمنيا والتي نرى فيها الطلاب كل أسبوع لحضور المحاضرات والندوات. مكتبي يصبح الصف؛ المقهى يصبح الصف؛ الممر يصبح الصف؛ تلك المساحة الصغيرة الموجودة خارج باب الصف تصبح الصف؛ موقف الباص يصبح الصف؛ هاتفي وبريدي الإلكتروني وحسابي على سكايب تصبح صفوفا؛ استراحة التدخين في مكاني السري خلف ذلك المبنى تحت تلك الشجرة يصبح صفي. آخذ مسؤولياتي في الرعاية كأداة تعليمية على محمل الجد. أعرف أنها مُستنزِفة وأعرف أن تفاوضي لرسم الحدود غالباً ما يكون مرتبكا، ولكني أعلم أيضاً أن الطلاب المهمشين لا يحصلون على الاهتمام الذي يحتاجون إليه، وبصفتي امرأة ذات بشرة ملونة وأستاذة "في مستهل مسارها المهني"، غالباً ما يأتون/ين لرؤيتي. ضمن مشروع أكبر للطلاب "السود والآسيويين ومن الأقليات العرقية"،14 قمت وزميلتي ذات البشرة الملونة بتنظيم "ساعات عمل" أسبوعية إضافية فقط للطلاب ذوات البشرة الملونة، مما يزيد من مسؤولياتنا في الرعاية والتعليم تجاه الطلاب المسجلين في صفّينا.

في إحدى السنوات وفي غضون بضعة أسابيع فقط، حدثني الطلاب (خاصة الطلاب ذوي/ات البشرة الملونة) عن شتى أنواع المواقف – مواجهة العنصرية في الحرم الجامعي، أستاذ يستخدم لغة عنصرية في الصف ويرفض الاعتذار عند فضحه، حوادث من المطاردة والتحرش الجنسي، عنف الشريك، الاكتئاب، القلق، نوبات الهلع، التغذية المختلة، الشعور بالعجز وبالوحدة، الغيرة، الغضب، أصحاب عقارات مريعون وشقق مليئة بالعفن، اختلال مالي، الفقر الغذائي، التشرد، تفكّك الأسر، الهجرة والعائلات والأرواح المتروكة المهجورة، الانفصال، الطلاق، الحمل غير المرغوب به والعلاقات المضرة، مشاعر الفشل كطالبات، كأمهات (عازبات)، كأهل ومقدمات رعاية، كأصدقاء، وكبنات وأبناء، الشعور بالعزلة بسبب قوائم القراءة، بسبب المحاضرات، بسبب المحاضرين، بسبب الحرم الجامعي، بسبب زملاء الدراسة، الحاجة إلى المساعدة في التقييمات والقراءات، وأكثر من ذلك بكثير. بكى طلاب في مكتبي، أحياناً لساعات؛ كتب طلاب، بعد مقابلتي، رسائلهم الإلكترونية المليئة بالامتنان والراحة والعار والشعور بالذنب متداخلة مع معلومات جديدة حول اللجوء إلى "الخدمات" التي وجهتهم إليها – أطباء ومستشارون والخدمات الاجتماعية للطلاب وزملاء آخرون وأصدقاء ومواقع إلكترونية وخطوط طوارئ. استمرينا في التحاور والعناية لأسابيع وشهور؛ بعض هذه الممارسات يستمر حتى بعد انتقال عملي إلى مؤسسة جديدة.

تعمل البيداغوجيات النسوية والمعلمات النسويات (ذوات البشرة الملونة) في ظل خرائط من القوة تظل فيها أعباء العمل العاطفي مجندرة وعرقية. أكّدت النقاشات مع زميلات ذوات البشرة الملونة، وخاصة اللواتي في "مستهل مسارهن المهني"، كيف أن التجربة الأكاديمية هي نفسها بالنسبة إلينا جميعا. غالبا ما تحدثنا كيف يقوم زملاؤنا البيض (الذكور) بالكتابة وإجراء البحوث في حين كنا نقوم بتوفير الرعاية للطلاب، وخاصة الطلاب ذوي البشرة الملونة. كنا ندرك تماما ما الذي يُعتَبَر عملا منتجا وذا قيمة في الجامعة النيوليبرالية وما لم يكن يُعتَبَر كذلك. يمكننا أن نرى أيضاً كيف يعكس سياقنا في الجامعة السياق في الخارج وأحياناً في المنزل. كان الزملاء، خاصةً الذكور البيض غير النسويين (لكن أحياناً النسويات البيض أيضاً)، يعلّقون بشكل عادي في الممر، في الاحتفالات المنظمة في القسم، خلال الاجتماعات – لم يبكِ أي طالب في مكتبي؛ لماذا تبذلين الكثير من الجهد؟ خفّفي من أجل مصلحتك؛ هناك خدمات أخرى موجودة للتعامل مع كل هذا، عليكِ أن تركّزي على النشر؛ لن تتم ترقيتك لقيامك بذلك؛ يتطلب الطلاب ذوو البشرة الملونة الكثير منك – يفتخرون بهذه التعليقات "حسنة النية"، مبتسمين لك، ويخبرونك أنه إذا كان الطلاب يبكون إليك ويأتون إليك بكل هذا، فإنك تخطئين بالسماح لهم/نّ بذلك. إخبارك بأن المشكلة لا تكمن في اختلال التوزيع المتساوي لهذا العمل، العمل الرعائي البالغ الأهمية، أو في أن الجامعة هي في الجوهر مؤسسة بيضاء وعنصرية وتميّز ضد الأشخاص ذوي/ات الإعاقة، وبأنهم/نّ متواطئون/ات في التهميش والعنف الموجه ضد الطلاب الذين/اللواتي يعانون/ين من التمييز العنصري. المشكلة هي أن بابك كان مفتوحاً أكثر من اللازم. يخبرونك أن "الحل" لا يكمن في المشاركة في أعمال الرعاية هذه، والاستماع إلى الطلاب ذوي البشرة الملونة، وأخذ العنصرية في المناهج الدراسية والصف والحرم الجامعي على محمل الجد والانخراط في أعمال مناهضة للعنصرية، وإعادة النظر في بيداغوجياتهم، إنما يكمن في العناية بنفسك والتوقف عن بذل الكثير من الاهتمام لأنه لا يمكنك تغيير المشهد الأوسع.15

مع ارتفاع الأقساط، وديون الطلاب، والخصخصة، و"السوقنة"، والتحوّل إلى نمط الشركات، وتعميم النيوليبرالية في الجامعات، وإضفاء التجزيء والطابع غير المنتظم على عمل أعضاء الهيئتين التعليمية والإدارية، واستراتيجيات إدارة "الغياب" و"الأداء"، والاعتماد المتزايد على مقاييس البحث والتدريس، وخفض الخدمات الاجتماعية والصحة العقلية للموظفين والطلاب (داخل وخارج الحرم الجامعي)، واعتبار الطلاب "مستهلكين/ات" وتدهور صحتهم/نّ النّفسية "أزمة"، وازدياد مراقبة الطلاب والأساتذة المصنفين عرقياً (من خلال استراتيجيات مثل "بريفنت" (وقاية))، فمن الصعب فعلا "تغيير المشهد الأوسع". لكن أصبح من المهم أكثر من أي وقت مضى مناقشة النظرية والممارسة في عملية إنتاج المعرفة والبيداغوجيا النسوية والرعاية المجندرة والعنصرية في الجامعة (وما بعدها). كيف نضمن أن تظل صفوفنا في جميع مواقعها مساحات للتربية النسوية، وللتخلّص من المفاهيم المتعلَّمة، وللرعاية من دون إجهاد واستنزاف الطاقات؟ ما هي أشكال الرعاية الجماعية التي يمكننا ممارستها؟ كيف يمكن للرعاية الجماعية التي نقدّمها أن تكون وسيلة لمقاومة كل ما ذُكر أعلاه؟ كيف نعتني بطلابنا فيما نهتم ببعضنا البعض وبأنفسنا؟ كيف يمكن للطلاب الاهتمام ببعضهم البعض؟ تذكرنا سارة أحمد أنه "في العمل الكويري والنسوي والمناهض للعنصرية، تُعنى العناية الذاتية بخلق جماعة، جماعات هشة... مجمّعة من التجارب المحطمة. نعيد تجميع أنفسنا من خلال العمل العادي واليومي والمضني في كثير من الأحيان في العناية بأنفسنا وببعضنا البعض".16 كيف نتذكر دعوتها إلى الاهتمام في جميع الأوقات؟
***

في السنوات القليلة الماضية، عملت جامعات في المملكة المتحدة على استمالة وتسليع مطالب "إنهاء الاستعمار" في التعليم بطرق متنوعة. الحركات السياسية الطلابية التي ركّزت على الظروف المادية والاستعمار وطالبت بتحوّل جذري في الجامعة تم توضيبها بدقة في رزم أدواتية ومقاييس ووسمها كـ"متنوعة" و"غير إقصائية"، شعارات وصور وإيماءة رمزية لـ"تنويع" المناهج. أفكار هذه المقالة مُستمدّة من الوقت الذي قضيته في ثلاث مؤسسات مختلفة وتسلّط الضوء على المواجهات المعقّدة بين الصفوف والبيداغوجيا النسوية، والسياسات وعمليات إنتاج المعرفة النسوية والمرتبطة بإنهاء الاستعمار، والتجارب اليومية للطلاب والموظفين ذوي البشرة الملونة، وبين أسس وطرق عمل الأكاديمية النيوليبرالية البيضاء. تطرح أسئلة محددة ولكن مترابطة حول سياسات الصمت/البَوح، و"استهلاك" سرديات/تجارب الطلاب ذوي البشرة الملونة في الصف وخارجه، وسياسة النظرات الإمبريالية (البيضاء) في هيكلة المناهج، والصفوف، والحرم الجامعي، والسياسات الجندرية والعنصرية للرعاية والعمل فيما بين المدرسين في الجامعة.17 من خلال إثارة هذه المسائل، لا توضح السرديات المُصاغة في هذه المقالة فقط بعض التعقيدات في التدريس حول وباستخدام وعن الجندر والعرق والجنسانية، ولكنها تبحث أيضاً في كيف يمكن أن يكون التفكير في بيداغوجيا وسياسة التعليم والتخلص من المفاهيم المتعلّمة وسيلة لتحقيق أمرين، التشكيك في التطلعات المرتبطة بـ"إنهاء الاستعمار" والمصادرة لها في الجامعات والمساهمة في النضال الطلابي ضد العنصرية من أجل تعليم مُحرَّر.
17. بينما ركزت على عمل أعضاء وعضوات هيئة التدريس في هذه المقالة، من المهم أن أذكر هنا أن الجامعات في المملكة المتحدة تعتمد جميعها على العمل المكثف لموظفي/ات الدعم – عمال وعاملات النظافة والأمن والاستقبال والبوابون وعمّال المطاعم والأحداث والمشتغلون/ات في إدارة المرافق – معظمهم/نّ من الأشخاص ذوي/ات البشرة الملوّنة والمهاجرين/ات. غالبًا ما يتم الاستعانة بمصادر خارجية لهؤلاء الموظفين/ات عن طريق شركات خاصة/ فلا يحق لهم/نّ الحصول على نفس ظروف العمل (الأجور وتغطية المرض والمعاشات التقاعدية والوصول إلى مرافق الحرم الجامعي) مثل غيرهم/نّ من الموظفين/ات في الحرم الجامعي. يجب أن تركز الصراعات التي تتناول العمل الجنساني والعنصري في الجامعة على موظفي/ات الدعم وظروف عملهم/نّ.

بالنسبة إلى بيل هوكس، الانخراط في البيداغوجيا النسوية "الملتزمة" يعني أن الصف "كان مساحة حيث يُشَكَّك في الممارسات التربوية... وحيث يمكن للطلاب مساءلة العملية التربوية".18 كان الصف مساحة معيّنة مكانياً وزمنياً لـ"النضال السياسي" والمشاركة والحماس – ليس فقط للأفكار ولكن أيضا، وربما أكثر أهميةً، بالنسبة إلى بعضنا البعض.19 أفكاري في هذا المقال ليست معزولة؛ إنها تعيد بثّ أعمال باحثين وأفكار ومشاعر والوقائع الحياتية لمختلف الزميلات والأساتذة والصديقات النسويات (ذوات البشرة الملونة).20 في الاستجابة لنداء بيل هوكس وعند خلق "صفوف" ملتزمة، جعلت البحث المستمر حول الممارسات التربوية مركزيا في التدريس عن وباستخدام وحول الجندر والجنسانية والعرق، وشاركت في صنع بيداغوجيات وتناولت المسائل المرتبطة بالتخلّص من المفاهيم المتعلّمة والسلطة القائمة على التمييز الجندري والعنصري، وركّزت على سياسات إنتاج المعرفة كإنتاجٍ للمعرفة، وكانت منحازة إلى إنهاء الاستعمار في فكرها وممارستها، أواجه ونواجه­ أسئلة جديدة ربما هي ليست جديدة بالفعل. علمنا الفكر النسوي (و)المرتبط بإنهاء الاستعمار، مراراً وتكراراً، أن البحث المهووس غالباً بالغاية واليقين والتفسيرات يعكس نمط الإنتاج الاستعماري للمعرفة. السرديات متناقضة؛ طرق إنتاج المعرفة متضاربة؛ لا توجد قصص فريدة و"إجابات" واضحة. وبالتالي، فإن هذه الأفكار الأنانية إلى حد ما ليست دعوة إلى التماس أجوبة للمسائل التي أطرحها. إنها إيماءة، نداء، استغاثة موجهة إلى الزميلات من النساء ذوات­ البشرة الملونة، إلى الزميلات من المعلمات النسويات داخل الأوساط الأكاديمية وخارجها، إلى الطلاب ذوي/ات البشرة الملونة والمهمشين/ات الذين واللواتي قابلتهم/نّ ومن لم أقابلهم/نّ بعد – أحسّ بكنّ/م؛ أراكنّ/م؛ لنستمر في إيجاد طرق لنعتني ببعضنا البعض.

********************
بيل هوكس1
1. hooks, bell. 1988. Talking back: thinking feminist, thinking black. Toronto: Between the Lines. p. 51
2. أتفهم أن مصطلح "إنهاء الاستعمار" قد تم تطويعه وتعميمه ومصادرته على نطاق واسع (وخاصة في المملكة المتحدة)، لذلك، استخدم هذا المصطلح بحذر.
3. أنظر/ي Ahmed, Sara. 2000. Strange encounters: embodied others in post-coloniality. London: Routledge.
4. قرأنا Frantz. 1986. “The Fact of Blackness” in Black Skins, White Masks. London: Paladin.
5. قرأنا Lorde, Audre. 1984. “Eye to Eye: Black Women, Hatred and Anger” in Sister Outsider. New York: Crossing Press.
6. في النص المذكور سابقا Lorde, Audre. 1984. “Eye to Eye: Black Women, Hatred and Anger,” Sister Outsider. New York: Crossing Press. كما في Lorde, Audre. 1982. Zami: a new spelling of my name. Berkeley, CA: Crossing Press.
7. استخدم مصطلح "الأشخاص ذوي البشرة الملونة" للإشارة إلى "الطلاب ذوي البشرة الملونة" أو الطلاب المُسنَد إليهم الهوية العرقية اللابيضاء. أنا أعي المحدوديات والتعميمات العائدة لهذا المصطلح الشامل ولديناميات القوة التي يحجبها.
8. أعي محدودية استخدام "أبيض" كفئة.
9. أنظر/ي hooks, bell. 1992. “Eating the Other: Desire and Resistance” in Black Looks: Race and Representation. Boston, MA: South End Press.
10. Lorde, Audre. “Learning from the 60s” in Sister Outsider. New York: Crossing Press. p. 137.
11. أريد أن أشدّد على الطابع الاستعماري لهذه المصطلحات والتصنيفات الإقليمية.
12. تجدر الإشارة إلى أنني قمت بتدريس بعض هذه المواد خلال عملي الجزئي كمساعدة تدريس في مرحلة الدراسات العليا وكانت هذه المسائل أيضًا شديدة الصواب بالنسبة إلى المحاضرين والقائمين على هذه المواد والدورات.
14. يشير BAME إلى السود والآسيويين والأقليات العرقية وهو المصطلح المستخدم في السياق المؤسسي للمملكة المتحدة.
16. Ahmed, Sara. 2017. Living a Feminist Life. Durham: Duke University Press. p. 251.
15. تجدر الإشارة إلى أنه بعد عدة محادثات، اعترف/ت بعض "المديرين/ات" بهذا العمل وحاولوا/ن ضبط وموازنة أعباء وظافنا. ومع ذلك، كانت هذه المبادرات فردية ولم تعالج المشاكل الهيكلية أكبر.
18. hooks, bell. 1994. Teaching to transgress: education as the practice of freedom New York: Routledge. p. 6.
19. المصدر السابق.
20. بالامكان الاطلاع على سبيل المثال على: Sara de Jong, Rosalba Icaza, and Olivia U. Rutazibwa. 2019. Decolonization and Feminisms in Global Teaching and Learning. Abingdon, Oxon New York, NY: Routledge and Beatriz Revelles-Benavente and Ana M. Gonzalez Ramos. 2017. Teaching Gender: Feminist Pedagogy and Responsibility in Times of Political Crises. Abingdon, Oxon New York, NY: Routledge



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة