- النرجسية والثقافة الذكورية في العقل العراقي ودور المرأة : نظرة نقدية-

ياسمين جواد الطريحي
alturrihi@hotmail.com

2020 / 5 / 4

الشخصية النرجسية شخصية هشة في باطنها ، تتسم بعدم الشجاعة ولا تشعر بالثقة في ذاتها ولديها مخاوف كامنة من مواجهة الآخر . فهي شخصية هجومية لاتتقبل اي نقد حتى وان كان عفويا وبناءا ، لان النقد بحد ذاته ماهو الا دليل على ان هناك نقص ما في الشخصية و فرضية التغيير أو الحد منها . تحاول الشخصية النرجسية التقليل من اهمية الرأي الاخر والعمل على اسقاطه ومهاجمته بمناسبة او من دون.
النرجسية داء إجتماعي عقيم ولا يستطيع العلم غالبا في التغلب على هذه الخاصية ( وخاصة في مجتمعنا العراقي ) لاسباب مختلفة ومنها العقل القبلي الحاد في التعامل في العلاقات الإنسانية والفكرية. لكن يمكن التقليل من حدة هذه الشخصية النرجسية فتصبح حينها استثناء وليس القاعدة كما هي في المجتمعات المتقدمة ديمقراطيا واجتماعيا. هذه الشخصية ان وجدت تؤدي الى التباعد والانعزال والنزاعات خاصة في العلاقات الإسرية اذا كان احد الابوين يتميز بها او احد الإبناء وكذلك في العلاقات العامة .
النرجسي يحتاج دائما الى من يغذي شخصيته كبداية كالأم أو الأب أو الجد أو الجدة أو صديق حميم باستخدام اسلوب المجاملة أو أعطاء الصفات العظيمة بمناسبة او من دون فيصبح قريبا منهم . وصفات العظمة تعطى للذكر أكثر مما تعطى للانثى بسبب ذكورية الثقافة السائدة وعنصرية المجتمع ضد جنس المرأة . اما الاشخاص الذين يشعر منهم النرجسي بالخطروهو خطر وهمي في كثير من الحالات يحاول النرجسي ان يلجأ إلى اسلوب التسقيط المتعمد . والامثلة على ذلك موجودة في العلاقات الإسرية وخاصة إذا وجد احد افراد الاسرة يقوم بجهد ايجابي ويشاد به ، فيقوم الشخص النرجسي بإيجاد اقل العيوب واسقاطه مهما كانت صغيرة.
الشخصية النرجسية تتواجد في المجتمعات الى تقلل من شأن الإنسان ولا تعطي له اهمية ، خاصة في المجتمعات التى لازالت علاقاتها الإنسانية تتحكم بها القبلية والذكورية . نلاحظ أن الشخص المصاب بالنرجسية كثير التحدث بشخص الآنا والرمز الى ذاته والفخر بما يقوم به . كتعدد القاب شهادته او كتاباته او تجاربه أو المعارف الذين ينتقيهم من الشخصيات الكبيرة المؤثرة حتى تبرز شخصيته فوق الجميع. ويقال ان هذا الشخص يتباهى أو انه مغرور ومتكبر .
الشخصية النرجسية تظهر بين ذوي التعليم البسيط غالبا ومن طبقة إجتماعية ذات المستوى المعاشي البسيط أو من طبقة إجتماعية عليا وذي شهادة لايحسد عليها حينها يكون السبب في عقدة او علة نفسية تنشا لدى الإنسان في طفولته نتيجة لشعوره بالنقص في مرحلة من مراحل نضوجه العقلي والعاطفي لإختلاف المعاملة في داخل الإسرة . فالمعاملة الإسرية اساس المشكلة غالبا ، وتستمر في مراحل حياته الى ابعد الحدود . وهي اي النرجسية تظهر لدى الذكور اكثر مما هي لدى الإناث. لإن الثقافة الذكورية في عقل الإنسلن كما قلنا في المقدمة غالبا تعطي للطفل الذكر صفات العظمة والفخر حينها نقول في العامية "هذا طفل مدلل" أو استثناء حين تخصص الفتاة بصفات التفضيل على اخواتها بأن "هذه طفلة مدلللة".
النرجسية وباء اجتماعي تتوارثه الإجيال ، وبالإمكان معالجته بشكل يتناسب مع مشروع بناء فكرة تأسيس لدولة مدنية حضارية يقام فيها العدل الإجتماعي والمساوة في المواطنة امام القانون . النرجسية صفة إجتماعية في الإنسان اذا لم تعالج تتطور وتصبح مصدرا لكثير من الكوارث السياسية والاجتماعية والعلاقات الإنسانية ، خاصة إذا وجد النرجسي البيئة الخاصة التى تساعد على إحتضانه وتوفرعوامل ظهوره وصعوده في الإسرة والمجتمع أو في السلطة . لتتطورهذه الشخصية من إنسان عادي الى شخص يبني من حوله سياج الشهرة الذاتية التى لاتقبل الشك والإنتقاد، (أي الشخصية المهمة حسب مفهومه الذاتي ) .
النرجسية تظهرغالبا في المجتمعات التى تغيب فيها المبادئ الإنسانية كأساس للعدل والمساواة في المواطنة . ويتصف بها ذوي التعليم البسيط ، او ذوي الشهادة وهي الغالبة عند الذكور عما هي عند الإناث .
استنادا الى ماذكرنا سابقا من صفات النرجسي التي ممكن تعريفها بعدة اوجه لانها متعددة ومتباينة باختلاف الظروف والمناسبات . ولها تعريفات كثيرة في علم الاجتماع الذي يعالج كما هائلا من المشاكل الإجتماعية ويعمل على ايجاد الاصلاحات لها.
ولاتبرز هذه النرجسية أوتكون واضحة المعالم الا حين حصول موقف ما او حدث معين او اخذ قرار مصيري. كما هو الحاصل في القرارات السياسية الفردية الى يتخذها الحاكم والضغط بشدة على الشعب لقبولها حتى ولو على مضض ومن دون اقتناع . وامثلة على هذه كثيرة في تاريخ المجتمع العربي والمجتمع الغربي واللاتيني والاسيوي وعلى مدى العصور والازمنة .
أن فشل الحاكم الذي يمسك بزمام السلطة في الإهتمام بالتطور العقلي والثقافي الإجتماعي للعقل الإنساني يؤدي الى استمرار هذه النرجسية عند الإنسان . لذلك نجد ان اي ملك او رئيس قد حكم العراق على على مدى العقود الماضية ان لم تكن قرونأ ، هو انسان قبلي التربية والعقلية وان كان يحمل شهادة تعليم بسيطة او عالية أو عسكري النزعة ، هولايؤمن بالتطور الإجتماعي ، وخاصة اذا ماتعلق الموضوع بقضية المساواة في المواطنة واهمية العدالة الإجتماعية وإنصاف المرأة وتوعيتها وليس التعليم لوحده . فهوقد نشأ نشأة قبلية في مجتمع لا يهتم بالركائز التى تدفع العقل الى التطورالثقافي والاجتماعي والتقدم كما هي في الدول الحديثة. فكيف يستطيع ان يحققها وان كان لديه قوة الثروة والسلاح . والمثل الذي يردد دائما وهو " فاقد الشئ لا يعطيه"
هذه الخاصية وخاصة اذا كان رئيس دولة او في مكانة عليا ، جاءت بكوارث سياسية على مدى العقود والقرون الماضية ، وامكانية تكرارها واردة ، اذا لم يكن لدى هذا الحاكم التربية الثقافية العقلانية والمسؤولة عن التطوير. فالاشخاص الذين قاموا بقيادة دول وامتلكوا السلطة والمال والسلاح وتتغلب النرجسية في قراراتهم ، يتدرج الحكم الى حكما استبداديا أو ديكتاتوريا سوى ان كان بوعي ام لا. وهنا جاءت ظاهرة الإنتهازية الشرسة في مجتمعنا العراقي وسنبحثها في مقالة اخرى . ولا تعير الشخصية النرجسية الحاكمة لضياع الوطن ولا الى اي خسارة بشرية او مادية للدولة ولاللإرواح التى تذهب ولا تراجع عن الخطأ او الاعتراف به ولا الاعتذار عنه. وهذا مايسمى بالعرف القبلي " عدم خسارة ماء الوجه أمام الاخر أو الإعتراف بالهزيمة لإنه من شأنه ان يجلب "العار له ولعشيرته". ونرى هنا أمثلة كثيرة في رفض الإنسان العراقي الاعتراف بالخطأ أو الاعتذار ويضع اللوم على الآخر. وتبقى شخصية النرجسي لا تتحدث الا عن الآنا .
فقبلية وعشائرية العقل والثقافة الذكورية وإنعدام العدالة الإجتماعية والمساواة أمام القانون وتغلب العاطفة على العقل تدعم الطبع النرجسي لدى الإنسان فتنتج ظواهر إجتماعية سلبية كالتعنت بالرأي والتفاخر واستخدام الفاظ القذف والتشهيرحين المواجهة لإسكات الطرف الآخر .
بالمقابل نرى أن الشخصية النرجسية في مجتمعات الدولة المدنية الحديثة قد تلاشت شيئا فشيئا ، بواسطة التعليم والوعي الهادف التى هي الاداة الجوهرية والإساسية في نشر مبادئ العدالة الاجتماعية ولو نسبيا وتحقيق المساواة امام القانون. وقد لعب دور مساواة وتعليم وثقافة المرأة بأعتبارها إنسانة دورا حيويا وفاصلا في تقدم هذه المجتمعات الى درجة من التقدم في العلم والثقافة. من خلال المرأة وثقافتها ومعاملتها كأنسانة لها حقوقها وقوانينها . وغابت ظاهرة " الآنا" والنرجسية عموما وخاصة بين افراد المجتمع وإن وجدت فهي استثناء ولا يتقبلها المجتمع بشكل عام . فالتباهي والافتخار بالذات هي من المعايير السلبية التى هي من مؤشرات التخلف في الثقافة العامة . أحدى إيجابيات هذه المجتمعات الإجتماعية وهي متعددة هو إختفاء الإلقاب . ويسمى الشخص باسمه ويحترم من دون تزيين أو تزييف او تبجيل او تعظيم وغياب الكرسي المطرز بالذهب الذي يجلس عليه الحاكم العربي أو المسؤول العراقي . الاهم من كل ذلك هو الفكر الذي يحمله والاحترام المتبادل.
هذه هي معايرتقدم المجتمع في الدولة الحديثة وليس معايير الآنا والنرجسية التي لازال مجتمعنا يعاني منها وخاصة كل فرد يفرض نفسه على الآخر وفقدان وحدة ابناء الوطن الواحد . فنرى ان اغلب النقاشات بين ذوي الشهادات والخبرة تلجأ الى اسلوب شخصنة النقاش وتسقيط الإنسان وإهانته وعدم الاعتراف بالخطأ أو الإعتذارمنه أو منها وخاصة اذا كانت المتحدثة امراءة. وغالبا مايستخدم اسلوب الطعن والسب والقذف بالشخصية النسوية ولصقها بمعايير الشرف وماشابه ، مما تؤدي الى عرقلة النقاش وانسحاب المثقف وانعزاله عن آلية التفاهم والإحترام.
هذه اغلبها مساؤى اجتماعية توارثتها أجيالنا العراقية ومن من جيل الى جيل ، وتعاني منها المجتمعات التى لظروف تاريخية عديدة يسودها التخلف السياسي وعدم الإستقرار والإمن الإجتماعي والذكورية المتطرفة ضد المرأة.
أن العلاج الإمثل للنرجسية هو بتوعية الاجيال الشابة وتداركها قدر الإمكان منذ الطفولة والعمل على التقليل منها . وهنا ياتي دور المرأة الأم الإساس في ان تلعب دورها التربوي الهام في نشاة وحياة الطفل . فتوعية المرأة والأم هي من اساسيات واوليات التطور الإجتماعي المطلوب في اغلب المجتمعات التى تتبنى مشروع بناء الدولة الحديثة . وذلك عن طريق إنشاء مراكز تأهيل إجتماعية مع مراكز توعية المرأة بخلاف السن والتعليم (التوعية ثقافة ) يقوم بها ذوي الخبرات الإجتماعية لوضع حد لهذه الظاهرة وإبرازها وتشخيص سلبياتها وآثارها على الفرد وعلى المجتمع وعلى القرارات المهمة الأسرية والسياسية والإجتماعية. فالأصلاح الثقافي للإنسانة المرأة هو أحد وأهم الاصلاحات التى يقوم بها المجتمع متلازما مع بناء البنية التحتية التى يستطيع من خلالها الإنسان أن يتقدم اشواطا كبيرة نحو الحرية والمساواة في الإنسانية والديمقراطية الحقيقية التى هي طموح الإنسان العاقل.



https://www.c-we.org
مركز مساواة المرأة