واقع وتطور مكانة المرأة في برنامج الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

فهد سليمان
dflp@aloola.sy

2020 / 2 / 2

(1)
محورية «المساواة» في «مسألة المرأة»
■ المحور الأساس لـ «مسألة المرأة» هو «المساواة»، ذلك الحق الطبيعي، الذي منه تُشتق سائر الحقوق. وأي كلام آخر عن الحقوق، وإلغاء التمييز، والعدالة، والإنصاف..، لا يُعاد إلى مرجعيته الأصل المتمثلة بالمساواة، لا يفي الموضوع حقه؛ فالمفهوم/ المصطلح المُحصَّن، الذي يُغلق الباب أمام شتّى الممارسات والتفسيرات التي تنال، أو تنتقص من حقوق المرأة، هو المساواة، أي المساواة في كل المجالات، قانونياً، وسياسياً، واجتماعياً، وثقافياً...
■ المساواة قيمة قائمة بذاتها، حتى ولو رُبطت بغيرها، أو أتت في سياق يجمعها بقيمة أخرى؛ فحتى الكلام عن «الحرية والمساواة»، باعتبارهما يشكلان معاً، وإن بمضامين متمايزة، القاعدة القِيَمية المعيارية لأهم تيارين فكريين متصارعين في المجتمعات البشرية منذ القرن التاسع عشر؛ فحتى الربط الوثيق، المحكم ما بين «الحرية والمساواة» عنواناً لتيار فكري جارف، لا يجعلهما يتحركان على نفس السوية؛ فالنفس البشرية، وإن تاقت بقوة للحرية، لا تقدمها على المساواة، بحكم تأصل الأخيرة عميقاً في النفس البشرية. وكما يقول ألكسيس دو توكڤيل (Alexis de Tocqueville)، فإن الشعوب قد ترضى بالموت، ولا تقبل بفقدان / خسارة/ التخلي عن المساواة. وما ينطبق على عموم البشر بشكل عام، يسري مفعوله، وينطبق أيضاً على قطاع المرأة، الذي يشكل نصف المجتمع.
■ لا ديمقراطية بلا مواطنة، ولا مواطنة بلا مساواة، ولا مساواة في المجتمعات، إذا ما اقتصرت على الرجال واستثنت النساء. وهذا – بدوره – يُبرز ضرورة المواءمة بين الصيغة الوطنية للدستور، وبين المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومن ضمنها حقوق المرأة، والإلتزامات والمواثيق الدولية المشتقة منها، ومن بين أهمها «إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»(سيداو).
[■ إتفاقية سيداو – في جوهرها- هي إعلان عالمي لحقوق المرأة. وإذ تقر الإتفاقية أن مجرد التسليم بإنسانية المرأة، لم يعد كافياً لضمان حقوقها حسب المعايير الدولية الحالية وآليات حقوق الإنسان، فإن بنودها تجمع، في اتفاقية واحدة شاملة، جميع التعهدات التي أقرتها مواثيق الأمم المتحدة في مضمار مناهضة التمييز القائم على أساس النوع الإجتماعي، معلنة بذلك ميلاد أداة حقيقية من أجل المساواة بين المرأة والرجل، فيما يتعلق بالتمتع بالحقوق المدنية والسياسية والإقتصادية والثقافية، والإجراءات واجبة الإتباع على مستوى الدول من أجل تحقيق هذه المساواة.
في هذا الإطار، لا يقتصر تعهد الدول على السعي لتحقيق المساواة في الحياة العامة، أي في مجالات الوضع القانوني والمشاركة السياسية، وإنما يتجاوزها إلى الحياة الخاصة، وبالذات ضمن العائلة. ومن أجل تطبيق الإتفاقية، فإن الدول مخوَّلة باتباع سياسات التمييز الإيجابي، حتى يتم تحقيق المساواة بين المرأة والرجل ]■
(2)
مكانة المرأة في البرنامج السياسي
للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
1-■ من الناحية النظرية، نفترض أن خير ما يُعبِّر عن مكانة المرأة في فكر وبرنامج الجبهة الديمقراطية، هو نص وأسلوب تناولها في البرنامج السياسي. وسنكتشف في سياق تتبعنا لتطور النص المتعلق بموضوع المرأة، أن البرنامج السياسي لم يضطلع بدوره التوجيهي المفترض في هذا المضمار، إلا في وقت متأخر، أي بدءاً من المؤتمر الوطني العام الثالث (1994)، الذي فتح الطريق أمام مقاربة أوفت قضية المرأة حقها، ووجدت امتدادها في تعديلات المؤتمر الوطني العام السادس (2013) على فقرة «المرأة»، في البرنامج السياسي.
■ في هذا الإطار، نلاحظ أن تناول البرنامج السياسي لموضوع المرأة تخلّفَ عن أداء المؤسسات المعنية بقضية المرأة في الميدان، كما تخلَّف عن النصوص الموجهة للعمل في برامج عمل منظمات الجبهة الديمقراطية في الأقاليم، وفي قطاع المرأة بالذات، ما جعل منهما – أي الأداء، كما النص – يتقدمان بفراسخ على أسلوب تناول قضايا المرأة في البرنامج السياسي، لفترة طويلة من الزمن. ومن بين الإستخلاصات التي سنخرج بها، إنطلاقاً من التقاطنا لهذه المفارقة الصارخة، هو الوعي المتأخر لوجود قضية أساسية، مستقلة، وذات بعد استراتيجي، قضية قائمة بذاتها في مرحلة التحرر الوطني التي تجتازها الحركة الوطنية الفلسطينية، ألا وهي «مسألة المرأة».
2- شهد البرنامج السياسي، على امتداد تاريخ الجبهة الديمقراطية، صيغتين:
■ الصيغة الأولى، أنجزتها اللجنة المركزية الثانية عام 1975، بناء على تفويض من الكونفرنس الوطني العام الأول (1971)، أي بعد ست سنوات على تأسيس الجبهة الديمقراطية. وقد خضعت هذه الصيغة للمراجعة والتدقيق، مرتين: الأولى، على يد المؤتمر الوطني العام الثاني (1981)؛ والثانية، أجراها الكونفرنس الوطني العام الثاني (1991).
■ الصيغة الثانية، أتت على يد المؤتمر الوطني العام الثالث في العام 1994، أي بعد 19 عاماً على الصيغة الأولى، وربع قرن على تأسيس الجبهة الديمقراطية. وخضعت هذه الصيغة للتعديل في ثلاث محطات: محطة اللجنة المركزية السابعة (2006)، وبالمصادقة اللاحقة للمؤتمر الوطني العام الخامس (2007)، ومحطتي المؤتمرين السادس (2013)، والسابع (2018).
3- الصيغة الأولى للبرنامج السياسي لم تتناول موضوع المرأة، إلا في إطار حق المرأة – أسوة بسائر الفئات الإجتماعية – في إقامة منظمتها الجماهيرية: «ضمان حق النساء والطلبة والمعلمين والشبيبة، وسائر فئات الشعب في إقامة منظماتهم الجماهيرية والمهنية المستقلة» (الفصل الثالث، الفقرة 5 من 1- الضفة الغربية وقطاع غزة».
أما المؤتمر الوطني العام الثاني (1981)، فقد اقتصر التعديل الذي أجراه، على مايلي: «... النضال من أجل حقوق المرأة وتطوير دورها في النضال الوطني..». أما الكونفرنس الوطني العام الثاني (1991)، فلم يتطرق إلى هذا الموضوع البتة.
4- الصيغة الثانية للبرنامج السياسي (1994)، تناولت موضوع المرأة (في الفصل الثاني، الفقرة 7)، ضمن المهمات النضالية المطروحة على جدول أعمال منظماتنا في الضفة والقطاع، كما يلي: «الدفاع عن حرية المرأة وحقوقها في المساواة، ومن أجل تعزيز مكانتها الإجتماعية، ودورها في النضال الوطني، وتشجيع إنخراطها في كافة مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، والنضال من أجل حق النساء العاملات في المساواة والرعاية الإجتماعية».
5- يلاحظ في هذه الصيغة، مايلي:
■ المساواة ليست مبدأً أساسياً، مستقلاً، قائماً بذاته، أو حقاً طبيعياً تُشتق منه سائر الحقوق، بل حقوق تُشتق من حرية المرأة، دون تعريفٍ كافٍ لما هو المقصود بهذه الحرية، أي ما هو مضمونها القانوني، السياسي، والعملي.
■ الهدف من هذه الحقوق، أي ما ترمي إليه، هو «تعزيز مكانة المرأة الإجتماعية ودورها في النضال الوطني..»، الأمر الذي يحوِّل الحقوق إلى واجبات.
■ كذلك، فإن الهدف من «حقوق المرأة في المساواة»، هو «.. تشجيع إنخراطها في كافة مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية»؛ إذن، هو هدف تحفيزي، يلقي على عاتق المرأة أعباء، لا يقابلها نص كافٍ، يقطع بمضمون هذه الحقوق.
■ أما «النضال من أجل حق النساء العاملات في المساواة والرعاية الإجتماعية»، فهو لا يتسم بدرجة كافية من التحديد، فما هو المقصود بالمساواة، هل المساواة بالأجر على قاعدة الأجر المتساوي للعمل المتساوي؟ وما هي مشتملات الرعاية الإجتماعية؟ هل تنطوي أيضاً على حق رعاية الأمهات؟..
6- تعديلات اللجنة المركزية (2006) بمصادقة المؤتمر الخامس (2007)، لم تشمل ما يتصل بموضوع المرأة؛ وبالمقابل، فقد أتت تعديلات المؤتمر الوطني العام السادس (2013)، لتحدث تغييراً هاماً في الإطار العام لقضية المرأة، وكذلك في القضية ذاتها، أي في صلب منطوياتها:
■ ففي الإطار العام، إستجدت الصياغة التالية لمقدمة الفصل الثاني من البرنامج السياسي: «إن المرحلة الراهنة، التي يمر بها النضال الوطني الفلسطيني، هي مرحلة تحرر وطني ذات مهام متداخلة وطنية من جهة، وديمقراطية سياسية إجتماعية، من جهة أخرى،... وبناء نظام سياسي ديمقراطي يحترم التعددية السياسية والحزبية والحريات العامة والمساواة وحقوق المواطنة، وصولاً إلى دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة والمساواة بين المواطنين، وبين المرأة والرجل».
■ وفي صلب الموضوع، أي موضوع المرأة، أتت الفقرة 4 (من عنوان ثانياً – على صعيد النضال الديمقراطي السياسي والإجتماعي، في الفصل الثاني)، لتنص على مايلي: «تمكين المرأة من نيل حقها في الحرية والمساواة في مختلف مجالات الحياة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وتعزيز دورها في الشأن السياسي، وفي مؤسسات صنع القرار عبر تطوير القوانين والنظم الإنتخابية على قاعدة التمييز الإيجابي، وتنقية التشريعات والقوانين الفلسطينية من كافة أشكال الإجحاف والتمييز ضد المرأة، وسن قوانين عصرية للأسرة والأحوال الشخصية، تحفظ حق المرأة وتضمن لها المساواة مع الرجل».
■ كما أتت الفقرة 3-ج (تحت نفس العنوان: ثانياً)، التي تتناول مصالح العمال وصغار الموظفين، لتخص المرأة العاملة بالنص التالي: «ج- حق المرأة العاملة في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، ورعاية الأمهات العاملات وحمايتهن من الفصل التعسفي».
7-■ في تعديلات المؤتمر السادس (2013)، نلاحظ الإشارة الواضحة إلى أن مرحلة التحرر الوطني التي يخوضها النضال الوطني الفلسطيني، يترتب عليها مهام متداخلة، وطنية من جهة، وديمقراطية سياسية واجتماعية، من جهة أخرى. وهو أمر يجري للمرة الأولى في نص البرنامج السياسي، وبهذا الفرز الواضح ما بين نمطين من المهام – وإن تداخلا – تحت عنوانين مستقلين في البرنامج؛ كما نلاحظ الإشارة الواضحة إلى هدف «الدولة المدنية الديمقراطية»، التي تقوم على مبدأ المواطنة، «والمساواة بين المواطنين، وبين المرأة والرجل».
8- في سياق جلاء الإعتبارات التي أملت التعديلات النوعية للمؤتمر السادس (2013) على مكانة المرأة في البرنامج السياسي، نشير إلى تضافر عاملين:
■ الأول، موضوعي، نجم عن التغيير البنيوي، الذي طرأ على النظام السياسي الفلسطيني، بعد دخول إتفاقات أوسلو موضع التطبيق (بدءاً من 1/7/1994)، بالشروع في إقامة السلطة الفلسطينية بمؤسساتها، التي على الرغم من اقتصار ولايتها على الحكم الإداري الذاتي على السكان، حظيت بصلاحيات واسعة في إدارة الشأن المجتمعي الداخلي، ما وضع – بدوره – عموم الحركة الوطنية الفلسطينية أمام مهام ديمقراطية مستجدة، لم تكن مطروحة، فيما مضى، على هذا المستوى من الشمول والإتساع، والأهمية والتأثير المباشر على مسار النضال الوطني التحرري.
■ والثاني، ذاتي، نشأ عن تعاظم الوعي في صفوف مناضلات ومناضلي الجبهة الديمقراطية بضرورة وأهمية إيلاء المحور الديمقراطي في برنامج العمل، بشقيه السياسي والإجتماعي، مزيداً من الإهتمام، بالتوازي والتكامل مع المهام الوطنية المباشرة المتمثلة بمقاومة الإحتلال والاستيطان. ومما لا شك فيه، أن قيام السلطة الفلسطينية، بما ترتب على ذلك من تحديات، لعب دوراً مهماً في تسريع بلورة هذا الإدراك. إلا أن هذا الوعي، كان في طريقه إلى التشكل، بفعل، وبنتيجة المراكمة النضالية الناجمة عن الإنخراط في صفوف، ونضالات الحركة الجماهيرية، بمختلف فئاتها الإجتماعية.
9- إلى جانب ماذكر، نشير إلى مايلي في نص البرنامج السياسي:
■ التحديد الواضح لحقوق المرأة العاملة في ثلاثة أمور رئيسية: الأجر المتساوي للعمل المتساوي + رعاية الأمهات العاملات + حمايتهن من الفصل التعسفي.
■ وضع مبدأي الحرية والمساواة على نفس السوية كحق للمرأة في مختلف المجالات: السياسية، بتطوير القوانين والنظم الإنتخابية؛ والقانونية، بتنقية التشريعات من كافة أشكال الإجحاف والتمييز ضد المرأة؛ والأسرية والأحوال الشخصية، التي تحفظ حق المرأة، وتضمن لها المساواة مع الرجل.
■ واخيراً، تجدر الإشارة إلى الإضافة التي أدخلها المؤتمر السادس على الفقرة 1 من مقدمة النظام الداخلي (الحزب: التعريف والأهداف)، بحيث باتت المرأة كقطاع إجتماعي مستقل، مستهدفة بالعضوية الحزبية، كون مسألة المرأة قضية مكتملة الأركان، وقضية قائمة بذاتها في برنامج العمل الوطني، كما في برنامج البناء الحزبي المحض.
10- ضمن هذا المسار المتصاعد أهمية، موقعاً ومكانة في البرنامج السياسي، أتت تعديلات المؤتمر الوطني العام السابع (2018)، لكي تسجل المزيد من التقدم في هذا المضمار، حيث استعادت مقدمة الفصل الثاني، كما والفقرة الخاصة بحقوق المرأة العاملة، نفس النص الذي ورد في صيغة المؤتمر السادس (2013)، وأعادت صياغة الفقرة 4، على النحو التالي:
«4- الدفاع عن مكتسبات وحقوق المرأة ضد التمييز والتهميش والعنف، من أجل الحرية والمساواة التامة مع الرجل في مختلف المجالات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية، والنضال من أجل:
أ) مشاركة المرأة في المجال السياسي، وفي مؤسسات صنع القرار، عبر تطوير القوانين والنظم الإنتخابية على قاعدة التمييز الإيجابي؛
ب) تنقية التشريعات والقوانين الفلسطينية من كافة أشكال الإجحاف واللامساواة ضد المرأة، وسن قوانين عصرية للأسرة والأحوال الشخصية تحفظ حق المرأة، وتضمن لها المساواة مع الرجل؛
ج) مواءمة التشريعات الفلسطينية مع الإلتزامات التي تنص عليها إتفاقية سيداو في ضوء الإنضمام الرسمي لدولة فلسطين إلى هذه الإتفاقية».
11- يلاحظ في تعديلات المؤتمر السابع (2018)، مايلي:
■ الإستعاضة عن «تمكين المرأة من نيل حقها في الحرية والمساواة..»، التي خلت من الإشارة إلى المساواة مع من؟ بصيغة قاطعة بتحديدها تقوم على «الحرية والمساواة التامة مع الرجل» في مختلف المجالات.
■ الإستعاضة عن تعزيز دور المرأة في الشأن السياسي، بالنص الواضح على «مشاركة المرأة في المجال السياسي».
■ إضافة فقرة كاملة عن مواءمة التشريعات الفلسطينية مع الإلتزامات التي تنص عليها إتفاقية سيداو.
(3)
تقييم وخلاصات
1– بداية، لا بد من الإستدراك التالي: هذا المسار الطويل، الذي فُرض على قطاع المرأة من خارجه، كان لا بد لملف المساواة أن يقطعه، قبل أن يستوي على الصيغة التي تعود إليه، باحتلال الموقع الذي يستحقه في البرنامج السياسي لحزب يساري ديمقراطي كالجبهة الديمقراطية، هذا المسار لا يعكس تماماً واقع حال الممارسة الفعلية؛ فمنذ أن أطلقت اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية في العام 1977، نداء البناء المنهجي للأطر الديمقراطية لمختلف القطاعات الإجتماعية، شهد قطاع المرأة أيضاً، تأسيساً لهذه الأطر، نشطت على نحو ملحوظ في صفوف الحركة النسائية على الصعيد الوطني، ومؤسساتها العامة (بما فيها الإتحاد العام للمرأة الفلسطينية)، فاحتل موضوع حقوق المرأة – في هذا السياق – موقعه في برنامج العمل.
2- إن عدم تعاطي الحزب ككل، مع «مسألة المرأة»، كقضية قائمة بذاتها، محورها المساواة والحقوق المشتقة، والنضال في سبيلها كملف متكامل تحت شعار مركزي يحمله مفهوم المساواة، قاد إلى تركيز هذا الملف وما ترتب عليه من مهام بيد المنظمات الديمقراطية للمرأة في مختلف الأقاليم، بدلاً من رفعه إلى مستوى المهمة البرنامجية المطروحة على جدول أعمال الحزب ككل، ما حوّل هذا الملف – تالياً – إلى قضية مطلبية، بدلاً من أن تكتسي مضمونها، وتغنيه، كقضية فكرية، وسياسية، وطبقية، وحركية من الطراز الأول.
3- إن تخلف النص البرنامجي عن مواكبة واقع الممارسة الفعلي، لا بل عدم اضطلاعه بدوره المفترض بإضاءة الطريق أمام الفاعلين في الميدان، ترتبت عليه نتائج سلبية على مدى التقدم الذي كان بالإمكان إحرازه، سواء على مستوى تعزيز مكانة المرأة ودورها في إطار الجبهة الديمقراطية، أو على مستوى الفعل والتأثير في صفوف الحركة النسوية بشكل عام.
4- ولعل السبب الرئيسي لكل هذا يعود إلى التمحور حول الفكرة التالية: إن حركة التحرر الوطني الفلسطيني، بقدر ما تتقدم على طريق تحقيق أهدافها، تقود إلى التحرر الإجتماعي، الذي سيشمل أيضاً قطاع المرأة. هذه الفكرة الساذجة التي تقيم علاقة سببية تلقائية بين التحرر الوطني والتحرر الإجتماعي، تأثرت بكل تأكيد بواقع تقدم دور وتعزيز موقع الإتجاهات التقدمية، العلمانية واليسارية، في صفوف الحركة الوطنية في مرحلة التأسيس والنهوض، ولم تدرك في وقت مبكر أن المضمون الفكري السياسي، الطبقي الإجتماعي لحركة التحرر الوطني، يُمكن أن ينزاح نحو مضامين إجتماعية محافظة، لا بل رجعية، لا سيما حيال «مسألة المرأة» باعتبارها الموضوع الأبرز في ملف المساواة في المواطنة، وفي حقوق المواطنة، الخ.. وهذا ما عبَّر عن نفسه في محطات فاصلة في المسار الوطني، سواء في فترة الصعود (لإنتفاضة الأولى في نهاية العام 1987)، أو الإنتكاس (إتفاقات أوسلو، بدءاً من العام 1993).
5- النقلة النوعية التي أجراها المؤتمر الوطني العام الثالث في تشرين الأول (أكتوبر) 1994 على «مسألة المرأة»، قضية وحقوقاً، في البرنامج السياسي بصيغته الثانية، هذه النقلة تزامنت، بفارق ثلاثة شهور، مع قيام سلطة الحكم الإداري الذاتي على السكان بدءاً من تموز (يوليو) 1994. وقد اضطلعت هذه السلطة، وإن منقوصة الصلاحيات وفاقدة السيادة، بمسئوليات واسعة في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني في الضفة والقطاع، أي في المجال الجغرافي المستهدف في المشروع الوطني لإقامة الدولة الفلسطينية عليه. هذا الواقع المستجد، جعل الحالة الفلسطينية تقف للمرة الأولى، وبشكل مباشر، أمام مهام متداخلة، وطنية وديمقراطية (سياسية وإجتماعية) في آن معاً. ومع ذلك لم يستوعب نص البرنامج السياسي هذا المستجد النوعي إلا في المؤتمر الوطني العام السادس (2013)، الذي أدرج في مقدمة الفصل الثاني للبرنامج السياسي موضوعة مرحلة التحرر الوطني، وما يترتب عليها من مهام متداخلة، وطنية وديمقراطية في آن، وضعت خلف الظهر – من بين أمور أخرى - «النظرية التطورية» (المزعومة) لحقوق المرأة، التي كانت تقيم تناسباً تلقائياً بين تقدم التحرر الوطني، والتقدم الإجتماعي.
6- مرة أخرى، نشير إلى أن هذه الفجوة إقتصرت على نص البرنامج السياسي، ولا تمتد إلى وثائق مؤتمرات مختلف الأقاليم (الضفة، غزة، لبنان، سوريا). وفي هذا الإطار نخص بالذكر الوثيقة البرنامجية، التي كان من المفترض أن تطرح على المؤتمر الوطني العام الخامس في نهاية العام 2000، الذي لم يُقيَّض له الإنعقاد لاندلاع الإنتفاضة الثانية في 28/9/2000 [راجع النص الكامل لهذه الوثيقة بعنوان: «العمل الوطني والديمقراطي في الضفة والقطاع»، ص 9-97 من كتاب «عشية الإنتفاضة»، ط1: نيسان (إبريل) 2001، الناشر: شركة التقدم العربي للطباعة والنشر – بيروت].
تتناول هذه الوثيقة البرنامجية موضوع حقوق المرأة تحت عنوان: «المرأة» (ص49-52)، وكذلك تحت عنوان: «الدفاع عن حق المرأة في الحرية والمساواة» (ص92-93)، بصيغة أكثر وضوحاً وتحديداً من صيغة البرنامج السياسي المعتمد لما يقارب عقدين من الزمن (1994-2013)، أي حتى انعقاد المؤتمر الوطني العام السادس، ما يجعلنا نستخلص أن نص البرنامج السياسي في «مسألة المرأة» لا يتخلف وحسب عن مواكبة واقع الممارسة الفعلي، بل أيضاً عن عديد الوثائق الصادرة في عدد من المحطات، بما فيه مؤتمرات الأقاليم، الحزبي منها، والقطاعي الديمقراطي.
7- إن المساواة بين المرأة والرجل هي المدخل الرئيسي للتحرر الإجتماعي للمرأة، الذي يندرج – بدوره – ضمن التحولات العميقة في المجتمع، ما يقتضي – من بين أمور أخرى – تصعيد نضال المرأة من خلال حركتها الجماهيرية الديمقراطية المستقلة، باعتباره العامل الحاسم في انتصار ملف المساواة، وباعتبار نضال الحركة النسائية (والنسوية) هو جزء عضوي من النضال السياسي الشامل للتطور الإقتصادي والإجتماعي والحضاري للمجتمع، وتكريس الديمقراطية فيه■

نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة