نسوانية لأجل ال 99%

تشينسيا أروتسا

2019 / 9 / 5


بــيــــــــــــــان

بقلم، تشينسيا أروتسا Cinzia Arruzza *تيتي باتاشاريا Tithi Bhattacharya** نانسي فرايزر Nancy Fraser***

في مفرق الطرق

في ربيع العام 2018، صرحت مديرة العمليات في فايسبوك، شريل سانبرغ Sheryl Sandberg، أننا “سنكون أوفر حظا لو كان نصف البلدان والمقاولات بقيادة نسائية، و كان نصف البيوت يسيرها رجال”، مضيفة أنه “يجب ألا نرضى ما دمنا لم نبلغ هذا الهدف”. كانت شريل سانبرغ، هذا الوجه البارز لنسوانية المقاولة، قد كسبت شهرة (ومالا كثيرا) بحفز النساء الكادرات لفرض أنفسهن [1] في مجالس الإدارة. وبما هي رئيسة سابقة لمكتب لاري سامرز Larry Summers ، الأمين السابق للخزينة الأمريكية- ذاك الذي فكك قوانين وول ستريت- لم يكبحها أي وازع أخلاقي عن الجزم بأن صلابة النساء في عالم الأعمال كانت أسهل الطرق نحو مساواة الجندر (النوع الاجتماعي).

في ذلك الربيع ذاته، شل إضراب مناضلات نسوانيات اسبانيا طيلة أربع وعشرين ساعة. ونادت منظِمات الإضراب النسواني، وقد انضم إليهن أكثر من 5 ملايين متظاهر/ة، بـ”مجتمع متخلص من ضروب الاضطهاد، والاستغلال، والعنف الجنسوي”، وصرخن قائلات:” ندعو إلى التمرد وإلى النضال ضد تحالف النظام البطريركي والرأسمالية الذي يريد جعلنا مطيعات وخاضعات وصامتات.” وفيما كانت الشمس تغرب عن مدريد وبرشلونة، أعلنت تلك المضربات النسوانيات للعالم:” يوم 8 مارس نتوقف عن العمل، ونكف عن كل نشاط إنتاج وكذا إعادة إنتاج.[…] لن نقبل تدهور شروط عملنا ولا أجور أقل من أجور الرجال مقابل نفس العمل.”

يمثل هاذان النهجان طريقين متعارضين بالنسبة للحركة النسوانية. من جانب، تعتبر سانبرغ وشبيهاتها النسوانية ملحقا بالرأسمالية. ويَتطلعن إلى عالم حيث يكون تدبير الاستغلال في العمل والاضطهاد في مجمل المجتمع متقاسمين بالتساوي بين رجال الطبقة السائدة ونسائها. أي بعبارة أخرى، إنهن يطالبن بتساوي حظوظ ممارسة السيطرة: يجب على الناس، باسم النسوانية، أن يعترفوا بجميل أن تكون امرأة، وليس رجلا، من يفكك نقابتهم، ويأمر طائرة بدون طيار بقتل أقاربهم أو حبس طفلهم في قفص على الحدود. وعلى أقصى نقيض من النسوانية الليبرالية لسانبرغ، تلح مناضلات الإضراب النسواني على ضرورة القضاء نهائيا على الرأسمالية – هذا النظام الذي خلق أرباب العمل ورباته، وأدى إلى نصب الحدود الوطنية وصنع الطائرات بدون طيار التي تراقبها.

إننا نوجد، إزاء هاذين التصورين للنسوانية، في مَفْـرق طرق، وستكون لخيارنا عواقب جسيمة. يقود الطريق الأول إلى كوكب محترق ستكون الحياة فيه مُفقرة لدرجة استعصاء التعرف عليها، أو تنطفئ. ويقود الطريق الثاني إلى عالم كان دوما في صلب أشد أحلام البشرية تحمسا: عالم عادل، حيث تكون الثروات والموارد الطبيعية مشتركة بين الجميع، رجالا ونساء، وحيث لن تظل المساواة والحرية مجرد آمال، بل وقائع ملموسة.

لا يمكن للتناقض أن يكون أكثر جلاء، ولا يمكن لانعدام نهج أوسط إلا أن يزيدنا اقتناعا. إن غياب البدائل هذا ناتج عن النيوليبرالية- شكل الرأسمالية المُـمَيّل financiarisé هذا بالغ الضراوة الذي يعيث فسادا عبر العالم منذ أربعين سنة. إن الرأسمالية النيوليبرالية، بتسميمها للجو، وبسخريتها من كل تطلع ديمقراطي، وبإنهاكها للأفراد وبتسببها في تدهور شروط حياة السواد الأعظم من الناس، تضفي طابعا قاسيا على النضالات الاجتماعية: بعد الجهود المتعقلة لإحراز إصلاحات متواضعة تأتي المعارك الضارية من أجل البقاء. يجب والحالة هذه إدراك أن زمن التردد قد ولى، وأنه يجب على أنصار النسوانية اتخاذ موقف: هل نواصل الركض خلف “تساوي حظوظ ممارسة السيطرة” فيما الكوكب يحترق؟ أم أننا سنتصور عدالة جندرية مرتبطة بمناهضة الرأسمالية- تلك التي ستفضي إلى مجتمع جديد يتجاوز الأزمة الراهنة.

هذا البيان مرافعة من أجل انخراطنا في الطريق الثاني، وهذا ما نعتبره أمرا لا غنى عنه وواقعيا. إن نسوانية مناهضة للرأسمالية ممكنة اليوم، لاسيما أن مصداقية النخب السياسية تنهار في العالم برمته. وليس ضحايا ذلك أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التي نفذت النيوليبرالية- وهي أحزاب لم يبق منها غير آثار محتقرة-، بل حتى حلفاؤها في نسوانية المقاولة على طريقة سانبرغ، التي فقد طلاؤها “التقدمي” كل بريق. في العام 2016، بعد أن شهدت لحظة مجدها في أثناء الانتخابات الأمريكية، انهارت النسوانية الليبرالية مع فشل ترشح هيلاري كلتنون بعد انتظار مديد. لا غرابة في الأمر، إذ لم تفلح كلينتون في إثارة حماس الناخبات لأنها تجسد الانفصال العميق بين ارتقاء نساء النخبة إلى وظائف سامية وتحسين حياة سواد النساء الأعظم.

تمثل هزيمة كلينتون علامة خطر. فقد خلق إفلاس النسوانية الليبرالية هذا انفتاحا يتيح تحديها على يسارها. إن الفراغ الناتج عن أفول الليبرالية يمدنا بفرصة بناء نسوانية أخرى: نسوانية تحدد بنحو مغاير اشكالياتها، مع توجه طبقي مغاير، وخُلُقا مختلفة- نسوانية جذرية وفاعلة تغيير. وهذا البيان هو إسهامنا للدفع بهذه النسوانية “المغايرة”. ليس قصدنا اختراع يوتوبيا، بل رسم نهج بلوغ مجتمع عادل. نسعى إلى إبراز لماذا يتعين على النسوانيات الانخراط في الإضرابات النسوانية، ولما يجب علينا الاتحاد مع حركات أخرى مناهضة للنظام وللرأسمالية، ولماذا يجب على حركتنا أن تصبح نسوانية لأجل الـ 99% . على هذا النحو فقط، أي بالاتحاد مع مناهضي العنصرية، ومع الايكولوجيين، ومع المناضلين/ات من أجل حقوق العمال والعاملات والمهاجرين/ات- سيمكن للنسوانية أن ترفع تحديات زمننا. بالرفض الصارم لنسوانية الـ1% والعقيدة التي تحث النساء على “فرض أنفسهن” في الدوائر العليا، يمكن لنسوانيتنا أن تصبح بصيص أمل للجميع، ذكورا وإناثا.

ما يمدنا اليوم بجرأة الانخراط في هذا المشروع هو موجة الحركية النضالية النسوانية الجديدة. ما يحدو بنا ليس نسوانية المقاولة التي اتضح أثرها بالغ الكارثية على العاملات وفقدت كل مصداقية، ولا “نسوانية القروض الصغرى” التي تدعي “تمكين” النساء في بلدان الجنوب بمدهن بمبالغ مالية ضئيلة. إن إضرابات النساء والنسوانيات على صعيد عالمي في 2017 و 2018 هي مصدر أملنا. هذه الإضرابات، وما أثارت من حركات متزايدة التنظيم، هي التي ألهمت نسوانية لأجل الـ99% وهي التي تجسدها اليوم.

ترجمة المناضل-ة

…………..

lean in 1- ، في الصيغة الأصلية، وتعني حرفيا الانحناء أماما، وهو عنوان كتاب لسانبرغ صدر عام 2013. (كل الهوامش وضعتها المترجمة إلى الفرنسية)

تشينسيا أروتسا Cinzia Arruzza : أستاذة فلسفة في New School for social Research في نيويورك. لها مؤلفات عديدة تستكشف العلاقات بين الاشتراكية والنسوانية.
** تيتي باتاشاريا Tithi Bhattacharya: أستاذة ومديرة برنامج Global Studies في جامعة بوردو Purdue [انديانا]. تقيم مؤلفاتها تقاطعا بين النظرية الماركسية ومسائل الجندر.
*** نانسي فرايزر Nancy Fraser: أستاذة الفلسفة والسياسة في New School for social Research بنيويورك. لها مؤلفات عديدة، وهي إحدى الممثلات الرئيسة للنظرية النقدية في العالم الناطق بالانجليزية .



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة