حدثوني عن نساء بلادي و المنارة النسوية السودانية سارا الفاضل محمود انموذجا.

عبير سويكت
ablaelmugammar@yahoo.com

2020 / 2 / 9

المرأة السودانية عرف عنها في أفريقيا و العالم العربي والإسلامي أنها كانت رائدة و ما زالت تقدم عطاء منقطع النظير في كل المجالات، و تعمل على رفعة السودان و النهضة به ،و دورنا نحن النساء السودانيات في ثورة ديسمبر التصحيحية كان عصب الارتكاز، حيث ساهمت جميع النساء السودانيات في داخل السودان و خارجه، و لعب المهجر و سودانيي الشتات دورا فعالا في الدفع بهذه الثورة للإمام و استنهاض الشارع السوداني.

فكانت مشاركة النساء السودانيات من الريف و المدن، العاملات و ربات البيت، من مختلف المستويات الإجتماعية و الثقافية و من مختلف الاثنيات و الديانات، شكلت نساء بلدي لوحة فنية عبقرية نفخر بها نحن النساء، و يفخر بها السودان، و يقتدي بها أجيال المستقبل، فنضال المرأة السودانية على مر السنين ادهش العالم و أبهره.

و نحن نعيش ذكرى الثورة المجيدة نذكر نساء بلادي الرائدات و اللاتي كان لهن شان عظيم في السودان، و أفضل عدم ذكر اسماء حتى لا احمل وزر نسيان أحدهن و دورهن العظيم في الماضي و الحاضر.

و لكن تأتي ذكرى ثورة ديسمبر التصحيحية المجيدة مواتية لذكرى رحيل أحداهن ألا و هي السيدة سارا الفاضل رحمة الله عليها، زوجة الإمام الصادق المهدي التي أقيمت الذكرى ال 12 لرحيلها في مساء يوم الخميس الموافق 6 نوفمبر 2020 .

هذه السيدة الرائدة في مجال النهضة النسوية و السياسية و المدنية لم اعرفها للأسف وقتها كنا أطفال صغار ، لكن بعد أن كبرنا و نضجنا أكاديميا و فكريا و سياسيا عرفناها من خلال حديث هؤلاء، منهم والدي فعادة ما أن يذكر العمل السياسي و الصحفي الذي ادمنه والدي و أصبح هذا هو محور حديثة الأساسي و دردشته الوحيدة، يتناول الشأن السياسي صباحاً و ظهراً و عصراً و مساءا، و هو يحكى لنا قصص السودان و تاريخه الذهبي، و عمالقته في السياسة و الفن و الآدب، و ما أن يذكر السودان الا و يذكر والدي ام درمان مسقط رأسه و عشقه، و يصفها لنا و كأنها جنة الله المنزلة في أرضه و مهد عمالقة الفن و السياسة و الثقافة و الأدب.

و عندما يذكر حزب الأمة أختلف او اتفق معه في بعض السياسات يشجعه كتشجعيه الهلال حتى عند الخسارة، و قادته بالنسبة له قبل كل شئ هم أخوة و أصدقاء و خط أحمر، فأذكر جيدا اتصاله على و أنا في دار الأمة حيث كنت حضور في مؤتمر صحفي يديره سعادة اللواء فضل الله برمة ، و عندها تفننت في طرح الأسئلة عليه بلا قيود فإذا بجرس التلفون يضرب و اذا به والدي يتصل من فرنسا، يستنكر و يدين ما أسماه الاسلوب الساخن في طرح الأسئلة على السيد فضل الله برمة الذي كان صاحب صدر واسع رحب و تقبل ذلك بديمقراطية، لكن والدي استنكر ذلك قائلا أن الأسئلة فيها جانب استفزازي و ناري، و عندها ذكرته بأنه لطالما علمني فن محاصرة الشخص في الحوار و الأسئلة دون أن اترك له منفذ و لا مخرج و المناورة شمالاً يمينا، فرد على: نعم لكن هذا الأسلوب مع الظلمة الفجرة و ليس مع الكوكبة المستنيرة الوطنية التي قدمت ما قدمت للسودان، و عندها أصبح يردد هل تعرفيني من فضل الله برمه؟؟؟ أنت افتكرتيها عبدالواحد و لا مني؟ و اخذ يسرد لي في سيرته الذاتية و أنه رجل عفيف نزيه الي أن قلت له تمام وصلتني المعلومة.

و ما أن يذكر والدي الريادة النسائية في السودان حينها لآبد أن يذكر السيدة بخيته المهدي و آل بيتها و العلاقة المهنية التي جمعته بهم ثم تحولت إلى علاقة إجتماعية طيبة، يسرد لي أنه جمعته علاقة طيبة فقد كان من عرفه بهم هو السيد الدكتور شريف التهامي وزير الطاقة و التعدين و وزير الراي الأسبق و زوج السيدة فاطمة المهدي عمة السيد الصادق، بعد عمل صحفي إجراءه معه والدي بعدها تكونت علاقة إجتماعية طيبة،
و طلب منه أن إجراء عمل صحفي مع السيدة بخيته و كذلك محاورة عمدة الاسرة أحمد عبدالرحمن المهدي وزير الداخلية الأسبق و عم السيد الإمام و اخرين.

و عندما تأتي لحظات يكره فيها والدي الغربه و التغرب و الهجرة يقول لي أمي : يا ريت لو كنت سمعت كلام حاجة (x) لا أتذكر إسمها لكن أعرف أنها والدة السيدة بخيته، و هو يسرد لنا انه عند آخر لقاء له بهم اخبرهم بأنه مهاجر لأوروبا و عندها نصحته قائلة : مالك يا ولدى ماشي متغرب مخلي بلدك ليه ، الغربه قاسية ما في أحسن من البلد، و كانت تنصحه أن يراجع نفسه جيداً في هذا القرار.

و يذكر لنا في نفس الوقت السيدة حفية و هو يصفها بالطيبه و الكرم و الجود و حسن استقبال الضيوف فيحكي لنا أنه في ريعان شبابه و في عز نشاطه الصحفي و خبطاته الصحفيه حينها و يحكى لنا كيف إن الصحافة قصة عشق و هوى.
و عندما يذكر السيدة حفية يذكر السيد الباشمهندس صديق الصادق المهدي و حواره معهم في منزلهم، و كيف أن السيدة حفية استقبلته بحفاء و دعته لتناول الغداء، و يذكر لها انه عندما نسي بطاقته الصحفية كانت هى من ردتها له، كما انها كانت أول من اشتري أول طبعة لكتابه عن الإمام الصادق المهدي .

و عندما يذكر السيدة سارا يقول لنا هذه كانت فلته في نوعها جمعت بين الثقافة و السياسة و الأدب الاجتماعي، و كانت صاحبة كلمة سياسية و صوت مسموع، و تأثير قوى ،و لها اعتبارها في حزب الأمة و الكيان الأنصاري ،و يحكى لي والدى انها هي من كانت تعمل على تهريب أسئلته للسيد الصادق المهدي و هو في السجن ، و من ثم أصدر أول كتاب عن أمام الأنصار، أحدث ضجة عظيمة، و كان التلفزيون القومي يعلن عن الكتاب بصوت المذيعة الأيقونة ليلى المغربي.

و لكن لم يكن والدي الوحيد الذي حدثني عن السيدة سارا الفاضل بل كذلك السيد على محمود حسنين رحمة عليه رئيس الجبهة الوطنية العريضة و المحامي الضليع الذي أجريت معه سلسلة حوارات طويلة عريضة هاجم فيها السيد الإمام و نداء السودان ،فهو يعتبر من المعسكر المعاكس ، و في حواري معه لم يترك للإمام جنب يرقد عليه، و أنا عادة اترك لمن احاوره حرية التعبير و نقل حديثه دون تشويه حتى و أن اختلفت معه في الرأي.

لكن الغريب في الأمر مع قدحه للسيد الإمام إلا أنه مدح لي السيدة سارا الفاضل مديح مبالغ فيه، يعني عبر محبة فائقة، و قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر، مع العلم اني لم اذكرها له، و لم أطرح سؤال في هذا المحور بل كان الحوار عن الراهن السياسي أنذاك ، لكن وحده تحدث عنها و ختم حديثه قائلًا:" لولا سارا الفاضل لما كان الصادق" .

و من شدة إستعجابي من محبة السياسي على محمود حسنين رحمة الله عليه للسيدة سارا رحمة الله عليها و مدحه لها ، و في نفس الوقت بغضه لزوجها الإمام الصادق، قلت لوالدى من باب المزاح ، احتمال السيد على محمود حسنين زعله من الإمام ناتج عن إعجابه بسارا، احتمال يكون كان معجب بها سياسيا و فكريا و لكن سبقه السيد الصادق و طلب يدها، و من هنا نتج الصراع، و عندها استغرب والدي و قال لي : انتي جادة؟ قلت له يعني ما في حاجة ان يعجب شخص بشخص اخر فكريا و ثقافيا.
فكان رده لي : اكيد ما فيها حاجة، لكن الأنصار اصلا لا يسمحوا لنسائهم ان يتحدثوا مع احد، او أن يتحدث شخص معهم ، و حكى لي انه عندما كان يتردد على بيت ال الهادي و يجري سلسلة حواراته مع السيدة بخيته، و في ذات مرة بعد أن انتهى و كان خارج، طلع عليه واحد من ال بيتهم قدم له نفسه على أنه اخ زوجها ، و استوقفه و قال له: والله انت نعم الأخلاق، و نحن اصلا نسائنا لا نترك احد يتحدث معهن، و حتي يتعامل معهن لكن نحن كنا مراقبينك من اول يوم و راقبناك فترة، و عرفناك شخص متدين ، و على خلق لذلك أمناك و وثقنا فيك ، فشكره والدي على هذه الثقة و قال لي عندها أتت السيدة بخيته، و وصته بأنها تريده أن يقابل كذلك أخاها الصادق و يتواصل معه ، و قالت له قول:عندما تلتقيه قل له : انت من طرفنا و هو سوف يفهم.
و عندها أكد لي والدي أن التعامل مع النساء الأنصاريات ليس أمر سهل حتى و أن كان مهني لا يكون الا عن طريق الثقة القوية ، و بذلك ختم حديثه بأن تحليلي خاطئ 100٪ ليس هناك موضوع إعجاب و لا حاجة من السيد على محمود حسنين، و لكن كثير ممن تعاملوا مع السيدة سارا الفاضل يمدحونها حتى وان كانوا أعداء للإمام الصادق.

و الدليل على ذلك اني عندما كنت في مقر صحيفة صوت الأمة بدعوة من طاقهم الصحفي الذين أصروا على أن ازورهم ، و نحن في المكتب دخل علينا رجل يحمل ورقة في يده قائلًا : أن صحفية الجريدة رفضت نشر كلامه ،و عندما عرفنا بنفسه ظهر أنه قيادي في الحرية والتغيير، و كذلك في الحزب الاتحادي المعارض، و سابقا كان في الحزب الاتحادي الأصلي ، و أثناء شكره رئيس التحرير على تقبله النشر، قائلًا لنا: نختلف معكم في حزب الأمه لكن نشهد لكم بالديمقراطية.
و عندها بدا يتحدث لنا عن سارا الفاضل و أنهم عملوا سوياً في الحقل السياسي، و أنها كانت إمرأة حكيمة و سياسية بارعة، و سرد لنا انه عند وفاتها كتب صفحتين في نعيها حتى غضبوا منه في حزبه الاتحادي الأصل، و قالوا له أن ما قاله في سارا لم يقله و يكتبه في زوجة السيد الميرغني رئيس حزبه .

كذلك عندما كنت في إجتماعات نداء السودان، حكى لنا الفنان المبدع و السياسي الواعي في حزب البعث السوداني ضياء ، و خاله الفنان المعروف خضر بشير على ما اعتقد ، عندها سرد لنا انه عندما كان في زيارة للسيد عبدالرحمن الصادق المهدي الذي كان مسجون معه أنذاك في سجن كوبر و غرفة الأشباح على حد قوله ،ذكر أنذاك انه عندما سجل له زيارة في منزلهم، و السيدة سارا الفاضل جاءت و استقبلته و سلمت عليه، و علمت انه كان مسجون مع عبدالرحمن.
فعندما كان خارجا أعطته ظرف و أصرت عليه أن ياخذه، و يحكى لنا انه عند خروجه وجد فيه مبلغ كبير ساعده إلى حد بعيد بعد خروجه من المعتقل و تلك الأزمة التي مر بها.

أيضا عندما اصطحبتني السيدة سارة نقدالله لدارهم بود نوباوي حتى أسلم على الأسرة و أصرت أن أبيت معهم، و قابلوني بالطيبة و الكرم المعروف عن ال نقدالله، و اصالتهم الراسخة،و كنت حينها سعيدة بوجودي وسطهم، لأنهم أسرة سودانية اصيلة بمعني الكلمة، ومعهم لا تشعر بالغربة، و تحس أنك جزء لا يتجزأ منهم، و الأجمل من ذلك أنهم عائلة مثقفة سياسياً و فكرياً لذلك يطيب الحديث معهم.

وعندما تعرفت على الأخوات نقدالله ندمت اني لم اتي لهم من قبل حيث ان السيدة سارة نقدالله كلما كانت تجدني في دار الأمة و كذلك في الفعاليات تقول لي : عيب عليك نحنا منتظرينك يابت لازم تجي البيت، و انا للأسف وقتها كنت مشغولة كثيرا، و فترتي في السودان كانت قصيرة جدا، لكن في رحاب منارة ال نقدالله حيث العلم والثقافة و الأصالة وجدت نفسي وسط اهلي.

يتعاملون ببساطة و تواضع وطيبة فاعتبرت نفسي منهم و فيهم، عرفوني على الأسرة، و اعطوني فستان النوم، وحضرنا العشاء، و جلسنا نتسامر، و طاب لي المقام معهم لاني احب مجالسة ذوي العلم و المعرفة و الثقافة و الأهم من ذلك طيبة القلب و رحابة صدر ال نقدالله.

فكانت الأخوات نقدالله يحكون لي عن تاريخ السودان، و النضال ،و حال البلد في الماضي و الحاضر ،و حزب الأمة و نضاله و نشاطه و تركيبته،و الاهم من ذلك عندما تحدثنا عن المحور النسوي في السودان بصفة عامة و في حزب الأمة بصفة خاصةً و دور المرأة، وهنا كانت كل من الأخوات نقدالله تحكى لي عن السيدة سارا الفاضل و عن شخصيتها و عطائها في الجانب السياسي و الاجتماعي.

و يحضرني أن السيدة فاطمة نقدالله قالت لي: أنا متأثرة جدا بشخصية" أمنا سارا" ، مضيفة: لو كان في إمرأة في هذا العالم كاملة مكملة كانت سوف تكون هي سارا، و واصلت حديثها عن أن كيف كانت سارا تدير التعاملات بذكاء و حنكة سياسية.

و عندما تطرقت للجانب الشخصي قالت لي : السيدة سارا ما في شخص كان يهتم بالامام و و بأهم تفاصيل حياته مثلها، و تقول لي السيدة نقدالله "امنا سارا" حتى ملابس الإمام كانت تهتم بها بطريقة فائقة جدا و تريده أن يكون في أحسن مظهر دوماً، مشيرة إلى أن اي زوجة سودانية لو كانت كالسيدة سارا كان اي رجل سوداني سوف يشعر بنفسه ملك العالم.

ثم تواصل لنا السرد أن السيدة سارا كانت حريصة على الحزب، وعلى حماية الإمام عن طريق وعيها، وفكرها، و تقدمها فتقول لي انه عندما دعي الدكتور الترابي لتكفير السيد الإمام بسبب ماقاله من نقد في قوانين سبتمبر كانت هي الدرع الحصين له، فحتى وهي خارج البلاد في لندن حرصت على أن تضع النقاط على الحروف، و تحسم الأمر، فتولت الأمر بنفسها، و قامت باتخاذ إجراءات ادحضت عن طريقها مؤامرة الترابي و قطعت عليه الطريق.

الأخوات نقدالله و المرحومة سارا الفاضل هن أجمل لوحة نسوية تعكس جانب بسيط من الكوكبة النسائية السودانية العملاقة و هنالك آخريات لهن كامل احترامنا وتقديرنا و لكن لا يتيح لنا المجال هنا ذكرهن.

و تبقى المرأة السودانية رائدة على مر السنين و تخلدها صفحات التاريخ ، فهي دوما الزوجة الصالحة، و الام الحنونة، و الأخت السند، و الابنة البارة.

الا رحم الله السيدة سارا الفاضل و ادخلها فسيح جناته مع الشهداء والصديقين، و نسأل الله أن ينقها من الذنوب، والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
حفظ الله جميع امهاتنا و رحم الله منهن من فارقنا الحياة.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة