في زمن الكورونا: النّساء المُعنّفات خبر عابر في شريط إخباريّ عابر

صالحة حيوني

2020 / 4 / 16

في زمن الحجر الصحّيّ العامّ وبسبب وباء كورونا، يتزايد العنف المسلّط على الّنساء في كلّ أرجاء العالم .وفي تونس يتضاعف العدد أربع مرّات مقارنة بزمن ما قبل الحجر،فيصل عدد الحالات المبلّغ عنها إلى 446 حالة في أسبوعين فقط. ويتشابه الوضع في كلّ أرجاء العالم، إذ تبقى النّساء الحلقة الأضعف دائما. لكن، من عساه يكترث بعنف مسلّط على النّساء أمام موجة عنف كونيّة تُمارس على الإنسان نفسه من قِبل جائحة كبرى لا تستثني أحدا، كبارا وصغارا، نساء ورجالا ؟
بمثل هذا الخطاب يتمّ تمرير العنف المسلّط على النّساء، وتمرّ الأرقام في شريط إخباري ّعابر كهامش من هوامش العالم. وينسى النّاس أنّ تلك الأرقام تعكس حيوات ونفوسا حيّة تعيش الأمرّين: مرارة الحجر، ومرارة ملازمة المعتدي، إن كان زوجا أو من صلة الرّحم .وُيعوّم الإعلام العنف المُمارس على النّساء في ركام من أخبار الجائحة ، فيبدو بلا معنى. والحال أنّه أحد لوازمها ذلك أنّه في أوقات الأوبئة والحروب والمجاعات يبدو العالم بلا تشريعات ولا ضوابط و يصبح الانفلات سهلا في ظلّ وضع يجهَد فيه النّاس ليحيوا. ويتحوّل العنف المنزليّ إلى " سفاسف" يُغرقها وابل الأخبار فننتقل من العنف إلى التطبيع مع العنف وتضعف سلطة الرّدع والمحاسبة فتضيع حقوق النّاس أو تكاد. ومع ذلك يقتضي الإنصاف القول إن ّالجائحة ليست سبب العنف ولكنّها سبب في تفاقمه. فالّنّساء المعنّفات، غالبا ما مورس عليهنّ الإيذاء مرارا. لكن الجديد هو أنّ ظروف الحجر الصّحيّ وملازمة البيت تُنعش هذا الوضع لأنّ الحجر يخلخل نسقا اجتماعيّا مألوفا .
ففي مجتمع يقوم على التّمييز الجندريّ، يتوزّع الفضاء وفق ذلك التّمييز إلى عامّ وخاصّ ، إلى خارج وداخل، في ترسيم حدّي ّ يحوز فيه الرّجال على الفضاءات العامّة ويكون نصيب النّساء الفضاء الخاصّ. ،فيشكّل البيت باعتباره " إطارهنّ الطبيعي ّ" الدائم الذي لا يلبثن أن يعدن إليه بمجرّد إنهاء أدوارهنّ خارجه.وفي الوقت الذي يمارس فيه الرّجال إيقاعهم الحياتيّ خارجا نهارا، وطرفا من اللّيل، تفعل النّساء ذلك في بيوتهنّ خضوعا للأدوار الاجتماعية الموكلة إليهنّ والتي ربطت وجودهنّ بالبيت وإن زاولن مهامّا أخرى. ولكن تُغيّر الجائحة هذا الإيقاع الحياتيّ فتزجّ بالجميع قسرا في الفضاء الداّخليّ، حيث اعتادت النّساء ممارسة الهيمنة، وحيث يجد الرّجال أنفسهم وقد فقدوا ركحهم الخارجيّ الذي ألفوه ومارسوا فيه طقوسهم مرارا . فيشعرون باغتراب، قد يتأقلم بعضهم، وقد لا يتأقلم آخرون.ولا يشكّل البيت بديلا للرّكح المفقود ذلك أنّه أقلّ شأنا. فالبيت ومهامّ البيت شأن النّساء ولا دخل للرّجال فيه، هكذا بُنيت الأدوار.ويشعر الرّجال بفقدان الدّور الذي ألفوه ويبدأ الانزعاج والرّغبة في إيجاد دور،ويبدأ النّزاع الذي ينتهي غالبا بالعنف. وهو عنف الضّغط الّنفسيّ نتيجة البحث عن موقع، وعنف الجائحة التي تزجّ بالوجود الإنساني ّ بأسره في مناطق حرجة. وتجد الّنساء أنفسهن ّ وقد مورس عليهن ّ العنفان.
إن ّ انحسار المعيش في الفضاء الدّاخليّ ، يرفع نسب الضغط النفسيّ والغضب والانزعاج عند الرّجال خاصّة وتصبح حياة النّساء بمثابة العيش مع العدوّ. ومع ذلك فإن ّ حميمية الفضاء الخاصّ تجعل العنف غير مرئيّ لكنّه موجود وأثره ماثل في أجساد الضّحايا . وأحيانا يصبح أشدّ عندما تتداخل مع الضغط النفسيّ عوامل أخرى كالطّبقة والّثقافة من قبيل نقص المعيشة وفقدان الشّغل والميول العدوانيّة والإجرام والجهل. وهي عوامل تزيد في منسوب العنف وتجعل الضّحيّة أكثر هشاشة عندما يُسلّط عليها كلّ ذلك معا.
إنّ الاعتقاد بتساوي النّاس وتساوي المعتدي والمعتدى عليها في هذه الّلحظة الحرجة بتعلّة أنّ المصاب إنسانيّ لا جندر فيه، هو اعتقاد واهم وإن وحّدهما الوقوع تحت نفس الجائحة.ففي لحظة حرجة من هذا الوجود الإنساني الذي يحتاج فيه الجميع إلى دعم نفسيّ، تقف النّساء المعّنفات في العراء، وتزداد حاجتهن إلى الإنصاف، وحدود الإنصاف الدنيا ألا ّ يكون تعنيفهنّ خبرا عارضا بلا معنى.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة