لا صوت يعلو فوق صوت المرأة

محمد أبو قمر
aboukamer12@gmail.com

2019 / 12 / 2

في موسوعة سليم حسن وقعت عيني علي وثيقة عقد زواج فرعوني يتعهد فيه الزوج بتوفير كل متطلبات الزوجة بدءا من الطحين وانتهاء بالجعة ، فضلا عن تعهده باحترامها وعدم الإقدام علي أي تصرف يثير غضبها ، ومن ضمن الوثائق المتعلقة بالعلاقة الزوجية أورد سليم حسن ما يؤكد أن حقوق الزوج والزوجة في العهد الفرعوني كانت متكافئة ، فلم يكن للزوج وحده حق التطليق أو الحق المطلق في طاعة الزوجة له أو إجبارها علي المعيشة والانصياع المذل لمشيئته ، بل فوجئت بأن العرف السائد والقوانين التي كانت تحكم العلاقة بين الزوجين كانت تعطي للمرأة إذا غضبت من الرجل وكرهت استمرار الحياة معه حق إنهاء العلاقة بمجرد أن تغلق الباب في وجهه ، حينئذ كانت العلاقة تنتهي تلقائيا ، ولم يكن للزوج حق الاعتراض علي هذا التصرف وإلا تعرض للعقاب من الحاكم.
في الوقت الذي قرأت فيه هذه المعلومات لم أكن أدرك ما تعنيه وثيقة عقد الزواج الفرعونية هذه ولم أنشغل كثيرا بمسألة الحقوق المتساوية بين الزوجين بهذه الطريقة الإنسانية المذهله ، واعتقدت حينها أن المسألة تعود فقط إلي النسق الأخلاقي الذي ابتدعه المصريون لإحداث التوازن الاجتماعي وهم في سبيل بناء حضارتهم العلمية والفنية والعمرانية والهندسية الفريدة ، لكن اعتقادي ذلك كان قاصرا ، فعنصر الأخلاق لا يمكن أن يتحكم وحده في صياغة الحقوق الإنسانية والاجتماعية بهذه الطريقة بالغة التحضر والإنسانية والعقلانية ، هناك العنصر الديني ، والسياسي ، غير أن أهم العناصر التي أتفهم الآن أنها لعبت الدور الحاسم في ترسيخ المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في ذلك الزمن البعيد هو قيمة المرأة ودورها في صنع الحضارة التي نري الآن شواهدها العجيبة فيما خلفه الإنسان المصري رجلا كان أو امرأة من آثار مازالت أسرارها لم تفصح عن نفسها بالكامل حتي الآن ، فهل كان الرجل المصري وحده قادرا علي إنجاز كل هذا العلم وكل هذا الفن وكل هذا العمران الضخم دون مساعدة ومساندة ورعاية المرأة ودون مشاركتها في إنجاز الأعمال التي كانت تتطلب بالضرورة وجود المرأة؟؟!
إن ما أفهمه الآن علي وجه اليقين هو أن الدين والسياسة والأخلاق والقوانين قد تم صياغتها في زمن الفراعنة بناء علي قناعة المجتمع الفرعوني بأنه لن يستطيع بناء حضارته إلا بالمساواة المطلقة بين جميع أعضائه ، المرأة مثل الرجل لها ذات الحقوق وعليها ذات الواجبات.
المساواة بين الرجل والمرأة في الحياة المصرية القديمة لم تكن منحة دينية أو سياسية أو اجتماعية أو دعائية من الرجل بغرض كسب ود المرأة ، ولم يكن لفظ تكريم المرأة مطروحا في الصياغات الدعائية لتبرير موقف ديني أو سياسي أو لتجميل قوانين مشوهة تحط من قدر المرأة ، كانت المرأة مكرّمة بذاتها ولذاتها ولمكانتها ولدورها الذي مكنتها حريتها وحقوقها المتكافئة مع الرجل من القيام به في إنجاز تلك الحضارة العظيمة.
كان ثلث ما يملكه الرجل بموجب القوانين في مصرنا القديمة يؤول إلي الزوجة بمجرد إتمام الزواج ، وكان لها حق التصرف فيما امتلكته بعد الزواج دون اعتراض من الزوج ، وفي حالة وفاة زوجها كانت ترث ثلثي ثروته وممتلكاته ، وكان للزوج بموجب القوانين الحق في أن ينص في وصية مكتوبة علي منح زوجته جزءا كبيرا من ثروته أو ثروته وممتلكاته كلها.
إنني لا أعرف هل أموت من الضحك أو من اليأس حين أفرق بين ما قاله الداعية محمد حسان عن أن المرأة أسيرة عند الرجل وبين ما كتبه الحكيم ( سنب- حتب ) في بردية يوصي فيها ابنه قائلا " إذا كنت تحب الله فأحب زوجتك.....قربها من قلبك فقد جعلها الله تؤما لروحك...." إلي أن قال له في ذات الوصية " اعطها ماتطلبه من كساء ، واحضر لها كل وسائل زينتها ، واهدها بكل ما تحبه من زهور وكل ما تعشقه من عطور فإن ذلك يعطر حياتك ويملأها بالضوء " .
إن ما يردده بعض رجال الدين في الفضائيات هذه الأيام عن المرأة وما يثيرونه عن الحجاب وضرب المرأة وزي المرأة وتكريم المرأة وفتنة المرأة وعورة المرأة وعقل المرأة وطاعة المرأة يبدو لي بالمقارنة مع ماكانت عليه المرأة المصرية في الحياة المصرية القديمة يبدو لي وكأن الدنيا قد أعطتنا ظهرها وصارت تفسي في وجوهنا حتي أننا من كثرة الفساء ومن شدة عفونته لم نعد نشعر بأي فرق بين رائحة الزهور والروائح المنبعثة من المجارير.
لقد تجاوزت المرأة في العهود الفرعونية مسألة المساواة إذ وصلت مكانتها في الضمير المصري إلي حد التقديس ، فلقد كانت آلهة الحكمة في صورة امرأة ، وكانت إيزيس رمزا للوفاء والإخلاص ، وكانت ماعت إلهة للعدل ، وحتحور إلهة للحب ، وسخمت إلهة للقوة.
لم يكن وضع المرأة المصرية قديما مرهونا بفتوي من كاهن أو برأي من داعية بل لم تكن سيرة المرأة تجري علي لسان كل من هب ودب ، ولم يكن نصفها التحتي يشغل بال المصري القديم إذ كان ما يشغله هو مشاركتها الفاعلة في بناء دولة عظيمة وحضارة أكثر عظمة ، وأظن أن الفنان المصري القديم قد أظهر بطريقة مذهله في تماثيله للمرأة المصرية أن جسد المرأة في جماله ورشاقته وتفجره وعنفوانه هو انعكاس لروحها المقدسة ، في حين صار شعر رأسها الآن جزءا من روح الشيطان الذي لا أعرف كيف يثير غرائز الرجل ويجعله يعوي مثل حيوان جائع.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة