المأساة الوطنيّة: عندما يتزامن استقلال البلدان مع اغتصاب الأبدان

خديجة السويسي
souissikhadija66@gmail.com

2020 / 4 / 15

إنّ جرائم الاغتصاب التي طالما أثارت جدلا على كل المستويات لا يمكن اختزالها في ذاك الفعل العدواني الوحشي الذي يتخذ عنوانا جنسيا يمارس على أجساد النساء وإنما هي جريمة أكثر تعقيدا ولها من الأسباب الاجتماعية والتبريرات الأخلاقية الدينية والنفسية المبطنة ما يكسبها مشروعية لانتهاك جسد المرأة عنوة ومن خلال التعنيف، وكأن الأمر نوع من العقاب الجنسي الذي كان يعتمد قديما كأداة لتأديب النساء وإعادة ضبطهن في حال خروجهن عن القواعد العامة. ولعل شبكات التواصل الاجتماعي( ومنها الفايسبوك الذي أتاح للجميع الحق في التعبير والتعليق عما يجيش في عقولهم) قد كشفت المستور وأظهرت أن للمجرمين الذين يرتكبون هذه الفظاعة من اغتصاب وتعنيف وقتل في كثير من الحالات، جمهور يساندهم ويبرر سلوكهم ويلتمس لهم الأعذار من خلال "الوسم" الأخلاقوي والدعوة الصريحة لاستباحة أجساد النساء لا لجرم ارتكبنه سوى الخروج من منازلهن في إعادة إنتاج لما يحصل دائما مع قضايا الاغتصاب من تأثيم للضحية ولكن من أي منطلق ؟
يرتكز مبررو الاغتصاب أو لنقل معنفو المغتصبات الفايسبوكيون في تأثيمهم للنساء على التصورات النمطية لأدوار النساء والتي تقوم أساسا على فكرة جندرة الفضاءات فالفضاء العام بما هو فضاء ذكوري بامتياز يسمح للرجل بممارسة فحولته على الوافدات على هذا الفضاء. أمّا التمثلات الاجتماعية فإنّها توزع الفضاءات وفق الجندر: الخاص للنساء ليكن "ملكات في بيوت أزواجهن" والحال أن من تخرج عن هذا الإطار تعد ضالة وتستوجب التأديب.
وهذا التقسيم الجندري للفضاءات وجد في الحجر الصحي العام الإطار المعزز لإعادة تثبيته فالشوارع الفارغة والتي تخلو من الأمن تهيؤ البيئة اللازمة لإعادة الضبط الاجتماعي والذي يعد العنف في شموليته أحد آلياته. لذلك لا نستغرب التعليقات التي تبرر العنف المرتكب وتعيد إنتاجه بطريقة سيبرنية "تدخل ضمن محاولات إعادة تثبيت الحدود الجندرية ولهذا كانت تحمل لهجة حادة تعكس عداء لأجساد النساء وتحملهن مسؤولية ما يتعرضن له إما بسبب لباسهن أو بسبب خروجهن إلى الفضاء العام.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه التعليقات لم تكن موجهة إلى النساء وإنما للقوامين من رجال العائلة "تسيبوا نساكم" على سبيل المثال أي أن هذه التعليقات تستبطن أيضا دونية المرأة في مقارنة بعلوية الرجل الذي من المفروض أن يحدد لها طريقة لبسها والفضاءات التي يمكن أن ترتادها وكأننا بهؤلاء يوجهون رسالة للرجال مفادها أن على الرجل أن يستغل امتيازاته الذكورية ليمارس سلطة على النساء اللاتي يصنفن ضمن شبكة قوامته وإذا تنازل الرجل عن مهامه يتولى الآخرون لعب دوره الذي تخلى عنه.
ونلاحظ من ناحية أخرى أنّ التعاطي الأمني مع قضايا العنف الممارس ضد النساء يضعنا أمام حقيقة أنه وعلى عكس ما تدعيه سياسات الدولة فإن مناهضة العنف المسلط على النساء ليست من أولويات عمل المؤسسة الأمنية ولا تعمل الحكومة على توفير محيط أمن يضمن العيش المشترك في كنف الاحترام . فقد كان على الدولة أن تتخذ التدابير اللازمة لضمان أمن المواطنين والمواطنات خاصة ، وكان من الواجب على المسؤولين اتخاذ اجراءات خاصة في سياق الجائحة لفائدة النساء المعنفات ،وكان من الواجب أيضا التفاعل مع قضايا المغتصبات بطريقة أنجع وأسرع وإلا ستجد النساء أنفسهن أمام ثنائية الكورونا أو العنف بكل أشكاله.
وعلى عكس ما يدعيه البعض لسنا إزاء ممارسات فردية شاذة وإنما هي ممارسات لها امتدادها التاريخي والثقافي ومن هنا يمكن أن نتبين المنطق الذي ترتكز عليه محاولات شرعنة الاغتصاب وتبرير من قبل فئات من المجتمع وبتواطؤ من أجهزة الدولة وعلى رأسها الأمن وبغطاء ديني أخلاقوي شعبوي في أكثر الأحيان.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة